قيل، لتعرف رُقـي أمة ما، اسأل عن مستوى تعليمها .. فالمجتمعات العالمية تولي أهمية قصوى لتحسين تعليمها والنهوض به بعد تطبيبه لمواصلة ركب التقدم والتحضر .. فهذا ينظر في البنيات الأساس (فضاءات / وسائل / أجهزة / ...)، وذلك يبحث في الخلل ضمن أحد عناصر العملية التعليمية التعلمية، أعني المربي عفواً المعلم - الأستاذ .. وطائفة أخرى تشكو أمرها لله مما تفعله بعض القنوات التلفزية وشطْحَات القافلة المجتمعية المعطوبة بأبنائها.
علَّنا نرى الآن أن كل تخبّط وتشرذم يواجهه حقل التعليم فهو لايخرج عن أقطاب ثلاثة: المعلم / المتعلم / الكتاب - الوسائل - المؤسسات باعتبارها بنية، وللخروج من أزمة القطاع لابد من النظر في هذه الأشياء مجتمعة، والسعي وراء مدّ اليد إليها.
في المجتمع المغربي توالت الإصلاحات وتعالت الصّرْخات .. وأردنا نحن - المغاربة -، أقصد المسؤولين فك لغز القضية - المعضلة ففشلنا، والعلة في ذلك تكمن في عدم نجاعة مانقدمه من دواء .. مادامت العقليات معظم العقليات لاتؤمن بالإصلاح .. وإن كان هنالك من استثناء فهو الاستثناء الذي لم يتشرّب بعدُ مغزى مانرمي إليه ومن ثمّ لايعي معنى الإصلاح ..!.
قلت مادامت العقليات كذلك فالمشكل عويص والأعوص منه عندما تجد طائفة تتحمل قسطاً من المسؤولية تزيد الطين بلّة، وقناعتها - للأسف - تتلخص في العبارة المغربية الدارجية المتداولة " غِـيرْ تْـفُـوتْني اُوتْجي فـمن بْغَـاتْ " = تبتعد عني المفسدة ولتلتحق بمن تريد .. دون أن يدري هؤلاء أن مثل هذا الكلام هو الذي أوقَـعنا فيما نحن فيه، وأن المشكل يُـسْهم فيه كل طرف وإن اختلفت مستويات المسؤولية.
التربية البيئية..ترف أم ضرورة إنسانية ؟ - ذ. حميد بن خيبش
مجددا يبدو التربويون مسؤولين إلى حد كبير عما يعتري الأرض من تلف بيئي و خلل في التوازن الطبيعي , و تراجع في مستوى نوعية الحياة .
فإبداع البدائل الصناعية , والمخططات التنموية , و الأنشطة الاقتصادية الموالية للبيئة يظل قاصرا دون تحقيق مصالحة بين الانسان و بيئته , ما لم تصحبه ضرورة تشكيل وعي بيئي يسهم في تعديل السلوك البشري و يموقع الذات الانسانية مجددا في خانة الاندماج الكلي مع الطبيعة .
إن قضية البيئة قضية تربوية وسلوكية/ مجتمعية , وهو ما يفسر الحضور المبكر للبعد التربوي في سلسلة اللقاءات الدولية حول البيئة .فإذا كان مؤتمر استوكهولم 1972 علامة فارقة في الفكر البيئي , فقد شكل تقرير المؤتمر الدولي للبيئة في تبيليسي 1977 منطلقا للبحث عن الصيغ الكفيلة بالادماج الفاعل للتربية البيئية في المنظومة التربوية الدولية .
