- نجيب محفوظ في "سطور" :
- نجيب محفوظ روائي عربي مصري ولد سنة 1911 ، يرجع له الفضل في تطوير الرواية العربية والارتقاء بها من حيز المحلية إلى العالمية.
- من أعمال محفوظ الروائية نذكر ثلاثيته الشهيرة، بين القصرين، قصر الشوق ، السكرية ، ثم خان الخليلي ، زقاق المدق ، بداية ونهاية ، ملحمة الحرافيش، ورائعته أولاد حارتنا، وغيرها
- حاز نجيب عددا من الجوائز كان أهمها ولا يزال جائزة نوبل في الآداب. و هو الأديب العربي الوحيد الذي حصل على هذه الجائزة حتى الآن.
إلى جانب الرواية كتب نجيب محفوظ القصة القصيرة والسيناريو
-توفي نجيب محفوظ سنة 2006.
قراءة في عنوان الرواية
العنوان نص مواز يفيد الوقوف عليه في إضاءة عالم النص ، وفي توجيه القراءة نحو أفق معين. والناظر في العنوان الذي اختاره نجيب محفوظ لروايته يجده ينطوي على مراوغة مقصودة تنتهي إلى سياق واحد ، هو سياق المطاردة سواء كانت مطاردة الكلاب البوليسية للص هارب، وهو ماتعضده الصورة واجهة الغلاف ، أومطاردة شخصية تمتهن اللصوصية لشخصوص من عالمها استحقت بفعل ممارساتها أن توصف بالكلاب- الكلب بمعناه القدحي كما يوظف في الاستعمال العامي- وهو ما ترومه الرواية بتقديمها شخصيات منحطة تعيش على الخيانة والغدر والانتهاية.
- ملخص أحداث الرواية
تحكي ر واية اللص والكلاب لنجيب محفوظ قصة شاب مصري اسمه سعيد مهران ومن خلاله واقع فئات استبد بها البؤس في مجتمع مابعد ثورة الضباط الأحرار .
ولد سعيد في أسرة فقيرة ، أبوه كان بوابا لعمارة يقطنها عدد من الطلبة الجامعيين، توفي الأب فأورث الابن المهنة وماتدره من فقر وحرمان..اضطره إلى امتهان السرقة حسبانا منه أنها الحل الأوحد لانتصار قانون العدل الفردي – وذاك ما أقنعه به رؤوف علوان الطالب الريفي المتشبع بقيم الثورة والممتلئ غيظا على أولئك الذين استفردوا بثروة البلد دون وجه حق- فكون ثروة وصار له أتباع، ثم تزوج نبوية الفتاة الريفية التي أحبها ، والتي تآمرت عليه فيما بعد مع عليش، ليدخل السجن.
بعد الإفراج عنه ،يبدأ مشروعه الانتقامي من الخونة ( الزوجة وعليش ورؤوف علوان)، إلا أن كل محاولاته باءت بالفشل ، فالرصاصات التي أطلقها كانت تعود عليه فتقتل أناسا أبرياء من جنس طبقته.
تستمر السلطة في مطاردة سعيد مهران إلى أن تتم محاصرته ثم استسلامه.
- جرد القوى الفاعلة:
سعيد مهران : شاب مصري فقير،متوسط الثقافة –حرم من متابعة دراسته الجامعية بسبب ضيق اليد-،ممتهن السرقة، هو بطل الرواية ومحور أحداثها، تعرض لخيانات عدة من طرف أقرب الناس إليه ، زوجته وصديقه وأستاذه رؤوف علوان، دخل السجن بسبب من وشاية زوجته وصديقه، طورد وحوصر حين محاولاته الانتقام حتى استسلامه
-نبوية : زوجة سعيد وأم ابنته، شابة ريفية فقيرة كانت تشتغل عند سيدة تركية ، تآمرت على سعيد وغدرت به، رغم الحب الذي خصها به. فكانت بذلك عنوانا للخيانة في النص
- عليش : صديق سعيد وتابعه ، هو أيضا شاب مصري فقير ، تملق سعيد وأظهر له إخلاصا كاذبا، ثم تآمر عليه، ليحل محله .يصف سعيد علاقته به قائلا :" كنت البطل وكنت عابد البطل يحبني ويتملقني ويتجنب غضبي ويلتقط فتات العيش من كدي وشطارتي"ص 74-75 من الرواية.
