تعريف المثل لغة واصطلاحا:
في لسان العرب:
والمثل والمثيل كالمثل والجمع أَمْثالٌ، وهما يَتَماثَلانِ؛ وقولهم: فلان مُسْتَرادٌ لمِثْلِه وفلانةُ مُسْتَرادةٌ لمِثْلِها أَي مِثْلُه يُطلَب ويُشَحُّ عليه، وقيل: معناه مُسْتَراد مِثْله أَو مِثْلها، واللام زائدة: والمثل: الحديث نفسه.
وقوله عز وجل: ولله المثل الاعلى ؛ جاء في التفسير: أَنه قَوْلُ لا إِله إِلاَّ الله وتأْويلُه أَن الله أَمَر بالتوحيد ونَفى كلَّ إِلهٍ سِواهُ، وهي الأَمثال؛ قال ابن سيده: وقد مَثَّلَ به وامْتَثَلَهُ وتَمَثَّلَ به وتَمَثَّله؛ قال جرير: والتَّغْلَبيّ إِذا تَنَحْنَح للقِرى، حَكَّ اسْتَهُ وتَمَثَّلَ الأَمْثالا على أَن هذا قد يجوز أَن يريد به تمثَّل بالأَمْثال ثم حذَف وأَوْصَل
وامْتَثَل القومَ وعند القوم مَثَلاً حَسَناً وتَمَثَّل إِذا أَنشد بيتاً ثم آخَر ثم آخَر، وهي الأُمْثولةُ، وتمثَّل بهذا البيتِ وهذا البيتَ بمعنى.
والمثل: الشيء الذي يُضرَب لشيء مثلاً فيجعل مِثْلَه، وفي الصحاح: ما يُضرَب به من الأَمْثال. قال الجوهري: ومَثَلُ الشيء أَيضاً صفته.[1]
في القاموس المحيط:
المثل محركة : الحجة والحديث ..
في الصحاح في اللغة
المثل ما يضرب من الامثال
يتبين من خلال التعريفات السابقة للمثل في المعاجم القديمة ؛ انها لم تعط تعريفات محددة وافية وشاملة للمثل ؛ فبقيت التعريفات عبارة عن اشارات عابرة ؛ اكتفت بالاشارة الى ان المثل مايضرب من الامثال ؛ وان المثل حجة وحديث ؛ ومعنى ذلك ان المثل كان مصطلحا معروفا وواضحا لا يحتاج الى تعريف ؛ فهو تحصيل حاصل ؛ فالعربي عاش متحدثا بالامثال في كلامه العادي وفي اشعاره..
ولعل المثل من اكثر الاشكال التعبيرية انتشارا لعدة اسباب اهمها العبارة الموجزة التي ياتي فيها مما ييسر على الانسان حفظه ونقله ؛ وكذلك بناؤه اللغوي والفني الذي يسهم في انتشاره
وقد تعددت التعريفات الاصطلاحية للمثل ؛ وذلك لدواعي تحديد المراد من المثل بشكل دقيق ؛ والتمييز بينه وبين الاشكال التعبيرية القريبة منه كالحكمة ةاللغز وغيرهما ؛ ولعل كل باحث جمع امثالا او بحث في هذا الموضوع نجده يقدم تعريفا معينا للمثل ؛ فننقل في هذا الصدد عن الدكتورة نبيلة ابراهيم في كتابها "اشكال التعبير في الادب الشعبي " ماذكره الاستاذ الشيخ محمد رضا الشبيبي في تقديمه لكتاب الامثال البغدادية للشيخ جلال الحنفي ؛ يقول الاستاذ محمد رضا :"الامثال
في كل قوم خلاصة تجاربهم و محصول خبرتهم ؛ وهي اقوال تدل على اصابة المحز و تطبيق المفصل " [2] كما تورد الكاتبة تعريف احمد امين للامثال الشعبية بانها :"نوع من الانواع الادب يمتاز بايجاز اللفظ وحسن المعنى ولطف التشبيه وجودة الكتابة؛ ولاتكاد تخلو منها امة من الامم . ومزية الامثال انها تنبع من كل طبقات الشعب"[3] يتضح من خلال هذين التعريفين ان الكاتبين قد حاولا ان يضعا تعريف للمثل ؛ الا انهما في الواقع قد اوردا خصائص المثل ؛ ولعل الحصول على تعريف اشمل وادق يحتاج الى مزيد من البحث والتحري وجمع كثير من التعريفات التي اعطيت للمثل ؛ ودراستها والمقارنة بينها ؛ للتوصل الى تعريف اقرب الى المطلوب.
