تمهيد عن المفهوم الأولي للخيال:
على الرغم من أن الشعراء في الجاهلية وما بعدها، كانوا يعزون مصادر إبداعهم إلى كائنات غير إنسية (جن، شياطين) توحي لهم بالكلام الشعري، فإنهم لم يكونوا ليركزوا على هذه المظاهر وتنظيرها. لم تكن إشاراتهم تلك، سوى محاولة لتفسير غوامض التكوينية الإبداعية الخيالية لديهم بنفس مقاييس الذوق السائد على مستوى بنيات التلقي وتناولية الخطاب الشعري. بل إن ذلك قد يدخل، فقط، في باب "الميتولوجيا الشخصية" للشاعر؛ لم يكن هو ذاته ليحفل بها ويتأملها أكثر من الإشارة إليها عابرا؛ أمام سيادة الوظيفة الاجتماعية والثقافية للشعر ومقتضيات الإنتماء القبلي للشاعر.
لذلك، لم يتبلور التفكير النظري في الخيال بما هو آلية اشتغال للخطاب الشعري. ولم يكن للفظ "الخيال" سوى معناه المعجمي المتداول؛ والذي يدل على توهم شيء غير موجود أصلا. أما الشعر، فإن له وضعه المعرفي المتميز ولم يكن ممكنا ربطه بالخيال كوهم لأن الشعر كان "علم قوم لم يكن لهم علم غيره" كما يتواتر عن عمر بن الخطاب.
مقابل الإنصراف عن الاهتمام بالجانب التخيلي الذي يحيل مباشرة على إنتاج خطاب ما وراء إبداعي؛ أي ميتافيزيقا للخطاب الشعري، انصب التركيز في المراحل الأولى للشعرية العربية القديمة، على المعطى المادي والحسي والمعيش للنص الشعري؛ أي صنعته وبناءه ودرجة تأثيره في المتلقي وكذا قدرته على تبليغ رسالته ضمن الشروط المتحكمة في المجال الذهني والثقافي للإنسان العربي، ذي البناء القبلي أساسا.
ونجد استعمال كلمة "خيال" في بعض نصوص الشعراء الجاهليين، بمعنى الشيء المدرك في غيابه وخاصة في المقاطع الغزلية حيث يشير إلى "طيف" المحبوبة يقول طرفة بن العبد(1):
فقل لخيال الحنظلية ينقلــــب إليها، فإني واصل حبل من وصل
سما لك من سلمى خيلا ودونها سواد كثيب، عرضه فامايلـــــــه
هنا استعمال عادي للخيال يحيل أكثر على فعل تذكري ناتج عن حال الرغبة في المحبوب؛ وهو شائع في معجم الشعر الغزلي العربي. وهو ما يؤكد ما ذهب إليه د.جابر عصفور، بصدد محدودية المعجم المتعلق بـ"الخيال"؛ حيث تعبر، لدى القدماء، كلمة "خيال" عن "الشكل والهيئة والظل، كما تشير إلى الطيف والصورة التي تتمثل لنا في النوم أو أحلام اليقظة.."(2) وبهذا الصدد نجد صدى لهذه الاستعمالات في القرآن الكريم، ترد على لسان محاججي الرسول عن الجاهليين المعاصرين له:
"بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر فليأتنا بآية كما أرسل الألون"(3).
"ويقولون إننا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون"(4).
حجج سيقت في إطار الرفض أو التشكيك في كون القرآن منزلا؛ ومن تم إدعاء أنه "أضغاث أحلام" أو قول شاعر أو مجنون؛ ونلاحظ تأكيد أن الشاعر لا يستند في قوله إلى أية قوة غيبية ومن تم طلب الدليل (آية) لإثبات المصدر الإلاهي للقرآن؛ عكس الشعر ذي الوضع البشري الخالص والذي لا يتطلب الاعتقاد بمضمونه وهو ما يؤكده رد القرآن:
"إنه لقول رسول كريم، وما هو بقول شاعر قليلا ما تومنون"(5).
نلاحظ إذن هذا التجاور الدلالي بين الشعر والحلم والجنون باعتبار أن حقيقتها غير ثابتة بل ومفقودة وربما يضعنا هذا الأمر أمام مفارقة تواجه الرأي السابق في كون الشعر "علم" و"ديوان" العرب في الجاهلية؛ إلا أننا نرى أن هذه التصورات كلها كانت تتعايش بحكم تعدد وظائف الشعر نفسها خاصة في علاقة الصدام أو التوافق ما بين ذات الشاعر وقيم القبيلة. والملتقى الذي يتداخل عنده هذا التجاور هو الحقل الدلالي "للوهم". على أننا لا نجد ورودا مباشرا للفظ الخيال في الشواهد القرآنية السالفة. لكننا نصادف فعل "خيل" مرتبطا بممارسة السحر (بخصوص النبي موسى):
"فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه عن سحرهم أنها حية تسعى"(6) وهو ما يؤدي إلى أن فعل التخيل نتيجة الفعل السحري؛ بتأثيره في إدراك الإنسان وتوهيمه بصحة ما يراه أي ما يخيل إليه.
إن استبعاد أي مصدر غير بشري للشعر، كما يبدو، هو الثابت في امتداد الممارسة الخطابية في الشعرية العربية القديمة. وذلك ما ركز ممارسة الشعر كـ"صنعة". لأن الشاعر يستجيب لمقتضيات خارجية تواجهه في الحياة اليومية سواء كانت شخصية (غزل، رثاء، رحلة..) أو جماعية (فخر، معارك..). لذلك ظل الاهتمام بشروط إنتاج الخطاب ومهيئاته ينصب على القول في علاقته بمؤثرات الظروف الحياتية المعيشة وليس على استلهام خارج عن القدرات الشخصية البشرية؛ من أجل اكتساب قدرة التحكم في اللغة وإنتاج المعنى المبتغى (القصيد). من تم لم يقم الشاعر، حتى قبل الإسلام، علاقات قوية، مع الممارسات الثقافية ذات الأبعاد الطقوسية، وخاصة أن التداخل والتفاعل بين ممارسات الشعراء وبين الكهان والعرافين والسحرة ظلا محدودين ولم تتوارد روايات كثيرة عنهما. ولئن كانوا جميعا يحتفلون ببهاء القول وتنظيمه وغرابته فإن الشاعر ظل يوقع نصوصه بذاتيته المحضة، بينما الآخرون استندوا إلى توقيعات فوق طبيعية. ومن تم اتهام الرسول تارة بالشاعر وتارة بالمجنون وتارة بالساحر. وفي محاولتهم معارضة النص القرآني لم يذهب القرشيون أكثر من استدعاء مهيئات مادية تشحذ قرائحهم؛ يقول ابن رشيق:
"ولما أرادت قريش معارضة القرآن عكف فصحاؤهم الذين تعاطوا ذلك على لباب الخبر وسلاف الخمر ولحوم الضان والخلوة إلى أن بلغوا مجهودهم. فلما سمعوا قوله عز وجل (وقيل يا أرض أبلعي ماءك، ويا سماء أقلعي وغيض الماء، وقضي الأمر، واستوت على الجودي، وقيل بعدا للقوم الظالمين) يئسوا مما طمعوا فيه، وعلموا أنه ليس بكلام مخلوق"(7).
فمن الواضح هنا عدم الاستناد إلى استدعاء قوى غيبية (الأوثان والآلهة التي كانوا يعبدونها..) وهو نفس المعطى الذي يرسخ المفهوم الشعري كصنعة لها أصولها وتتطلب إلى جانب ذلك الطبع والاستعداد. وهو ما تؤسسه البلاغة العربية والنقد العربي القديمان عبر تاريخهما.
إن هذه القضايا تتطلب بحثا معمقا في المصادر والنصوص. ويهمنا الآن تسجيل غياب مفهوم نظري للخيال في الثقافة الشعرية العربية في بداياتها إلى حدود عصر التدوين. لكن ذلك لا يعني عدم وجود استبدالات للمفهوم طرحت من خلالها القضايا التي شغلت الشعراء والنقاد القدامى.
I - مركزية التشبيه:
ونعتبر أن الاهتمام بالتشبيه كتقنية شعرية أساسية شكلت نوعا من هذا الاستبدال أو التعويض. ومن تم تكون قضايا التشبيه وما طرحته من أسئلة مدخلا لطرح العلاقة بين الشعري والعالم؛ أي كيف يبني النص الشعري العالم من خلال التشبيه كإجراء شعري صار ذا صفة مهيمنة بل ومعيارية في الحكم على جمالية النص ونجاحه. نفترض إذن أن مركزية التشبيه في الشعرية العربية القديمة شكلت جسرا لمناقشة قضية الشعر والحقيقة والواقع، من حيث علائقها؛ بمعنى آخر طرقا ضمنيا لأشكال الخيال في الخطاب الشعري؛ خاصة حين ترتقي الآلية الشعرية من مستوى التقرير والمباشرة إلى آلية الاستعارة التي أثارت جدلا كبيرا بين اللغوين والنقاد والمتكلمين..
من الأكيد أن التشبيه ليس خاصية شعرية، بل لغوية عامة؛ لكن الاستعمال الشائع له لا يضير مرتبة الاستعمال الشعري؛ بل إن تنميط هذا الاستعمال نفسه تأتى من خلال النصوص الشعرية.
وحالة الشيوع هذه هي ما يسجله المبرد (285هـ) بقوله:
"والتشبيه جار كثيرا في كلام العرب، حتى لو قال قائل: هو أكثر كلامهم لم يبعد"(8).