وبما أن تحديد مدلول التربية البيئية شرط ضروري لوضع تصور استراتيجي متكامل لإدماجها في المسار التعليمي , فقد تعددت مدلولاتها تبعا لتباين الرؤى و التصورات حول مدلول البيئة نفسها , وللمستجدات المطروحة على مستوى الندوات العلمية و الحلقات الدراسية . فبينما يحصرها بعض الباحثين في دراسة العناصر المؤلفة للمنظومة الطبيعية " ماء, هواء, كائنات حية" يؤكد البعض الآخر أن البعد الحضاري لهذه التربية يستلزم رؤية أعمق ,تستحضر التاثير المتبادل بين المحيط البيئي و إفرازات النشاط الانساني ,وتحيل بالضرورة على الجانب الأخلاقي والسلوكي .
1- تعريف الدكتور غازي ابو شقرا :
" التربية البيئية هي عملية تكوين القيم و الاتجاهات و المهارات و المدركات اللازمة لفهم وتقدير العلاقات المعقدة التي تربط الانسان و حضارته بمحيطه الحيوي , والتدليل على حتمية المحافظة على المصادر البيئية الطبيعية , وضرورة استغلالها الشريد لصالح الانسان و حفاظا على حياته الكريمة و رفع مستوى معيشته " (1)
قراءة في عولمة التربية - وحيد رحيم
عند إصداره لكتابه " نهاية التاريخ والإنسان الأخير " سنة 1992 [1] لم يكن " فرنسيس فوكوياما " ، المفكر الأمريكي ذو الأصل الياباني بمعزل عن تيار كامل أخذ على عاتقه مهمة التبشير لما اصطلح على تسميته اليوم " بالعولمة " ( La globalisation ) La mondialisation ) ) [2] . ورغم أن " فوكوياما " لم يشأ ذكر العولمة بالاسم إلا أنه لخص جوهرها القائم على تمجيد النموذج الليبرالي – وخاصة الأمريكي منه – ونظر لفكرة المواطن النموذجي ( الإنسان الأخير ) الذي سينعم على حد تعبيره في ظل الديمقراطية الغربية الرأسمالية بالرخاء المادي والمعنوي ( الحقوق المدنية والسياسية ). ولعل لتوقيت صدور هذا الكتاب كما لغيره من الكتب المشابهة أكثر من خلفية إذ جاء مباشرة بعد انهيار المعسكر الاشتراكي بزعامة الإتحاد السوفياتي سابقا ومع بدايات الترويج لما يعرف باسم " النظام العالمي الجديد " وعبر استثمار لا نظير له للمنظومة الرقمية المعلوماتية .
ورغم أن إرهاصات العولمة كانت في المجال الاقتصادي باعتبارها " حركة يراد بها تعميم اقتصاد السوق والتبادل الحر لجميع البضائع والسلع " إلا أنها سرعان ما كشفت عن حقيقتها كظاهرة " شمولية " تبشر بانبعاث نظام اقتصادي ، اجتماعي ، ثقافي وأمني سياسي موحد وتسعى إلى تعميم نمط حضاري معين على بقية بلدان العالم وفي مقدمتها ما اصطلح على تسميته " بالدول النامية " .
ومنذ ذلك الحين تتالت الكتابات الباحثة في ماهية العولمة وأبعادها وتأثيراتها المباشرة وغير المباشرة على الأفراد كما على المجتمعات والأنظمة . وقد تعددت محاولات تعريف العولمة وخاصة خلال العقد الأخير من القرن الماضي دون الوصول في نهاية المطاف إلى مفهوم جامع ومتفق عليه ، ولعل ذلك لا يرجع فقط إلى تعقد هذه الظاهرة وارتباطها بأكثر من مجال بل كذلك إلى الخلفيات الفكرية و الإيديولوجية لمن اهتم بدراستها. [3]
وعموما أصبحنا نسمع اليوم عن أشكال عديدة ومتعددة للعولمة كالعولمة الاقتصادية والعولمة السياسية والعولمة الثقافية والإعلامية وصولا إلى عولمة التربية والتعليم .