المثل في اللغة العربية وفي الامازيغية:
المثل خلاصة تجارب حياتية وقعت فعل في وقت ما ؛ وغالبا ما يخفي وراءه قصة واحداثا وقعت بالفعل ؛ الا انه مع مرور الوقت تم نسيان احداث هذه القصة نظرا لطولها وتقادم عهدها ؛ فلم يتبق الا المثل الذي هو خلاصة التجربة الحياتية التي وقعت في زمن ما ؛ ويتم استيراد المثل في الموقف المشابه لما قيل فيه ؛ ويكون ذلك امل لغاية التذكير او اخذ عبرة او تنبيه او ايلاء اهمية...فلكل مثل مقام معين يقال فيه ؛ يستحضره القائل مبرهنا على قوة حفظه وموسوعيته وحكمته .
ان الامثال تتعدد بتعدد المواقف والاحداث فلا نكاد نجد موقفا يخلو من مثل يضرب توضيحا او افهاما . كما يلاحظ سرعة انتشارها وانتقالها من جيل الى جيل ومن حضارة الى حضارة ومن لغة الى لغة...فنجدها عند العرب والغرب والامازيغ ؛ كما ان قيمتها كانت بادية عند النحاة واللغويين العرب اذ جعلوها مادة للاستشهاد .
كما ان الامازيغية ونظرا لتنوعها الثقافي واتساع رقعتها الجغرافية ؛ فانها تختزن كما هائلا من الامثال تعبر عن مجموعة من التجارب المتنوعة في شتى نواحي الحياة ؛ وقد تم تداول هذه الامثال شفهيا في الكلام العادي وفي الشعر وفي الاغاني..لما تحمله من معاني وعبر يتوارثها جيل عن جيل..
المثل الرسمي والمثل الشعبي:
في هذا السياق يمكن طرح الاشكالية التالية. هل يمكن الحديث عن مثل رسمي ومثل شعبي ؛ّ بنفس الحدود التي يميز بها البعض بين ادبين : الادب الرسمي والادب الشعبي؟ وان كان كذلك ؛ فما حدود هذا التمييز؟
فمعروف ان امثل نوع من الادب الذي يتميز بالفرادة والذي يتردد على السنة جميع الشعوب في محيطها يستدلون به في كلامهم ويوظفونه في تعاملاتهم.
الا ان البعض قد يوظف المثل في الكتابة وينقله من حالته الشفهية الى المكتوب ؛ ضمن بحث معين فينتقل بذلك المثل من " شعبيته " الى " رسميته " . فهل يكفي هذا المعيار للتمييز بين رسمية المثل و شعبيته ؛ خاصة وان المثل نقسه يتردد في الموقفين الا ان نقله من مجاله الشفهي الى المكتوب اضفى عليه هذه الصبغة.؟
ثم اليس نفس المثل الذي نوظفه في كلامنا العادي هو الذي ننقله الى كتاباتنا قصد الاستشهاد او الاستدلال ..؟ بل ان نفس المثل قد يتم تداوله بين مجموعة من الثقافات والشعوب بلغات متعددة مع اختلاف يسير في الصياغة ؛ ومع ذلك يقال عن نفس المثل ان هذا مثل شعبي واخر رسمي؟
ثم اذا عدنا الى الامثال في اللغة العربية في كتاب مجمع الامثال للميداني[4] على سبيل المثال ؛ او كتاب الامثال للاصمعي[5] او امثال العرب للمفضل الضبي [6] اوغيرها من الكتب ؛ والتي تصنف ضمن الامثال الرسمية؛ الم تكن هذهالامثال شعبية متداولة بين عامة الناس حينذاك وتم جمعها وتدوينها ؟ فما الحدود الفاصلة بين الشعبي والرسمي ان صحت هذه التسمية؟ اهي اللغة ؟ ام التدوين؟ام النشر ؟ ام غير ذلك؟
وظيفة المثل:
لاشك وان للمثل قيمة هامة في الحديث والخطاب؛ بل وان الذي يحفظ الامثال ويتحدث بها سيكون متميزا بفصاحة كلامه ودقة لغته وسحر بيانه ؛ فبضرب الامثال يقدم المتكلم حججا على ما يقول؛ وبراهين على ما يدعي؛ ويقطع الخلاف، كما ان بالمثل يتم توضيح المعاني غير المفهومة.
