رواية أحاديث جانبية[i] لرياض خليف[ii] نصّ مُفعمٌ بدلالات اجتماعيّة وسياسيّة وحضاريّة تكشف بشكل واضح ملامح التّغيرات التي ألمّت بالمُجتمع التوّنسي بعد الثّورة .وهو ما يجعل من الرّواية مرآة عاكسة لهذه الأحداث تُبرز بعض النّماذج الاجتماعيّة ما بعد الثورة تتصدّر المشهد الإعلامي والسّياسي . ولعلّه من الطّريف في هذا النّص رغم ملامحه المرجعيّة الواضحة توسّل صاحبه التّجريب باعتماد الميتاسردي .إذ يبني النّص فضاءاته وعوالمه الدّاخليّة مأسُورا بحضُوره الذّاتي. فيُردّدُ صَدَى الكِتَابَة وَعَنَاصِر التّأليف ليُبيّن أنّه نصٌّ قَادِرٌ على الجمع بين أنماط كتابيّة مُختلفة دُون أنْ يفقدَ انسجامَه الدّاخليّ.
قراءة في العنوان :
أحاديث جانبيّة هو عنوان النّص ." فالعنوان للكتاب كالإسم للشّيء ، به يُعرَفُ وبفضله ِيُتداولُ ، يُشارُ به إليه ، ويدُلّ به عليه ، يحملُ وسم كتابهِ ، وفي نفس الوقت يسمه العنوان – بإيجاز يناسبُ البداية – علامة ليست من الكتاب جُعلت له ، لكي تدُلّ عليه " [iii] .وقد ورد مركّبا نعتيّا وجاء في اللّسان " الحديث: الخَبَرُ يأْتي على القليل الكثير،والجمع: أَحاديثُ، كقطيع وأَقاطِيعَ،" يُحيل على نشاط شفوي موصول بنصُوص ذاع صيتها في الأدب والسّيرة بدْءا بأحاديث الرّسُول من قبيل " جامع الأصول في أحاديث الرّسول" لابن كثير و حديث عيسى بن هشام للمويلحي إلى حدث أبو هريرة قال للمسعدي وحديث الصباح والمساء لمحفوظ وغيرها وهو ما يسم النّص بحوارية مخصبة تشُد النّص إلى نُصُوص سابقة وتتقاطع معها. ولكنّها تنفصلُ عنها في آن.
و جاء القسم الثّاني من العنوان "جانبية" نعتا لأحاديث الواردة في إحالة على الهامشي والجانبي و "الجنبُ والجَنَبةُ والجانِبُ: شِقُّ الإِنْسانِ وغيره. تقول: قعَدْتُ إِلى جَنْب فُلان وإِلى جانِبه، بمعنى، والجمع جُنُوبٌ وجَوانِبُ وجَنائبُ، (اللسان) .وكل حديث جانبي هو حديث غير أساسي أو خارج عن الموضوع الأصلي صادر عن غير عناية بالجوهر غير أن العنوان يسمحُ بإمكانيات أخرى مختلفة للقراءة والتّأويل. فجانبيّة يمكنُ أن تكُون نعتا لمكان الأحاديث عادة ما تكون في شكل مسارّة وأَسَرَّ إِليه حديثاً أي قاله في خفاء .وهو ما يجعلُ العنوان مُخاتلا فما مضمُون هذه الأحاديث ؟ وما مصدرها ؟ ومن قائلها ؟ ومن متقبّلها ؟ هل هي أحاديث جانبية تُشبه النّميمة ؟ أهي جانبية لأنّها في غير السّائد والمألوف ؟ أم هي جانبية لأنّها قيلت " على جْنب " بلهجتنا التُّونسية الدَّارجة أي في غفلة من الحاضرين. فهي سرّية خاصة ولا يعرفها الكثيرون. وهي كذلك لأن الكاتب خصّها بنا دون غيرنا .فمنذ العنوان تنفتح شوارع من المعنى وأسئلة لا تُحد ؟
ما يصلُ النّص بالهامش مفهُوما مركزيّا و " صوغ مفهُوم الهامش الذي كفّ على أن يكُون هامشا ،وذلك عبر تكثيف دوره البنائي ليتّصل بمعان جديدة فــ "الهمشة الكلامُ والحركة ، وهَمَشَ و هَمِشَ القوم فهم يهمشُون ويهمِشُون وتهامشوا .امرأة هَمَشَى الحديث بالتّحريك ، تُكثرُ الكلام وتُجلّبُ ، ...وكذلك الجراد إذا كان في وعاء فغلى بعضُهُ في بعضٍ وسمعت لهُ حركة تقُولُ لهُ همشةٌ في الوعاء .ويقال : إنّ البراغيث لتهتمشُ تحت جنبي فتُؤذيني باهتماشها . ابن الأعرابي : والهمْشُ والهَمَشُ كثرةُ الكلام والخَطَلُ في غير صواب وأنشد : وهمِشوا بكَلمٍ غيرَ حسنٍ (اللسان مادة همش) .وهو ما يفتح العنوان على المعاني المتنوعة الموصولة بالكلام الكثير في علاقة متينة بالــــ( أحاديث ) والحركة وغيرها من الدلالات.
