" نبيلٌ كانَ هو الجرحُ ......و كنتُ أنا الجريحْ !!!!"
من رواية دواعش قرطاج لــــــــ : خيرالدين جمعة
النساء بهاءٌ من الحياة القاتل ، إكسيرُ الدُّنيا المعتَّق بالزّهر والمطر والرّياح !!
المرأة كائن سحريّ ....لا تنحتُه سوى الذكريات ...لا ترسمه إلا التفاصيلْ ....
تلك التفاصيل الصغيرة التي تنفذ إليك كبداية الموت أو بقايا الحريقْ !
تلك التفاصيل العذبة : رقصةُ الأهداب....ارتعاشُ الأصابع ...حركة امتعاضٍ على الشفتيْن ...التفاتةٌ عجْلى على الرصيف ....يدٌ أتلفها الصقيع فمضت تبحث عن قبلةٍ في ثنايا المعاطفْ .....خاتمٌ شامخٌ يحيط إصبعا من كبرياء .....أناملٌ من عاج تُسوِّي خصلة شعْرٍ تُهرول في خِفّة لتعانق نسائم الصباح ......نظرةٌ مبتلَّة كالشتاء ، مُعلَّقةٌ بشبّاك قِطارٍ ، سيَرْحل ويحْملُ صخَب أحزانه بعيدا ، بعيدا .....كعبٌ صينيٌّ لحذاء شامخ... يحْتسي جراح طريقٍ أنهكه انتظارُ العاشقينْ ...!!!!!!!!
تاجر الحبّ أنا ، و في شوارع المدينة أدمنتُ قراءة عيون النساء ، مرآة المرأة عيونها ...و قاعُها قلبُها الراقص في دلالٍ مع المطر .....والقيظ ....والرّيح......
و مساءات الخريفْ ..!
سناء كانت قدري ، و عيناها جرحي ، على فمها ينام رحيق الحياة و و بين ذراعيها عرفت أن للانفلات جنونا و للمطرِ أصواتا و حكاياتْ ......
أجمل قطرات مطرٍ تذوقتُها سوسنًا بين شفتيها..
كانت تُسكر مثل خمر الآخرة .....
و تُحيِ مثل دبيب الموت ...
و ترقص مثل كذب الرجال.....!
و تحترق كحلم الخلافة!
كان للكلمة من بين شفتيها طعم الخمر و الفجر و الربيع ...و لحروفها الرشيقة تردّدٌ لا يتقنه إلا لسانها الجريء اللعوب!!
غجريًا شعرُها كان ، يلهو مع الأيام كالصباح ، عيناها بأهدابها المكابرة تتلفّح بسواد الليل ، شامتها الشامخة جانب شفتيها تتوشح بحرير الموج و صخب الأنهار ....
لا أنسى صوتها الذي كبُر معي كقطعة مني أو كظلٍّ حُفر بين أصابعي.....
تعلّمتُ منها أن الشفتين يمكن أن تكون ملتهبة ...صاخبةً بلا حرف أو كلمات..!!!
تلك الكلمات التي تجرحني بلذة كرقص البجع ......أو كرياح الخريف أو كخطوات امرأة حزينة تُسرع تحت المطرْ..أو كجُرْحٍ سيمزّق ظلمةَ ليلٍ حزينْ!
1
فتحتُ الباب بيد مرتعشة فإذا بجثّة مغلفة بالسواد ، باردة كالثلج تنهال عليَّ ..قامة مديدة ......تملّكني الذعر ...كنتُ سأتراجع خطوة ...لكن صوته وصلني كالحشرجة :
- خل....خليل سأموت..
لقد أتى نبيل و انبعث من حيث لا نعلم... كان إلى جانبه "منير كوجاك" يمسكه مساعدا إياه على الوقوف وقد بدا عليه الإنهاك والتعب كانتْ ساقه اليمنى غارقة في الدماء ، صرختُ مناديا على " سونه" ..شهقَتْ عندما رأته واضعة راحتها على فمها ..و هبَّتْ تساعدني على حمله واضعة يده اليمنى على كتفها ثم أجلسناه على الأريكة الكبيرة، في حين ارتمى منير على الأريكة المجاورة متهالكا وقد شحب وجهه من الإنهاك ...كان وجه نبيل باهتا كالموت و قد اختلط التراب على وجهه بالعرق ، كان يلهث و عيناه مغمضتان تماما ... كنتُ مذعورا و مضطربا لم أدرِ ما الذي كان يجب عليَّ أن أفعله ..لكن "سناء " كانتْ أكثر تماسكا مني ..إذ عمدتْ إلى تمزيق بنطاله بكل عنف باحثة عن مكان الإصابة ثم أبعدتْني بيدها عن الأريكة صارخة في وجهي :
- احملْ الأغطية بسرعة ثم قمْ بتسخين الماء ....أسرعْ..ثم اذهب للاهتمام بمنير....
