يتضمن ديوان «صمت الخيام» للشاعر المغربي داحوس عبدوس نصوصا تتشكل من عناصر الإبداع الشعري الإيقاعية، والبلاغية فضلا عن موضوعات ذات أبعاد ودلالات متنوعة ترسم أفق تجربة كتابة تنحت مسلكياتها الخاصة في خارطة شعر متعدد الرؤى والمقصديات.
فإن جاءت نصوص المجموعة بأسلوب نثري إلا أنه لا يعوزها الإيقاع بشقيه الخارجي والمتمثل في نص «لونك ملك يدك» : " واعلم سر الصبائغ زيتا وماء... فالكل سواء . " ص 10، حيث الروي ( الهمزة)، والتي يمكن اعتبارها ساكنة بجرْس مغلق، والكاف في قصيدة« لوجودك وجهان » : "مرفوض طلبك . لا وجود لقهوتك " ص 28، وهنا الروي ( الكاف) قابل للإشباع . والداخلي من خلال تكرار نفس الحروف مما يجنب النص مغبة السقوط في رتابة نثرية ؛ في مثل عنوان« لونك ملك يدك » ص 9، والذي يجسده تكرار الكاف، والهاء والتاء في : " والأمهات المكرهات " ص16، والسين في قصيدة« لوجودك وجهان » : " على ضفتي كل طاولة جنسان نظرات الأنس وحميمية الجلوس .حديث رومانسي. " ص29، فتجانس الحروف يمنح القصائد إيقاعا ينبع من طبيعة تركيبها وتتابعها. وتوظيف الثنائيات الضدية مما يخلع على الأسلوب زخما جماليا ودلاليا عبر استخدام عنصر الطباق كمكون بلاغي في قصيدة « إنشاد الشعر قدري »مثلا : " الصوت والصمت تحت قدمي " ص 13، لاحظ من تقابل الصوت والصمت، نفس التضاد يحضر في غرضيْ الشعر الهجاء والمدح : " هجاء ومدح " ص22، و : " فرح وحزن " ص26، و: " بين مد وجزر " ص33، حيث يتوالى الطباق كشكل تعبيري بحمولات متعددة الأوجه والمناحي . والجناس الذي استعمل في العديد من أساليب المجموعة، مثل قصيدة «هناك ... بلا إذن أحد» التي تستهل بعبارة : " الروح تناجي الروح " ص 64، وقصيدة « حياة تحت الصفائح » حيث تتوالى كلمات : " ونكبر، وتكبر فينا الطفولة، ويكبر الفرق بين طفولة وطفولة ،طفولة سيد، وطفولة عبده ..." ص18، فبالإضافة إلى تكرار ( طفولة )، و(يكبر ) لتجسيد الجناس يحضر، على شكل تضمين، الطباق في : سيد وعبده، عبر خلق نسق بلاغي متداخل ومتآلف العناصر. وعنصر التشبيه الذي انضاف لعنصريْ الجناس والطباق لإثراء وتعميق السمة البلاغية التي ميزت القصائد، في استعمالات متنوعة اقترن فيها بأداة الكاف تارة : " وكالغابة التي تصحو من نومها " ص59، وفي : " حيث تحط كالندى " ص 115، وخال من الأداة طورا، في مثل : " البيوت كلها أضحت لوحات " ص10، كما طغت على نصوص المجموعة سمة المجاز التي طبعت العديد من أساليبه وعباراته كما في قصيدة « هناك » : " أنصت إلى روح النجوم إلى السحب وهي نائمة في حضن الظلام " ص7، في استعارة الكلام للنجوم، والنوم للسحب، وهي تعابير ترقى بالمتن الشعري إلى مقام بلاغي يمنحه جمالية لغوية، وبعدا دلاليا.
كما لا يفتأ الشاعر ينتقل من استحضار مظاهر الكون وعناصره ( نجوم، سحب ) إلى اللون بتجلياته الجمالية والرمزية والذي يتماهى مع ذات الشاعر مؤثرا مغادرتها بوازع وجداني مسكون بروح الانخطاف والانجذاب إلى إقامات غير محددة ومعلومة : " أخرج من اللون " ص 9، واستحضار تارة أخرى لمظاهر، مثل الرياح، والسماء : " أتوكأ على الرياح بعصاي الخفية وأقف أنا على حبال السماء ... " ص13، وهي، كما يتضح، صورة مفعمة بنفحة مجازية استخدمت العصا كأداة غير مرئية (خفية) للاتكاء على الريح، والوقوف على حبل السماء، وما تنسجه الصورة من شبكة علائقية، وغير مألوفة ،مع عناصر الطبيعة، ومظاهر الكون في شكل منزاح عن صيغ وأساليب الشعر المعروفة . ولا يخلو الديوان من موضوعات ذات طابع وجودي شكلت، إلى جانب عناصره الإيقاعية والبلاغية، زخما غنيا ومتنوعا؛ مرتبط ببداية ظهور الخلق، وتشكل إرهاصاته، وما يفتحه ذلك من آفاق، وما يتولد عنه من أسئلة انطولوجية وميتافيزيقية : " وجدت آدم يقود الخليقة " ص 41، والغوص في الجذور الأولى لهذه البداية، وتحديد ماهيتها في الطهر والنقاء المُشكّل لجوهر انوجادها وكنهه : " فالطهر فيها أصل وبه يتنفس هذا الوجود . " ص91، بالإضافة إلى عنصر التاريخ الواردة في نصوص مثل «حكمة اعتباطية»، والتي ذكر فيها الخوارج ؛ وهي فرقة كلامية تؤرخ لفترة حساسة من ا لتاريخ الإسلامي وما أحاط بها من صراعات عقدية وفكرية تطورت أحيانا إلى مواجهة بالسيوف، حقبة أفرزت فرقا كالشيعة، والمعتزلة، والمرجئة، ومن ضمنها الخوارج : " ناري، إن كنت من الخوارج !!!" ص53 ، وما عرف به ( الخوارج ) كفرقة كلامية من مواقف مختلفة عن باقي الفرق، والتي تجلت بشكل متشدد في فصيل الأزارقة، وما اشتهر به من شجاعة، وثبات على مواقفه، والذود عنها بكل الطرق والوسائل المتاحة ؛ ويعد قطري بن الفجاءة من أشهر قادتهم جرأة وشهامة . ومع ما عرفه متن الديوان من تنويع في البناء الجمالي، والدلالي تمت الإشارة إلى مجموعة من الأعلام في اتجاهات مختلفة ك : " جاليلو ونيوتن وباسكال والخوارزمي وابن الهيثم والبيروني وانشتاين وأديسون وجيمس واط " ص42، و: " وماري كوري " ص 43. سياق تضمن أيضا مكونات وعناصر طبيعية من قبيل الشجر، والقمر، والحجر، والورود، والسماء، والنجوم، والغيوم والتي منحت المجموعة الشعرية ميزة التأمت فيها العديد من الأطراف داخل نسق إبداعي أسس لبنات تجربة موسومة بالتنوع والتعدد.
ف « صمت الخيام »ديوان شعري غني بمقوماته الجمالية، والتعبيرية، والرمزية، وبموضوعاته المنفتحة والناهلة من حياض معرفية مختلفة الأنماط والمرامي والغايات تمنحه غنى وعمقا ورحابة .
عبد النبي بزاز
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صوت الخيام ( نصوص شعرية ) لداحوس عبدوس.
ــ مطبعة بلال ـ فاس 2024.