يتناول إليوت أكيرمان في روايته "في انتظار إيدين" المشاعر الملتبسة التي تجمع ثلاث شخصيات، إيدين الرقيب في الجيش الأمريكي، وصديقه الذي هو بنفس الوقت الراوي الذي لا اسم له، وماري زوجة إيدين.
يُصاب إيدين في العراق، تنقله طائرة نقل عسكرية عملاقة سي ١٧، وبعدها مروحية إلى مشفى سان أنطونيو بعد إصابته في الحرب بجروح وحروق يصفها الراوي بأنها الأكبر في التاريخ لمقاتل!
يبقى إيدين في المشفى معلَّقا بين الحياة والموت لمدة ثلاث سنوات، تلازمه زوجته ماري التي كانت حاملا عندما عاد من مهمته الكارثية، وتضع ابنة تطلق عليها اسم أندي اختصارا لأندروميدا.
رغم إصرار أقرباء إيدين ووالدة ماري لكنها ترفض التسريع بموته، وفي ليلة عيد الميلاد توافق على اقتراح أمِّها بالذهاب معها، ولكنها ما تلبث أن تعود بسرعة إلى المشفى بعد أن أصيب إيدين بأزمة قلبية و دماغية تفاقم وضعه ليفقد السمع والبصر.
قبل أن يداهم القارئ الذهول بإخلاص الزوجة، يكتشف خيانة مزدوجة قامت بها مع صديقه المقرَّب عندما كان إيدين في دورة تدريبية استعدادا للذهاب إلى الحرب، تؤدي هذه العلاقة إلى حمل ماري ويكتشف إيدين خيانتها لأنهما ببساطة لم يمارسا العلاقة الحميمة ولا مرَّة واحدة لأسباب مجهولة، ولكنه مع ذلك يريد الاحتفاظ بالطفلة!
يقصُّ الراوي ببساطة وجمال وتفصيل غير ممل أحداث الرواية، ويُعرِّج على الظروف المحيطة بها في بلد يمتلك إمكانات اقتصادية وعلمية هائلة تمكِّنه من نقل مصابي الحرب من أرض المعركة بطائرات عملاقة توصلهم بعد طيران قارب الستة عشر ساعة إلى مشافي متخصصة في أمريكا، ولكنه بنفس الوقت يجهد على إخفاء أعداد القتلى في حربي أفغانستان والعراق.
يبرعُ الكاتب في عرض مشاعر الشخصيات ووصف تصرفاتها، ويضع نفسها داخل روح إيدين وجسده ليصف اتجاه نظره، ويتحدَّث عن أفكاره البسيطة، ومنها استمرار رؤيته لحشرات وصراصير أثناء غيبوبته محتفظا بالفوبيا التي عانى منها حقيقة في حياته، و تعلقه بما اسماه برائحة الماء والصابون التي وصف بها رائحة زوجته ماري، وهي ذات الرائحة التي انجذب إليها الصديق الخائن!
يمكن وصف الرواية بأنها حكاية المشاعر الملتبسة بين الحبِّ والخيانة، الإخلاص والخداع، فماري أثناء مواظبتها على رعاية إيدين يجتاحها شعور الخيانة من بين فخذيها صاعدا للأعلى، وتعترفُ بأنَّ هذا الشعور قد انتابها مرة واحدة على الأقل في السابق، ولكن قلقها لا يقارن بما حدث لها عندما نسيت هاتفها النقَّال قرب رأسه، و سببت اضطراب أجهزة المراقبة، ويتساءل القارئ هنا، هل هذا ما حدث فعلا أم أنَّ الشعور بالذنب داهمها عندما عجزت عن إنقاذه؟
يدخل الراوي عالم التفاصيل الحميمة، ومنها وشوم الجسد ومنها ذلك الوشم في عنق ماري الذي يمثِّل نجوم الأندروميدا الذي لفت نظر الصديق وأثار إعجابه.
يشاهد إيدين صرصورين في الغرفة، ويرى ماري تضعهما في سلة القمامة بعد سحقهما، والصراصير التي يخافها والتي تعيثُ فسادا بغياب ماري، وتختفي بحضورها الذي يبعث الطمأنينة في نفسه.
يربطُ الكاتب علاقة ماري وإيدين برحلاتهما في سيارة الفورد موستانغ التي يتكرر ذكرها في الرواية.
يخلطُ الكاتب بين مشاعر كل من الصديق وإيدين تجاه ماري، فهل هذه قصة خيانة حقيقية أم أنَّ الصديق كان متخيلا من قبل ماري وإيدين وأنَّ وجوده رمزي بحت إشارة إلى العجز عن الحبِّ الذي خلقته تلك الإصابة الكبيرة لإيدين وإقامته في عالم هائم بين الحياة والموت؟!
وإلى هذا العالم يشير الكاتب عندما يتحدث في آخر الرواية عن ذلك اللقاء بين الصديق وإيدين في تلك المنطقة قبل موته بقليل.
أغلب الظن أن هذا الصديق والراوي العليم بكل شيء في الرواية لم يوجد أبدا، ولذلك لم يبدُ له اسم، وأنَّ خوف الفراق وتهويمات الموت أنشأه من أفكار إيدين المختلطة.
من الإشارات الجميلة في الرواية وصف الكاتب لإيدين بأنَّه الجريح الأكبر في التاريخ، إشارة إلى خسائر أمريكا الكبرى في حربيها في أفغانستان والعراق، وكذلك فقدان إيدين لثلثي وزنه في هذه الإصابة، و إطلالتها على حوادث إطلاق الناروالقتل الجماعي في أمريكا بفعل توفر السلاح، تساؤل إيدين عن سبب اصطحاب ماري للطفلة أندي إلى المشفى ورغبته بألا تراه بهذه الحالة مستشهدا بما فعله أحد رجال الشرطة في أمريكا عندما تعرضت مدرسة لإطلاق النار فطلب من الأطفال أن يغمضوا عيونهم لكي لا يروا جثث رفاقهم المقتولين.
العنوان الأصلي للكتاب
Waiting for Eden
المؤلف
Elliot ACKERMAN
تاريخ الصدور: 2018
الترجمة الفرنسية بعنوان
EN ATTENDANT EDEN
تاريخ صدور الترجمة الفرنسية: 2019
دار النشر: غالّميستر
عدد الصفحات: 160
إليوت أكيرمان: كاتب أمريكي، ولد عام ١٩٨٠، درس التاريخ والأدب، ومجاز بالعلاقات الدولية، خدم في مشاة البحرية الأمريكية لمدة تسع سنوات، شارك في حربي أفغانستان والعراق، صدر له خمس روايات آخرها ٢٠٣٤ التي عرفت نجاحا كبيرا.