وقد عد التشبيه أصلا من أصول الشعر وقاعدة من قواعده خاصة لدى اللغويين والبلاغيين(9). فـ"الفتنة بالتشبيه، فتنة قديمة، بل إن البراعة في صياغته اقترنت لدى بعض الشعراء الأوائل بالبراعة في نظم الشعر"(10) بل إن قدامة بن جعفر (260هـ - 327هـ) سوف يجعله غرضا أساسيا من أغراض الشعر؛ ويرى أن:
".. أحسن التشبيه هو ما أوقع بين الشيئين اشتراكهما في الصفات أكثر من انفرادهما فيها، حتى يدني بهما إلى حال الاتحاد"(11).
من الجلي أن الشيوع التداولي للتشبيه، هو الذي يفرض معيارية ما في تناوله؛ ذلك أن تقويمه يتجاوز الحدث اللغوي المحض إلى فحص دلاليات الأشياء وحدودها وبالتالي مدى ملاءمة الجمع والفرق بين خصائص الأشياء التي يضمها فعل التشبيه وخاصة في بعده الفني والشعري. وبهذا الصدد نجد أن المبرد يقرر تصنيفية للتشبيه وهي متداولة لدى الكثيرين من القدماء:
".. والعرب تشبه على أربعة أضرب فتشبيه مفرط وتشبيه مصيب، وتشبيه مقارب وتشبيه بعيد يحتاج إلى التفسير ولا يقوم بنفسه وهو أخشن الكلام"(12).
وتحيل هذه الدرجات (الضروب) مباشرة على مدى الملاءمة أو التوافق إلى حد التطابق أو التفاوت فيما بين المقومات الدلالية المشتركة بين طرفي التشبيه، وبالتالي فيما يهم خصائصهما الظواهرية المتعينة كأشياء أو موضوعات تمكن من إدراك أو وضع تشابهات فيما بينها. وما بين درجة القرب والبعد، الإصابة والإفراط. تشتغل آلية الحقيقة كمعاينة حسية، بقدر ما يتم الإيغال في البعد تمتد المسافة الخيالية الفاصلة والمحيلة على فضاء "الكذب" والمبالغة.
ويميز ابن رشيق ضربين من التشبيه باعتباره أحد نوعي المعاني المشتركة إلى جانب الترادف كنوع أول: يقول:
"والثاني على ضربين: أحدهما: ما يوجد في الطباع من تشبيه الجاهل بالثور والحمار، والحسن بالشمس والقمر، والشجاع بالأسد وما شابهه، والسخي بالغيث والبحر، والعزيمة بالسيف، ونحو ذلك؛ لأن الناس كلهم -الفصيح والأعجم والناطق والأبكم- فيه سواء؛ لأنا نجده مركبا في الخليقة أولا.
والآخر ضرب كان مخترعا، ثم كثر حتى استوى فيه الناس، وتواطأ عليه الشعراء آخرا عن أول، نحو قولهم في صفة الخد "كالورد" وفي القد "كالغصن" وفي العين "كعين المها من الوحش" وفي العنق "كعنق الظبي، وكإبريق الفضة والذهب" فهذا النوع وما ناسبه قد كان مخترعا، ثم تساوى الناس فيه، إلا أن يولد أحد منهم زيادة، أو يخصه بقرينة؛ فيستوجب بها الانفراد من بينهم، ومثل ذلك تشبيه العزم بهبوب الريح، والذكاء بشواظ النار، وسيرد عليك من قوافي باب السرقات وما ناسبها كثير إن شاء الله تعالى"(13).
يقدم لنا ابن رشيق هنا تفسيرا يحكمه قانون الطبيعة الإنسانية في نشاطها الرمزي القائم على إدراك التشابهات(*) أي أن التشبيه جبلة و"مركب في كل مخلوق" وهو أمر مشترك بين جميع البشر، لكن هناك في ظل هذه الممارسة العامة، إنجاز إبداعي وشخصي للفرد (الشاعر) وهو ما يسميه اختراعا؛ على أن كثر استعماله يصيره "مشتركا" وملكا لغويا عاما، أي أنه يدخل ضمن تنميط مسكوك ومقولب جاهز؛ لن يصح بصدده اتهام من أتى به، شعريا، بالسرقة؛ لكن المجال يبقى مفتوحا لإبداع تشبيهات غير مسبوقة وهو أمر يجعل الشاعر يتبوأ مرتبة ضمن تقويم الذوق الأدبي السائد. وذلك ما يشير إليه المبرد موضحا شروط التقبل:
"أحسن الشعر ما قارب فيه الشاعر إذا شبه، وأحسن منه ما أصاب به الحقيقة، ونبه فيه بفطنته على ما يخفى على غيره"(14).
يرتفع التشبيه هنا إلى مستوى شرط، أو بالأحرى مكون، في الحكم على جمالية النص الشعري، وتفضيله؛ أي أنه حين تواجده، يصير خصيصة نوعية شعرية، ولها شروط تضمن نجاحها في بناء علاقة الدلالة الشعرية التشبيهية بالقدرة الإبداعية للشاعر ومدى توافقها مع ظروف التلقي. فرتبة الشعر تزداد في سلم المفاضلة كلما استجاب "لشروط الحقيقة" من جهة، واكتسب تفرده الخاص في الخروج عن المشترك العام من جهة. لكن دون أن يخرق قواعد انتظام الأشياء في العالم وبالتالي النسق التصوري للعشيرة اللغوية التي ينتمي إليها، وفي أحسن الأحوال تكون أمامه المراوحة داخل تقاطع من الصفات والخصائص التي تجمع فيما بينها بشكل تقريبي يمكن تخريجه. وإلا فإن "إصابة الحقيقة" شرط أساسي في مقبولية الملفوظ التشبيهي جماليا باعتباره يحقق أنجحها شعريا. وفي ذلك يسود مفهوم الشاعر باعتباره يفطن إلى ما لا يفطن إليه غيره في إدراك العلائق التشابهية الموجودة بين الأشياء أي أننا هنا أمام حد للشاعر كما صاغه ابن رشيق: "وإنما سمي الشاعر شاعرا؛ لأنه يشعر بما لا يشعر به غيره"(15).
II - حد التشبيه:
لا يخلو أي مصنف بلاغي أو نقدي عربي قديم من التطرق إلى حد التشبيه؛ غير أننا لا نجد فروقا جوهرية تمايز فيما بينها؛ اللهم في تصنيفه كقول حرفي أو مجازي. ذلك أن هناك من يخرجه من دائرة المجاز(16). ونجد عند ابن رشيق تعريفا يشمل ما سبق أن تطرقنا إليه مجملا فيما قبل: "التشبيه: صفة الشيء بما قاربه وشاكله، من جهة واحدة أو جهات كثيرة لا من جميع جهاته؛ لأنه لو ناسبه مناسبة كلية لكان إياه، ألا ترى أن قولهم "خذ كالورد" إنما أرادوا حمرة أوراق الورد وطراوتها؛ (…) فوقوع التشبيه إنما هو أبدا على الأعراض لا على الجواهر؛ لأن الجواهر في الأصل كلها واحد، اختلفت أنواعها أو اتفقت؛ فقد يشبهون الشيء بسميه ونظيره من غير جنسه، كقولهم "عين كعين المهاة" وجيد كجيد الريم" فاسم العين واقع على هذه الجارحة من الإنسان والمهاة(…)"(17).
يبدو التشبيه هنا حالة من حالات الوصف ونوعا من أنواعه؛ والوصف كغرض شعري عربي، يمكن اعتباره غرضا "فارغا" مقصديا وموضوعاتيا؛ أي أنه غرض عابر لباقي الأغراض الأخرى ما دام يمكن تشغيله ضمنها مع تخصيص موضوعاتي (كوصف الحبيبة في الغزل، وخصال المميت في الرثاء، وشمائل الممدوح في المدح..) وبالتالي يكون التشبيه أيضا كآلية شعرية وصفية عابرا للأغراض الشعرية.
III - وظيفة التشبيه:
للتشبيه (وكذا الاستعارة) في التصور النقدي والبلاغي وظيفة التوضيح؛ وكشف المعاني وتمكين المخاطب منها. ويمكن اعتبار "حاجة" المتلقي لهذا الوضوح والتقريب، تمثل نوعا من القيد (أي وضعا سلطويا للمتلقي) الذي يلزم الشاعر؛ سواء كان الوضع الاعتباري للتلقي متجسدا في القبيلة أو السلطان أو المحبوب أو الممدوح الخ.
وذلك ما يؤكده ابن رشيق:
"والتشبيه والاستعارة جميعا يخرجان الأغمض إلى الأوضح، ويقربان البعيد، كما شرط الرماني(…)"(18).
لكن، لا بد من التأكيد أن هذه الوظيفة ليست حصرية ولا مستلزمة بفعل القدرة الشعرية التي يصدر عنها الشاعر في إبداعه. وقد كان أبو تمام، مثلا، حدا قصيا في الخروج عن هذه الوظيفة في إطار ما سمي بـ"الخصومة بين القدماء والمحدثين". إنها إذن تصور قام ببنائه الخطاب "النظري" البلاغي النقدي المحكوم بمقصدية التفسير والبيان.
وما يقربنا، بهذا الصدد، من إنجاز الفعل الخيالي، هو سيرورة اشتغال التشبيه -باعتبار وظيفته التوضيحية تلك. ذلك أن كيفية تقريب شيء (أو معنى)، عن طريق المشابهة، هي التي تجعله محبوبا أو مكروها، مقبولا أو مردودا، أي أنها تخلق حالة ذهنية، خيالية، من خلال الإحساس الذي يخلقه تشبيه شيء بآخر كتقديم خيالي لعنصر عن طريق استحضار عنصر آخر؛ ليجد المتلقي نفسه (ومن قبله الشاعر) في موقف ما اتجاه شيء ما. يقول ابن الأثير:
"وأما فائدة التشبيه من الكلام فهي أنك إذا مثلت الشيء بالشيء فإنما تقصد به إثبات الخيال في النفس بصورة المشبه به أو بمعناه(…).
أترى أنك إذا شبهت صورة بصورة هي أحسن منها كان ذلك مثبتا في النفس خيالا حسنا يدعو إلى الترغيب فيها.