يظمُّ النّص كذلك عدة نصوص داخلية إضافة إلى العنوان الرئيسي والمقدمة التي وسمها صاحبها بعنوان فيض من غيض.
الإهداء :
ليس الإهداءُ في النَّص مُجرَّد تقليدٍ عريقٍ ظلَّ يطَّرِدُ مُنذُ بِدايةِ عَصْرِ الكِتاَبَةِ والتّأليفِ وإنَّما يحملُ الإهداءُ خاصِّيةً تُمّيزُهُ عنْ بَقِيّةِ المتنِ باعتبارِهِ يحتلُّ مَكَانةً مُمَيِّزَة في العملِ . فيحضُرُ من حيث ُ المكان الذي يشغلُه ُ في الصَّفحَة الثَّانِيَة إثْرَ صفْحَةِ العنوان مُباشَرَةً وهذَا المكانُ المخصُوصُ ، إنّما يكشفُ مكانةَ الإهداءِ وأهمٍّيته أمّا زمان ظُهور الإهداء فيرتبطُ عادة بالطّبعةِ الأولى الأساسيّة للأثر مع إمكانيّةِ تغييرِ الكاتبِ واستدراكه في طبعاتٍ لاحقة [iv] . فالإهداءُ من النُّصُوصِ المُوازيةِ أو المُصاحِبَةِ التِي لا تخلُو دراستُها من جماليّةٍ ووظيفيةٍ يُمكنُ أن تُساهِمَ في إنارة النّصّ وما تعتَّمَ مِنْ مضَامينِهِ ." الإهداءُ هوّ أحد الأمكنة الطّريفة للنّص المُوازي التي لا تخلو من" أسرارٍ" تضئُ النّظامَ والتّقاليدَ الثّقافيينِ لمرحلةٍ تاريخيّةٍ مُحدّدةٍ ، فيما تعضُدُ حُضورَ النّص وتؤمِّنُ تداوليّتهُ ،أسرارٍ تُصبحُ مُضاعفة عندما تتعلّق بتحوّلات الإهداء ذاته في علاقته بمحافله الثّقافيّة "[v] وجاء الإهداء كالآتي :
إلى أصدقاء لم يسقطوا بعد
يهدي الكاتب- والإهداء فضاء مخصوص بالمؤلّف - إلى كل أصدقائه معتمدا الاسم النكرة أصدقاء ويستثني مَنْ سقطوا في إشارة إلى سُقُوط البعض ممَّا كان يعُدُّهم من أصدقائه .فمنذ البدء يوجّه الكاتب لوما وعتابا بل اتهاما إلى بعض الأصدقاء الذين سقطوا سُقوطا أخلاقيّا .وهو ما يفتحُ نص الإهداء على المتن ويطرح جُملة من الأسئلة .من هم هؤلاء الأصدقاء ؟ وفيم كان سُقوطهم ؟ وعلام أسقطهم الكاتب من قائمة الإهداء ؟
فمن معاني السُّقوط الدّناءة والرّذالة في إشارة واضحة لانخرام منظُومة القيم وتحوّل بعض الأصدقاء من الصّداقة والودّ والمحبّة والاعتماديّة المُتبادلة إلى مفهُوم مُخالف تماما موصول بمعاني الخداع والخبث، مشيرا إلى وقوعهم ليس في المكان وإنّما في المكانة . وجاء في العُباب الزّاخر والمرأةُ السقيْطة:الدّنيئةُ. وقال ابن دريدٍ: سُقاطة كل شيءٍ -بالضم-:رذالتهُ.وسُقاطُ النخْلِ: ما سقطَ منه.
