(إن الشعر الجديد نوع من المعرفة التي لها قوانينها الخاصة في معزل عن قوانين العلم ... إنه إحساس شامل بحضورنا وهو دعوة لوضع معنى الظواهر من جديد موضع البحث والتساؤل .. وهو لذلك يصدر عن حساسية ميتافيزيائية ، تحس الأشياء إحساسا كشفيا .. الشعر الجديد من هذه الوجهة هو ميتا فيزياء الكيان الإنساني ) أدونيس في ** زمن الشعر **
لاشك أن المتذوق والقارئ للشعر العربي المعاصر يحس أن قطيعة معرفية ولغوية وأسلوبية وإيقاعية حدثت بينه وبين الشعر العربي القديم .. حتى أضحى هذا الشعر يمثل أخصب وأينع فترة مر بها الشعر العربي على مدى الأحقاب والسنين السالفة ..
ولا يسعني المجال هنا أن أحدد البدايات والإرهاصات الأولى التي انبثق خلالها الشعر العربي المعاصر تزامنا مع ظروف المجتمع العربي وتحولاته . إذ هي متوفرة في أغلب الدراسات التي تناولت هذه الظاهرة بالدراسة والنقد والتحليل .. راجع ( كتاب نازك الملائكة : قضايا الشعر العرلابي المعاصر .. )
ولن أدخل في تلك المناقشات السطحية التي ركزت على مجموع التسميات والمصطلحات والدلالات المفاهيمية لهذه الظاهرة ( مثل الشعر: الحر ، الجديد ، المعاصر، الحديث ، شعر التفعيلة ،الخ.. )
لأنها لن تفيدنا في شيء .. ولن تساعدنا على إلقاء الضوء على البنيات السطحية والعميقة لدراسة هذا الشعر.. وإبراز الجوانب الجمالية والإنسانية والوجودية والفلسفية والسياسية التي تميز الشعر المعاصر عن الشعر القديم ..
ولكني سأركز قراءتي – المتواضعة -- على أهم التباينات والاختلافات والتعارض الموجود في بنية الشعر العربي المعاصر ، مقارنة مع الشعر القديم .. حتى يستطيع القارئ أن يأخذ فكرة عن الفرق بين الشعرين القديم والحديث .. ويتعرف على مدى الجدة والحداثة الموجودة في صلب و ثنايا المتن الشعري الحديث.
لكن قبل ذلك علينا أن نقتنع أن حركة التجديد والحداثة والثورة على الأنماط القديمة ، لا تخص فقط الشعر العربي المعاصر .. فالبشرية عرفت أشكالا وأنماطا ومحاولات ترمي إلى التجديد في سائر
المعارف الإنسانية . بل لازالت بعض المعارف والآداب والعلوم والأفكار تسري في الزمن .. وتجد لها صدى في عقول الناس ..
وفي مجال الشعر ومظاهر الجدة فيه لازلنا نتذكر قصة ابن الأعرابي الذي سمع شعر أبي تمام فقال قولته المشهورة :
( إن كان هذا شعرا فكلام العرب باطل ) ..
فهذه جملة لها من الدلالات والمقاصد معاني كثيرة .. خصوصا فيما يتعلق بالتجديد والحداثة والرؤيا الكشفية، وتوليد المعاني والكلمات المستحدثة وتجاوز بنية الزمكان ..
و تبين كيف يستقبل فكر الناس المتعود على التقاليد والعادات كل فكر جديد/ثوري ، يغربل الأفكار ويمس الطابوهات في الصميم ، ويضع كل شيء موضع التساؤل ، بغية استشراف المستقبل المجهول ، غير المرتاد لا في الطبيعة ولا في الأفكار..
لاشك أن التحولات الطارئة في البنيات التحتية ( الاقتصاد ، وسائل وعلاقات الإنتاج الخ .. ) لأي مجتمع كان ، تنعكس بشكل من الأشكال على البنيات الفوقية ( الأدب ، الفكر، الفن ، السياسة ، أو الإيديولوجيا بصفة عامة الخ .. ) فالفكر كما يقال مرآة ينعكس عليها الواقع المادي لحياة الناس وطريقة عيشهم .. فوجودهم هو الذي يحدد شعورهم وليس العكس..
وسأحاول أن أدلي بملاحظات عامة حول ظاهرة الشعر المعاصر قبل التطرق إلى أهم الاختلافات الجوهرية بين بنيتي الشعر القديم والحديث ..