تمثّلات الصّورة في المجال التربويّ - عبد الله عطيّة
توطئة:
تشهد الأنظمة التربويّة تحوّلات كبيرة في العديد من مرتكزاتها و أسسها سواﺀ ما تعلّق بمحتويات برامجها أو خياراتها البيداغوجيّة أو أنماطهـا التقييميّة. و لعــلّ تلك المراجعات و التحوّلات مردّها النقلة المجتمعــيّة التي أحدثها التطوّر العــلميّ وخاصّة في جانــبه التكنولوجيّ و تخصيصا تكنولوجيا المعلومات و الاتصال. و فـي هذا الصدد يبدو البعض محقّّا حـــين اعتبر "أنّ النقلة المجتمعيّة التي ستحدثها تكنولوجيا المعلومات ماهي في جوهرها إلّا نقلة تربويّة في المقام الأوّل"(1) .و بهذا المعنى فـإنّ البحث في العلاقة بين هذا المنتج العلمي و آثاره التربويّة و البيداغوجيّة هو في صميم رهانات النظم التربويّة اليوم و مشاريع المؤسّسات التعليميّة .
فحــين نــلقي نظرة على المحيط البيداغوجيّ المؤثّر في كلّ ممارسة تربويّة و خاصّة داخل الفصول يتّــضـح بجلاﺀ أنّ حضور الصّورة كثيف، و أن لا معنى لنشاط لا يستند إلى هذه الوسيلة البيداغوجيّة الهامّة " فالتعليم بوصفه فنّ اقتناﺀ المعرفة و ملاحقتها و توصيلها و توظيفها" (2) يجــد في الصّورة سندا تربويّا لا غِـنى له عــنه لأنّ عمــليّة الرؤية تختصّ بوضــعيّة مــزدوجة وفــق المنظور الفلسفي فهي تُحِيل من جهة أولى على مصدر تنجم عنه، و ترتبط من جهة ثانية بمشهد أو موضوع تستهدفه. فالصّورة جهاز من الرّموز تستـدعي التفكيك و التأويل، و علــيه فـــإنّ الاشتغال البيداغوجيّ عليها لا يقلّ شأنا عن إنتاجها. إنّ تـنزيل الصورة في الحقل البيداغوجي تنزيل وظيفيّ و ليس اعتباطيّا ، فحــضورها الكــاسح في مخـتلف المحاميـــل البيداغوجيّة يؤشّر على أنّها ليست تأثـيثــا جمــاليّا أو تسلـــية بصريّــــة بقدر مــاهي ضــرورة بيداغوجيّة (nécessité Pédagogique).
الثقافة العلمية والتكنولوجية: :تعزيز للمواطنة.. وعنصر للتنمية المستدامة ـ عزيز العصا
إن الحديث عن الثقافة العلمية والتكنولوجية يعني الحديث عن مصطلحات كثر حولها الجدل. فالثقافة بمعناها المتداول ليست مصطلحاً أصيلاً في اللغة العربية، وقد تاه المترجمون والباحثون بين الثقافة والحضارة والمدنية. وأما العلم والتكنولوجيا فقد تعددت تعريفاتهما كما اختلف العلماء في أيٍ منهما يعتبر الأساس للآخر.
وعليه، فإن الأمر يتطلب منا التركيز على روح المفهوم وتجنب القضايا الجدلية والخلافية، لنصل إلى الهدف الرئيسي الذي نسعى لتحقيقه، ألا وهو: وضع النقاط على حروف الثقافة العلمية والتكنولوجية التي أصبحت تتغنى بها دول العالم وتتنافس فيما بينها في مستوى تلك الثقافة لدى أبنائها، من مختلف الأعمار والأجيال، ومدى قدرتهم على اللحاق بركب التطور ومواكبة روح العصر.
فثقافة الفرد صفات يكتسبها بحيث تلتصق به وتميزه عن غيره من أفراد مجتمعه. وهي مؤشر على نموه وتطوره عضوياً، واجتماعياً، ووجدانياً، وعقلياً... الخ، لأنها هي التي تمكنه من أن يحيا حياته الطبيعية، كما تمكنه من التفاعل مع الحضارة الإنسانية. ولا يتأتى ذلك إلا لإنسانٍ قادرٍ على التطور اجتماعياً بما يكفي لأن يلتقي مع ذاته أولاً ومع محيطه الاجتماعي ثانياً. وإذا أُضيفت كلمة (ثقافة) إلى فن أو علم أصبحت مَلَكَةٌ فيه.