و رغم اختلاف البيئات والعادات والتقاليد واللغات والاماكن والازمان والمواقف ؛ ورغم ان لكل شعب امثاله الخاصة به ؛ فان كثيرا من الامثال تبقى مشتركة بين الشعوب ؛ لان الامثال تخاطب الانسان عامة تخاطب عقله وضميره ؛ تخاطب الاحساس فيه؛ تسعى الى انتقاده او تشجيعه او تحميسه او نهيه عن فعل شيء او دفعه الى القيام بامر...لذا قد تعدد وظائف المثل ويمكن الاشارة الى البعض منها :
ضرب المعنى: اي الاشارة الى معنى من المعاني المراد الوصول اليها بطريقة غير مباشرة ؛ فيلجأ المتحدث الى ذلك لسبب من الاسباب ؛ وكثيرا ما اثبتت التجربة ان التعبير عن المعنى المقصود بطريقة غير مباشرة قد يكون ابلغ وعلى نفس المتلقي اوقع.
توضيح المبهم: قد يكون الموقف حديثا عن شيء مبهم بحتاج الى توضيح وتفسير وابانة ؛ فيلجأ المتحدث الى توظيف الايات القرانية او الاشعار ..؛ كما قد يوظف المثل في تفسير المراد من كلامه او كلام مرافقه ؛ ليفهم عنه المتلقي المعنى ويصل الى المراد.
التدليل والبرهان:
ان الكلام لا يكون ذا مصداقية الا بالتدلليل والبرهان ؛ فيتخذ المتحذث المثل وسيلة للتدليل على صحة ما يقول وتقوية كلامه و منحه سندا يجعل المستمع يطمئن الى كلامه .
تحسين الكلام: قد يقوم المثل بدور المنمقات البديعية فيوظف لتحسين الكلام واضفاء نوع من الجمالية عليه ؛ حتى يتم جذب المستمع واثارة انتباهه.
الاصلاح : قد يكون دور للامثال في اصلاح وتقويم سلوك الانسان المعوج ؛ فبدل الاتجاه اليه مباشرة بالخطاب ؛ والحديث اليه بعيوبه بطريقة مباشرة قد لا يتقبلها؛ او قد تضعه في موقع حرج امام الغير ؛ فان المثل يبقى الطريقة الفعالة والمناسبة لتذكيره بعيوبه ؛ او بخصلة ينبغي التوقف عنها ؛ وهو بنباهته يلتقط الرسالة الموجهة اليه دون ان يكون له اي رد فعل سلبي.
كما ان للمثل دور في اصلاح المجتمع كافة وذلك بالتنبيه الى بعض المظاهر السائدة والتي ينبغي تجاوزها ؛ والحث على بعض المظاهر المقبولة والتي وجب الحفاظ عليها ؛ كل ذلك في قالب خاص هو المثل.
خصائص المثل:
ايجاز اللفظ : وذلك بالتعبير عن مجموعة من المعاني التي تحتاج الى كثير من الكلام والاطناب والشرح والتفسير ؛ بكلمات موجزة غاية في التركيز ؛ فتكون الالفاظ محدودة تعبر عن المقصود بدون زيادة او نقصان ؛ يتلقاها المستمع ويفهم معانيها ؛ كما يسهل عليه حفظها وتذكرها ؛ بل يمكن الاشارة – بلغة العصر – الى ما يسمى الاقتصاد اللغوي في المثل .
اصابة المعنى: ومعناه ان يحمل المثل معنى واضحا واداؤه للمعنى المراد بدون زيادة او نقصان في صورة واضحة ؛ تجعل السامع يلتقط المعنى على الوجه السليم .
جودة الكناية: ذالك ان اهمية الامثال ايضا ؛ تنبع من قيمة الكنايات التي تتضمنها ؛ ومدى جودة الصور البلاغية التي يحتويها ؛ حتى يتسنى للسامع ؛ بحسه الفني ؛ وذكائه الفطري ؛ وتمكنه اللغوي ؛ من التقاط الصور والمعاني التي يحملها المثل ؛ ويسعى الضارب للمثل الى ان يوصلها للمتلقي.
التشبيه: والملاحظ ان التشبيهات هي اساس المثل وعليها تبنى؛ وبها يمكن ان نميز المثل عن غيره؛ ولعل بلاغة التشبيهات وجودتها مما يتيح للمثل انسيابية الانتقال والسيرورة .
