اتخذت الكنيسة الكاثوليكية استراتيجيات إعلامية اختلفت باختلاف المواسم، وفي الراهن الحالي الذي يقضّ مضجع اللاهوتيين، ما عاد الإعلام الكنسي أساسه القول القائل إن قوة الحقيقة كفيل بعرضها، بل بات الأمر يتطلب مهنية وخبرة ودربة. غدت الكنيسة في عصرنا شريكا إعلاميا بارزا في الأوساط الغربية بشكل عام وفي الساحة الإيطالية بشكل خاص، حيث تعددت الوسائط الإعلامية ذات المنحى الكاثوليكي بغرض ترويج مراد الكنيسة الديني والثقافي، وكذلك موقفها السياسي أيضا من العديد من القضايا الساخنة. وقد تولدت الحاجة الماسة لهذا الحضور في أعقاب تقلص الحضور الفعلي للكنيسة في الواقع، حيث باتت "الكنائس خالية والساحات عامرة"، على حدّ التعبير الشائع، الأمر الذي دعاها إلى تكثيف حضورها في عدة مجالات إعلامية، وحتى الافتراضية منها، في محاولة لاستغلال القدرات التي يتيحها الإعلام البديل، كل ذلك لفائدة ترويج رسالة الكنيسة التي باتت تعتمد "التبشير بالإنجيل في عالم متغير".
البابا راتسينغر.. الكاثوليكي الأخير ـ د. عزالدّين عناية
حين اعتلى جوزيف راتسينغر سدة البابوية في مايو خلال العام 2005، لم يأت الرجل من مكان قصيّ، بل كان قريبا من دواليب السلطة الدنيوية والدينية داخل حاضرة الفاتيكان. انتقل من رئاسة مجلس مراقبة العقيدة إلى تولي مهام الحبر الأعظم، وقد كان العارفون بالشأن الكنسي حينها يدركون بما يشبه اليقين أنه المرشّح الأوحد لتلك المهمة، نظرا لسلطانه النافذ، وبصفته صاحب الملفات الكبرى. دفعته، أو ربما غرّته، ثقته الفائقة لتولّي قيادة سفينة بطرس المهترئة، بعد أن تبخر حماس مجمع الفاتيكان الثاني (1962-1965) وتعطل المحرك مجددا، جراء توقّف الفورة المجمَعيّة في منتصف الطريق.
ولربما لِندرك طبيعة السلطة داخل كنيسة روما، والإلمام بحيثيات استقالة البابا، أهي جراء أزمة شخصية أم أزمة مؤسسة، جدير أن نستأنس برأي أحد الملمّين بالشأن الكنسي، المؤرخ الإيطالي فرانكو كارديني. يذهب كارديني إلى أن خطين متنافرين حَكَما سير الكاثوليكية عبر تاريخها: التوجه البابوي الملكي والتوجه الأسقفي الجماعي. وبفعل طبيعة راتسينغر الدغمائية، أملى عليه قدره أن يكون منساقا ضمن التوجه الأول الانفرادي، وهو ما حصل حتى اصطدم بالجدران الصلبة. جاء الرجل وهو يحسب نفسه مقتدرا على خوض ثورة، ولكن أية ثورة أرادها؟ إنها ثورة لاهوتية دغمائية، تعيد مجد الكنيسة التوماوية القروسطية بكل عتادها الأرثوذكسي وما تستبطنه من قتامة، على أمل أن يعيد لها طهرها المفقود. فوِفْق تقديره ان جيشا غفيرا في الكنيسة يحتاج إلى غطاس جديد بعد أن غدت تعجّ بالفرّيسيين.