وكذلك إذا شبهتها بصورة شيء قبيح منها كان ذلك مثبتا في النفس خيالا قبيحا يدعو إلى التنفير منها"(19).
لا يمكن إذن الحديث عن وظيفة التشبيه وعلاقته بالخيال مع إغفال شروط التلقي والأفعال الذهنية والإدراكية الحاصلة معه وعنه. ويمكننا النص الذي سقناه لابن الأثير، من الذهاب أبعد من حصرية الوظيفة التوضيحية للتشبيه، المشار إليها أعلاه، فبما أن التشبيه يقصد به "إثبات الخيال في النفس"، فهو ذو وظيفة نفسية وشعورية وجدانية أشمل، قد تتجاهل مقصد التوضيح والتفسير؛ إلى التأثير الوجداني، الذي يخلق وضعا خياليا يتأسس على الرغبة في الشيء أو النفور منه، إنه يروم استدراج المتلقي إلى موقف عاطفي اتجاه ما يقدم إليه. لكن، على الرغم من اقتران التشبيه بالخيال لدى ابن الأثير، فهو لم يكن ينظر في أفق فلسفي، إذ يرفض الأخذ بالأثر الأرسطي-اليوناني في معالجة قضايا الشعر العربي لانعدام فائدتها في نظره(20). كما أنه لم يكن ليقيم تصورا للفاعلية الشعرية باعتبارها تستند إلى الخيال. فتصوره هنا يربط الخيال بالمدرك الحسي والأثر النفسي المترتب عنه تقريب صفة من صفة أخرى على سبيل تحويل معنى إحداهما في إطار يتحدد بمعنى الأخرى للحصول، تداوليا، على موقف من طرف المتلقي (تحسينا أو تقبيحا).
وضمن هذا التصور يلعب الطرف الثاني من التشبيه (المشبه به) دورا حاسما، كمحرك لإسقاط دلالي معين على المشبه، لبناء صورة قصد إحداث توجيه فهم المتلقي. للخيال إذن، قوة تماثل الإقناع الخطابي (البلاغي)؛ لأن المقصد والهدف الذريعي هو المحدد لبناء تركيب التشبيه في النص الشعري.
وتحصل علاقة المشابهة، إذن؛ ليس بالضرورة بين الشيئين كما هما في الواقع، بل بين صورتين (حسيتين أو ذهنيتين) أي بين معنيين. لكن الدلالة النصية تقوم، بالدرجة الأولى، على إعادة إنتاج دلالية الأشياء كما يعاملها ويتداولها الذوق العام، وهو حسي بالأساس، ومعياري أيضا (حسن، قبح، ترغيب، ترهيب، وتنفير..)؛ هل نقول إنه يهدف إلى الحصول على "موقف جمالي"؟ لا نستطيع الحسم.
وتحيل أولوية التشبيه هنا، إلى اعتبار الخيال نتيجة نفسية (مادية) وليس عملا فنيا في إنتاج الدلالة النصية باستقلال عن الشاعر والمتلقي؛ خاصة وأن ابن الأثير يتحدث عن "الكلام" دون تخصيص الشعر.
ويمكننا إضاءة جوانب من مشكل العلاقة بين التشبيه ومرجعه (الأشياء-الوقائع/دلالة الملفوظ التشبيهي)؛ من خلال ما طرحته بعض التشبيهات القرآنية من جدل؛ خاصة حين يكون الملفوظ يحيل على مرجع ليس له اي "ما صدق" يمكن إدراكه حسيا وذلك نجده في التشبيهات ذات الماصدق الفارغ (كالغول، الشياطين، الجن) لأنها تحيل على حالة أشياء أو وقائع غير مرئية ولا مسموعة، إجمالا: غير ملموسة في الواقع. نتلمس هذا الإشكال لدى المبرد:
"قال الله عز وجل: وله المثل الأعلى(…) "طلعها كأنه رؤوس الشياطين [ النور، 35]؛ وقد اعترض معترض من الجهلة الملحدين في هذه الآية فقال: إنما نمثل الغائب بالحاضر ورؤوس الشياطين لم نرها، فكيف يقع التمثيل بها وهؤلاء في هذا القول؟ كما قال عز وجل: "بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتيهم تأويله" [ يونس ، 39] وهذه الآية قد جاء تفسيرها ضربين، أحدهما: أن هناك شجرا يقال له الأستن(*) منكر الصورة، يقال لثمره: رؤوس الشياطين، وهو الذي ذكر النابغة في قوله: (تحيد من أستن سود أسافله). وزعم الأصمعي أن هذا الشجر يسمى الصوم. والقول الآخر: وهو الذي يسبق إلى القلب أن الله جل ذكره شنع صورة الشياطين في قلوب العباد وكان ذلك أبلغ من المعاينة ثم مثل هذه الشجرة بما ينفر منه كل نفس"(21).
يتأكد، مرة أخرى، أن قضايا التشبيه، كانت مجالا لمناقشة علاقة المعنى والحقيقة والعالم (الواقعي)؛ بالتالي طرقا لأشكال أساس الفعل الخيالي (أنطولوجيا). فموقف القدماء كما يبين ذلك المبرد، لم يكن واحدا؛ فهناك من يذهب مذهبا حرفيا في قراءة الملفوظ التشبيهي ليجد معادلا واقعيا لـ"رؤوس الشياطين" وبالتالي نكون هنا أمام رفع إشكال الماصدق الفارغ. وهناك اتجاه آخر، تأويلي، يأخذ بمقاصد الكلام النهائية، يثبت الفراغ الواقعي للملفوظ، محتفظا بمفهومه، على أساس وظيفته في مجمل الفعل الخطابي ومغزاه العام وهو ما يسايره المبرد ويراه صحيحا والاعتراض المنكر لهذا القول، أصلا، آت من كونه يخرق قاعدة من قواعد التشبيه التي كانت سائدة وهي: تمثيل الغائب بالحاضر (المشبه يكون غائبا (متخيلا) أما المشبه به فهو الحاضر).
فالتشبيه في الآية يقوم على تمثيل غائب بغائب آخر: طلع شجرة الزقوم وهي في جهنم كواقع غيبي يخبر عنه القرآن، ورؤوس الشياطين. وبهذا الخصوص نقترب من اتجاه المبرد في التأويل؛ لأنه حتى لو أخذنا "رؤوس الشياطين" كوحدة معجمية مركبة تحيل على مسمى (شجر معين) فإن التسمية نفسها تحيل على تشبيه آخر لهذا الشجر نفسه بالشياطين. وبالتالي لن يمتلئ الما-صدق تماما؛ مما يجعل إدراكه متعذرا بالحس ولا بد من فعل لتخيله. ولا يقتصر المبرد على القرآن بهذا الصدد، بل يورد أبياتا شعرية؛ بهذا الخصوص كقول امرئ القيس:
أتوعدني والمشرفي مضاجعي ومسنونة زرق كأنياب أغوال
معلقا على ذلك بقوله: "والغول لم يخبر صادق قط أنه رآها"(22)؛ مضيفا: "فمن الإفراط في السرعة، قول ذي الرمة:
كأنه كوكب في إثر عفريــــة مسوم في سواء الليل منقضـب
يقال عفريت في معنى واحد، والتاء في عفريت زائدة وهو ملحق بقنديل، يقال (فلان عفرية زبنية والزبنية المنكر وجمعه زبانية وأصله من الحركة يقال زبنه إذا دفعه ويقال: عفرية نفرية على التوكيد (وعفريت نفريت..)"(23).
فالأغوال والعفاريت لا يمكن تأكيد رؤيتها، ولا تمكين ذلك ممن يطلبه، إنها "متخيلة" دائما حتى في مستوى استعمالها اللغوي العادي. ما يهم إذن هو الأثر الدلالي والنفسي لهذه التشبيهات وما تخلقه لدى المخاطب من "خيال" يثبت في النفس صورة ما على أساس عرف تداولي يحدد معنى ما لا يمكن إرجاعه إلى مرجع واقعي معطى. وهو ما يدفعنا إلى اعتبار تكامل وظيفة التفسير بوظيفة التأثير في القول التشبيهي، دون الخروج عن حدود المقبول والمعقول من طرف الحس المشترك.
ونعود إلى استعمال ابن الأثير لمصطلح "الخيال" في النص الذي ذكرناه وربطه إياه بالتشبيه؛ فالملاحظ أنه استعمال غير شائع لدى النقاد والشاعريين القدماء؛ وكما يرى محمد بنيس (1990) فـ"الأسبقية لدى العرب القدماء في استعمال "التخييل" تعود لاعتبارهم "الخيال" منافيا للحقيقة"(24)؛ ذلك أن المفترض أن يستعمل "التخييل" لكن ما يبرر هذا الاستعمال، في نظرنا، هو رفض ابن الأثير لهذا المصطلح لأنه "ذو نسب فلسفي، قبل أن يكون مصطلحا نقديا وبلاغيا"(25) ما دام يرفض اقتراض ما جاء به الفلاسفة من الثقافة اليونانية ويرى لا جدواه. فالأمر إذن ينطوي على موقف محدد وليس صدفة؛ ليكون استثناء يؤكد القاعدة؛ هذا إضافة إلى أنه لا يمكننا الجزم باعتبار أن استعمال ابن الأثير تم لديه على سبيل الاصطلاح لأنه لا يشير إلى ذلك.