فهذه العناصر التي تميز المثل وتحضر فيه بقوة هي عموما من العناصر التي تجعله مثلا سائرا بين الناس وقديما كانت هناك اشارة بليغة للمرزوقي حينما تحدث عن عمود الشعر في مقدمته النقدية المشهورة التي كتبها على شرحها لحماسة ابي تمام ، يقول المرزوقي محددا عمود الشعر: " إنهم كانوا يحاولون شرف المعنى وصحته، وجزالة اللفظ واستقامته، والإصابة في الوصف، ومن اجتماع هذه الأسباب الثلاثة كثرت سوائر الأمثال، وشوارد الأبيات، والمقاربة في التشبيه، والتحام أجزاء النظم والتئامها على تخير من لذيذ الوزن، ومناسبة المستعار منه والمستعار له، ومشاكله اللفظ للمعنى، وشده اقتضائهما للقافية حتى لا منافرة بينهما، فهذه سبعة أبواب هي عمود الشعر، ولكل باب
منها معيار " [7] فنلاحظ كيف ركز على المعنى واللفظ والوصف والتي من خلالها كثرت سوائر الامثال ؛ فكأنه بذلك يحدد خصائص المثل الأثير.
تداخل المثل والحكم..:
لعل هناكا تشابها كبيرا بين المثل والحكمة؛ فيصعب على الانسان العادي غير المتمرن عليها ان يميز بينها وبين المثل ؛ الا ان هناك حدودا للتمييز بينهما . فالمثل خلاصة تجربة وقصة لها احداث وشخوص الا انه مع مرور الوقت ضاعت اغلب القصص وتم نسيانها ؛ الا ان المثل بقي سائرا بين الناس بمجرد النطق به نتذكر القصة التي كانت سببا في اطلاق المثل ؛ واذا عدنا الى الامثال العربية نجد ان لكل مثل قصة وان طبيعة هذه الاحداث هي التي تجعلنا نميز بين المثل والحكمة ؛ لذلك نجد احدهم يميز بين المثل والقصة على اساس الاحداث ؛ حيث يرى ان احداث المثل ذات طبيعة حسية بخلاف الحكمة ؛ ثم يميز بينهما على اساس العموم والخصوص ؛ فيرى ان التجارب المرتبطة بالمثل ذات طابع عام بينما التجارب المرتبطة بالحكمة ذات طابع خاص ؛ لذلك لم ترد الحكم الا على السنة الخاصة. يقول الكاتب: "ولعل اتصال الأمثال بأشخاصها هو الذي ضمِن لها الذيوع والبقاء والأثر النافذَ؛ إذ هي تحمل بين طياتِها أشخاصَها الذين جرت على أيديهم الأحداثُ؛ فهي بهذا تبدو حِسية، على حين تبدو الحِكمةُ معنوية، وهذه الحسية سبيلُها إلى النفس أيسرُ.. من أجل ذلك كان لها الذيوعُ وذاك البقاء، ثم ذلك الأثرُ النافذ في النفس ثم إن التَّجرِبة المثَليَّة تجرِبة عامة، على حين أن التجرِبة الحكيمة تجرِبة تكاد تكون خاصة، أعني: أن المَثَل يمليه الخاص كما يمليه العام، والحكمة لا يمليها إلا الخاصُّ في الأكثر."[8]
الامثال والاقوال الماثورة:
تورد الدكتورة نبيلة ابراهيم خلال معرض حديثها عن تعريف الالماني زايلر للمثل اشارة جميلة فهو يرى ان " المثل الشعبي الحقيقي يعيش بين الطبقتين الاوليين ( ويقصد الطبقة الدنيا والطبقة المتوسطة ) ؛ اما الطبقة الثالثة فلا يعيش بينها المثل بوفرة . في حين تكثر بينها الاقوال الماثورة التي رواها التاريخ وضاع اسم قائلها؛ كامثال المتنبي على سبيل المثال"[9] ونستشف من خلال هذا الكلام ان هناك نوعا من التداخل بين المثل والكلام الماثور والتمييز بينهما هنا لم يكن على اساس فني بقدر ما اعتمد زايلر في التمييز بينهما على اساس التداول . و هي في نظري طريقة اخرى ذكية للتمييز بين الامثال وغيرها من الاشكال الفنية القريبة منها ؛ وان كانت وحدها لا تكفي للتمييز.