فمن أهم الأشياء المثيرة للجدل لدى عديد من قراء الشعر المعاصر ونقاده : هو عدم الاهتمام بالجانب الجمالي والبلاغي والذوقي .. خصوصا وأن الذائقة العربية ألفت منذ مدة مديدة تذوق الشعر من خارجه .. أي تذوق الموسيقى ، وجمالية النص ، والمحسنات البلاغية ، والأسلوبية .. والوزن ، والإيقاع .. أي إجمالا الشكل والمظهر الخارجي للقصيدة العربية .. مما يجعل الشعر الحديث والمعاصر يعيش فوضى وعبثية شكلية في نظرهم .. مما يزيد من نفور القارئ للشعر الذي يجد غرابة في التعامل مع شكل القصيدة الحديثة..
يقول أدونيس -- في هذا الصدد -- منافحا عن شكل القصيدة الحديثة : ( لن تسكن القصيدة في أي شكل ، وهي جاهدة أبدا في الهرب من كل أنواع الانحباس في أوزان أو إيقاعات محددة .. بحيث يتاح لها أن تكشف بشكل أشمل عن الإحساس بتموج العالم والإنسان.. الذي لا يدرك إدراكا كليا ونهائيا ... لم يعد الشكل مجرد جمال . ففكرة الجمال بمعناها القديم فكرة ماتت . إن للفاعلية الشعرية غايات تتجاوز مثل هذا الجمال.. من هنا لايمكن أن يكون الشكل خالدا وفقا لحتمية معينة . ولو صح العكس لأ صبح الشعر شكلا من أشكال العلم ( زمن الشعر – ادونيس –
إذن في نظر ادونيس يجب على القصيدة الحديثة أن تتحرر من قالب جاهز ومفروض.. حتى لا يسقط الشاعر في المحاكاة والتقليد والجاهزية ..
وسنتعرف في الأسطر القادمة على الشكل الخاص بالقصيدة الحديثة وعلى طرقها التعبيرية الخاصة التي تجاوزت الأشكال القديمة.. التي تحد من حرية الشاعر وثورته على الأنماط الكلاسيكية التي تجاوزها العصر الحاضر ..
وقد أشار الشاعر والكاتب محمد بنيس إلى هذه المسألة ( أي مسألة الثورة على الشكل والمظهر الخارجي للنص الحديث في كتابه ( ظاهرة الشعر المعاصر في المغرب ) حينما قال :( إن الخروج على البنية الإيقاعية للنص ، طرح بنية مضادة
قد استوجبته ظروف موضوعية فرضت ظهوره كتعبير عن ما يتطلبه التطور والتحول ) – بتصرف –
أما عن جانب الأفكار والمضامين والمعاني والأغراض الشعرية ، التي كان يستأنس بها القارئ العربي للشعرالقديم ،
فهي الأخرى خلقت مسافة بينها وبينه في مجال الشعر الحديث .. إذ يجد القارئ للشعر والمتذوق له غرابة وغموضا وطلاسم، في بينية القصيدة الحديثة.. مما يعمق هوة التذوق والقراءة .. وبالتالي يخلق نفورا وبلبلة في عمقه الشعوري والوجداني ..
فالمضامين والمعاني في الشعر المعاصر ليست كما يقول عبد الوهاب البياتي : انعكاسا للواقع بل الشعر هو إبداع للواقع نفسه.. أو كما يقوا صلاح عبد الصبور( الشاعر لا يعبر عن الحياة ولا عن الأفكار ، بل يخلق حياة أخرى معادلة للحياة وأكثر منها صدقا وجمالا ، إذ أن وقوفه عند التعبير عنها هو قصور في رؤيته.. كما أن وقوفه عند التعبير نفسه هو عاطفة مرضية )
إنني هنا لن أسابق الهدف من قراءتي للشعر المعاصر ، وتبيان الاختلافات بين بينية الشعرين ، سواء على مستوى الشكل والمضمون بل أترك ذلك بالتفصيل في الجزء الثاني من القراءة ..
وفي مجال الشعر ومظاهر الجدة فيه لازلنا نتذكر قصة ابن الأعرابي الذي سمع شعر أبي تمام فقال قولته المشهورة :
( إن كان هذا شعرا فكلام العرب باطل ) ..
فهذه جملة لها من الدلالات والمقاصد معاني كثيرة .. خصوصا فيما يتعلق بالتجديد والحداثة والرؤيا الكشفية، وتوليد المعاني والكلمات المستحدثة وتجاوز بنية الزمكان ..
و تبين كيف يستقبل فكر الناس المتعود على التقاليد والعادات كل فكر جديد/ثوري ، يغربل الأفكار ويمس الطابوهات في الصميم ، ويضع كل شيء موضع التساؤل ، بغية استشراف المستقبل المجهول ، غير المرتاد لا في الطبيعة ولا في الأفكار..