ونجد لدى السكاكي في "مفتاح العلوم" تفصيلا للقضايا السالفة، إضافة إلى استيعابه لمن سبقه في تناولها. ونستند هنا إلى موقفه في تصنيف علائق طرفي التشبيه لأنه يضيء ويحدد ما طرقه البلاغيون والنقاد بشكل أو بآخر؛ يقول:
".. النظر في طرفي التشبيه المشبه والمشبه به؛ إما أن يكونا مستندين إلى الحس: كالخد عند التشبيه بالورود، في المبصرات، كالاطيط عند التشبيه بصوت الفراريج في المسموعات، وكالنكهة عند التشبيه بالعنبر في المشمومات، وكالريق عند التشبيه بالخمر في المذوقات، وكالجلد الناعم عند التشبيه بالحرير في الملموسات. وأما ما يستند إلى الخيال: كالشقيق عند التشبيه بأعلام ياقوت منشرة على رماح من الزبرجد، فهو في قرن الحسيات ملزوز، تقليلا للاعتبار، وتسهيلا على المتعاطي. وإما أن يكونا مستندين إلى العقل: كالعلم إذا شبه بالحياة، وإما أن يكون المشبه معقولا، والمشبه به محسوسا: كالعدل إذا شبه بالقسطاس، وكالمنية إذا شبهت بالسبع: وكحال من الأحوال إذا شبهت بناطق أو بالعكس من ذلك: كالعطر إذا شبه بخلق كريم.
وأما الوهميات المحضة كما إذا قدرنا صورة وهمية محضة مع المنية مثلا، ثم شبهناها بالمخلب أو الناب المحققين، فقلنا: افترست المنية فلانا، بشيء هو لها شبيه بالمخلب أو بشيء هو شبيه لها بالناب، أو مع الحال ثم شبهناها باللسان، فقلنا: نطقت الحال بشيء هو لها شبيه باللسان، فملحقة بالعقليات. وكذا الوجدانيات كاللذة والألم، والشبع والجوع؛ فاعرفه!"(26).
يقدم لنا السكاكي، هنا، صورة عن التعدد الذي تحيل إليه العلاقة بين طرفي التشبيه؛ من حيث المصدر والآلية الذهنية والمعرفية اللذين يسندان الملفوظ التشبيهي؛ وكذا من حيث إدراك عناصره. فللتشبيه إذن ثلاثة مصادر أو آليات إدراكية يقوم عليها في المجموع وهي: الحس والخيال والعقل. أما الوهمي المحض فهو ملحق بالعقل، ويمكننا أن نلحق "الوجدانيات" إما بالحس أو الخيال حسب الظروف والمحتوى الدلالي للملفوظ. يدخل الخيال إذن كآلية من آليات إنتاج التشبيه دون الاقتصار على الحسي والعقلي فقط إلا أننا نلاحظ قلة الاستشهاد بصدد التشبيه "الخيالي"؛ وكذا عدم التحديد الدقيق للمفهوم. وما يهمنا هنا هو اعتبار أن الخيال يتقاسم مع الحس والعقل مكان التشبيه.
على أن ما يحول دون تحديد "الخيال" لدى السكاكي، هو استراتيجية الاستدلال بالمثال؛ أي الحد بالمثال وليس بالمفهوم والتجريد. لكن تعقيبه على المثال الوحيد المقدم (عكس الأمثلة الأخرى) لما "يستند إلى الخيال" من التشبيه، يؤشر على المكانة المهزوزة التي يكسبها بالمقارنة مع المحسوس والمعقول يقول: "فهو في قرن الحس ملزوز، تقليلا للاعتبار وتسهيلا على المتعاطي"؛ إضافة إلى أن التداخل والاشتراك في التشبيه الواحد يمكن أن يحصل ما بين المحسوس والمعقول دون أن يحصل أي تداخل مع "المخيل" ويمكننا أن نتلمس نوعا من العلاقة المبهمة بين الخيال والحس؛ بل إن الأول ربما يكون منحدرا من الثاني، من خلال تعبير السكاكي خاصة وإن هناك تقابلا "للوهميات المحضة" مع الخيال الذي كان من الممكن إلحاقها به؛ بما أنه (الخيال) يحيل على الوهمي. وهذا التقابل يجسده إلحاق "الوهميات" تلك بالعقل لا بالخيال. وهو ما يمكن أن نعتبره فصلا بين الخيال والوهم المحض. ويجد المرء نفسه، مع السكاكي، إزاء قضايا شائكة أكثر، تتطلب الدرس والتأمل العميقين. فمثلا، لا نعثر على مبرر يقدمه لاختزال التقسيم الثلاثي السالف إلى قسمين فقط حين يتعرض لوجه التشبيه؛ فهذا الأخير إما أن يكون حسيا أو عقليا أو مشتركا بينهما(27). إقصاء للخيال تماما بعد أن كان له مكان معلوم. ثم إن هذا الإقصاء يتحول إلى تعديل مفهومي له دلالته، حين يتعرض لأقسام الاستعارة وخاصة التي يسميها بـ"التخييلية" وليس "الخيالية" كما هو متوقع؛ ونجد في ما توصل إليه محمد بنيس من إعطاء القدماء أسبقية للتخييل على الخيال، ما يفسر لنا، إبستمولوجيا هذا التعديل(28). فالتخييل مرتبط بالقعلي عكس الخيال (المنافي للحقيقة)؛ لذلك فاستعمال "التخييلية" هنا يرجع إلى اشتغال النسق وليس تنافضا فجا؛ خاصو وأن السكاكي يقصد بها ما أسماه سابقا بـ"الوهيمات المحضة" وهي ملحقة بالعقلي:
"[الاستعارة التخييلية مع القطع ] هي أن تسمي صورة متحققة، صورة عندك وهمية محضة.."(29) فلماذا يبقى "الخيال" إذن مبعدا؟ هل كان استعماله مرة أخرى، مجرد انفلات مفهومي، استثناء لا غير..؟
أسئلة يحدد الإجابة عنها السياج العقلاني للبلاغة العربية.
IV - بين التشبيه والاستعارة: بنية المشابهة:
ينتمي تصور الاستعارة في البلاغة والشعرية العربيتين، إبستمولوجيا، إلى النظرية التشبيهية-الاستبدالية، ملتقية بذلك مع التصور المنحدر من البلاغة الأرسطية والسائد في البلاغة الغربية إلى يومنا(30). لذلك فإن سيرورة قراءة القول الشعري الاستعاري تتم بالبحث عن بنية تشبيهية وهو ما يؤكده التحليل العميق الذي قام به جابر عصفور لأنماط الصور الفنية في التراث النقدي العربي القديم وهو تحليل يرفد الأولوية التي أعطيناها للتشبيه في تناول قضايا "الخيالي" في هذا المضمار؛ ذلك أنه صار من أهم طرق الاستدلال البلاغي والنقدي؛ دون تفاصيل نستند إلى قراءة عصفور: ".. ومن تم يمكن أن يقال إن إيثار التشبيه عند العرب أمر يرتد إلى نظرة عقلانية صارمة، تؤمن بالتمايز والانفصال وتنفر من التداخل والاختلاط، وترفض -في حزم- كل ما يبدو خروجا على الأطر الثابتة والمتعارف عليها"(31).
ولم يكن للاستعارة، أيضا، "شرعية القبول إلا عن طريق ردها إلى التشبيه، حيث ما كان واحد منهم يتقبلها، ويخلع عليها صفة الشرعية في الشعر، أو غيره، إلا إذا تيقن أن مخرجها مخرج التشبيه، أعني مبدأ التناسب والمطابقة المادية"(32). وعصفور، هنا، يستعيد راي قدامة بن جعفر؛ وهو من النقاد الصارمين في رسم حدود الأشياء بنظرته المنطقية، على أن هذا الأمر لا يحول دون تعميم هذا التصور. ويقول قدامة:
"وقد استعمل كثير من الشعراء الفحول المجيدين أشياء من الاستعارة ليس فيها شناعة كهذه وفيها لهم معاذير إذا كان مخرجها مخرج التشبيه"(33).
كما أن عبد القاهر الجرجاني يذهب إلى أن الاستعارة منحدرة من التشبيه بل إن هذا الأخير هو ما يؤسسها:
"والتشبيه كالأصل في الاستعارة، وهي تشبيه بالفرع له أو صورة مقتضبة من صوره"(34).
بل إن السكاكي سوف يعتبر هذا "الأصل" (التشبيه)، من حيث الإجادة فيه، دليل المقدرة والمهارة في إنشاء البيان وفنونه؛ يقول مسايرا تصور الجرجاني أعلاه:
"ثم إن المجاز، أعني الاستعارة، من حيث إنها من فروع التشبيه كما ستقف عليه، لا تحقق بمجرد حصول الانتقال من الملزوم إلى اللازم، بل لا بد فيها من تقدمة تشبيه شيء بذلك الملزوم في لازم له، تستدعي تقديم التعرض للتشبيه، فلا بد من أن نأخذ أصلا ثالثا، ونقدمه، فهو الذي إذا مهرت فيه ملكت زمام التدرب في فنون السحر البياني(35). إن إتقان التشبيه (باعتباره أصلا) والتحكم في طرقه، يكفيان لتكون "قدرة بيانية أو شعرية، خاصة فيما يهم إنجاز قول مجازي "ناجح". إنه، حسب السكاكي، "زمام فنون السحر البياني".
لكن الإشكال يظل قائما ليس في هذا الوضع الاعتباري بحد ذاته، بل في نوعية التشبيه والمدى الذي يمكن للاستعارة أن تبلغه. ونجد لدى عبد القاهر حدا يبين أهم ما يميز التشبيه، من حيث استعماله، ومحتواه الدلالي حين يتراوح بين الوضوح (يكون شفافا) والغموض (يكون كثيفا)؛ فهو إما ظاهر مباشر أو خفي بعيد؛ وهو ما يخرق مفهوم القرب لدى ابن رشيق وغيره؛ يقول عبد القاهر:
"اعلم أن الشيئين إذا شبه أحدهما بالآخر كان ذلك على شربين: أحدهما أن يكون من جهة أمر بين لا يحتاج فيه إلى تأول(…)؛ أن يكون الشبه محصلا بضرب من التأول"(36).