- رؤوف علوان: طالب ريفي ، ثم كاتب صحفي شهير، نموذج المثقف الانتهازي الذي يميل حيث تميل مصالحه إنه الحقيقة العارية والجثة العفنة التي لايواريها تراب، يصفه سعيد مهران.
-نور: فتاة ليل، ضحية واقع مأزوم، أحبت سعيد وأخلصت لحبه ، ظلت إلى جنبه حتى اللحظة الأخيرة ، كانت سندا له في عز محنته، لعبت دورا مهما في الدفع بأحداث النص، وفي إنفاذ دعواه.
- الشيخ علي الجنيدي: صوفي منقطع لعلاقته بالسماء، صديق عم مهران والد سعيد، تعرف إليه الأخير حين كان طفلا يصحبه والده إلى الحضرات التي كانت تقام بزاويته.
- المعلم طرزان: صاحب مقهى ، انسان شهم ، آزر سعيد ، وظل وفيا لصداقته
إلى جانب هذه القوى الإنسانية تحضر قوى أخرى كان لها إسهام دال في تشكل و تطور أحداث الرواية ( الخيانة ، الصحافة، الأمن ...)
- الأبعاد الاجتماعية
تقدم رواية اللص والكلاب صورة عن الواقع الاجتماعي المصري الذي أفرزته ثورة 1952، مجتمع تميز ب:
-التفاوت الطبقي: وهو في نظرنا مدخل لفهم أحداث رواية اللص والكلاب ، هذه الأخيرة التي قدمت نقدا مبطنا لانقلاب الثورة على نفسها حين أفلت كل شعاراتها المبشرة بمجتمع العدالة الاجتماعية ، فصير إلى مجتمع يتجاور فيه الغنى الفاحش والفقر " الفاحشة" ، قصر رؤوف وشقة نور المطلة على مقبرة.
- صراع القيم: حيث من الطبيعي في مجتمع قائم على التفاوت أن تقتسمه قيم متضاربة بتضارب مصالح فئاته، قيم العدل والحرية والحب والوفاء تجابه قيم الانتهازية والخيانة والاستحواذ، وهي قيم تمثلتها شخصيات النص بشكل دال، رؤوف وعليش ونبوية( المتبرجزون الجدد)، سعيد والشيخ الجنيدي وطرزان.
- انحياز السلطة للمتنفذين: قد يكون سليما الاعتقاد بأن الدولة فكرة بورجوازية ، لكن ما ليس سليما هو أن تحدد الدولة – السلطة_ نفسها حاميا فقط لمصالح البورجوازية ضدا على حاجات واحتياجات المسحوقين، وهو ما تشهد به رواية اللص والكلاب حيث وقوف السلطة باسم القانون لمطاردة سعيد ، دونما تفكير في دوافع أفعاله ودونما ساءلة للواقع الذي أنجبه..!
- الأبعاد النفسية:
تتعالق الأبعاد النفسية بالأبعاد الاجتماعية وتتأسس عليها
ويمكن تناول نفسيات الشخصيات من خلال مرحلتين:
- مرحلة ماقبل السجن: وهي مرحلة تميزت فيها الشخصيات عموما بالاستقرار، خاصة سعيد مهران ، هذا الذي اهتدى إلى وسيلة يحقق بها استقراره المادي، وينتصر بها على ظلم قدره من يملك على من لا يملك. امتهن السرقة فراكم ثروة، ثم تزوج نبوية فتحقق بذلك استقراره النفسي والعاطفي ، وتجملت حياته بسناء التي كانت خيط ضوء يشده إلى المستقبل
- مرحلة ما بعد السجن: وهي مرحلة الاضطراب والقلق بالنسبة لسعيد ومن خانوه، فهؤلاء عاشوا رعب تمكن سعيد منهم، بينما عاش هو قلقه الدائم وغصته المزمنة، غصة الخيانة ، وقلق الانتقام ، وشعور الندم الموجع على الأبرياء الذين أصابتهم رصاصاته حين أخطأت أعداءه
البناء الفني للرواية
- اللغة:
تتميز لغة الرواية بالهجنة ، فهي توظف سننين اثنين ؛ فصيح وهو المهيمن ثم دارج –مصري- يحضر بين ثنايا النص، وهجنة اللغة الروائية عموما هي تعبير عن هجنة الواقع اللغوي الذي تعكسه الرواية بتعدد شخوصه وتفاوت مستوياتهم الثقافية والمعرفية.
