"البطل الذي لم يولد" مجموعة قصصية تشد انتباه القارئ وذلك لما تجمع فيها من مميزات ترفعها إلى مَصاف الإبداعات الأدبية الهامة ، ليست من صنف أدب الكتابة الخيالية أو الإستيهامية بل من أدب الواقع الذي يستوحي عناصره من جملة وقائع مفارقة تستحوذ على اهتمام القارئ وتجعله يتابع عوالم المغرب الحرون من كوة الرصد الجاسي للأحداث والوقائع ،ومن الوسائل الموظفة لذلك ؛ عنصر الترقب الذي يخيب أفقه بدءا من العنوان ، الذي يوحي بحديث عن بطل منتظر يرجى الخلاص على يديه لكن انتظاره أشبه شيء " بكَودو سامويل بكيث " الذي لا يأتي ،بل أبعد من ذلك مراما ،إن هذا البطل لم تكتمل شروط انبعاثه خلقا جديدا ،فهو مايزال موجودا في عالم القوة قانعا بعدميته .
بعد تحرير العنوان من مسوحه الخارجية يمكن ان نرى أنه بمعنى أخر نشيد أنشادٍ ؛ نشيد أم لم تفلح في إنجاب ولدٍ ذكر يعصمها من أن " تمطر سماء آذار طلاقا وتعاسة لا طعم لهما " ص 9، البطل. ويعطيها هيبة بين نساء القرية بل أمام زوجها أحمد الذي "يؤمن حتي الجنون بأن المرأة لابد أن تنجب ذكورا ، هي فكرة شب عليها ويعقد العزم على أن يشيب عليها " ص 9 ، البطل .
ونشيد الوطن الجريح وأبطال الحجارة الذين حملوا أرواحهم على أكفهم الناعمة ثمنا لما توهموه أملا قريب المنال فكان حلما بعيد المأخذ هاته البطولة مكثف دلالاتٍ في إسم "سمية" في قصة زخم من الزواج لأجل الوحدة والتى أخبرنا التاريخ أنها أول شهيدة في الإسلام .
ونشيد امل في دخيلة "حميد" بطل قصة "حتى الدجاج يطير" حلم بمسافة مليون خطوة لكنه نشيد مبحوح "حميد ــ محوقلاــ يتذكر كلام معلمه قبل عشر سنوات كان أكل الدجاج ممكنا ، واليوم لا .. باللعجب .. كل هذا في ظرف عشر سنوات .ص 35 ، البطل .
لم تقم المجموعة القصصية "البطل الذي لم يولد " على عنصر الترقب وحده بل هناك عنصر آخر لا يقل أهمية يفتح المجموعة القصصية على ممكنات سردية أخرى وهو عنصر المفاجأة على مستوى الجنوسة فالجنس الادبي المعلن عنه في صفحة الغلاف هو "قصص قصيرة" ولكن النصوص القائمة بين دفتي الغلاف تفاجئنا بأنها تحتوي أكثر من جنس ،بل هي تمزج بين الاجناس الأخرى وتكسر الحدود الأجناسية .
وقد نقرُّ بأنها قصص بنفس روائي إذ تصلح كل واحدة لتكون رواية مستقلة قائمة الذات والصفات . وذلك لجماة اعتبارات :
1ــ أن الكتابة القصصية عند الأستاذ الفقيهي لم تكن مضغوطة بالكثافة والتركيز إنما كان الحكي يأخذ مجراه .
2ــ الكتابة القصصية عنده بلامقدمات وبخواتم مفتوحة على ما لا نهاية من الاحتمالات الدلالية ." تبين بعد ذلك أنه لايمكن بالعين المجردة على الأقل تحديد جنس المولود .ص،14.البطل .
"فانطلق حميد فوق الربوة عدوا ، مقلدا بيديه حركات أجنحة الدجاج "ص 35، البطل .
والقصة التي نخصها بالدراسة والتحليل "البطل الذي لم يولد" هي تنزع نحو طبوع اجتماعية ممثلة في شخصية "فاطمة" مثال المرأة البدوية المغلوب على أمرها شخصية لا يتحقق وجودها إلا بقدر ماتنجب من ذكور "زوجها ـ الفلاح أحمد ـ يؤمن بأن المرأة لابد أن تنجب الذكور . ص 9 ، البطل . هاته الشخصية طرح من خلالها الكاتب جملة من القضايا المتعلقة بالوسط الاجتماعي المغربي ومنها بالذات قضية "انجاب الولد" التي درج أهل البدو على الايمان به كما لو كان قد نبغ بينهم شاعر او فارس أو نبي "كيف لا والأشغال في الحقل لاغنى فيها عن سواعد الرجال ص.9.البطل .
يرصد الكاتب كذلك الوعي الزائف بالقدرات الخرافية والايمان بها حلا ناجعا لكل المشاكل :"الله الله الوالي جد السماعلة خفف علي وهون ما نزل "ص 10. البطل . "فاطمة" كانت ترى الحل في يد الوالي وكأنه يملك طاقة الكاف والنون الربانية "ياللعجب وكأن بيديه مفاتيح السماء أو حتى ليخيل إليك أن الأطفال توضع تصاميمهم هنا وتبعث إلى السماء لتعود جاهزة "،ص11،البطل .