من بين أهم وظائف هذا الإهداء أنه موصول بلحظةٍ حميميةٍ ، تكشفُ البُعد الانفعاليّ العاطفيّ للكاتبِ الذي يُعلنُ أن هذا الجُهدَ العقليَّ الذي تُرجِمَ في شكلِ كِتَابٍ يُهدى إلى (..) . هُو تعبيرٌ عن الامتنانِ وإفصاحٌ عن درجةِ الود ِّالتي ترْبطُ المُهدِي بالمُهدَى إليه (dédicataire). باعتبارهِ إهداءً شخصيًّا يكشِفُ العلاقةَ التي تربِطُ الكاتبَ ببعْضِ الأشخاصِ وخاصّة الأصدقاء الذين بقُوا ضمن القائمة ولم يشملهم السقوط . وهو ما وسمه ج جينات في عتبات في قسم إهداء الكتاب بـ الاهداء الخاصّ كاشفا طبيعته الحميميّة والعاطفيّة ووظيفته التّداوليّة [vi] .
التصدير :
ليس التّصدير في أحاديث جانبيّة مُجَرّد نصّ صغير يتصدّر الكتاب وإنّما وجدنا الكاتب قد وشّح الفصُول الدّاخلية للرواية بتصديرات بيْن الحُضُور والغياب فيحضر في بعض الفصُول ويَغِيبُ في أخرى .
ففضاء التصدير يُحيل على الآخر غربياّ كان أو عربيّا شعرا أو نثرا .ذلك أنّ التّصدير يرتبط بظاهرة التناصّ ارتباطا وثيقا فــــــ" التّصدير بقدرما يُعزِّزُ النّص ويُخرجُه من عُزلته ويُضفي عليه ديناميَّة وأبعادا جديدة ، يحملُنَا إلى النّص الأصل وكيفيّة هجرته من سياقه إلى سياق جديد وزمنيّة مُختلفة .وما من شكّ أنّ هُنالك دوافع تجعلُ المؤلّف ينتقي شاهدا بعينه ويصلهُ بعالمه ،فالانتقاء في حدّ ذاته يعكسُ رؤية وموقفا فكريّا وجماليّا تشي به عمليّة الاختيار ، اختيار شواهد دون غيرها .وهي عملية صعبة فيها ما في الكتابة من عنت ، وألم واستحضار ،وإرهاف السّمع إلى خطابات تستجيب للنّص وتتفاعل معه ، وتُحَاورُه بطريقة صريحة ـوخفيّة ،وبهذا فإنّ النّص يُحيلنا على الآخر الذي يسكُنُ الذّات ويجعلُها تنفتحُ على الوجُود المُشترك وعلى النُّصوص التي تُحيط بها وتُحاصرها. بل إنّ التصدير يفترضُ وُجود عناصر مُختلفة ، ونعني به صاحب التصدير (Epigraphé) ومرسله (Epigrapheur) ومتلقّيه (Epigraphaire) وهي وإن تعدّدت تظلّ تنسجُ حوارا في ما بينها ." [vii]
التصدير الأول :
أحبك يا شعب تونس الذي امتحنك الدّهر وامتحنته .
الشّهيد فرحات حشاد .
هو قول مسند للزّعيم السياسي والمناضل النقابي الشهيد فرحات حشّاد الذي اغتيل في 5ديسمبر 1952 لأنه رفض المساومة والخضوع أمام تعنت المستعمر الفرنسي. الذي أصدر الأوامر بقتله ونفذت منظمة اليد الحمراء الاغتيال الشهير .وهو من مؤسّسي الاتّحاد العام التونسي للشغل ( اتحاد نقابات تونس 1946) اكتسب مكانة مركزيّة أهّلته لقيادة العُمال في تحركاتهم الاحتجاجيّة وقيادة المُقاومة .فأصبح يمثل خطرا كبيرا على الوجود الفرنسي في البلاد التونسية مما أهله ليكون زعيم الحركة الوطنية بلا منازع و ملهما للمقاومة حتى بعد وفاته غيلة وغدرا .
