فرضيات الموضوع
كَيْفَ تتجلَّى بُنى النص النقدي عند الباحثة الأكاديمية الفلسطينية صبحية عودة ، من خلال عملها الموسوم ب( الشخصية اليهودية الإسرائيلية في الخطاب الروائي الفلسطيني 1967 _ 1997 ) ؟ هل يستطيع النص النقدي التشخيصي ، التصويري عند هذه الباحثة أن يجسِّدَ بنى دلالية توليدية جاهزة ؟ ما أهم طرائق تحويل المفاهيم النقدية المجردة إلى واقع محسوس ، ومشخصٍ في هذا العمل ؟
لَقَدْ حقَّق النقد الروائي الفلسطيني المعاصر تراكماً فعلياً في المجال الثقافي العربي ، إذْ نجد تنوعا كبيرا في النظريات والمفاهيم ، والمقاصد العملية عند النقاد والناقدات .
تَمْلِكُ أعمالُ صبحية عودة قيمةً علمية ، وأهمية عملية بارزة نظرا لارتباطها بأسسٍ ابستمولوجية معروفة ، ومناخ محلي يساعد القارئ العربي (( العليم )) ( 2) على إدراك الاختلافات بين المدارس النقدية ، والمصطلحات ، والمقاصد من وراء أعمالها .
تُوظِّفُ هذه الناقدة المقتدرة معايير منهجية ابستمولوجية وأبعادا تحليلية متماسكة ، وثرية تسطِّرُ معالم كتابها الموسوم ب ( الشخصية اليهودية الإسرائيلية في الخطاب الروائي الفلسطيني 1967 _ 1997 ) . يضبطُ المنهج النقدي المنظِّم لهذا العمل سياق النصوص ، ويربط بين الجانب النظري والعملي للكتاب ، ويتأقْلَمُ مع طبيعة الموضوع ، دون أية اسقاطات ، أو تعسُّف ، مما يجعل نصوصه تمثل إنجازا فعليا بالنسبة للمنهج الموظف .
تُعالِجُ الباحثة عدة قضايا تتعلق بالشخصية اليهودية الإسرائيلية المشكِّلة للروايات الفلسطينية المدروسة . قسمتْ عملها إلى ثلاثة فصول ، يشتمل الفصل الأول على أربعة مباحث ، تتعرض في المبحث الأول إلى الشخصية اليهودية الإسرائيلية بين الوعي السلبي والإيجابي ، سواء أكانت شخصيات ضحيةً أم صديقةً ، وتطرح في المبحث الثاني البناء الخارجي ، والداخلي لهذه الشخصية . أما المبحث الثالث فتتطرق فيه إلى تحولِ منظور الروائيين الفلسطينيين تجاه الآخر ، وتعالج في المبحث الرابع صورةَ العربي في المفهوم الإسرائيلي . يضمُّ الفصل الثاني ثلاثة مباحث ، يدرس الأول موضوعَ الخوف والجُبْن ، والثاني يهتمُّ بالانطوائية والتشاؤم ، والثالث يعالج السادية _ التآمر _ العدوانية بكل تجلِّياتها . يحتوي الفصل الثالث على مبحثين ، الأول يتطرَّق إلى البناء الزمني في الرواية الفلسطينية ، والثاني يهتمُّ ببناء المكان في الرواية الفلسطينية . أما الفصل الرابع فيشتمل أيضا على مبحثين ، طرحتِ الناقدةُ في الأول أساليبَ السَّرْد في الرواية الفلسطينية ، وفي الثاني ناقشتْ طرائق توظيف التراث في الرواية الفلسطينية .
الدلالة والسرد
يُسايرُ عملُ صبحية عودة جوهر المشروع السيميائي ، السردي ، المعاصر حيث تظهرُ روحُه الخلاَّقة بطريقة لافتة في الفصل الرابع ( 3) . إنه يتحرك بين طيات الجهاز النظري المتفتِّح ليقدِّم لنا إنجازا نقديا سرديا جديدا في هذا المجال ، ويجعلَ المتلقي العربي (( العليم )) يتواصل معه بكل وضوح . تبرز لنا الممارسة النقدية عند الكاتبة نوعا من الخبرة ، والتبسيط ، والتوضيح للمشروع السِّيميائي السَّردي المرتبط بالشخصية اليهودية الإسرائيلية في الخطاب الروائي الفلسطيني ( 1967 _ 1997 ) ، وضبطاً لآليات اشتغال النَّص السَّردي ، المحدِّدِ لهذه الشخصية .