المثل والحكمة:
اذا كان المثلل خلاصة لحادث معين وتجربة معينة فان اللحكمة خلاصة لتجربة ورؤيا خاصة نابعة عن فلسفة وفراسة ؛ وهي بالتالي تتميز بنوع من الخصوص عوض عمومية المثل.
مصادر المثل الشعبي:
المثل الشعبي هو عصارة مجموعة من التجارب الانسانية منذ القدم ؛ في كل المجالات ؛ لذلك اتسم بالدقة لانه نبع من اعماق النفس البشرية ؛ لذلك فان هذا التراث قد وصل الينا من كلام الناس العادي ؛ ومما خططه الادباء والحكماء ؛ ومن اشعار الشعراء وهو ما اطلق عليه قديما في بعضه " شوارد الابيات" التي تشتهر بين الناس وتنتشر بسبب لغتها او معناه او حكمة تضمنتها او مثل قصد فيها...
ومن المثل ما تفرزه حكاية أو نكتة شعبية وفي كثير من الاحيان يستعمل المثل بين الناس ولا يعرف قائله .
ومنه ما تم اقتباسه عن الفصحى بنصه الكامل او مع شيء من التغيير على اللغة ؛ ولا ننس كتب التراث والاغاني الشعبية التي كانت خزانا للامثال . وهي دائمة التجدد مادامت تجارب الانسان تتجدد وظروفه تتطور.
وساحول في هذا العرض التمثيل على بعض الاغاني التي تضمنت امثالا ؛ واذ اؤكد على صعوبة تتبع الاغاني التي تتضمن امثالا لاستحالة حصرها اولا؛ ولعدم اتقاني الامازيغية بما فيه الكفاية ثانيا؛ ولعدم ميولي الى الاستماع الى الاغاني ثالثا؛ ومع ذلك قد عملت على تتبع كلمات بعض الاغاني المكتوبة خاصة او الاغاني بالعامية ؛ واستنبطت منها بعض الامثال فقمت بمحاولة لتفسيرها وايراد معانيها؛ والمقارنة احيانا بينها وبين امثال بنفس المعنى ؛ وايراد ابيات شعرية مشابهة تعبر عن معنى المثل المدروس ؛ مبينا من خلال ذلك مدى شيوع المثل وانتقاله من لغة لاخرى واشتراك الثقافات في نفس المثل. واعلم اني لم اعط البحث حقه لانه يحتاج الى كثير من الوقت والتاني لجمع المادة المطلوبة ؛ واختيار منهج علمي دقيق للدراسة ؛ حتى تخرج في كامل اناقتها ورونقها ، ومع ذلك تبقى هذه التجربة محاولة للتفكير في البحث في الموضوع بشكل افضل.
وقد تتوزعت الاغاني التي استخرجت منها الامثال على قلتها بين ما هو ماهو امازيغي ( اغنية: ايناس ايناس للمرحوم ارويشة ) ومنها ماهو بالعامية المغربية وخاصة اغاني الملحون التي تتميز بغناها بالامثال ؛ وان كان كل نوع يحتاج الى دراسة خاصة من هذا النوع.
1. من اغنية اناس اناس محمد رويشة
((ورذا ايسناقس د صارث غاس الجيب إخوان
(لا ينقص من كبرياء المرأ إلا الفقر)
الامثال التي قيلت في الفقر كثيرة وقد تنوعت بتنوع المواقف ونجد القول المشهور المنسوب لعلي بن ابي طالب كرم الله وجهه :" لو كان الفقر رجلا لقتلته" يصور مدى معاناة الفقير المعدوم ورغبة كل واحد التخلص من الفقر نظرا لاثاره السيئة على الفرد على اعتقاده و سلوكه ؛ فقد قيل " كاد ان يكون الفقر كفرا" ؛ و في نفي السياق نلاحظ كيف عبر الزجال في هذا البيت الشعري عن تاثير الفقر على كبرياء المرء ؛ فالجيب الفارغ ينقص من نخوته وعزته ؛ كما المال يرفع من مقام الغني وقيمته
في المجتمع ؛ و نجد ابياتا شعرية بليغة للامام الشافعي[10] رحمه الله يتحدث فيها عن الغني والفقير والقيمة التي تعطى للغني بخلاف الفقير الذي لا يبالي به احدا ؛ الى درجة ان الكلاب تقوم بهذا التمييز . يقول في بعض هذه الابيات[11]:
يمشي الفقير و كل شيئ ضده و الناس دونه تغلق أبوابها
وتراه ممقوتا وليس بمذنب ويرى العداوة لا يرى أسبابها
حتى الكلاب إذا رأت ذا غنية انحنت إليه و حركت أذنابها
و إذا رأت يوما فقيرا عاديا نبحت عليه و كشرت أنيابها
فانظر الى حظ الفقير العاثر الذي تستقبله الكلاب بالنباح وتكشير الانياب؛ بخلاف الغني الذي تتحبب اله وتستقبله بكل وداعة.