وتصدير الرّواية بهذا النّص يشدها إلى فضاءات المقاومة والإصرار والفناء في حبّ الوطن لتنشأ علاقات وتقاطعات بين الدّاخل النص والخارج النّصي في حركة ذهاب وإياب لا تكتمل إلا بقراءة النّص المُحايث .التصدير الثاني :
يامالك الثوّار أنا أبكي بالقلب لأنّ الثورة يزنى فيها والقلب تموت أمانيه.
مظفر النواب .
إذا كان صاحب التّصدير الأوّل مناضل نقابي و سياسي دفع حياته ثمنا لإخلاصه للوطن وإيمانه بصدق قضيته. فإنّ النّص الثّاني لشاعر سياسي كذلك عُرف بنُصوصه المُقاومة للظُّلم والقهر والديكتاتورية المقيتة انتشرت أعماله وذاع صيتها في الفضاءات الجامعيّة ومثّلت قصائدُه في الكثير من الأحيان شعارات وعناوين تبنّاها الطّلبة وخاصّة من كانت لهم ميُول يساريّة ولم تخلُ الحركة الطّلابية في تُونس من احتفاء بهذا الشّاعر فقد كانت تهرب قصائده ونصُوصه سواء السّمعية أو المكتُوبة مثلما تُهرّب المناشير وكل ما من شأنه أن يُمثل خطرا على الأنظمة الحاكمة في تلك الفترة . عرف بمعارضته الشرسة للنظام السياسي الحاكم في العراق إبان اشتداد الأزمة بين القوميين والشُّيوعيين .
وقد خبر السُّجون والمُعتقلات واضطرّ لمُغَادَرَة العراق والحَيَاة في عواصم عربيّة مُختلفة من قَبيل بيرُوت ودمشق وبعض العواصم الأوربية .عُرف بشعره القوي وبإلقائه المُميز وبانتصاره للقضيَّة الفلسطينيَّة وكُل قضايا التَّحرر ودُعاة الدّيمقراطيّة .
أمّا موضُوع التّصدير ففيه تعبيرٌ عن حُزن وانكسار موصُول بخيبىة أمل في الثّورة وموت الأماني .تحوَّلت الثَّورة إلى مُومس يزنى بها في إحالة واضحة لما يُمكن أن نَصفه بفشل المسار الثوري وعودة المعسكر القديم إلى الواجهة بعد أن مرّت " العاصفة ".
باعتبار الرواية تسريدا للأوضاع التونسية ما بعد الثورة فقد صدّرها المؤلف بهذا النّص ليُحيل على ما وصلت إليه الأوضاع من خيبات وانكسارات حوّلت "الثورة ّ إلى عباءة مُمزقة يلبسها الطامعين والوصوليين لتحقيق مآرب شخصيّة غير أن العباءة عباءة الثورة مُمزّقة لا تستُر عورة ولا تُغطي عيوبا .ما يجعل العلاقة بين التّصدير والنّص علاقة متينة وقويّة تختزلُ النّص المتن وتَشي به .هذا إذا أضفنا صُورة الشّاعر مظفّر النّواب وما يمكن أن يُحيل حضوره من أفكار ودلالات موصُولة بالخيبات والآلام .
تصدير الفصول والعناوين الداخلية.
لم يكتف المُؤلِّف بتصدير الرّواية بنص واحد وإنّما عمد إلى عنونة بعض الفُصُول ووسم البعض منها بتصديرات
عُنونتْ الرّواية بإحدى عشْرة فصلا وردت كالتّالي:
- 1: سكاكين / 2: قيل وقال / 3 : قرأتـها يا رياض /4: أوراق ينكرها عفيف / 5: نادية الشّرقي / 6 : هل كان عثمان وهما ؟/ 7: دبّ الصحراء / 8: وفيقة بنت عياد تروي حكايتها / 9: من أوراق همام السمرقندي / 10: عودة دب الصحراء / 11: صيد في المياه العكرة ...
