على نقيض الدكتاتورية التي تحنّط المجتمع ثم تنفث في رفاته إيهاما بأنه حيّ يرزق، تختزل الثورة تاريخه وتؤجّج حراكه. من هذا الباب يبدو وضع الدين في تونس الراهنة جديرا بالمتابعة. فقد شهد مجال التديّن والمقدّس تحولات هائلة قطعت مع ما ساد سلفا. انتقل فيها التعامل مع الشأن الديني من التسيير والتوجيه والاحتكار، عبر هياكل الدولة النافذة: وزارة الشؤون الدينية، المجلس الإسلامي الأعلى، مؤسسة الإفتاء، الجامعة الزيتونية، وزارة الداخلية، إلى ضرب مغاير كليا، يماثل ما يطلق عليه علم الاجتماع الديني الأمريكي "تحرير السوق الدينية".
فتعاطي النظام السابق مع الشأن الديني، بما اختلقه من أدوات لضبط حركة المجتمع، ما كان غرضه تنظيم الحياة وتطويرها، بل الإمساك بمفاصل المجتمع الحيوية وتوجيهها. استعان في ذلك بما أرساه سلفه البورقيبي، الذي شرع مبكرا في الحدّ من استقلالية القطاع الديني، سواء عبر إلغاء نظام الأوقاف وحلّ المحاكم الشرعية، وهو ما تم عام (1956م)، أو بتحجيم دور الجامعة الزيتونية منذ العام (1958م). وقد زاد الخلف عن سلفه تشديدَ القبضة الأمنية على ضمائر الناس وإلحاقها بمهام وزارة الداخلية، حتى غدا أداء الشعائر وعمل الإحسان، تحت رقابة الدولة.
الشرق العربي بريشة الفنان الغربي - د. ناصر أحمد
ظاهرة "الاستشراق" عموماً، والفني منه خصوصاً من أكثر الظواهر الثقافية والتاريخية والسياسية، مدعاة للتأمل والدراسة، وإثارة للجدل. ظاهرة "قديمة/ جديدة" لها من عمر الزمان قرون، ولمّـا تنتهي "جدليتها" بعد. فلقد أعاد"الاستشراق الفني" طرح نفسه بقوة، كما أُعيد صياغة الأسئلة المتعلقة به، وتسليط الأضواء عليه من خلال تواتر الأحداث والمؤتمرات والكتابات.
طرحٌ وأسئلة وأضواء شكلت صورة مشهد مركب ملامحه:"سرقة ونهب، وتهريب وبيع" روائعنا الفنية، وكنوزنا الأثرية إبان مراحل الأحتلال قديمه وحديثه. ومن ثم أضافة هذه الروائع، وتلك الكنوز (عاد منها ما عاد وبقي هنالك كثير) إلي العديد القابع ـ سراً وجهراًـ في بيوت، وحوانيت، وقصور، ومتاحف الغرب، و"مؤامرات إستعمارية علي ثراثنا الفني (عنوان كتاب للدكتور سعد الخادم، الدار القومية للطباعة والنشر، 1966م)"، و"إسرائيل تسرق الفن المصري(عنوان كتاب لمحمد الغيطي، مكتبة مدبولي الصغير ، 1997م)"، و"تنامي عمليات تهجير تراثنا الفني"، ونسخ وتقليد الفنون "ذات الصبغة الاستشراقية"، وانتشار واسع للمعارض والمزادات الفنية في عدة مدن وعواصم عالمية، وإعادة "تسويق" الكثير منها بيننا، لتقتني بأسعار خيالية، ولنري"أنفسنا بعيون الآخر"، ولنحتفظ "بوثائق بصرية وبيئية وتراثية فريدة لبلداننا العربية"، ولسان الحال يقول:"ما المخرج؟، إنما هي بضاعتنا، وروعتها وسحرها.. (تـُباع) إلينا".