بيداغوجيا الإدماج(*) ـ إعداد د. محمد حالي
مقدمــــة
تعرف المجتمعات المعاصرة، محليا ووطنيا ودوليا، تحولات متسارعة في مجالات المعرفة والتشريع والقيم والتقنيات والإنتاج، مما يجعل التجديد التربوي ضرورة ملحة حتى تستمر المدرسة في أداء وظيفتها المتمثلة في المحافظة على التراث ونقله للأجيال وتكوين الأفراد وتمكينهم من تحقيق تكيف إيجابي في مجتمعاتهم، وحتى تواكب تحولات الوسط الاجتماعي وتستجيب للمنافسة الحادة بين الأمم والمجتمعات. ويعتبر تأهيل العنصر البشري من خلال تحسين جودة خدمات قطاع التربية والتكوين وسيلة المدرسة لتحقيق هذا الرهان. وإذا كانت مسألة بناء المناهج التعليمية وتخطيط مكوناتها على أسس سليمة ومتابعتها من أولويات المراجعة والتجديد في كل نظام تربوي، فإن من واجب البيداغوجيا الحديثة كفكر نظري وتطبيقي دراسة النظام التربوي لإيجاد أفكار فعالة علمية وعملية موجِّهة للممارسة اليومية للعملية التعليمية- التعلمية لتحقيق الغايات والكفايات المستهدفة.
تعتبر بيداغوجيا الإدماج في بلادنا إطارا منهجيا لتطبيق المقاربة بالكفايات، تماشيا مع مقتضيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وتنفيذا للمخطط الاستعجالي. والحديث عن بيداغوجيا الإدماج لا يتأتى ولن يستقيم بدون طرح بعض التساؤلات ومحاولة الإجابة عنها من قبيل:
أزمة التعليم من خلال كتاب: مشكل التعليم بالمغرب ومبادئ في الإصلاح ـ ذة. ثريا خربوش
تقديم عام
الكتاب لمؤلفه إبراهيم اسعيدي، وهو مُؤلف من الحجم المتوسط، يشغل 120 صفحة، نُشر ستة 1995، مطبعة التوفيق بالرباط. ولقد ارتأيت تقديم بعض مما جاء فيه، بتصرف، وذلك لاستمرارية ورود معظم الأفكار المضمنة فيه. فبالرغم من مرور 15 سنة على النشر، فإن متضمنات الكتاب مازالت مطروحة للتساؤل، والتأمل، وتعميق الرأي، والنظر.
سنقسم المحتويات المنتقاة إلى أقسام ثلاثة: نخصص القسم الأول لعلاقة التعليم بالتنمية، والثاني لمظاهر أزمة التعليم، والثالث لمعالجة الأزمة. أما الخاتمة العامة، فسنضمنها بعضا من معطياتنا، كأمثلة تؤكد أننا مازلنا، رغم الإصلاح، وإصلاح الإصلاح، لا نصلح شيئا.
1. التعليم والتنمية
أصبح السباق اليوم سباقا تربويا تعليميا، تُعتبر التقية فيه هي العلم حين يصير ثقافة. ولم يعد بلوغ التقدم ممكنا بدون سياسة تعليمية قادرة على تكوين مؤهلين يتحكمون في العلم، والتقنية.
إلا أن دول الجنوب لا تنتج ماديات السعادة، بل تستوردها، ولا تُبيِّىء المعرفة في الوسط الاجتماعي، ولا تستنبتها استنباتا يُنبت القيم الحضارية، والذوقية المحلية، بل تأخذها من الخارج بقيم، وأذواق أصحابها.