إلاّ أنّ التّصدير اتّسم بثنائية الحُضور والغياب في الفصول الدّاخلية فقد حضر التّصدير في الفصُول التالية ويمكن أن نضع هذا الجدول للتّوضيح .
الفصل |
العنوان |
التصدير |
صاحبه |
|
1 |
سكاكين |
اجعل من صبرك جسرا / ابحث في الطين عن الطين / ياعاشق إن الأيام / وإن لاحت ساكنة .فإن الفهم بهذي الأيام سكاكين |
مظفر النواب |
|
2 |
قيل وقال |
زمن الهدهد المخصيّ كاتبه وحاجبه ذبابة .....تحيا الكتابة تحيا الرقابة |
معين بسيسو |
|
3 |
قرأتـها يارياض |
سمع علالة أصواتها .....يحيا الجيش |
علالة الزّيني/ رياض خليف |
|
4 |
أوراق ينكرها عفيف |
وطني المعروض .....أولئك أعداؤك يا وطني. |
مظفر النواب |
|
5 |
نادية الشّرقي. |
عبد الواحد دفعة واحدة .......أفعلتها يا عبد الواحد ودست على شرفنا وكرامتنا . |
علالة الزيني رياض خليف |
|
6 |
هل كان عثمان وهما ؟ |
غياب التصدير |
||
7 |
دبّ الصحراء |
غياب التصدير |
||
8 |
وفيقة بنت عياد تروي حكايتها. |
شبّاك وفيقة في القرية نشوان يطلّ على الساحة |
بدر شاكر السياب |
|
9 |
من أوراق همام السمرقندي. صيف 2008 |
سعداء برائحة السوق حوت دجاج ....من حق شمعتنا أن تذوب وأن تحترق |
محمد الصغير أولاد حمد |
|
10 |
عودة دب الصحراء. |
غياب التصدير |
||
11 |
صيد في المياه العكرة. |
غياب التصدير |
في قراءتنا لهذا الجدول يظهر التصدير في الرّواية متنوّعا ومُختلفا جمع بين الشّعر والنّثر والرّواية واستدعى نصُوصا لشعراء مختلفين وروائيين من أزمنة وأمكنة مختلفة ومتنوعة. بالإضافة إلى استدعاء نصوص سابقة للكاتب من روايته علالة الزيني وهو نمط مختلف من التصدير يجمع في الحقيقية بين نصين وروايتين النص الأول وأقصد التصدير نص جاهز ومكتمل هي روايته الصادرة في طبعتين منذ سنوات وتحملُ عنوان علاّلة الزّيني ( يمكن اعتبارها الجزء الأوّل للرّواية ) ونص لم يجهز بعد( أحاديث جانبية) وهو ضرب من ضروب التّجديد والتّجريب في فضاء التّصدير وفي الكتابة تتنادى فيها النصوص لا لتستحضر نصا غريبا عن الكاتب وإنما يستدعي فيه النّص نصًّا سابقا للكاتب نفسه دون إحالة مكشوفة إذ يكتفي المؤلّف بعنوان الرّواية ومؤشّر أجناسي(من أوراق رواية علاّلة الزّيني الورقة الأخيرة /أو من رواية علاّلة الزّيني ) وهو ما ينفتح فيه فضاء التصدير على الميتاسردي ليستدعى صوت المؤلف ويحظر في عنوان الفصل الثالث باسمه الشّخصي وهيئته فيتداخل المرجعي بالمُتخيل وتعاد خلط الأوراق من جديد ليتنصّل النّص من ربقة الواقع فيأخذ من الميتاسردي أجنحة يعانق بها أسئلة الكتابة ومحنة التأليف يستدعي فيها المؤلف السّارد ليجعل منه شخصيّة ويعيد نركيب المشاهد من جديد ليلتف السرد على ذاته وينشطر الكاتب إلى شخصيتين متحاورتين السّارد والمؤلف والشّخصية فيستدعي " بطل " لرواية سابقة علالة في حوار شيق .ولم يكتف السّارد بتصدير الفصل الثالث وإنّما وجدناه يُصدر الفصل ( 3/5 ) باستدعاء نصوص من الرّواية السابقة نفسها .