النسق الهوياتي-الثقافي العربي ـ البوعيادي محمد
" الثقافة هي ما يتبقى عندما ننسى كل شيء"
بمعنى أن الثقافة هي ذلك العنصر الكامن وراء العقل المكوًّن ، أي إنها تلك الخلاصات الرابضة بالذهن و التي تشكل المفهوم العام للثقافة بعيدا عن أي تخصيص ، و العرب مثلهم مثل كل أمم العالم لديهم ثقافة ضاربة بجذورها في أعماق التاريخ و الزمن ، بدء مما سمي " العصر الجاهلي" إلى يومنا هذا و امتدادا في الزمن الحاضر و حتى المستقبل ، و ثقافتهم هذه لا يمكن رصدها بعيدا عن إبداعاتهم [ فكرهم \ شعرهم \ بلاغتهم \خطابتهم \ دينهم .....] أو عن ذكرياتهم و تصوراتهم ، فتعريف الثقافة يشمل عدة عناصر تشكل هوية الأعرابي أيا كان و أينما كان ، و لعل تعريف الأستاذ الجابري يلخص هذه العناصر المكونة للثقافة بشكل عام : " الثقافة ذلك المركب المتجانس من الذكريات و التصورات و القيم و الرموز و التعبيرات و الإبداعات و التطلعات التي تحتفظ لجماعة بشرية بهويتها الحضارية في إطار ما تعرفه من تطور بفعل ديناميتها الداخلية و قابليتها للتواصل و الأخد و العطاء، و بعبارة أخرى الثقافة هي المعبر الأصيل عن الخصوصية التاريخية لأمة من الأمم ، عن نظرة هذه الأمة للكون و الحياة و الموت و الإنسان و مهامه و قدراته و حدوده و ما ينبغي أن يعمل و ما لا ينبغي "فكر و نقد ، عدد 2 ص (5-6) 1998
و لعلنا نستطيع وفقا لهذا التعريف أن تستقي بعض المكونات الثابثة في كل ثقافات العالم لنقيس عليها الثقافة العربية و نحدد مكوناتها الداخلية التي تشكل النسق بدء بالهوية العربية على أساس أن الهوية الثقافية هي الأخرى تتمثل النسق الثقافي و تتشربه . فما هي مكوناتها ؟
الكنائس والحراك الثوري في سوريا - عزالدّين عناية
عوّدتنا الآية الإنجيلية الشائعة على الألسن "دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله" على استبطان حكم مسبق على دور الدين والمؤسسات الدينية المسيحية في الحراك السياسي. والحال أن المسألة السياسية في الفكر المسيحي، بالغة التبدل والتنوع، وفق الأوضاع الاجتماعية والظروف المحيطة. لذلك تشهد بعض الفضاءات المسيحية تطورا لافتا للاهوت السياسي وللعمل السياسي في حين يخفت في غيرها. وليست بلاد المشرق العربي بمنأى عن هذه الجدلية الشائكة بين المسيحي والسياسي، التي سنحاول النظر إليها من خلال واقع الكنائس السورية والحراك الثوري السائد.
الكنائس متعدّدة والدين واحد
عبر التاريخ المسيحي تشكّلت أربعة مراكز لاهوتية بارزة، توزّعت بين روما والقسطنطينية والإسكندرية وأنطاكية، والتفّت حول تلك المراكز مرجعيات دينية معتبرة، غير أن مركز أنطاكية شهد ما لم تشهده المراكز الأخرى، بما طرأ على مرجعيته اللاهوتية من تنافس. إذ يزعم كل من تجمّع الكنيسة الأرثوذكسية -وريث التقليد البيزنطي في العالم العربي- والكنيسة الملكانية، والكنيسة السريانية الأرثوذكسية، تمثيل ذلك المركز وحيازة رمزيته. كما يضاف إلى تلك التجمعات الأساسية تجمعان ثانويان ألا وهما التكتل السرياني الكاثوليكي والتكتل الماروني.
خديعة حوار الحضارات : الأبعاد والتجليات ـ طاقي محمد
"نحن لسنا محتاجين لتحسين الصورة لديهم، هم من يحتاجون لتحسين صورتهم، نحن ضحاياهم، نحن القتلى وهم القتلة، نحن المصابون، وهم من أشهروا في أوجهنا السلاح..، تاريخيا هذا الكلام...، صورتهم أكثر قباحة وأكثر قتامة تاريخيا"
د.عبد الله انفيسي
-مفهوم الحوار:
الحوار لغة: وهو الرجوع عن الشيء إلى الشيء.
وهناك تعاريف اصطلاحية عدة:
إحداها:
مراجعة الكلام وتداوله بين طرفين مختلفين.
تعريف ثاني:
تراجع للحديث بين شخصين أو أكثر، بطريقة متكافئة في مسألة معينة، ويغلب عليه الهدوء والبعد عن الخصومة والتعصب لإظهار الحق بالحجة والبرهان.