ثم أخذت تصرخ..وقد رفعت رأسها تريد أن تطمئن على منير بنظراتها المرتعشة :
- منير ماذا حصل ؟
و لكن منير بدوره ظل ملقى على الأريكة مغمض العينين لا يدري بما حوله وقد بدا متسخ الملابس غارقا في العرق والصمت ...
لم أرَ " سونة" بتلك الحالة يومًا ، كانت الرصاصة قد أصابت فخذه أعلى الركبة تماما فقامت هي بغسل الدم الذي يبس على ساقه ...ثم أخذت خرقة من القماش و ربطتها بعنف فوق الإصابة تماما حتى يكفّ الدم عن النزيف ...استفاق متأوِّها من الألم كان جسمه باردا ، فجلبتْ زجاجة عطرها الفاخر poison Dior ووضعت قطرات منه على جبينه و عنقه وصدره و مسحتْ هناك برفق ولما شعرتْ بثقل أجفانه و صعوبة تنفّسه أسرَها الخوفُ فأخذت تحتضنه بعنف و تمرِّر يدها على كامل جسده و هو يرتعش بين يديها ، فتح عينيه قليلا ، لكن الذي أثارني هو العناق فقلت في نفسي لو كنتُ مكانه هل ستفعل "سونة" نفس الفعل معي ؟ ..لعنْتُ خساستي و الشيطان ، لمحْتُ سونة تدير وجه نبيل إليها واضعة يدها على خده في حنوٍّ وقالت له في همس ولهفة :
- نبيل..نبيل .. أنت بخير ؟
ثم رفعت رأسها إليّ و قالت في حدة :
- ألم أقل لك اهتم بمنير ؟
أجبتها بصوت جاف :
- ماذا سأفعل له ...لقد نام ...
- تثبَّتْ ربما هو أيضا مصاب... خذه إلى بيت الحمام ليغتسل ويغير ملابسه ...أعطه البيجاما خاصتك ...تصرف لا تتركه هكذا ..انقع ملابسه الوسخة في الماء سأغسلها في ما بعد ..
فتح منير عينيه ببطء وقال بصوت متعب :
- خليل ..أنا بخير ...نبيل هو المصاب أنا أريد ماء ..فقط ماء ..
ذهبت إلى المطبخ وأتيته بقنينة ماء تناولها مني بيد متثاقلة ، شرب ثم مدّ يده لأساعده على النهوض ، أخذته إلى بيت الحمام ..عدت إلى سونة ونبيل حاملا بيدي قنينة أخرى ، اقتربتُ منهما ، بدا نبيل كأنه يهذي:
- طارق ...عليّ.. افتقدتك كثيرا ..رائحة النار والبنزين.... أنبوبة الغاز ..أكاد أموت ..أشعر أني ..على عتبة الموت ...ساعدان قويان يحملاني في خفة وصوت يقول :" ما تخافش يا السينكو أنا خوك ...خوك منير ..ما تخافش يا السينكو "..البوليس في كل مكان ..يطلق الرصاص على المتظاهرين " بن علي يا جبان الشعب التونسي لا يهان "
احتضنتْه سونة :
- لا تكثر من الكلام... ولماذا تحشر نفسك في هذه المتاهات و هذه المشاكل ؟!
بعد فترة قصيرة أجاب نبيل بصوت خافتٍ متقطّع وقد تقلّصت عضلات وجهه و كأنه بدأ يسترجع وعيه :
- أحشر نفسي ؟ أليست هذه بلدي؟ ألا تنظرين إلى ما يحيط بك يا سناء؟؟! الولد المسكين ..البوعزيزي مات يوم أمس في مستشفى بن عروس انطفأت عيناه لأنه لم يبق فيه سوى لحم محترق و بصر ذاوٍ ...مات ..مات !