هناك إذن تشبيه واضح، جلي، متداول وشائع؛ إنه محسوس يكون "فيما يدخل تحت الحواس"(37) وآخر لا بد فيه من التأويل وإعادة البناء ليستقيم ويتضح؛ وفيه ما يسهل تأويله، و"منه ما يحتاج فيه قدر من التأمل، ومنه ما يدق ويغمض حتى يحتاج إلى استخراجه إلى فضل روية ولطف فكر"(38). فالضرب الأول يكفي الحس لإدراكه، بينما الثاني يحتاج إلى تأمل عقلي. وهذا التقسيم الثنائي هو نفسه الذي أشرنا، سابقا، إلى توسيعه من طرف السكاكي ليصير ثلاثيا بإضافة ما يرجع إلى الخيال (انظر أعلاه)؛ لكن مع احتفاظه بالبعد الثنائي (عقلي/حسي) أثناء التطبيق والتناول.
إن الضرب الأول يعيد إنتاج العلاقات الواضحة للعيان فيما يكشف الضرب الثاني عن علاقات خفية ولذلك يظل في حاجة إلى تأمل وروية؛ يقرر بعد هذا العقل حدود الأشياء والقضايا، ويميز الحقول الدلالية عن بعضها؛ فما قبله العقل إياه، كان مقبولا وما خرج كلية عن قوانينه يعتبر خارقا لقاعدة التأويل نفسها، ومجالا فاسدا أو في أحسن الأحوال تخييلا؛ ووهما لا حقيقة له(39).
ويبقى مدى قدرته على خلق نفسية لدى المتلقي سلبا أو إيجابا، هو ما يحدد الحكم عليه. وما يهمنا في هذا السياق، هو اعتبار التشبيه (أو المشابهة عامة) ذي أصل عقلي، تماما، من الناحية المعرفية، لدى عبد القاهر، وهو تركيز لتصور عام في الشعرية العربية والبلاغة العربية القديمتين.
فليس اختفاء عناصر التقارب ةالتشابه المباشرة بين حدين مختلفين، مفضيا إلى عمل إبداع وخلق معنى جديد بالمرة، بل يدل ذلك، فقط، على أن مسار البرهنة على وجود المشابهة أكثر تعقيدا مما هو الأمر في التشبيه الصريح العلائق، أو الاستعارة القريبة؛ هذا ما يؤكده عبد القاهر: ".. ولم أرد بقولي إن الحذق في إيجاد الائتلاف بين المختلفات في الأجناس أنك تقدر أن تحدث هناك مشابهة ليس لها أصل في العقل، وإنما المعنى أن هناك مشابهات خفية يدق المسلك إليها، فإذا تغلغل فكرك فادركها فقد استحققت الفضل ولذلك يشبه المدقق في المعاني كالغائص على الدر"(40).
لذلك لا يخرج المدى المفهومي الأقصى لفعل المشابهة، لا في التشبيه ولا في الاستعارة، عن المدرك الحسي والعقلي، لأنه لا بد أن يمثل علائق حاضرة وحقيقة أنطولوجيا أو نفسيا، على سبيل العرف. وللحقيقة هنا حدودها وسلطتها المعيارية، العاملة على ضبط شروط الصدق والمطابقة مع الواقع ومعايير العقل، دون تمييز التشبيه عن الاستعارة: ".. وإن قيل شبهت ولا نعني في كونك مشبها أن تذكر حرف التشبيه أو تستعير، إنما تكون مشبها بالحقيقة بأن تذكر الشبه وتبينه ولا يمكنك بيان ما لا يكون، وتمثيل ما تتمثله الأوهام والظنون"(41).
إن عبد القاهر يقصي كل ما ينتمي إلى الوهم أو الظن وما يستحيل وجوده، في حد التشبيه والاستعارة؛ وهو ما يسوغ تمييزه بين الاستعارة والتخييل وهو ما يبني عليه م.بنيس قراءة الجرجاني بهذا الصدد: "ولهذا كان التخييل عنده معارضا للاستعارة (…) وينسحب هذا التعارض على تفاعل التخييل مع الكذب والاستعارة مع الصدق(…)"(42).
ومع ذلك يبقى الجرجاني مترددا وغير حاسم فيما بين هذين المفهومين في مختلف تطبيقاته القرائية. ما يترتب عن هذا الوضع عامة هو ضرورة خضوع القول التشبيهي (استعارة وتشبيها) لقاعدة أساس هي الاستجابة للتأويل أي أن يكون قابلا للتأويل في حالة غموضه، أو التأول بتعبير عبد القاهر:
".. لأن حقيقة قولنا "تأولت الشيء" أنك تطلبت ما يؤول إليه من الحقيقة أو الوضع الذي يؤول إليه من العقل لأن "أولت وتأولت" فعلت وتفعّلت من آل الأمر إلى كذا يؤول إذا انتهى إليه والمآل المرجع(…)"(43).
لا بد إذن أن يؤدي الاستدلال في قراءة القول التشبيهي إلى العقل والحقيقة في آخر المطاف. فالعلاقة الممكنة بين الدلالات (القضايا) المنتجة من طرف القول التشبيهي هي الإحالة على مرجع وهيئة وحركة ومعنى في إطار مقبولية عقلية وواقعية حسية، ومن تم لا يقبل من القول الشعري أن يفقد ما صدقه الوجودي إلا بشرط المواضعة أو "العرف التداولي" كما سبقت الإشارة، أي الخضوع لقوانين التبادل الخطابي الثقافي السائدة. لذلك لا تقبل تجاوزات هذا القول حدود المنطقي العقلي والمألوف أو "سنن العرب وتقاليدها" كما يسميها ابن طباطبا(44). وفي أحسن الأحوال تؤول هذه التجاوزات إلى مفهوم المبالغة أو الادعاء كما يسميه عبد القاهر؛ وهو الاقتراب الممكن والمسموح به من ما هو "خيالي"؛ مع الأخذ بعين الاعتبار الغرض منه وهو حصول التأثير النفسي لدى المتلقي.
وهذا المجرى التأويلي العقلاني هو نفسه ما يسوغ للجرجاني (عبد القاهر)؛ مرة أخرى الجمع بين الاستعارة والتشبيه باعتبار أنهما ينتميان إلى منطق استدلالي واحد؛ ليصير الفرق بينهما ليس في الجوهر بل في الدرجة لا غير: "فالتشبيه ليس هو الاستعارة ولكن الاستعارة كانت من أجل التشبيه وهو كالغرض فيها، أو كالعلة والسبب في فعلها"(45).
إن المعنى الشعري الذي يحدث بفعل هذا الإدراك للمشابهات ليس وليد الفعل اللغوي الشعري إياه؛ بل إن له وجودا سابقا على تحققه لغة وعلى هذا الإدراك نفسه. وإنما للشاعر ميزة البحث والجهد في العثور عليها، على خفائها؛ ذلك ما تقوم بترسيخه الاستعارة "الواصفة": "كالغائص على الدر" فالشاعر كالغائص الماهر يغوص في بحر المعاني، ليعثر على الدر (المعاني الخفية). فيكون حظ الشاعر هو استحقاق البحث والجهد والعثور لا الخلق والإبداع: "فإنما استحققت الأجرة على الغوص، وإخراج الدر، لا إن الدر كان بك، واكتسى شرفه من جهتك، ولكن كان الوصول إليه صعبا وطلبه عسيرا ثم رزقت ذلك. وجب أن يجزى لك ويكبر صنيعك"(46).
أما الشاعر الذي يخرق حدود هذا المخطط المنضبط لحدود الأشياء واختلافاتها؛ فيشبه ويستعير دون مراعاته، فلن يكون سوى "بمنزلة الصانع الأخرق في تأليفه وصوغه الشكل بين شكلين لا يلائمانه ولا يقبلانه حتى تخرج الصورة مضطربة وتجيء فيها نتو، ويكون للعين عنها، من تفاوتها نبو"(47).
خلاصة ومحاولة تعميم:
هل يمكننا، من خلال كل ما سلف، تعميم الأولية التي حظي بها التشبيه لدى البلاغيين والشاعريين القدماء، وعلى مسار طرح قضايا "الخيالي" و"الشعري"؟ أي، أليست الصيغة التشبيهية هي التي تحكمت وصارت مكونا أولي توليديا في ضبط حدود الخيالي في علاقية بالشعري؟. لقد صار التشبيه، كما بينا، بمثابة العلة أو الحد الأوسط في بناء القول الاستعاري الذي كان مثار جدل و"خصومة" بين القدماء والمحدثين؛ في الشعرية العربية القديمة. كما أن البحث عن وجه الشبه ترسخ كمسار استدلالي بلاغي ونقدي في حدود المعقولية والمقبولية التأولية في العقل أو العرف العام. في هذا الاتجاه نستدعي تصور محمد عابد الجابري، حول إواليات النظام المعرفي للعلوم الإسلامية والذي يمركزه إبستيميا حول ما يسميه بأ"النظام المعرفي البياني" وهو مساو عنده للتشبيه(48).
إلا أنه لا بد من التمييز بين عدة تداخلات مفهومية تظل متضايفة أثناء تناولنا، وكذا متفاوتة في ظل محاولتنا التعميم وبالتالي لا تكف تضافراتها عن الاشتغال والتشويش حتى على هذا الطرح برمته؛ خاصة وأننا لم نستوف جميع النعطيات التي تخول خطوة كهذه، لذلك نقدم هذه الصنافة السريعة، استخلاصا، مما سبق تناوله: فنجد أن هناك:
1 - التشبيه كممارسة كلامية عامة أو شعرية مخصوصة: أي كسلوك لغوي طبيعي يمارسه المتكلم، الخطيب، الشاعر، والقرآن..
2 - التشبيه: وقد صار ذا وضع اعتباري تداولي ومسكوك؛ أي أن هناك تشبيهات بعينها ترسخت كنمط خطابي جاهز ومكرور في إطار "السوق اللغوية" أو الذوق الأدبي السائد.