ونجد ان الثقافة الشعبية قد صورت الفقير في امثالها بطريقة توحي بالدونية ؛ من ذلك المثل الذي يقول: "أش خاصك العريان، لخواتم امولاي " ، وكان واضع المثل يوحي الى ان الفقير لاحق له في التجميل ، وهذا المثل يضرب لمن يشتري اشياء هو في غنى عنها.
كما نجد مثلا اخر يصور قيمة الغني والفقير في المجتمع بشكل بين وموجز، يقول المثل:"قد ما عندك قد ما تسوى"
2. من قصيدة الزردة من نظم الشاعر محمد بن علي المسفيوي وإنشاد المرحوم الحاج الحسين التولالي. قصيدة من روائع فن الملحون
واللي كريم ربي كرمو**كتبو فلامة الفضالة** ناس لحسان
فالمثل هنا هو : "اللي كريم كرمو ربي" والسياق هنا هو الحديث عن الكرم ؛ هذه الخصلة العربية التي تغنى بها العرب في اشعارهم وتناولوها بالحديث في مجالسهم ؛ وتنافسوا في ذلك شد المنافسة حتى اننا نسمع قصصا لا تنتهي عن كرم حاتم الطائي اكرم العرب حتى اصبح يضرب المثل عن الانسان الكريم بالقول عنه انه: " اكرم من حاتم الطائي" ونجد هذا المثل - الذي نحن بصدد دراسته – يربط بين كرم الانسان وكرم الله ؛ أي ان الانسان بقدر ما ينفق بقدر ما يعوضه الله تعالى من خيراته ؛ بل ان الانفاق في الثقافة الاسلامية هو وقاية قال تعالى :" ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون "[12] والمقصود هنا الى جانب كثير من المعاني : اداء الزكاة . بل نجد في قوله تعالى:" وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ "[13] هذا المعنى بشكل واضح (لكريم كرمو ربي) أي ان الله يعوض للمنفق اضعافا مضاعفة. وقد تحدثت الامثال في كثير من الاحيان عن البخل والكرم في ان واحد لان بذكر احدهما يذكر الاخر يقول المثل:" الاطردك البخيل عند لكريم تبات " اشارة الى انه مهما كثر البخلاء فسيبقى الكرماء اكثر منهم ؛ وسينتصر الكرم على البخل بقدر ما سينتصر الخير على الشر. ولتصوير ان الكرم في الانسان طبع قالوا:"الخير فلكريم طبيعة وفالبخيل دفيعة "
3. من كلمات يا البوهالي و هي رائعة من روائع الفنان الكبير عبد الهادي بالخياط
وش مكتوب عليا لهبال كلو يا البوهالي
ولا كان هبال ما ينفع لا طبيب و لا والي
ولا بوهالي يالبوهالي
ويظهر من خلال هذا المثل الى ان الانسان اذا تطبع بشيء معين ؛ فلا يمكن تغييره ، ولا بد ان نشير هنا الى معنى :" لهبال" في الذهنية المغربية فهي تعني احيانا التهور وعدم النظر في عواقب الامور ؛ وتعني احيانا الضحك والمرح مع الاصدقاء ؛ كما تعني في معناها المباشر الحمق وقد يكون المعنى الاخير هو المراد في هذه القصيدة أي ان الشاعر صار احمق من شدة عشقه وهيامه .
ونجد في الثقافة الشعبية تفسيرا واضحا لمعنى لهبال ؛ حيث يقول المثل: " ثلاثة من علامات الهبال:
؛ و الغادي للبير بلاحبال و الجالس وسط الجماعة و مرادش البال" الغادي للسوق بلا مال
ولعل الزجال في هذه القصيدة كان من النوع الثالث ؛ لان شدة تفكيره في محبوبته جعل منه هذا الشخص . وقد قيل كثير من الشعر يصور ما يؤول اليه امر العشاق ولعل اشعار مجنون ليلى وقيس بن الملوح خير مثال على ذلك.