إن هذه الدول لا تلد التكنولوجيا من أحشائها، لذلك تعجز عن تحقيق التحول الثقافي، والاجتماعي، والاقتصادي الرهين بالابتكار التقني، وتشغيله، وتطويره، وجعله ملائما للواقع المحلي للمجتمع، وثقافته، محميا من خطورة الاستيراد العشوائي التابع.
وفي العصر الحالي، يتوقف خوض غمار الثورة التكنولوجية على جودة التعليم، وكفاءات خريجيه، لا على كثرة الجيوش، أو ارتفاع نسبة السكان، أو اتساع مساحة البلدان. ويكفي دليلا أن ألمانيا واليابان استجمعتا القوى بعد الحرب العالمية الثانية في ظرف عشرين سنة بفضل إنجازات البحث العلمي، بينما تعود الهزيمة التاريخية في حرب يونيو 1969 إلى كون الجندي المصري لم يكن له مستوى يُؤهله لتجاوز استعمال البندقية العادية إلى الأسلحة المتطورة.
التعليمية : الخلفيات العرفانية و الإيبستيمولوجية ـ عبد الرزاق السومري
لمحة تاريخيّة :
-في سنة 1554 استعملت كلمة الديداكتيك كصفة
-في سنة 1649 ظهرت في مؤلّف كومنيوس
-في سنة 1970 تاريخ بداية أولى البحوث الديداكتيكيّة في مادّة الرياضيات
التعريف : التعلّميّة اليوم هي نظرة تربويّة حديثة يُقصد بها دراسة تمشّيات التعليم و التعلّم الخاصّة بمادّة مدرسيّة معيّنة . فهي تدرس تاريخ تلك الـــمادّة و إيبستيمولوجيتها و كلّ الكفايات المتعلّقة بها و ظروف التعليم و التعلّم و لكن داخل الفضاء المدرسي .
تعتبر التعلّميّة أنّ منطق المادّة و إيبستيمولوجيتها هما اللذان يحدّدان تعلّمها من قبل المتعلّمين .
التعلّمية و البيداغوجيا :
البيداغوجيا : هي مجموع الوسائل و الطّرق المستعملة لتحقيق التربية و بصفة أخصّ لتيسير عمليّة التعلّم .. هي فنّ التدريس و حسن قيادة القسم كما تهتمّ بكيفيات التدريس المفضية إلى التعلّم .
التعلّميّة : ’’تهتمّ تعلّميّة مادّة مدرسيّة معيّنة بدراسة تمشّيات تبليغ و اكتساب مختلف مضامين المادّة .. كما تهتمّ بوصف و تحليل الصّعوبات التي تعترض المتعلّمين و بتقديم الوسائل الملائمة لمساعدة المدرّسين و المتعلّمين على تجاوزها ، هذا و تعمل التعلميّة من جهة أخرى و بصفة خاصّة على جعل المعرفة المدرسيّة معرفة حيّة وظيفيّة و إجرائيّة ‘‘ Vergnaud
نظريات التعلم - عبد الرزاق السومري*
في مسألة التعلّم :
مفهوم التعلّم يرجع إلى مُوفّى القرن التاسع عشر . تحدث الفلاسفة عن المعرفة ثمّ بمجيء علم النّفس برز مفهوم التعلّم على السّطح . لخّص ميشال دوفلييه جينيالوجيا التعلّم مبرزاً التّواصل من إفلاطون إلى بياجيه . مفهوم التعلّم بقي ثابتاً و لكنّ المقاربات هي التي تطوّرت .
في مسألة التعريف :
من بين التعريفات :
التعلّم هو نشاط ذاتيّ يسعى من خلاله الفرد إلى الحصول على استجابات مناسبة تغير سلوكه و مواقفه ليتلاءم مع متطلّبات الوضعيّة الجديدة ، و تساعده على مجابهة المشاكل التي تعترضه ، وهذه الاستجابات تتّخذ أشكالاً مختلفة تتدرّج من البسيط إلى المعقّد .