وضعت سناء سبابتها على شفتيه:
- قلتُ يكفي من الكلام ......هل نستدعي طبيباً؟
- كلا ..كلا ....لا داعي لذلك ...ثم إنه ...
بعد فترة ليستْ طويلة ، استقام نبيل قليلا و نظر إلى فخذه قائلا:
- أظنّ أن الرصاصة قد اخترقت ساقي ...أتصور أنها لم تصب العظم ...لو نداويها بقليل من " الدكان" سيكون ذلك كافيا ...
و ما إن أتمَّ كلامه حتى هرعت سناء إلى المطبخ و حملت الزجاجة الصغيرة مع قليل من القطن ..
- كنتُ أظن أنه لابد من استخراج الرصاصة قبل كل شيء..
- لا يا سناء ....لاداعي لذلك فقد قطعتُ مع منير كيلومترات رغم الأوجاع و لا أتصور أن الرصاصة مازالت في فخذي ..أنا بخير ..الرصاصة ليست حقيقية هي ذخيرة بيضاء ..
سكت برهة ثم أضاف :
- لولا منير الذي أنقذني لكنت الآن معتقلا أو ربما ميتا ...منير دائما يأتي في اللحظة المناسبة ..راجل والله راجل وسيد الرجال ...سناء اذهبي واطمئني عليه لقد حملني على كتفه مسافة طويلة وهو يركض حتى ابتعدنا عن منطقة الشرطة ...لم يُنزلني من على كتفه حتى اطمأن أنه لم يتتبعنا أحد ، أخذنا راحة قصيرة ثم واصلنا طريقنا إلى هنا ..
تواريت خلف عاري ملتحفا بالصمت ، عندما اندفعت سناء إلى بيت الحمام و ظلت تقرع الباب و هي تقول:
- منير أنت بخير ؟ ...منير ؟
لم تترك الباب حتى أجابها ، عند ذلك عادت إلى نبيل ..مرَّ بعض الوقت و برد يناير يُتلف الأوصال و الأشياء ، لا أدري أحسستُ أنني ثقيل و لا معنى لوجودي.......و حين أخذ نبيل يرتعد من البرد ، رأيتُ سونة تنزع بدلتها الرياضية الرمادية و تساعده على ارتدائها ..عندما كان منير يخرج من بيت الحمام و قد عاد شيء من الحياة إلى وجهه ..اقترب من نبيل بخطوات واهنة وقال له وهو يعاين الإصابة باهتمام :
- كيف تشعر الآن ؟
أجابه نبيل بابتسامة متعبة :
- بخير يا بطل ...بخير ..و الفضل يعود لك ..تدريباتك في رياضة الجودو لم تذهب عبثا ...اذهب و نم أنت ..ستعدّ لك سناء الغرفة الجانبية ...
قامت سناء من مكانها و فتحت الخزائن و أخذت أغطية وشراشف يتبعها منير و هي تقول له :
- أنا سأطبخ أي شيء تأكلانه إذا نمت واستيقظت في الليل ستجد نصيبك في الثلاجة ..منير آسفة لأنني لم أعد لكما شيئا أنت تعرف ...
قاطعها منير بحزم :
- سناء نحن نعرفك يكفي أنك آويتنا ...أنا أريد أن أنااااااام فقط ..أناااام .
أغلقت باب الغرفة عليه ثم ذهبتْ إلى المطبخ ، بحثتْ عن شيء تُعدُّه لهما ، طبخت لهما " المكرونة الحارة " ..و ظلت في تلك الأثناء متنقلة بين الغرفة الجانبية كي تطمئن على منير و الصالون تتثبت من إصابة نبيل و في كل مرة تقول له " حرّكْ رجلك ..أرني قدمك ..هل تشعر بها ......" وهي تنتظر استواء المكرونة أخذت هاتفها النقال وفتحته على حساب الفايسبوك خاصتها و أخذتها الدهشة و أخذت تصرخ :
- نبيل البلاد اشتعلت ...اشتعلت ...كل المدن ...
اقتربت منه وهي تؤشر بإصبعها إلى شاشة الهاتف وتقول :
- انظر هذه صفاقس ...قابس ...سوسة ...