تَتحدَّدُ (( الوظائف الروائية )) المتعلقة بالشخصية اليهودية الإسرائيلية من خلال أفعالها ، التي تتوزع عبر الروايات الفلسطينية المحددة تاريخيا ، وهو ما يحدِّدُ دلالاتها ، وأحداثها . إنَّ هذه (( الوظائف )) هي عبارة عن ملفوظات سردية عربية . تختزن هذه الشخصية في ذهنها موضوعات ثقافية ، تتخلَّلها عدة ضغوط ، وإكراهات داخلية وخارجية ، تتبعها صبحية عودة بدقة . إنها تسلك مسارا معقدا من المحايثة إلى التَّجلي . تضبط الناقدة ذلك من خلال توظيفها لأربعة أسس تحليلية متلاحمة :
1 _ البنيات المقدَّرة : تحدد من خلالها الباحثة نمط وجود الشخصيات اليهودية الإسرائيلية داخل المجتمع الفلسطيني ، وعلاقاتها بالموضوعات السيميائية السردية ، ووضعها المنطقي .
2 _ البنيات الظَّاهرة : تتقصى الناقدة عن طريقها (( نحو السَّرد الروائي )) novelist narrative grammar ، المنظِّم لمضامين عينة الدراسة ، وأشكالِها الخطابية .
3 _ البنيات الأسلوبية : تساعدها على ضبط الأشكال والتقنيات الأسلوبية الخاصة بالأعمال المدروسة .
4 _ البنيات السَّافرة : تساهم في ضبط الدوال السردية الروائية .
تَقومُ صبحية عودة بضبط ( نحوِ النَّقد ) ، وقواعدِهِ المرتبطة بالمضامين اللسانية ، والاجتماعية المشكلة للخطاب الروائي الفلسطيني ، وتقنياته السردية ، وأنشطته المتنوعة ( اللغة والحوار ، الشخصيات ، الأحداث ، الفضاء الزمكاني ، رؤية الكاتب ...) ، كما أنها تقوم بتحيين updating ، وتجذير ثوابت الممارسة التحليلية من خلال خطابها النقدي ، مما يمنحه سيرورةً زمنية جديدة .
تَرْصُدُ الناقدة كافَّة العناصر المشكلة للشخصية اليهودية الإسرائيلية في الخطاب الروائي الفلسطيني بالاستناد إلى مظاهر وعيها السَّلبي والإيجابي ، وسماتها المتنوعة ( خوف ، جبن ، انطواء ، تشاؤم ، سادية ، تآمر ، عدوانية جسدية ولفظية ومعنوية وجنسية ، غطرسة ، غرور ، بغي ، بغاء ، علم ، تحفز ، تيقظ ...) . إنَّها تبذل مجهوداً كبيرا يلتحم بالمقاربة النقدية الروائية ، وهو سلوكٌ علمي متميز ، لأنَّه يجسد نموذجا شاملا ، تخلقه عدة بنى خطابية مجردة ، تحمل عدة دلالات مثيرة .
يُركِّزُ هذا العمل النقدي المهم على عدة قِيمٍ ، وسِمات ، ومضامين وأساليب سردية ترتبط بالشخصية اليهودية الإسرائيلية في الخطاب الروائي الفلسطيني ( سرد موضوعي خارجي ، موضوعي داخلي ، ذاتي ، ذاتي خارجي ، ذاتي داخلي ) ، وعلاقات متنوعة تساهم في الانتقال من المستوى التجريدي إلى المستوى المحسوس المشخَّص .
تُحوِّلُ الباحثة العلاقات بين الشخصيات الروائية إلى عمليات فعلية ، وإجراءات نقدية متميزة ، مما يفجِّرُ البنيات الدلالية المنطقية داخل العمل ، إذْ تتنوع التوزيعات والاستبدالات بغية إنتاج مختلف دلالات الخطاب الروائي الفلسطيني ، المحدَّد تاريخيا . يُحدَّد هذا العمل النقدي من خلال جانبين مهمَّين ومتعاقبين :
1 _ نحوُ النقد الروائي الفلسطيني وقواعِدُه novelist monetary grammar .
2 _ تحيينُ updating العمل النقدي الروائي وتحديثه .
لذلك فهي تقوم بتَحيينِ عملها النقدي عن طريق تعقُّب وضْعيات البنى الثقافية والأيديولوجية المرتبطة بالشخصية اليهودية الإسرائيلية ، وتفصيلِ مضامين النصوص الروائية الفلسطينية ، وإنجازاتها ، وملامحها الدلالية المتنوعة .
يَتَّفِقُ المبدعون الروائيون الفلسطينيون بالنسبة للمضامين الثنائية الخاصة المجتمع المحلي ، إذ يقومون بإنتاج البنى المجردة حسب معايير واقعهم الخاص . لذلك فإن الباحثة تطلعنا على مختلف أنواع السلوك الاجتماعي عند الشخصية اليهودية الإسرائيلية ، وطرائق تحققها داخل المجتمع ، ومميزات النص الروائي الفلسطيني عن باقي النصوص العربية الأخرى ، المماثلة .