4. من كلمات ناكر الاحسان من نظم إبراهام أنجار (يهودي مغربي) و هي من الاعاني الاصيلة في فن الملحون. وقد انشدها الفنان المرحوم الحاج الحسين التولالي.
قال فصيح العنوان**من دازك دوزو لازم لوقر
ويبدو ان الشاعر في هذه القصيدة قد اقتبس جزءا من المثل ؛ فلم يورد المثل كاملا وانما بعضا منه والمثل كما هو معروف هو كالتالي:" اللي حازك حوزو واللي دازك دوزو و اللي ملك ملو ودير الكلب حسن منو " ومعناه ان تهتم بالذي يهتم بك وان وان لا تبالي بالذي لا يبالي بك ؛ وان تفضل الكلب على من ابدى ملله منك ، فهذا المثل يدعو الى معاملة الاخر بالمثل ؛ ولعله يذكرني بقول المتنبي :
عَلى قَدْرِ أهْلِ العَزْم تأتي العَزائِمُ وَتأتي علَى قَدْرِ الكِرامِ المَكارمُ
وان كان البيت الشعري في سياق غير السياق الا انه قريب من المعنى الذي نريد بشكل من الاشكال.
وقد عبر الشافعي عن المعنى بشكل اوضح وافصح في ابيات شعرية غاية في الفصاحة والبيان ؛ اذ يقول:
اذا المرء لا يرعاك الا تكلفا فدعه ولا تكثر عليه التاسف
ففي الناس ابدال وفي الترك راحة وفي القلب صبر للحبيب ولو جفا
فما كل من تهواه يهواك قلبه ولا كل من صافيته لك قد صفا
ومن الامثال التي تعبر عن نفس المعنى بصياغة اخرى :" اللي ماجا عندك ماتمشمي لعندو"
وهناك مثل اقرب من الاول وهو:" اللي بغاك بغيه و لقلبك حوزو , و اللي جفاك جفيه اتخطاه او دوزو"
وهكذا نجد ان كثيرا من الامثال قد تعبر عن نفس المعنى ؛ كما يعبر الشعر عن ذلك ّ؛ فلاشكال الفنية تتداخل فيما بينها وياخذ بعضها من بعض ؛ لان الادب شكل من اشكال التعبير الانساني ؛ وصورة لتجارب الانسان في الحياة.
5. من كلمات قصيدة غيثة نظم الحاج ادريس بن علي الحنش و انشاد الحاج الحسين التولالي
سلطان كيجور ويعدل ويامو عطاتو
وانا فساير وقاتي
نسعى رضاه واقف فالباب ولا نقول مليت
وغرض هذه القصيدة في الغزل ؛ وقد شبه الشاعر حبيبته بسلطان يبسط حكمه على رعيته ؛ يجور احيانا ويظلم ؛ ويكون عادلا احيانا اخرى ؛ اما الشاعر فهو ينتظر وصال المحبوبة بدون كلل ولا ملل ؛ والمثل المطلوب هنا هو:" سلطان كيجور ويعدل ويامو عطاتو" ولعل المثل هنا يجمع بين اكثر من مثل اذ نجد المثل القائل:" اللي عطاتو ليام ادير كاتريام" بمعنى استغلال الفرص التي تاتي؛ ويقول المثل : " اللي اغلب اعف". وهنا نجد صفة العفو عند المقدرة.
6. من قصيدة الحراز من فن الملحون من نظم مولاي علي البغدادي. القصيدة من الأغاني الشعبية المغربية، تجمع بين اسلوب حكايي مفعم بالاثارة ولمحة تاريخية لبعض جوانب الحياة في فترة من الزمن الماضي. و قد برع الحاج الحسين التولالي في انشادها
مال الحراز[14] الدامي ما يتيق بي هيهات
غير حاضي الاوقات
في ثيابو مسلم وافعايلو رومية
والشاهد في هذه الابيات هو:" في ثيابو مسلم وافعايلو رومية" والمثل يضرب لمن يظهر بمظهر الناسك المتعبد الا انه يخفي وراء نسكه كفرا او عصيانا ؛ وكذلك اشارة الى المنافق الذي يظهر عكس ما يخفي في باطنه ..ونجد امثلة كثيرة تعبر عن نفس المعنى بااليب مختلفة من ذلك قول
المثل:" اللسان اللحلاح والقلب الذباح" أي ان الانسان المنافق قد يحادثك بكلام لطيف ؛ ويتقرب اليك ويتودد لك ويظهر بمظهر المحب ؛ الا ان وراء كل ما يقول؛ يخفي قلبا حاقدا؛ ويعمل جاهدا على الاساءة اليك شر الاساءة ؛ يبدو ذلك من خلال العبارة " القلب الذباح" وقد استعملت صيغة المبالغة على وزن فعال وذلك يفيد الكثرة.