والمتأمل في "اللص والكلاب" يجدها تستدعي مرجعيات لغوية ثلاث؛ صوفية يمثلها الشيخ علي الجنيدي بتعابيره ومفرداته الرامزة التي تنطوي على معان روحية خاصة- إنها لغة خاصة الخاصة كما يقول المتصوفة-. ثم مرجعية قانونية يمثلها رؤوف علوان والبوليس في محاجتهما سعيد مهران... وإلى جانب المرجعيتين السالفتين تحضر المرجعية الشعبية على لسان نور ،طرزان وسعيد مهران، هذه الشخصيات التي تنتمي إلى القاع الشعبي المصري.
- الحوار
يحضر الحوار في النص الروائي لتأدية وظيفتين ثنتين ، أولاهما تكسير رتابة السرد والإيهام بواقعية الشخصية، والثانية تقريب الأخيرة والكشف عن خصائصها. وقد وظفت الرواية نوعين من الحوار ، خارجي وداخلي ، مع ملاحظة هيمنة الأخير على جل مقاطع الرواية ، وذلك عائد إلى الرغبة في كشف العالم الجواني لسعيد وإضاءة ما يهجس به في نفسه ( سخطا ، حنقا وغضبا وإصرارا على الانتقام ممن كانوا سببا في معاناته)، لذلك تميزت هذه المونولوجات بقسوتها وعنفها الظاهر .
- الرؤية السردية
تحيز رواية اللص والكلاب ن فسها – ومن خلال طبيعة البناء السردي القائم على محورية الشخصية البطل – ضمن رواية الشخصية ، حيث إن قارئها يجد نفسه أمام شخصية تلتقي عندها أحداث النص ، منها يبدأ السرد وإليها ينتهي، بل إن عالم الرواية لا يتحدد إلا من خلالها ، والشخصيات لا تعرف إلا بالأحكام التي يصدرها سعيد بحقها، بناء قام على اختيار رؤية سردية مصاحبة وسرد مراوغ يزاوج بين ضميري الغائب والمتكلم في لعبة سردية أحكم نجيب محفوظ قواعدها ، هو الذي تميز بين الروائيين بقدرته على رسم الشخصيات وإحكام مصائرها.
- الزمان :
يقتسم أحداث الرواية زمنان؛ الماضي والحاضر، الماضي الحابل بالحب في واقع الفقر، والغنى المستدرج بالخيانة ، والمبادئ المرتهنة إلى تطلعات أنانية ،إنه ماضي سعيد والشخصيات التي أحاطت به ، نبوية ونور، عليش ورؤوف. ثم الحاضر الذي هو زمن الانتقام والأماني المجهضة . وقد عمدت الرواية إلى الجسر بين الزمنين اعتمادا على تقنية الاسترجاع التي أسهمت في إضاءة دوافع الانتقام وعززتها.
- تركيب :
أعلنت رواية اللص والكلاب عودة نجيب محفوظ للكتابة من جديد عن عالمه القاهري- بعد فترة توقف فيها عن الكتابة- حاملا أوجاع الشخصيات التي انتمى إليها منذ بواكيره الروائية ، ومعلنا نقده الصريح لردة الثورة وفشلها في تحقيق آمال المحرومين من أبناء الشعب المصري، وهو الفشل الذي ترجمه واقع الرواية، حيث اتساع رقعة الفقر ، واختلال سلم القيم ، وبروز نخبة انتهازية استفادت من الواقع الجديد ووظفته لخدمة مطامعها