أنعشتها الأخبار ورؤية هالة السعادة على وجه نبيل فعادت إليها الحيوية أكثر فقامت إلى المطبخ و وضعت صحن المكرونة و حملتْه إليه ، كانت تطعمُه و قد أسندت رأسه إلى ذراعها... ثم أعدَّت له بعد ذلك قهوة ساخنة .. وأشعلت له سيجارة ، عبَّتْ منها نفسا عميقا ثم ناولتْه إياها فظلَّ ينفث دخانها في صمت ...
لكن أظنه انتبه إلى شرودي :
- ما بك يا خليل ؟ تبدو واجما ....
- لا شيء ولكني خجل من نفسي ..البلاد تمر بفترة عصيبة ..و أنا ..
- لا ..لا تهتم .. فلا أحد كان يتصور أن الأمور ستصل هذا الحدّ..لكن.....
واصلت بكلمات مترددة :
- قل لي ماذا حصل ؟
أحكَمَ وضع الوسادة ثم قال بصوت واهن :
- كنا في حالة اندفاع و المتظاهرون يهجمون على مركز الشرطة ، كان طارق يتصوّر أنه لا أحد في المركز فقام بمهاجمة الشرطي الوحيد الذي رآه انقضّ عليه مثل حيوان كاسر بأن ركله برجله بكل ما أوتيَ من قوة وطرحه أرضا ثم أدخل حذاءه في فمه وكسر أسنانه وتركه يمسك وجهه بيديه متأوِّها من أثر الضربات الوحشية ، أمسك عمي الفيتوري بصفيحة البنزين وأخذ يسكبه على الأبواب الزرقاء الباهتة و على المكاتب والأوراق أما أنا فدخلتُ إلى بيت الحمام نزعتُ أنبوبة الغاز ، رمى عمي الفيتوري عود الثقاب المشتعل عندما اندفعنا إلى الوراء متراجعين أخذ " علي اليحياوي " يساعد عمي الفيتوري في الإسراع بالهروب يتقدّمهما طارق عندما سدَّتْ الجموع المنافذ ......مازال صوت ارتطام أنبوبة الغاز المرعب في أذني ... سبقني طارق خلفَه عمِّي الفيتوري يتبعهما عليّ وعندما هممتُ باتباعهم لعْلَعَ الرصاص حينما....و كأن شيئا اخترقني...فوجدتُ نفسي أسقُط أرضا بينما تواروْا هم في الظلمة ، ولكن كان لا بد أن أنهض... في اللحظة التي سمعتُ فيها صوت طارق سكِّينا يجزّ هتافات المتظاهرين : السِّينْكُو …… يا نبيل السِّينْكُو.. وينك يا نبيل......؟؟!" ...كانت لحظة إغماء ناتجة عن اختراق الرصاصة اللحمَ ، كان المتظاهرون سيدوسنني حين سمعوا لعلعة الرصاص فقد تدافع الناس وكثر الهرج و ما كنت أستطيع النهوض و قد شُلّت حركتي وغزا الخدر أوردتي ....في ذلك الوقت تأكدت أن نجاتي من الاعتقال مستحيلة .....في تلك اللحظة خرج من بين الظلال شبح مزّق الظلمة ...نزل على ركبتيه وضعني على كتفه ،وشرع يمشي باحثا عن توازنه ثم بدأ يركض على مهل مخترقا السواد والصراخ ... أخذ رأسي يتدلّى شعرت كأن أمعائي ستلفظ ما فيها و لبسني الدوار ....في تلك الأثناء و أنا في شبه إغفاءة سمعت كلماته الهادئة :
- ما تخافش يا السينكو أنا خوك منير ..منير..
الآن أنا لا أدري ما مصيرهم ؟ أنا لا أخاف على طارق أو عليّ خوفي كله على عمي الفيتوري ...أما منير فقد كان بطلا لقد ودعناه في محطة الحافلات قال لنا إنه لابد أن يعود إلى بلدته البعيدة قلعة الأندلس شمال تونس إذ في ظل تلك الأوضاع قد تتقطع به السبل و لا يستطيع أن يشاركنا المظاهرة ....و لكنه عاد لم يتخلّ عنا ...عز عليه أن يترك أصدقاءه يواجهون مصيرهم وحدهم ....منير الكوجاك هو دائما هكذا ..لا يأتي إلا متأخرا ...فإذا حضر فإنه يأتي في هيئة الفرسان ....ولذلك هو بطل دائما ...!