التعلّم يسفر بالضرورة إلى تغيّر في السّلوك
التعلّم ثابت نسبيّا ( يدوم مع الزّمن) و يساعد على حلّ المشكل
التعلّم يندرج ضمن المسار التّاريخي الخاصّ بكلّ فردٍ( مساره الحياتي ، الخبرة الممارسة)
التعلّم مرتبط بالنّضج(Maturité) يشمل الجانب البدني و القدرة المــعرفيّة و الجوانب الانفعاليّة .
نظريات التعلّم :
نجد تفريعات كثيرة و متداخلة إذ قد نصطدم أحيانا بأكثر من تيّار ضمن المدرسة الواحدة كالسّلوكيّة مثلا لذلك ينبغي أن نحترز كثيرا من بعض التنميط الذي يرسم تاريخ هذه النظريات على نحوٍ خطّي دون مراعاة التداخل أو أشكال الارتداد و التفاعل بينها .
التفريع الأوّل : لميشال دوفلييه ( نفس المرجع) :
الحكامة في التربية والتكوين - عزيز العرباوي
تم تداول مصطلح الحكامة لأول مرة من طرف البنك الدولي في سنة 1989 الذي اعتبر أنها: "أسلوب ممارسة السلطة في تدبير الموارد الاقتصادية والاجتماعية للبلاد من أجل خلق التنمية"، وكان هذا التداول في إطار تأكيد البنك الدولي على أن أزمة التنمية في العالم النامي هي أزمة حكامة بسبب فساد النظم السياسية وضعف التسيير والتخطيط .
ومن أجل أن تقوم الحكامة لابد أن نستحضر تكامل كل من عمل الدولة ومؤسساتها والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني، فلا يعقل أن نتحدث عن حكامة دون تكريس المشاركة والمحاسبة والشفافية. فالحكامة توجد في ظل الديمقراطية الإدارية للمسؤولين في وظائفهم العامة ومؤسسات المجتمع المدني، وبالتالي ضرورة وجود نظام متكامل من المحاسبة والمساءلة السياسية وتطبيق فصل الخاص عن العام وحماية الشأن العام من تعسف الشأن الخاص، والقدرة على محاسبة المسؤولين عن إداراتهم للموارد العامة.
معايير الحكامة :
وللحكامة معايير مختلفة يتطلب الاهتمام بها واستحضارها حتى نتمكن من الحديث عن حكامة رشيدة، وهي :
_ تحقيق دولة القانون .
_ إدارة القطاع العام في جو ديمقراطي .
_ السيطرة على الفساد والقضاء عليه .
الإعداد القبلي مدخل من مداخل التعلم الذاتي - إسماعيل بنهنية
1- مقدمـــة
راهنت المدرسة الحديثة على التخلص من أردية الشحن والتلقين والإلقاء، لتؤكد على مركزية المتعلم وإيجابيته في الموقف التدريسي، نابذة الممارسات التربوية التقليدية التي كان المدرس يحتل فيها قطب الرحى في العملية التعلمية، تخطيطا وإلقاء، تقويما وهندسة لعدته، صار التعلم هنا يعتمد على البحث والاستقصاء والاكتشاف، (لا يركز على الحفظ والتلقين وإنما على تنمية التفكير والقدرة على حل المشكلات وعلى العمل الجماعي والتعلم التعاوني)[1].
فتفعيل المتعلم يتم من خلال تجاوز مرحلة التلقي السلبي ومجرد الاستهلاك نحو تنمية التفكير الإبداعي لديه، وجعله شريكا وبانيا للدرس عبر توفير الشروط الكفيلة بذلك. ولا تتأتى هذه المشاركة إلا من خلال إعداد قبلي من المتعلم وبواسطة تشغيله.