وهناك مثل عن اليهود يقول:" بحال مقابر اليهود، البيوضا وقلة الرحمة" وفيه اشارة الى الى ان ما تظهره المقابر من زينة عكس ما تخفي ؛ فهي تخفي قاتلا اختفت من قلبه الرحمة .
وهناك مثل اخر بالامازيغية يعبر عن معنى النفاق اذ يقول:" خالي ذكمي ثاخذميث ذكسي" أي يناديني خالي وهو يخفي خنجرا في حضنه .
7. من تفتح الورد للفنانة نعيمة سميح و هي أغنية رائعة للفنانة المغربية نعيمة سميح و هي من ألحان محمد بن عبدالسلام
الورد مشكل بالألوان *** والحب قصيدة على كل لسان
واللي ما قدرش يكون فنان *** بهادا الحسن ما يكون بالغير
خاتمة :
ستبقى الامثال مستمرة مع الانسان مواكبة لتجاربه في الحياة متجددة مع الوقت بتجدد الاماكن والازمنة والظروف والناس والفئات العمرية ..تعكس صورة الانسان في مختلف محطات الحياة ؛تصور الفضيلة والرذيلة ؛ والخير والشر ؛ والسعادة والشقاء..انها عنصر من عناصر الثقافافة الشعبية الغنية بتنوعها والتي تسهم في التعبير عن الانسان.
وقد اتضخ من خلال الامثلة المدروسة المتضمنة في الاغاني على قلتها انها تتميز بالخصائص التالية:
بيبليوغرافيا:
القران الكريم رواية ورش عن نافع
المصادر:
المرزوقي، شرح ديوان الحماسة، القاهرة، نشره: أحمد أمين وعبد السلام هارون، لجنة التأليف والترجمة والنشر، ط1، 1951م
المراجع:
اشكال التعبير في الادب الشعبي نبيلة ابراهيم ، دار نهضة مصر، القاهرة (د.ت)
الاغاني:
محمد رويشة ، اغنية اناس اناس
الحسين التولالي ، قصيدة الزردة
الحسين التولالي ، ناكر الاحسان
الحسين التولالي ، غيثة
الحسين التولالي ، الحراز
عبد الهادي بالخياط ، ياالبوهالي
نعيمة سميح ، تفتح الورد
المواقع الالكترونية:
http://www.baheth.info/all.jsp?term=
http://www.alukah.net/literature_language/0/75206/
[1] مادة مثل . http://www.baheth.info/all.jsp?term= مثل
[2] اشكال التعبير في الادب الشعبي نبيلة ابراهيم ص 139
[3] نفسه ص 139
[4]أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم، أبو الفضل، النيسابوري الميداني عاش في القرن الخامس الهجري
[5] أبو سعيد عبد الملك بن قُرَيْب بن عبد الملك المشهور بالاصمعي (123-216ه) راوية، علامة بالشعر والادب وأيام العرب
[6] ا لمفضل بن محمد بن يعلي بن عامر الضبي، أبو العباس ت 186ه راوية، علامة بالشعر والادب وأيام العرب
[7] المرزوقي، شرح ديوان الحماسة، القاهرة، نشره: أحمد أمين وعبد السلام هارون، لجنة التأليف والترجمة والنشر، ط1، 1951م، ج1، ص 8 – 9
[8 ] مقال :"المثل..نوع فريد من الادب" محمد خير رمضان يوسف تمت زيارة الموقع يوم 02/02/ 2018 على الساعة الثالثة والنصف.
http://www.alukah.net/literature_language/0/75206/
[9] نبيلة ابراهيم ص 141
[10] 10 صاحب المذهب المعروف امام وفقيه وعالم باللغة والاداب العربية وشاعر . مؤسس علم اصول الفقه ؛ واول من جمع بين الحديث والراي في استنباط الاحكام الفقهية. ولد في غزة بفلسطين سنة 150 هـ،
[11] وهي ابيات تنسب تارة للشافعي وتارة للعباس بن الاحنف (ت188ه) .
[12] سورة الحشر الاية 9.
[13] سورة سبأ الاية 39
[14] المقصود به في القصيدة الساحر