3 - التشبيه: كوجه بلاغي وتقنية شعرية؛ أي المعطى التشبيهي وقد بناه الخطاب النظري الواصف للبلاغة والشعرية العربيتين القديمتين؛
4 - التشبيه: كآلية عامة في التفكير، أي آلية معرفية إدراكية؛ إنها المشابهة أو إدراك التشابه بين الأشياء بعامة.
ويبدو لنا أن الصنف الأخير هو أشمل وأعم. وهو ما يسمح باعتباره، كآلية ذهنية، المكون الأساسي في بناء نظرية بصدد الوضع الأنطولوجي والجمالي للخيالي. وهو لا يستعيد، بالضرورة، مفهوم المحاكاة الأرسطية، بل يوازيه نظريا. ومن تم يمكننا تناول علاقة الاستعارة بالخيال بما هي جسر يؤكد سيادة التشبيه والمشابهة.
وبذلك يمكن اعتبار التشبيه (المشابهة) أساسا و"أصلا" في مقاربة العلاقة بين "الخيالي" و"الشعري" بما تطرح من قضايا تهم علاقة المعنى بالحقيقة؛ في الشعرية العربية القديمة؛ وبهذا الخصوص يمكن الذهاب إلى أنها اشتغلت لإنتاج "شعرية المشابهة" كما يسميها أحمد الطريسي(49).
ومطلب هذه المشابهة الوضوح والتفسير، وسياجها العقل والاستدلال(50). لكن كيف تشتغل آلية التشبيه (المشابهة) في تحديد مفهوم الخيال؛ كيف يتم اختزال هذا الأخير إلى مكون المشابهة بفروعه؟ ذلك ما سنحاول تناوله انطلاقا من عبد القاهر الجرجاني.
V - حدود الخيالي/البلاغي-الشعري:
إن الأهمية المركزية التي اكتسبها التشبيه (بمعناه الواسع كمشابهة) في الممارسة الشعرية والبلاغية العربيتين القديمتين هي ما يدفعنا إلى افتراض أنه محدد؛ في بناء مفهوم التخييل لدى الجرجاني (وغيره). فالتشبيه علة الفعل الخيالي عامة، وذلك ما يقوم به عبد القاهر من خلال "البرهان بالخلف". فالتخييل لا يأخذ حدا إلا باختلافه عن الاستعارة(51).
غير أن تناول عبد القاهر للتخييل والاستعارة، رغم الإقرار بهذا التمييز الحاسم، يظل يطرح علينا التباسات كثيرة، ليس من حيث المفهوم، بل من حيث الاستقراء والإنجاز على طول تشعبات "أسرار البلاغة"
وبما أن للتشبيه (والاستعارة) وضعه الحقيقي فإن الفعل الخيالي بحسب الجرجاني (أي التخييل)؛ لا يقوم سوى على سلب هذه الإمكانية؛ عن طريق استراتيجية شعرية هي التناسي (تناسي حقيقة التشبيه) والادعاء والمبالغة.
ونلاحظ انسجام المسار الاستدلالي لعبد القاهر؛ حيث إلى جانب تقسيم التشبيه إلى ظاهر وخفي؛ يجعل التخييل صنفين: الأول أصله تشبيه يتم تناسيه وادعاء إقرار حقيقة القول في منطوقه، لكنه، مع ذلك، يحتفظ بنوع من العلة الظاهرة (علة التشبيه)(52). أما الثاني فهو بدون تعليل: "وهو يرجع إلى ما مضى من تناسي التشبيه وصرف النفس عن توهمه(…) بيان ذلك أنهم يستعيرون الصفة المحسوسة من صفات الأشخاص للأوصاف المعقولية؛ ثم تراهم كأنهم قد وجدوا تلك الصفة بعينها، وأدركوها بأعينهم على حقيقتها، وكأن حديث الاستعارة والقياس لم يجر منهم على بال، ولم يروه ولا طيف خيال، ومثاله استعارتهم العلو لزيارة الرجل على غيره في الفضل والقدر والسلطان.."(53). ومن هذين الصنفين سوف يفرع ضروبا أخرى سنتناولها فيما بعد.
فهذا الصنف الثاني -غير المعلل- تخييل يقوم على إلغاء تام لحدود القياس الذي يمثله التشبيه، بحيث ينكر وجوده، ويفقده مرجعيته، بالتالي نكون أمام استحالة أي تحقق واستدلال على المعنى المراد في العقل، لكن هذا الإلغاء لا يمس الوضع الأنطولوجي للتشبيه أو الاستعارة؛ بما أن الجرجاني يقرهما؛ ذلك أن هذا الضرب نفسه يقوم من حيث تبريره، على مقوم تشابهي لا غير، فالذاهب في هذا الضرب من التخييل؛ إنما يشتبه لديه أنه لا تشبيه؛ فالإدراك هنا لـ"تلك الصفة بعينها" و"حقيقتها" حادث على سبيل التشبيه "كأنهم.." و"كأن حديث الاستعارة والقياس لم يجر منهم على بال.."؛ دون أن يحصل قطعا؛ وعيا وعقلا.
بالتالي فإن إلغاء المكون التشبيهي لا يقيم حدا أنطولوجيا، مقامه، سوى الحد التشبيهي ذاته، لأنه سوف يكون إلغاء اتفاقيا ومؤقتا؛ يضفي على مقال التخييل صفة الادعاء والخداع والإيهام (الفني). بغرض إحداث أثر نفسي وإيصال مغزى معين منبعث من موقف انفعالي (شعوري) تستجيب له الرغبة والميول لدى المتلقي. وهي استجابة تقتضي تمثل هذا الإيهام لمعنى لا عقلي. وذلك أن عبد القاهر يصنف المعنى إلى قسمين: عقلي وآحر لا عقلي (أي تخييلي)؛ فالأول يجري مجرة الاستنباط العقلي(54). أما الثاني (التخييلي):
: فلا يمكن أن يقال إنه صدق؛ وإن ما أثبته ثابت، وما نفاه منفي؛ وهو مفتن المذاهب، كثير المسالك، لا يكاد يحصر إلا تقريبا.."(55).
ويقوم التخييل الذي بدون تعليل على ادعاء حصول أنطولوجي لمنطوق الكلام، وإلغاء مرجعية التجوز وأعمال المجاز. ويستقري عبد القاهر مظاهره من خلال كثير من النصوص الشعرية(56) مقررا أن "التشبيه فيها قد نسي وأنسي وصار كما يقول الشيخ أبو علي فيما يتعلق به الطرف أنه شريعة منسوخة"(57).
يستهدف فعل التخييل إياه إحداث تحول نوعي في طريقة استقبال المتلقي للملفوظ، كما قلنا، ليصير إلى حال الاستغراب والتعجب والتمتع.
إلا أن ذلك لا يحصل، لدى عبد القاهر، إلا إذا كان المتلقي "المتصفح للكلام حساسا يعرف وحي طبع الشعر، وخفي حركته التي هي كالهمس، وكمسرى النفس في النفس.."(58).
وإذا كان الفعل الخيالي متأصلا في هذه الإوالية التشبيهية وتظل مضمرة فيه فإن عبد القاهر يقدم، عكس غيره (ابن الأثير مثلا)، حدا دقيقا لمفهوم التخييل ومختلف تمظهراته.
VI - التخييل واستقراؤه عند الجرجاني:
يقدم عبد القاهر حدا للتخييل من حيث وجوده وعلاقته بالحقيقة؛ يجمل ما سلف أن تعرضنا له: "وجملة الحديث الذي أريده بالتخييل ههنا ما يثبت فيه الشاعر أمرا غير ثابت أصلا، ويدعي دعوى لا طريق إلى تحصيلها، ويقول قولا يخدع فيه نفسه، ويريها ما لا ترى"(59).
إن الدقة والروية التي يصدر بها عبد القاهر الجرجاني أحكامه وآراءه، بالإضافة إلى الأمانة في الإشارة إلى ما هو عام لدى الجمهور أو مخصوص عند غيره من العلماء؛ هي التي تدفعه إلى اعتبار هذا الحد "رأيا شخصيا"؛ بالتالي نتساءل لماذا لم يثبت الجرجاني أي تنسيب لمفهوم "التخييل"؟ ألأنه صار متداولا؟ لكن لماذا يقرر أن هذا التعريف يخصه هو ("أريده") ويخص مقاما معينا ("ههنا")؟ لا شك أن قراءة تعتمد اختراق النسق المعرفي بكامله للجرجاني، (كقراءة محمد بنيس) تلغي هذه الأسئلة من أساسها وتصير عديمة الجدوى أي أنها تقوض، معرفيا، هذه الأسئلة وتفرغها من مسبقاتها الجاهزة. وما نأخذه ونسترشد به من هذه القراءة هو هذا الإبعاد ذاته للمسبقات، لأنه يضيء لنا المآزق والمحارج قبل الركون (أو دونه) إلى جواب ما. فالدخول في حوار مع الجرجاني بهذه الكيفية، لا يفتأ يربكنا ونربكه.
فإذا كان التخييل "ههنا ما يثبت فيه الشاعر أمرا غير ثابت أصلا"، فهل يخرج عن حده كل ما يثبت فيه الشاعر أمرا ثابتا أصلا أو كل ما لم يثبت فيه غير الثابت أصلا؟ وهل يمكننا بالتالي تحديد التخييل بحالات أو مواقف شعرية دون غيرها؟ يبدو أن التخييل هنا لا ينسحب على مجمل الخطاب الشعري، بل يهم ما يستعصي الطريق إلى تحصيله؛ وما يكون موقع الشاعر، أثناء قوله، مكان الذي يخدع نفسه (كيف يخدع نفسه؟) فيه قبل غيره، (هل هو مجنون؟)؛ ومكان الذي يري نفسه ما لا ترى (هل هو ساحر أو راء؟). أما ما عدا ذلك فلن يدخل في التخييل.