أردفت سناء بحماس :
- و الله لو كان أخوك لتركك تموت هناك ...منير رجل حقا !
واصلت سونة في اندفاع و هي تطفئ سيجارتها في المنفضة :
- ثم قل لي ...حتى وأنت مصاب تفكر في الآخرين ..فكِّرْ في نفسك و إصابتك ...في هذه الدنيا الكل شعاره : روحي..روحي...أنا وبعدي الطوفان ..
آه أذكر تلك الليلة كأنها البارحة ..كفَّ النزيف تقريبا ففككتُ الرباط الذي فوق إصابة الرصاصة لكن نبيل السِّينْكُو عاد إليه ما يشبه الحمى فقد أصبح يرتعش من البرد فنهضت سونة إلى المطبخ و حملت زجاجة " بوخا" فتحتها و حملت كأسا ، لكنه عاد إليه وعيه عندما بادرها بسرعة مرتعشة مخضّبة بالعرق :
- هذه الليلة سنشرب بدون كأس ....هذه الليلة سنشرب نخب الثورة !
و عبَّ من الزجاجة قليلا ثم تأوّه بفعل مرارة الكحول على لسانه ، قال وقد عاد إلى وجهه شيء من الحياة :
- هذه الليلة جرحي سيشرب معي !
وسكب على مكان إصابته الكحول و أغمض عينيه متألّما :
- الحياة هكذا غفوةٌ من النشوة و آهة من الألم !
ثم التفت إلى سناء وقال لها بكل جد:
- سناء رجاء اذهبي وتثبتي من أن منير قد نام و من أنه لا يشعر بالبرد ..لا تنسي أنه ينام على حشية على الأرض ..
قامت من مكانها وهي تقول :
- المسكين يكاد يموت من التعب ...
كان صعبا عليَّ أن أفهم طريقته في نثر الحكمة وتلمّس النجوم ، لكني تناولتُ الزجاجة التي مدها إليَّ و فعلتُ مثلما فعل و كذلك فعلت سونة ... غير أني ليلتها لم أشرب نخب الثورة ..شربتُ نخب شيء آخر في نفسي..!
.. في تلك الليلة رفضَتْ سناء بشدة أن ينام " نبيل السِّينْكُو" على الأريكة في الصالون ، و لكني كنتُ أتمنى ذلك في قرارة نفسي أما هو فلم يأبهْ بما قالته و تحامل على نفسه حتى يتمدد على الأريكة ، لكنها نهرته بشدة و نزعت عنه الغطاء فجاريتُها كذبًا و طلبتُ من نبيل أن ينهض حتى ينام معنا على السرير في غرفة النوم و رضخ لإرادتها ..نامت هي على الطرف الأيسر و استلقى نبيل السِّينْكُو فاصلا بيننا ، في البداية رفض أن يلتفت إليها و لكنها طلبتْ منه ذلك بدلال و ساعدته على ذلك ..ثم احتضنتْه و دفنتْ رأسه في صدرها و لمحتُها و أنا أتملَّى السقف ترمي بحمَّالة نهديها إلى الأرض ، ادَّعيتُ أني أريد الذهاب إلى بيت الراحة و حين عُدتُ و قبل أن أصلَ إلى الباب سمعتُهُ يقول :
- لا ..لا ..أستطيع ذلك..
و لكني حين دخلتُ ، كان ضوء القمر الباهت يلقي بنوره عليهما في الفراش أما أنا فتواريْتُ في الظلمة فلا أكاد أبدو لهما ، كان نبيل السِّينْكُو مستلقيا على ظهره و سونة شجرة من الرغبة تبتهل بأغصانها إلى السماء، تبدو قاهرةً وقد انسدل شعرها الطويل الذي يحتضن نهديها الشامخيْن المثيريْن ظلّيْن من السِّحر و قد بدأتْ تتحرك مهتزَّةً ببطء لذيذ ، و بين الفينة و الأخرى تغرقه لثما وتقبيلا أو تعبّ مما بقي في زجاجة البوخا ......مازالت آهاتها تقتلني و تُعرِّي شعوري بالقهر والمهانة ......