أما التعريف الثالث:
"حريم فاطمة المرنيسي ومغالطات التاريخ" - عمار كاظم محمد
ما أنفك البحث عن حقوق النساء في المجال السياسي موضع جدل بين دعاة الدين ودعاة الحقوق المدنية يتصاعد بين فترة وأخرى مثيراً زوبعة من النقاشات الحادة حول قضية النساء ودورهن في المجتمع وإمكانية توليهن مناصب سياسية عليا في منظومة الدولة المعاصرة وهو أمر لا غبار عليه إذا كان ضمن سياق العملية الديمقراطية وتجربتها في إطار النظام العلماني ومنظومته الفكرية لكن المشكلة التي تواجه مثل هذه القضية عبر طرحها الايديولوجي هي حينما يحاول البعض إيجاد جذر تاريخي لقضية المرأة ضمن منظومة التراث الإسلامي في محاولة لإثبات تلك القضية كما لو أنها جزء مهمل من تاريخنا أو أنها ليست وليدة العملية الديمقراطية كما هي في تاريخنا المعاصر.
وهذا ما يحاول كتاب فاطمة المرنيسي "الحريم السياسي... النبي والنساء" اثبات وجوده ولكن عبر نظرة لا تنتمي بكل تأكيد الى التاريخ العربي قدر انتماءها لرؤية المؤلفة ذاتها ، إذن فهي تتحدث الينا لا باعتبارها جزء من هذا التاريخ فحسب بل كما تريد أن يكون ضمن سياقاتها المعرفية التي تستند كثيرا على مرجعيات غربية في محصلتها الفكرية والفلسفية.
المسيحية العربية تكتشف لاهوت الثورة - د. عزالدين عناية
من الطبيعي أن تتواصل في الساحة المشرقية، حتى أيامنا هذه، تحالفات ذيول بقايا الكنائس الرسمية مع مغتصبي السلطة، وقد ربط رجالاتها مصيرهم بمصيرها وقدرهم بقدرها. غير أن ما بُني على باطل فهو باطل، فالمسيحية السمحة باقية وكنائس الأنظمة إلى زوال.
فعلاً، عانت المسيحية العربية من مكر الأنظمة وتسلّطها كما لم تعان تعبيرة دينية أخرى، وإن اختلفت وطأة تلك المعاناة من مجتمع عربي إلى آخر. فقد أُدمن هراء زائف، من قِبل تلك الأنظمة، عن استقلال قرار الكنيسة، وحرّية نشاطها، واحترام رعاياها. والحال أنه مثلما تبشّر الثورات بتحرير إرادة الإنسان وعقله فهي تبشّر بتحرير روحه أيضا. حيث يبقى مطلب تحرير السوق الدينية من احتكار الدولة، أحد المطالب الجوهرية المنشودة اليوم في الواقع العربي الجديد. فلا سبيل للحديث عن واقع ديني ديمقراطي والدين مرتَهن في قبضة الدولة وثروته محتكرة رهن تصرفها.
أزمـة السـؤال فـي الفكـر العربـي المعاصـر – د. محمد الصفاح
أحيانا تلزم العادة أو الممارسة العفوية الإنسان أن يمارس في حياته أشياء هامة , وذات قيمة عالية بل ضرورية ,انه لا يأبه إليها , ولا يكترث إلى ما تكتنزه من أهمية كبيرة , وفائدة جليلة . ومن هذه الأشياء التي يعيشها الإنسان, بل يحيا بها, السؤال، ولم لا, وهو أي الإنسان, كائن سائل ، و متسائل. إذ بهذه الصفة تتأكد ادميته , و بالسؤال أيضا يتأكد وجوده الاجتماعي , القائم على التفاعل المؤدي إلى الانصهار مع قومه وعشيرته . كما يثبت أيضا وجوده الفكري ، باعتباره ذاتا مفكرة , تتفاعل فكريا عبر التأثير و التأثر لبناء الثقافة . بهذا التعبير البسيط , البعيد عن الحفر العميق , تتجلى بنية السؤال , ومدى أهميته بالنسبة للإنسان في ارتباطه بذاته أولا , و بغيره ثانيا , و بمحيطه المادي الوجودي , ثالثا. فما المقصود بالسؤال , إذن ؟
المقصود بالسؤال, الاستفسار عن شيء ملتبس في ذهن السائل , يخرج عن حدود معرفته وإدراكه , يسبب له توثرا نفسيا و قلقا فكريا , يفقدانه التوازن . ويرمي من ورائه إلى توضيحه, ليخرج المبهم المستفسر عنه من حيز المجهول, إلى حيز المعلوم. وذلك بواسطة أسماء, هي : من, ومن ذا, وما, وما ذا, ومتى, وأيان, وكيف, وكم, وأين, وأي. وهو سلوك فكري و نفسي , يعيد للذات السائلة , الباحثة عن التفسير , توازنها المفقود..