البابا وتويتر.. الشجرة التي تخفي الغابة ـ د. عزالدّين عناية
منذ أيام تتناقل وسائل الإعلام نبأ انضمام البابا جوزيف راتسينغر إلى موقع تويتر، في مسعى إلى مخاطبة العصر بلغته، وخصوصا جحافل الشبيبة التي باتت على موعد مع هذه الوسيلة وغيرها من وسائل الاتصال الاجتماعي الشبيهة والجديدة. كما أوردت جهات كنسية أنه لم تمض بضعة أيام على الحدث حتى فاقت أعداد المغرّدين مع البابا على شبكة تويتر، بلغات مختلفة تشمل من ضمنها العربية، نصف مليون مغرّد، وهي مرشحة للازدياد في الأيام القادمة، مع انطلاق البابا في تدوينه الأول الذي سيردّ فيه على أسئلة المستفسرين بشأن مسائل الإيمان وأحوال الكنيسة، وذلك بدءا من الثاني عشر من شهر ديسمبر من العام الجاري.
رؤية نقدية في علاقات الكنيسة بالمسلمين ـ د. عزالدّين عناية
تمرّ هذه الأيام الذكرى الخمسون لانعقاد مجمع الفاتيكان الثّاني (1962-1965) الذي تقدّر الكنيسة الكاثوليكية أنها تصالحت بمقتضاه مع العصر. تعلّقت فقرات من مداولات المجمع بالمسلمين، وقد سال حبر كثير بشأنها. وكانت الإشارة الأولى "... بيد أن تدبير الخلاص يشمل أولئك الذين يؤمنون بالخالق أيضا، وأوّلهم المسلمون الذين يعلنون أنهم على إيمان إبراهيم، ويعبدون معنا الله الواحد، الرّحمن الرّحيم، الذي يحكم بين النّاس في اليوم الآخر" قد وردت ضمن المتن المجمعي "لومن جنتيوم" أي "نور الأمم"، وأُقرّت في نوفمبر من العام 1964 بموافقة 2151 من رجال الدين واعتراض خمسة أعضاء؛ ووردت الإشارة الثانية في فصل "نوسترا آيتات" أي "علاقة الكنيسة بالأديان غير المسيحية"، وقد أقِرّت في أكتوبر من العام 1965 بموافقة 1763 واعتراض 242 من رجال الدين، بعد أن انتهت إلى صيغة: "تنظر الكنيسة بتقدير إلى المسلمين أيضا، الذين يعبدون الله الواحد، الحيّ القيّوم، الرّحمن القدير بارئ السّماء والأرض، ومكلّم النّاس.
"نحن والمسيحية في العالم العربي وفي العالم" : دراسة علمية جادة ـ عز الدين عناية
مؤلَّف "نحن والمسيحية" هو عبارة عن خلاصة تجربة بشأن الآخر، عاشها الكاتب بين مؤسستين وثقافتين، نعني بمؤسستين جامعة الزيتونة وما تزخر به من عراقة علمية، وقد سبق للكاتب أن التحق بها في بداية تحصيله العلمي، والجامعة الغريغورية بروما، التي أكمل فيها دراساته في إيطاليا، وهي الجامعة التي تخرج منها كبار كرادلة الكاثوليكية وبابواتها.
لذلك يأتي الكتاب تأملا في ثقافتين وفي دينين. من ناحية تحديات العقل المسيحي الغربي للثقافة الإسلامية، وللواقع العربي المأزوم بمسيحييه ومسلميه، ومن ناحية أخرى غوصا في المسيحية فكرا ومؤسسات، مبينا أزماتها البنيوية التي ترافقها حتى الألفية الثالثة.