ولعلنا حين الحديث عن مرحلة الإعداد القبلي نلفي أنفسنا أمام موقفين مختلفين ، أحدهما يؤكد على أهميتها ومفصليتها في بناء الدرس، أما وجهة النظر الثانية فتذهب إلى لا جدوى ذلك خصوصا في مكون القراءة ومع تبني القراءة المنهجية ، مادمنا نتحدث عن توقع المعنى وفرضيات القراءة اللتين تنطلقان من كون القارئ يصطدم لأول وهلة بالنص، وينسج معه علاقات تقبل، ودهشة لا تتأتى والتحضير القبلي للدرس. فيما يذهب رأي ثالث، وهو المتعلق بالآباء والتلاميذ، إلى اعتباره عبئا إضافيا يثقل كاهل المتعلم ويقيد حريته، فضلا عن كثرة المواد المطلوب منه إعدادها. فيستحيل الواجب المنزلي إلى عقوبة يؤديها المتعلم دون رغبة منه أو تفاعل.
تأسيسا على ما سبق، تتبلور أمامنا إشكالية مؤداها كيف يتم الاضطلاع بالإعداد القبلي حتى يخدم الدرس ويستحث عقول المتعلمين ويحفزهم على التفكير والتأمل والتعلم الذاتي؟ وما هي الإستراتيجية القمينة بجعلهم شركاء في الموقف التعليمي، يشاركون بحرية ووعي وإيجابية انطلاقا مما أنجزوه من إعداد قبلي؟؟
يتفرع هذان السؤالان إلى مجموعة أسئلة فرعية: ما هو الإعداد القبلي؟؟ ما هي وظيفته؟؟ وما هي الأخلال التي يعاني منها اليوم داخل فصولنا الدراسية؟؟
2- مفهوم الإعـــــــــــداد القبلــــــي
الإعداد القبلي أو الواجب المنزلي هو مجموعة من الأنشطة والإجراءات التي يكلف بها المدرس تلامذته تهييئا للدرس الجديد، وتحفيزا لهم على المشاركة في بنائه. إنه (إستراتيجية قبلية للتعلم الذاتي من خلال أنشطة منزلية... تحفز ذات التلميذ الفاعلة على البحث والاكتشاف والاشتغال في موضوع المعرفة، فيحصل التفاعل بين الذات الفاعلة للتعلم وموضوع التعلم. فيكتسب بذلك معارف ومواقف ومهارات تؤهله للانخراط في سيرورة الفعل التعليمي/ التعلمي داخل الفصل وخارجه[1])، والإعداد القبلي وسيلة من وسائل تفريد التعلم إذ يتركز على احترام فوارق المتعلمين وخصوصياتهم. فالفصل الدراسي ليس منسجما، بل مجموعة من العضويات المختلفة، تتمايز قدراتها ومؤهلاتها وكفاءاتها الإدراكية تماشيا مع المقاربات الحديثة التي استدلت على هذه الاختلافات والتمايزات نذكر من بينها ذكاءات كاردنر المتعددة، نظريات التعلم الحديثة، فارقية التعلم وغيرها.
وبالمدرسة المغربية يستمد الإعداد القبلي مشروعيته من مجموعة من المرجعيات أهمها ميثاق التربية والتكوين خصوصا في المادة السادسة منه حيث يؤكد على أن الإصلاح ينطلق من (جعل المتعلم بوجه عام، والطفل على الأخص في قلب الاهتمام والتفكير والفعل خلال العملية التربوية التكوينية، وذلك بتوفير الشروط وفتح السبل أمام أطفال المغرب ليصقلوا ملكاتهم، ويكونون متفتحين، مؤهلين وقادرين على التعلم مدى الحياة)[2].
أما البرنامج الاستعجالي باعتباره نفسا جديدا للإصلاح فقد (ارتكز على مبدأ جوهري موجه يقوم على جعل المتعلم في قلب منظومة التربية والتكوين، وتسخير باقي الدعامات الأخرى لخدمته)[3].