النموذج التكويني السردي والدلالة عند الناقدة
تتلاحمُ البنياتُ الظاهرة ، والمقدَّرة ، والسَّافرة ، والأسلوبية المذكورة سالفا بين طيَّات عمل الناقدة ، وهو ما يدلُّ على وجود نسقٍ سيميائي سَرْدي نقدي باعتباره يمثل نشاطا محددا لسلوك الشخصية اليهودية الإسرائيلية بالتعاون مع النَّموذج الدلالي المنطقي الخاص بالعيِّنة المدروسة ، الذي يقابل البنى المشخصة . تنتقل الباحثة بين هذه البنى والمسارات بطريقة توليدية ، سَلِسة ، مما يخلق علاقات وشيجة بين النصوص النقدية عند الباحثة ، وإنتاجنا لدلالاته المتحولة عن طريق بناء عملية ( نقد النقد ) . لذلك فإننا ننجز بمعية صبحية عودة ( علم دلالة نقدية ) راجعة backللرواية الفلسطينية .
تقنيات السرد والنقد الروائي الفلسطيني
تنتقلُ الباحثة من النموذج التكويني إلى تقنيات السرد المتعلقة بالروايات الفلسطينية المحددة تاريخيا ، مما يجعلها تنجز نصًّا نقديا سرديًّا يستند إلى البنى الدلالية للأعمال المدروسة ، كما أنها تمنح المقولات المجرَّدة أبعادا نقدية سردية . لذلك فهي تحول مضامين الروايات الفلسطينية المحللة عن طريق الدلالة النقدية ، من خلال تعقب عدة تقابلات : الوعي السلبي _ الوعي الإيجابي ، الشخصية الضحية _ الشخصية الصديقة ، البناء الخارجي _ البناء الداخلي ، المستوى العربي _ المستوى الإسرائيلي ، الأزمنة الحاضر _ الماضي ، الإقامة الإجبارية _ الإقامة الاختيارية ، السرد الموضوعي الخارجي _ السرد الموضوعي الداخلي ، السرد الذاتي الخارجي _ السرد الذاتي الداخلي .
تبني صبحية عودة الدلالات النقدية السردية من خلال مسارٍ توليديٍّ متميز ، يتوخى الإمساكَ بالمعاني المتنوعة ، التي تحدد ملامح الشخصية اليهودية الإسرائيلية في الرواية الفلسطينية .
تدفعُ هذه المقاربة النقدية الباحثةَ إلى تحديد مستويين أساسيين داخل الإبداعات الروائية الفلسطينية المدروسة :
1 _ الدلالة الأساسية the main semantic للأعمال الروائية الفلسطينية بمختلف تقنياتها السردية ، وتقابلاتها السالفة المذكورة ، وتجلياتها المتنوعة عن طريق القيم المتنوعة التي تحويها المضامين الروائية .
2 _ النحو الأساسي main grammar the لهذه الروايات وقواعده الخاصة .
تبرز لنا الناقدة أن المحايثة الدلالية المشخَّصة ، وقوةَ التوليد داخل هذه الأعمال ، قادران على تجسيد المعاني الروائية المختلفة ، وخلق كونٍ دلالي ، ونسق من العلاقات ، والتحولات المتماسكة .
لا تتحرك البنى الدلالية ، النقدية ، السردية ، الجاهزة خارج البنية الزمنية المنسقة للكون الدلالي ، حيث إنها تقارِب كل القيم والمضامين ، المرتبطة بالشخصية اليهودية الإسرائيلية المشكلة للأعمال الروائية الفلسطينية المدروسة . ترصد الباحثة جل أنواع السلوك والقيم والممارسات الاجتماعية عند هذه الشخصية ( تقابلات ، ممارسات متنوعة ، تحققات ، علاقات ، قواعد ...) . إنها تركز على الدلالة النقدية بغية تأويل الأعمال ، والأفعال الخاصة بالشخصية اليهودية الإسرائيلية ضمن سلسلة من الإحالات references ، تتحقق في أشكال خطابية روائية متنوعة .
يبرز لنا النحوُ الأساسي للأعمال الروائية الفلسطينية المعنية طريقة الاشتغال التركيبي syntactic للنموذج التكويني الموظف . لذلك فإن هذه الأعمال تضم مستويين مهمين :
أ _ مستوى نظري روائي محايث updating.
ب _ مستوى خطابي روائي ، سردي : يتكون من وحدات كبرى ( ، تتجاوز الملفوظات ( 4 ) .
يساهم النموذج التكويني في بلورة القيم والأيديولوجيا ، المتعلقة بالشخصية اليهودية الإسرائيلية الروائية ، كما أنه يولد الأشكال الخطابية غير السردية ، ويخلق سيرورةً فعالة لإنجاز التراكيب السردية ، البانية للروايات الفلسطينية المحللة .