لاشك أن التحولات الطارئة في البنيات التحتية ( الاقتصاد ، وسائل وعلاقات الإنتاج الخ .. ) لأي مجتمع كان ، تنعكس بشكل من الأشكال على البنيات الفوقية ( الأدب ، الفكر، الفن ، السياسة ، أو الإيديولوجيا بصفة عامة الخ .. ) فالفكر كما يقال مرآة ينعكس عليها الواقع المادي لحياة الناس وطريقة عيشهم .. فوجودهم هو الذي يحدد شعورهم وليس العكس..
وسأحاول أن أدلي بملاحظات عامة حول ظاهرة الشعر المعاصر قبل التطرق إلى أهم الاختلافات الجوهرية بين بنيتي الشعر القديم والحديث ..
فمن أهم الأشياء المثيرة للجدل لدى عديد من قراء الشعر المعاصر ونقاده : هو عدم الاهتمام بالجانب الجمالي والبلاغي والذوقي .. خصوصا وأن الذائقة العربية ألفت منذ مدة مديدة تذوق الشعر من خارجه .. أي تذوق الموسيقى ، وجمالية النص ، والمحسنات البلاغية ، والأسلوبية .. والوزن ، والإيقاع .. أي إجمالا الشكل والمظهر الخارجي للقصيدة العربية .. مما يجعل الشعر الحديث والمعاصر يعيش فوضى وعبثية شكلية في نظرهم .. مما يزيد من نفور القارئ للشعر الذي يجد غرابة في التعامل مع شكل القصيدة الحديثة..
يقول أدونيس -- في هذا الصدد -- منافحا عن شكل القصيدة الحديثة : ( لن تسكن القصيدة في أي شكل ، وهي جاهدة أبدا في الهرب من كل أنواع الانحباس في أوزان أو إيقاعات محددة .. بحيث يتاح لها أن تكشف بشكل أشمل عن الإحساس بتموج العالم والإنسان.. الذي لا يدرك إدراكا كليا ونهائيا ... لم يعد الشكل مجرد جمال . ففكرة الجمال بمعناها القديم فكرة ماتت . إن للفاعلية الشعرية غايات تتجاوز مثل هذا الجمال.. من هنا لايمكن أن يكون الشكل خالدا وفقا لحتمية معينة . ولو صح العكس لأ صبح الشعر شكلا من أشكال العلم ( زمن الشعر – ادونيس –
إذن في نظر ادونيس يجب على القصيدة الحديثة أن تتحرر من قالب جاهز ومفروض.. حتى لا يسقط الشاعر في المحاكاة والتقليد والجاهزية ..
وسنتعرف في الأسطر القادمة على الشكل الخاص بالقصيدة الحديثة وعلى طرقها التعبيرية الخاصة التي تجاوزت الأشكال القديمة.. التي تحد من حرية الشاعر وثورته على الأنماط الكلاسيكية التي تجاوزها العصر الحاضر ..
وقد أشار الشاعر والكاتب محمد بنيس إلى هذه المسألة ( أي مسألة الثورة على الشكل والمظهر الخارجي للنص الحديث في كتابه ( ظاهرة الشعر المعاصر في المغرب ) حينما قال :( إن الخروج على البنية الإيقاعية للنص ، طرح بنية مضادة
قد استوجبته ظروف موضوعية فرضت ظهوره كتعبير عن ما يتطلبه التطور والتحول ) – بتصرف –
أما عن جانب الأفكار والمضامين والمعاني والأغراض الشعرية ، التي كان يستأنس بها القارئ العربي للشعرالقديم ،
فهي الأخرى خلقت مسافة بينها وبينه في مجال الشعر الحديث .. إذ يجد القارئ للشعر والمتذوق له غرابة وغموضا وطلاسم، في بينية القصيدة الحديثة.. مما يعمق هوة التذوق والقراءة .. وبالتالي يخلق نفورا وبلبلة في عمقه الشعوري والوجداني ..
فالمضامين والمعاني في الشعر المعاصر ليست كما يقول عبد الوهاب البياتي : انعكاسا للواقع بل الشعر هو إبداع للواقع نفسه.. أو كما يقوا صلاح عبد الصبور( الشاعر لا يعبر عن الحياة ولا عن الأفكار ، بل يخلق حياة أخرى معادلة للحياة وأكثر منها صدقا وجمالا ، إذ أن وقوفه عند التعبير عنها هو قصور في رؤيته.. كما أن وقوفه عند التعبير نفسه هو عاطفة مرضية )
إنني هنا لن أسابق الهدف من قراءتي للشعر المعاصر ، وتبيان الاختلافات بين بينية الشعرين ، سواء على مستوى الشكل والمضمون بل أترك ذلك بالتفصيل في الجزء الثاني من القراءة ..