إن التخييل نسيان تام للتشبيه والاستعارة، بما لا يدع طريقا لتحصيلهما، مع ادعاء المطابقة والصحة في القول، غير أن المسافة التي تفصل التخييل عن الحقيقة (حقيقة ما وضع له الكلام عادة) غير ثابتة؛ فلكل فعل تخييلي على حدة موقعه الخاص به ولا يمكن قياسه على فعل آخر. ويقدم عبد القاهر استقراء لبعض من هذه المسافات، لأن الاستقراء في رأيه هو السبيل الوحيد لتناول التخييلات.
فهناك تخييل أقرب إلى الصدق تجسده الآداب والحكم البريئة من الكذب(60) وهنا يوسع الجرجاني مفهوم التخييل ليشمل ما هو بريء من الكذب وهو، لديه، ضرب تظهر فيه حدود القياس والتعليل بحيث يقبله العقل: "ومن هذا النمط أنه تخييل شبيه بالحقيقة لاعتدال أمره وإن ما تعلق به من العلة موجود على ظاهرها قوله:
ليس الحجاب بمقص عنك لي أملا إن السماء ترجى حين تحتجب"(61).
جلي أن معيار القبول العقلي، هو ما يبرر مشروعية هذا التخييل ال"أقرب إلى الصدق"؛ لأنه يحتوي تعليلا وقياسا.
وهناك نوع آخر يتجلى في "دعواهم في الوصف هو خلقة في الشيء وطبيعة أو واجب على الجملة من حيث إن ذلك الوصف حصل له من الممدوح ومنه استفادة"(62) فهنا تكون الصفة خصيصة محايثة لطبيعة الموصوف، بفعل الادعاء، لكن أصل هذه الصفة تشبيه لم يعد بينا، بسبب الدعوى أو الادعاء إياه؛ ومحو هذا الأصل هو ما يزيد مسافة البعد عن الحقيقة؛ ويشرح عبد القاهر آلية هذا المحو والنسيان: "وأصل هذا [ النوع ]؛ التشبيه، ثم يتزايد فيبلغ هذا الحد ولهم فيه عبارات منها قولهم: إن الشمس تستعير منه النور وتستفيده وتكتسب منه الإضاءة وألطف من ذلك أن يقال تسرق وإن نورها مسروق من الممدوح.."(63) أصل هذا النوع إذن، (التشبيه) يمكن للعقل الاستدلال عليه رغم إلغاءه بل إلغاء الحدود بين الأشياء وقلب العلل والمسببات الطبيعية.
ونوع آخر لا يهم إلغاء العلة، بل تعديلها؛ إذ يتم فيه تغيير سبب حدوث الشيء بسبب يختلقه الشاعر: "وهو أن يدعي في الصفة الثابتة للشيء أنه إنما كان لعلة يضعها الشاعر ويختلقها إما لأمر يرجع إلى تعظيم الممدوح أو تعظيم أمر من الأمور فمن الغريب في ذلك معنى بيت فارسي ترجمته:
لو لم تكن نية الجوزاء خدمته لما رأيت عليها عقد منتطق"(64)
وينفي عبد القاهر عن هذا النوع أن يكون أصله تشبيها: "فهذا ليس من جنس ما مضى، أعني ما أصله التشبيه ثم أريد التناهي في المبالغة والإغراق والإغراء"(65).
وهو ما يربك ما ذهبنا إليه سابقا، من أن التخييل، أصلا، تشبيه منسي، من خلال أراء عبد القاهر، على أن الاستشهاد الشعري هنا ينتمي إلى متن فارسي يترك لنا مخرجا ما؛ خاصة وأنه حين يمثل لهذا النوع من المتن الشعري العربي، يقرر أن أصله تشبيه؛ ومع ذلك يبقى الجرجاني مترددا في الحسم؛ ويبقى الاعتراض على أصلية التشبيه قائما، مما يدفع بنا إلى البقاء والاحتماء بنسبية الرأي وتجنب إطلاق التعميم: "ويدخل في هذا الفن قول المتنبي:
لم يحك نائلك السحاب وإنما حمت به فصبيبها الرخصاء
لأنه وإن كان أصله التشبيه من حيث يشبه الجواد بالغيث فإنه وضع المعنى وضعا وصوره في صورة خرج معها إلى ما لا أصل له في التشبيه فهو كالواقع بين الضربين"(66).
وداخل هذا التردد يرجع الجرجاني جانب الأصل التشبيهي مؤكدا أن هناك "أقرب منه وأصله تشبيه جلي تعمل الصنعة لإخفائه(67).
ثم هناك نوع آخر قريب من السالف؛ حيث يدعي الشاعر وضع علة تخالف ما هو متعارف عليه وهو:
"ما يكون للمعنى والفعل من الأفعال علة مشهورة ويضع له علة أخرى.."(68).
وكل هذه الأنواع تدخل بحسب التقسيم الثنائي العام الذي أشرنا إليه سابقا، تحت التخييل المعلل، أي ما يخضع لترتيب عقلي معين، يستنتجه جهاز التأويل أو التأول بتعبير عبد القاهر؛ هذا الجهاز الذي يستدرك عملية تناسي التشبيه، ليربط القول بمرجعه الوجودي، ومقامه التداولي حسب ظروف التلقي ونوعية المخاطب والموضوع؛ وخارج هذا المقتضى التداولي النفسي يبقى الملفوظ التخييلي مجانبا للحقيقة باعتبار منطوقه الحرفي، لذلك تتقلص أو تزداد المسافة التي تفصله عن الحقيقة والصدق بحسب "علله".
أما التخييل الذي يفتقد أي تعليل فهو أبعد ما يكون عن الحقيقة؛ "خداع للعقل وضرب من التزويق"(69)، وهذا دون أن تفتقد ترسباته التشبيهية أو الاستعارية؛ وطريقة بنائه كما يحددها عبد القاهر أنهم: "إذا استعاروا اسم الشيء بعينه من نحو شمس أو بدر أو بحر أو أسد فإنهم يبلغون به هذا الحد ويصوغون الكلام صياغات تقضي بأن لا تشبيه ولا استعارة ومثاله:
قامت تظللني من الشمس شمس أعز علي من نفسي
قامت تظللني ومن عجب شمس تظللني من الشمس"(70)
فهذا الفعل التخييلي نفسه، يلاحظ عبد القاهر، يثير عجب الشاعر وتعجبه. وأهم ما يميز هذا الصنف (غير المعلل) أن درجة التناسي والادعاء تبلغان مداهما الأقصى: "وذلك أن تنظر إلىخاصية ومعنى دقيق يكون في المشبه به ثم تثبت تلك الخاصية وذلك المعنى للمشبه وتتوصل بذلك إلى إيهام أن التشبيه قد خرج من البين وزال عن الوهم والعين، أحسن توصل وألطفه ويقام منه شبه الحجة على أن لا تشبيه ولا مجاز، ومثاله قوله:
لا تعجبوا من بلى غلالتـه قد ند أزراره على القمـر"(71)
لا بد من الإشارة إلى أن ما عتبرناه، ويعتبره عبد القاهر، انبناء للفعل التخييلي؛ على تشبيه منسي قصدا، ليس بالضرورة محايثا لطبيعة هذا القول من حيث هو معطى (أنطولوجيا)؛ بل أساسا من حيث هو "ظاهرة" وقد بناها الخطاب الواصف (الشعرية/البلاغة)، أي أنه إجراء ما وراء خطابي أكثر مما هو خصيصة ملازمة للخطاب الشعري في بعده الخيالي.
ويمكننا الالتفات إلى جملة ملاحظات نستقيها مما سبق:
1 - يقوم التخييل عند عبد القاهر، من حيث أصله، على فعل تشبيه مسني يعضه الادعاء.
2 - التخييل مناف للحقيقة؛ ضرب من الكذب والخداع.
3 - الادعاء والإيهام يحدثان بقصد تحصيل انفعال ما لا غير؛ بالتالي ليس للتخييل قوام معرفي أو عقلي.
4 - ليس كل شعري تخييلا، فمن الشعر ما هو صادق وغير تخييل أي استعارة.
6 - يميز الجرجاني شرط "الحقيقة" الذي تحتفظ به الاستعارة (وكذا التشبيه) عن التخييل وفي هذا الصدد يرى جابر عصفور(72) أن عبد القاهر حار وارتبك إذ يدخل الاستعارة في التخييل تارة ويخرجها منه تارة أخرى؛ فإن هناك حدا صارما بينهما، كما يرى محمد بنيس(73). ذلك أن عبد القاهر يميز جيدا بين الاستعارة كقول بلاغي يوفر مقومات الاستدلال العقلي على المعنى المقصود، وبين التخييل بما هو فعل يخرق هذه القاعدة نفسها حتى حين (بل خاصة) يكون قائما في أصله على تشبيه أو استعارة؛ ففي هذه الحالة يرتسم المدى الاستدلالي الابعد لعبد القاهر، في شرح القول التخييلي برده إلى أصله الاستعاري وليس هو نفسه استعاريا ولا عكس. فلا بد من التمييز هنا بين الاستعارة (والتشبيه) كفاعلين في سيرورة تكون الفعل التخييلي وبين التمظهر العيني له. بالتالي نرى عبد القاهر، منسجما في تصوره العام بإخراجه الاستعارة من التخييل؛ لأنه لا يعامل هذا الأخير كمقولة كبرى تندرج تحتها الأنواع البلاغية؛ بل كمقولة تخرق حد الحقيقة الذي تظل الصيغ البلاغية، تلك، محتفظة به.
من عناصر هذا الانسجام تأكيد عبد القاهر أن أغلب التخييلات أصلها استعارة أو تشبيه، لكن استراتيجية الادعاء والتناسي تبعدهما؛ فضلا عن أن الاستعارة كضرب من التشبيه قياس يؤدي إلى معنى عقلي "يجري فيما تعيه القلوب وتدركه العقول"(74). كما أن أعلى مراتب الاستعارة عنده حيث "يكون الشبه مأخوذا من الصور العقلية"(75)، عكس التخييل الذي يكون ذا معان لا عقلية.