بقيّة التّصديرات لشُعراء اتسمت نصُوصهم بالحداثة والتّمرد سواء على الأنماط المألوفة السّائدة أو الأنظمة الدّيكتاتورية المتحكمة في الرقاب والعباد برزت نصوصهم بنبرة مُتمرّدة ثائرة ( مظفر النواب / معين بسيسو /بدر شاكر السياب / محمد الصغير أولاد حمد ) ولعلّ ما يُميز هذه التجارب الإبداعية هو سمة الرفض والتمرد ما يجعلُ من النص الروائي موصولا بالضرورة بالفضاءات الرّافضة لمآلات الثّورة تكشف عميقا ما آلت إليه الأوضاع السّياسية والاجتماعيّة وخاصة منظُومة القيم السّلبية الموصُولة بالفساد الأخلاقي والسياسي
فقد كشف السّارد بنبرة متشنّجة ليست تخلو من جُرأة الوضع الحرج الذي مرت به البلاد في عهد الرئيس بن علي إلى زمن ما بعد الثورة التونسيّة .. . فمن خلال هذا الطرح يفضح السّارد بأسلوب مباشر عناصر بناء السُّلطة القائمة على هرمية فاسدة أساسها الوشاية والنفاق والكذب ولكنه سُلوك ظلّ مطردا يمارسه البعض من فاقدي الضمير حتى ما بعد الثّورة بل ازداد فداحة وانتشارا .
خاتمة
النص الموازي في أحاديث جانبية نصّ طيّع بالضّرورة ينقاد إلى المتن يعضده ويشي بالكثير من ملامحه .هو مجال للتّعبير عن مضمون الدّاخل النّصي أو النّص المُحايث من خلال الخارج النّصي يبرز عناصر الفساد والانحلال أصابت المجتمع التُّونسي فأفقدته توازنه وملامحه وحوّلته إلى مجتمع ينخره السُّوس وتفُوح منه روائح كاشفة لمظاهر الفساد عشّشت في أذهان الكثير من أتباع النّظام السّابق مبيّنة ما وَصَلَ إليه من انحطاط قيَمي ظهرت ملامحه جليّة في التّصدير من قبيل " موت أماني القلب " " سكاكين " الهدهد المخصي " " وطني يبكون عليه .." أو لئك أعداؤك يا وطني " " إنك في مستنقع " .
فكشف فضاء التّصدير المضمون المرتقب للرّواية القائم على فضح لتردّي القيم وانتشار الزّيف والمحسُوبية والإجرام والبغاء من أجل تحقيق مآرب شخصيّة والضّرب عرض الحائط مصالح هذا الوطن المكلُوم بلُغة تتراوحُ بين الواقعي المُباشر والميتاسردي الضّارب بجذُوره في أكثر النُّصُوص حداثة مُكسّرا بذلك أفُق توقّع القارئ راسما نهجا غير مسطور ولا مُعبّدة ..
[i] : رياض خليف ،أحاديث جانبية ، ، تونس ، زينب للنشر ،2019.
[ii] : من مواليد 75/04/75بسيدي بوزيد باحث دكتوراه في اللغة والأدب العربي أعد ماجستير حول حوارية خطاب الرواية في ليلة الإفك للمنصف الوهايبي ينشر مقالاته في صحف ومجلات عربية وتونسية صدر له : هنا لندن ذات مساء / صالح البغدادي ( قصص) علاّلة الزيني ( رواية ) / سعيد مهران نبوءة الرواية ( نقد) .- قراءة في أدب ناجي الجوادي ( نقدا ) لا ثقافة بالحراسة ( مقالات ) / .ساهم بورقات نقديّة وبحثيّة في ندوات ومُلتقيات مُختلفة .
[iii] : محمد فكري الجزّار، العنوان وسيميوطيقا الاتصال الأدبي، القاهرة ، الهيئة المصريّة العامة للكتاب ،1998،ص 15.
[v]: نبيل منصر، الخطاب الموازي في القصيدة العربيّة المعاصرة، الدار البيضاء , دار توبقال للنشر، 2007ص. 48
[vi] : 137-138 G. Genette : Seuils ; p ;p ;
[vii]: رضا بن حميد، عتبات النّص في حدّث أبو هريرة قال ،الجزائر ، مجلة ،الخطاب ، العدد 18، 2014، ص29.