الدين والسياسة : الإسلام السياسي في ميزان العصر ـ حميد الحريزي
مقدمة :
((غير الصحيح ليس في الدين ولكن موقفنا الذي يذهب مع تقديس الدين إلى تقديس الحلول والمواقف التي قدمها الدين في زمانه ومكانه وظروفه التاريخية المحددة بواقعها وزمانها،بحسبانه حلولا ومواقف صالحة لكل مكان وكل زمان))(1)
لم تكن الديانات أمرا طارئا أو زائدا في حياة الإنسان منذ استطاع أن يعي نفسه عبر تاريخ تطوره ونشؤه الطبيعي الذي لازال مستمرا لحد الآن، بل هي حاجة روحية وجد الإنسان فيها شعائر وطقوس وممارسات يمكن إن تعيد له التوازن والقدرة على العيش في صراعه المرير مع قوى الطبيعة المختلفة، هذه القوى التي يرى انه عاجزا عن مواجهتها بقواه الذاتية الخاصة،فما عليه إلا أن يبتدع مؤمنا بمناصرة ومؤازرة قوى قاهره في مواجهة هذا الأخطار،أو عن طريق دفعها للاشتباك فيما بينها والتخلص من شرورها،كما أن تجربته الناجحة في تدجين بعض الحيوانات المتوحشة اوحت له طريق تقديم المكافآت والرشا وما يسمى بالقرابين والنذور للفوز باسترضاء الخارق المتوحش وكف شروره ناهيك عن مناصرته ومساعدته للإنسان في تحقيق غاياته وأهدافه.
فكر الغد: ثقافة اللامصلحة واللاخوف ـ حازم خيري
"الربيع فصل الغرس"
بوريس باسترناك
أشعر وكأن بلدان الربيع العربي جريح يئن، وكما أن الكيان الحي يفرز أجساما مضادة لمقاومة التلوث الذي تسببه الجروح أو البكتريا، أتمنى أن يكون الفكر الأنسني هو إفراز بلداننا الحبيبة لحماية نفسها في مواجهة وعي أبنائها المهزوم..
قرأت يوما قول شكسبير ـ شعرا ـ إنه إذا المرء أطلق سهما فحدث أن غاب عن ناظريه ولم يدر له موضعا، فما عليه إلا أن يعيد الكرة مع سهم آخر، يطلقه من نفس المكان في نفس الاتجاه بنفس القوة، حتى إذا علم موضع سقوطه، وجد الأول!
هل يتوافق الإسلام مع الحداثة؟ ـ حوار بين مالك شبل و جون بول شارناي ـ ترجمة: سامي الرياحي.
جهاد , نساء محجّبات,أزمة رسوم ساخرة,رفض للاختلاط ... شيئا فشيئا يتزايد عدد الغربيّين الذين يشكّكون في قدرة الإسلام على التوافق مع قيمنا الدّيمقراطيّة . فهل ستكون الكلمة الفصل للأصوليين الذين ينكرون في الدّين كلّ إمكانيّة للتطوّر؟ يرفض مالك شبل هذا المصير . ففي كتابه "الإسلام والعقل"( Perrinبرين) ُيبيّن المحلّل النّفسي و عالم الانتروبولوجيا المسلم كيف يبرهن الإسلام عبر الماضي على قدرته للتزاوج مع أفكار الحداثة. وبفضل هذا الإرث فإنّ المولود الأخير من الدّيانات التوحيديّة الثلاث يستطيع أن يتحمّل الإصلاح من وسط الجسم و دون إدّعاء واهم كما يؤكّد ذلك مالك شبل.لكن هل هذا المسار الحرج ممكن؟ أيظلّ الإسلام "الذي وقع تحديثه" إسلاما؟ هنا مكمن الصعوبة كما يردّ جون بول شارناي (Jean Paul Charnay) رئيس مركز فلسفة الإستراتجيّا في السربون. يذكّر مؤلّف كتاب"الشريعة و الغرب" وهو باحث في الإسلاميّات من الدرجة العاليّة كيف يشكّل التشريع القرآني و لا يزال المجتمعات الإسلاميّة و مخيالها. إنّه لقاء ودّي بين مفكّريْن حيث يدلّ الإسلام على حقيقتيّن مختلفتيْن تماما. فلماذا يبدو الإسلام عصيّا على"الانصهار" في الحداثة الديمقراطيّة؟