ويشير الكاتب كذلك إلى القمع الذي يلحق المرأة البدوية من سلطة زوجها وهو قمع يقصي الدور الفعلي للمرأة بإزاء الرجل الشيء الذي أصبحت معه "فاطمة "تجد راحة كبيرة في غياب زوجها "أطلقت ضحكة تذمر وكراهة حين تذكرت أن زوجها مسافر في رحلة تتمنى أن تطول " ص،9،البطل. " ياويلها حين يعلم أن الحمار الأشهب العنيد قد مضى بالمرة لكي لايعود "ص13.البطل. "إن المساء آتٍ لامحالة" ص .13. إشارة إلى الزوج .
تجدر الإشارة إلى أن صوت السارد الفعلي والضمني {ضمير المتكلم } نتعرف إليه بشكل متقطع كشاهد عيان على الأحداث : ـــ وخطر ببالي للتو ....ص،10ـ || همس في أذني رجل كان يعاين المشهد ... ص، 11. يمكن القول أيضا إن نص" البطل الذي لم يولد" ضم نصين صيغ الأول بضمير الغائب : "هكذا كانت أمها تفعل منذ أعوام \\أطلقت ضحكة تذمر وكراهية \\بدأت تتمسح بجدران القبة .. " والثاني بضمير المتكلم : " خطر ببالي \\ همس في أذني ...."
إلا أنهما معا خضعا لامتيازات فنية أعطت للنص القصصي خصوصية تداخل السرد واحتواء المحكي الضمني {ضمير المتكلم } فالنص المحكي "بضمير الغائب" هو المتضمن للنص المحكي "بضمير المتكلم" . وبإزاء هذا التنويع في آليات السرد القصصي عند الأستاذ "الفقيهي "، لقد اختار تقتية المسرح كي يكشف عن متضمنه الدرامي :
ـــ فاطمة : أنا سيدي مهمومة وماعندي سعد ...
ـــ ابن الوالي لفاطمة: "قولي أسيدي محمد الشرقس عطيني دري فرزقي" ، ص 13.
لقد جعل الحوار النص نابضا بالحياة ،بالفعل ورد الفعل ، المجموعة القصصية إذا قرية حافلة بكاملها وضاجة بالحياة والأس والألم وموت الأحلام حتى الضغيرة منها ؛ "حلم انجاب ولد " "حلم الحصول على وظيفة" "حلم الزواج" إن هذه المجموعة القصصية لن يختلف قراؤها في أنها باروديا أو لغة ساخرة وإنها توصيف مسكون باللحظة الدرامية المُتْرَعَةِ بالتراجي كوميدي أو بالضحك والبكاء ،بالحياة والموت لأن "فاطمة" بطلتها نازعت الغياب من أجل الحضور ولم تكن لتفارق قلقها وحيرتها الوجوديين ،إنها شخصية درامية بامتياز غارقة في المأساة ،دفعها الحرمان من الولد إلى التورط في أوهام العِرَافَة والخرافة والدجل "فلطالما تمنت فاطمة أن تضع ابنا "،ص9. "وجاء يوم المخاض أخيرا"ص،13.
ولم تكن ساعة المخاض إلا لحظة درامية أخرى ،صارعت معها فاطمة القدر والكائن من أجل الممكن إلا أن القدر في نهاية المطاف كان جدارا صَلْدا أدمى وجه أمنتها وسفَّه أحلامها وهي صورة تعكسها بجلاء القابلة :" وضعت يدها على خدها الأسمر اليابس وقالت : رمانة مغمضة هذي وقفل مسدود ، ص.14.
وختاما يمكن القول أن الكتابة القصصية عند "محمد رياض الفقيهي" تراهن على التغير لا على التسلية المجانية . " أنا الكتابة عندي لابد لها من رسالة تحملها " وتراهن كذلك على توطيد العمق الثقافي وليس البهرجة ،ليس ذلك فحسب بل إن استراتجية الكتابة عند الفقيهي ترصد العلاقات المختلة ؛ بين الإنسان وخالقه والمجسدة في القصة في كل صور الشركبالله والإعتقاد بالأولياء وبين المرأة والرجل في العالم القروي وكل أشكال العسف والقهر المعنوي والمادي واعتبار المرأة مجرد وعاء عليه أن ينجب الذكور فحسب.
لقد استطاع القاص " محمد رياض الفقيهي" أن يتمثل الواقع المغربي في قصصه ،في قالب يمزج بين السخرية والألم فكان مايجري فيه هو المتحكم في تشكيل البنية النصية عند كاتبنا الذي لم يكن مجرد غاوٍ أو مؤرخ أو يومياتي chroniqueur لقضايا الواقع المغربي الحرون بالبادية لواقع عاشه "الفقيهي" ممتلئا بكل صوره الحية .