يمثلُ عمل الناقدة هنا فعلاً تأويلياً سردياً ، يهتم بمجموعة من تقنيات السَّرْد narrativeفي الرواية الفلسطينية ( 1967 _ 1997 ) ، كما أنه يجسد تجربةً فردية لا يمكن إعادة إنتاجها ، إلا من خلال إدراجها ضمن نسقٍ دلالي نقدي عام ، يعانق أنواع سلوكَ الشخصية اليهودية الإسرائيلية في الروايات الفلسطينية المعنية . إنَّه عبارة عن تحقيق لإمكانيات نقدية ، ترتبط بالنصوص السردية المحددة تاريخيا ، كما أنه يجسد أيضا تلوينا ثقافيا عربيا ببعده الأيديولوجي الجديد ، وبلورةً فعلية للدلالة النقدية السردية الظاهرة .
يرسمُ هذا العمل النقدي بعدا حيويا لنماذج الشخصية اليهودية في الروائية الفلسطينية المدروسة ، من خلال إنتاجِ وتوليد دلالاتها النقدية السردية ، وضبطِ علاقاتها المتنوعة . تقدِّمُ الباحثة المفاهيم بطريقة سردية واضحة ، وتشخِّصُ بناها التركيبية المتحولة ، من خلال (( نحوِ الرواية الفلسطينية )) ، وقواعدها ، وهو ما يبرز قوةَ تعاملها مع الدلالة النقدية ، المنتجة للمعاني . إنها تحولُ العلاقات السردية إلى عمليات نقدية حسب طبيعة المنهج التكويني النقدي الموظف . لذلك تحوِّلُ ذات الخطاب الروائي الفلسطيني المفاهيمَ والعلاقات المرتبطة بسلوك الشخصية اليهودية الإسرائيلية إلى عناصر نقدية مشخَّصة .
توظف صبحية عودة بمهارة ثنائية : النفي / الإثبات المتعلقة بعمليات الوعي ، والبناء للشخصية اليهودية الاسرائيلية ، وصورة العربي في المفهوم الإسرائيلي ، والبناء الزمني والمكاني ، وأساليب السرد لتحديد المضامين الروائية والعلاقات التحويلية ، التي تجسدها الملفوظات السردية المتصلة ، والمنفصلة . تتنوع العلاقات النقدية وتتماسك أثناء التحليل بالاعتماد على عدة تحولات مهمة :
1 _ التقابل / التضاد .
2 _ التناقض .
3 _ الاقتضاء .
لذلك نصادف تسلسل ، وتكرار التحولات الثلاث السالفة أثناء عرض الباحثة للمضامين الروائية المقصودة . تساعد هذه العمليات التقابلية على ضبط (( نحو السرد الروائي الفلسطيني )) بكل جوانبه الصرفية والتركيبية ، والسياقات والترابطات المتوالية .
تتعرض الناقدة بين طيات عملها الرصين ، والمتميز من حيث الشكل والمضمون للعديد من الأعمال الروائية ، التي ركزت على الشخصية اليهودية الإسرائيلية . تعتمد في بلورة هذا الموضوع على نظريات سردية عالمية متميزة ، حيث تتبع تقنيات السرد في كل رواية ، وترصد عدة صور ، ومواقف ، وأيديولوجيات مختلفة ، وثنائيات جوهرية مهمة ، مثل : الأنا _ الآخر ، جرداء _ خضراء ، الحرب _ الحوار، يهود _ لا يهود ، السهود السفارديم _ اليهود الأسكنازيم ، الاسرائيلي _ العربي ، الديانة اليهودية ( شخصية أرنونا ) _ الديانة الإسلامية ( شخصية هادي ، ص 69 ) ، مجتمع يهودي طبقي _ مجتمع عربي محافظ ، المظهر والبناء الخارجي _ المظهر والبناء الداخلي ، عربي متخلف _ اسرائيلي متحضر ، العربي الخائن _ اليهودي المنتصر .
نجد عدة ثنائيات أخرى متفرقة ، تتعلق بالحرية ، والديموقراطية ، والظلم ، والأرض ، والشعب ، والديانة ، والسلوك ، وبعض النوايا المختلفة ...
يشتغلُ الخطاب الروائي الفلسطيني ( 1967 _ 1997 ) من خلال مجموعة من الوحدات البارزة ( شخصيات ، فضاءات وأحياز زمكانية ، أحداث ووقائع ، رؤى وتصورات ...) ، ذات خصائص وعوامل ، ومحمولات تناسب التراكيب الروائية السردية ، وأبعادها الزمكانية ، وأنواع الاستبدالات والجذور اللغوية ، التي يمكن تجسيدها حسب الشكل التالي :