لكن ذلك ليس غريبا أن يحسم عبد القاهر في فصل الاستعارة عن التخييل: "أما الاستعارة فإن سبيلها سبيل الكلام المحذوف في أنك إذا رجعت إلى أصله وجدت قائله وهو يثبت أمرا عقليا صحيحا ويدعي دعوى لها شبح في العقل"(76) عكس دعوى التخييل التي لا "طريق إلى تحصيلها".
وإذ يهم الأمر إرجاع القول إلى أصله، وبحسب التصور إياه، فإن إجراء هذه العملية على القول التخييلي هي التي توصل إلى الاستعارة أو التشبيه كأصلين ولن تتجاوزهما. وذلك ما يقوم به القاهر أحيانا، ويرى عدم جدواه أحيانا أخرى ما دامت حقيقة التخييل هي الخداع (الفني والإيهام والادعاء.
7 - يؤشر هذا "الحضور الأصلي" للاستعارة والتشبيه في تكون التخييل على أن هذا الأخير لم يكن سوى مفهوم فرعي في تصور الجرجاني، ما دام لا يشمل الشعر كله ولا يهم سوى "ما يثبت فيه الشاعر أمرا غير ثابت أصلا"(77).
8 - وللأنه كذلك، فهو ليس سوى رصد لمجموعة من حالات "الخروج" والخرق لما هو عقلي، رصدا ليس بالضرورة استنباطيا كليا، بل استقرائيا جزئيا بحسب الحالات وتنوعها. فالتخييل بالتالي غير قابل للتنميط مسبق: " اعلم أن ما من شأنه التخييل أمره في عظم شجرته إذا تؤمل نسبه، وعرفت شعوبه -على ما أشرت إليه قبيل- لا يكاد تجيء فيه قسمة تستوعبه وتفصيل يستغرقه، وإنما الطريق فيه أن تتبع الشيء بعد الشيء وتجمع ما يحصره الاستقراء..".
9 - تبدو الملاحظة السالفة [8] تسير ضد الملاحظات السابقة عليها. وهنا نسجل مرة أخرى وضعية قراءتنا المتعثرة، فتظعيم "شجرة التخييل" يفرغ زعمنا بفرعية المفهوم لدى الجرجاني؛ كما يشوش على آلية التحكم في التخييل وردها إلى العقلي والتشبيه كما مارسها الجرجاني نفسه. لكن يظل الوضع المشروط للتخييل منفذا لالتماس تماسك ما. فإذ يشيد عبد القاهر بشساعة المجال التخييلي، يشرط معرفته بتأمل نسبه أي رده -معرفيا- إلى أصوله، كما يشرط متابعة تعيناته الفرعية المتعددة، وهما فعلان يقودهما القياس العقلي. إلا أن هذا الوضع نفسه هو ما يحيل على انفتاح التخييل وتجاوزه للتصنيف وهو ما يمكن اعتباره إشارة إلى حدود هذا القياس نفسه في معالجة التخييل الذي ينفرد كل فعل من أفعاله بوضعه الاعتباري الخاص ●
هوامش:
1 - ديوان طرفة بن العبد، دار الكتب العلمية، بيروت 1982، ص.ص 26-27.
2 - جابر بن عصفور، الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي، دار المعارف القاهرة، بدون تاريخ (مقدمة الكتاب، بتاريخ يونيو 1973، والراجح أنه نشر سنة 1974، ص16.
3 - الأنبياء، آية 5.
4 - الصافات، آية 36.
5 - الحاقة، آية 40-41.
6 - طه، آية 66.
7 - ابن رشيق، العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، ج1، حققه وفصله وعلق على حواشيه: محمد محي الدين عبد الحميد، دار الجيل، بيروت، الطبعة الخامسة 1981، ص211.
8 - المبرد، الكامل في اللغة والأدب، ج2، ضبط وشرح/ تغاريد بيضون ونعيم زرزور، 1989، ط2، دار الكتب العلمية، بيروت، ص92.
9 - انظر عصفور، 1974، ن.م.س، ص112 وما بعدها.
10 - ن.م.س، ن.ص.
11 - قدامة بن جعفر، نقد الشعر: تحقيق عبد المنعم خفاجي، دار الكتب العلمية، بيروت، د.ب، ص124.
12 - المبرد، ن.م.س، ص115.
13 - ابن رشيق، ن.م.س، ج2، ص100.
(*) يمكن مقارنة رأي ابن رشيق بما يذهب إليه أرسطو بصدد "المحاكاة" كطبيعة إنسانية، انظر: فن الشعر، على أن ليس من مهام هذه المقارنة البحث عن التأثير الأرسطي في ابن رشيق. ويهمنا هنا هذا العماد الأنطربولوجي للشبيبة الذي يشير إليه ابن رشيق.
14 - ذكره المرزباني في المرشح، ص243، الحاتمي في حلية المعاصرة، ص73، عن جابر عصفور 1974، ن.م.س، ص166.
15 - ابن رشيق، ن.م.س، ج1، ص116.
16 - يرى الرماني (384هـ): أن التشبيه بأداة في الكلام وهو على أصله لم يغير في الاستعمال، وليس كذلك في الاستعارة لأن مخرج الاستعارة ما العبارة ليست له في أصل اللغة"، انظر: الرماني، النكت في إعجاز القرآن: ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن تحقيق، محمد خعف الله ومحمد زغلول سلام، ط2، دار المعارف، 1968 القاهرة، مصر 85-86.
17 - ابن رشيق، ن.م.س، ص286.
18 - ابن رشيق، ن.م.س، ج1، ص287.
19 - ابن الأثير، المثل السائر، تحقيق أحمد الحوفي وبدوي طبانة 1983، ط2، ج2، منشورات دار الرفاعي، الرياض، صص 130-131.
20 - انظر: ابن الأثير، ن.م.س، صص9-10.
21 - المبرد، ن.م.س، ج2، صص92-93.
(*) الأستن: بالفتح: شجر ينمو في منابته فإذا نظر الناظر إليه شبهه بشخوص الناس، انظر المبرد، ن.م.س، ص(هامش 1).
22 - ن.م.س، ص95.
23 - ن.م.س، صص101-102.
24 - محمد بنيس، الشعر العربي الحديث، …… وإبدالاتها، ج3، الرومانسية العربية، دار توبقال، الدار البيضاء، ص124.
25 - ن.م.س، ص125.
26 - السكاكي (أبو بكر يعقوب يوسف ابن أبي بكر محمد بن علي (626هـ)، مفتاح العلوم، ضبط وشروح نعيم زرزور، 1989، بيروت، دار الكتب العلمية، صص332-333.
27 - انظر: ن.م.س، صص334-339.
28 - انظر: محمد بنيس 1990: ن.م.س، ص125.
29 - السكاكي: ن.م.س، ص376.
30 - انظر: جابر بن عصفور 1974: ن.م.س، ص218.
31 - ن.م.س، ص
32 - ن.م.س، ص219.
33 - قدامة بن جعفر: ن.م.س، ص175.
34 - عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة، دار المعرفة، 1982، بيروت، ص22.
35 - السكاكي: ن.م.س، ص331.
36 - عبد القاهر الجرجاني: ن.م.س، صص80-81.
37 - ن.م.س، ص81.
38 - ن.م.س، ص83.
39 - انظر محمد بنيس 1990: ن.م.س، صص
40 - عبد القاهر الجرجاني: ن.م.س، صص130-131.
41 - ن.م.س، ص130.
42 - م.بنيس، 1990: ن.م.س، ص138.
43 - عبد القاهر الجرجاني: ن.م.س، ص79.
44 - يقول: "وأمثلة لسنن العرب المستعملة بينها، التي لا تفهم معانيها إلا سماعا.." انظر: عيار الشعر، تحقيق عباس عبد الساتر 1982، دار الكتب العلمية، بيروت، ص37.
45 - عبد القاهر الجرجاني: ن.م.س، ص207.
46 - ن.م.س، ص131.
47 - ن.م.س، ص130.
48 - انظر: محمد عابد الجابري 1984 نقد العقل العربي، الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي، صص130-131. وأيضا: م.ع.الجابري 1986: بنية العقل العربي، المركز الثقافي العربي الدار البيضاء، صص37-101.
49 - أحمد الطريسي، الشعرية بين المشابهة والرمزية، الرباط، دار بابل 1991، ص23 وما بعدها.
50 - محمد بنيس 1990: ن.م.س، ص139.
51 - ن.م.س، ص
52 - عبد القاهر الجرجاني: ن.م.س، ص257.
53 - ن.م.س، صص362-363.
54 - ن.م.س، ص228.
55 - ن.م.س، ص 231.
56 - انظر: ن.م.س، ص265.
57 - ن.م.س، ص 266.
58 - ن.م.س، ن.ص
59 - ن.م.س، ص239.
60 - عبد القاهر الجرجاني: ن.م.س، ص240.
61 - ن.م.س، ص241.
62 - ن.م.س، ن ص
63 - ن.م.س، ن ص
64 - ن.م.س، ن ص
65 - ن.م.س،صص 241-242.
66 - ن.م.س،ص242.
67 - ن.م.س،ص
68 - ن.م.س،ص257.
69 - ن.م.س،ص39.
70 - ن.م.س،صص263-264.
71 - ن.م.س،ص265
72 - جابر عصفور 1974: ن.م.س،ص325.
73 - محمد بنيس 1990: ن.م.س،ص139.
74 - عبد القاهر الجرجاني: ن.م.س،ص15.
75 - ن.م.س،ص49.
76 - ن.م.س،ص239.
77 - ن.م.س،ص