في حين يؤكد منهاج اللغة العربية بالتعليم الثانوي الإعدادي في أسسه التربوية على أن المتعلم يشكل محورا مركزيا داخل العملية التعلمية باعتباره الغاية التي ينبغي أن تنتهي عندها الأهداف العامة المتوافق عليها اجتماعيا وتربويا ، ومن ثمة ضرورة الانتقال من التعليم إلى التعلم عبر ترسيخ مبدأ التعلم الذاتي الذي يمكن المتعلم من الوعي بمسؤوليته في العملية التعلمية انطلاقا من ثنائية تعزيز المكتسب و الحافزية الذاتية لتحصيل المستجد[4].
ولعل الناظر في الأدبيات التربوية التي اهتمت بعملية الإعداد القبلي سيفاجأ بندرة البحوث وقلتها باستثناء الدراسة التي أعدها الباحث محمد بن عبد الوهاب تحت عنوان : " الإعداد القبلي للمتعلم،دعم لشروط التعلم الذاتي،الصادرة عن إفريقيا الشرق سنة 2004 ، فضلا عن بعض الإشارات المتفرقة في بعض المراجع الأخرى .
3- الأخلال التي تعترض الإعداد القبلي
شفت معاينتي خلال الزيارات الصفية الأخيرة عن مجموعة من الاختلالات التي تشوب الإعداد القبلي، ذلك أن أغلب المدرسين ينتهجون في عملية إعداد الدرس نمطا خطيا واحدا مكروراً، لا يسمح بإبراز ذكاءات المتعلمين ولا يحترم خصوصياتهم وحاجياتهم، إذ يتم الاستناد غالبا على الأسئلة المدونة بالكتب المدرسية خصوصا فيما يتعلق بأسئلة القواعد والتطبيقات، أما النصوص القرائية فيتم إعداد أسئلة تستجلي عتبات النص وخارجياته والتقاط فرضيات لقراءة المعنى، وفي أحسن الأحوال تستهدف استخراج الفكرة العامة أو القضايا المتناولة، فيصير الدرس داخل الفصل رتيبا، مجرد استنتاج لما تم إنجازه خارج الفصل، عديم الحياة، يثبط عزيمة المتعلم ويدفعه أحيانا إلى اللجوء إلى كراسات سابقيه.
وهكذا صار الإعداد القبلي عبئا إضافيا على كاهل التلميذ، ومبعث شكوى من الآباء وأولياء الأمور، أما جل المدرسين فيرون فيه مضيعة للوقت مما يستدعي وقفة حقيقية وتفكيرا عميقا في سبل الاضطلاع بتجويده وإيجاد صيغ كفيلة بجعله عاملا أساسيا في بزوغ ذات المتعلم، ودفعه للانخراط في بناء تمفصلات الدرس، والانفتاح من ثمة على محيطه وواقعه، بشكل يجعل كل تعلماته ذات دلالة بالنسبة إليه. سعيا نحو جعل المتعلم مركز الاهتمام. فتتغير بذلك (وظائف المدرسة من مدرسة التلقين والتلمذة السلبية، وبيداغوجيا التخزين والشحن والإلقاء والعرض والاستظهار، إلى مدرسة البناء والتفاعل والتنشيط والمشاركة، والانفتاح على الذات والمحيط القريب والبعيد، والغاية من ذلك أن المعرفة المدرسية لها نفعيتها الخاصة بالنسبة للمتعلم ونفعيتها العامة بالنسبة للمجتمع[5]).
4- وظيفة الإعــــــــداد القبلي
يمكن رصد مجموعة من الوظائف التي يضطلع بها الإعداد القبلي، من ذلك:
-إثارة ذخيرة المتعلمين، وحفز تمثلاتهم لاستقبال الدرس الجديد وتهييئهم للمشاركة والانخراط في بنائه.
_تمهير المتعلمين وتدريبهم على مهارات البحث والاكتشاف وتربيتهم على الاختيار من خلال تكليفهم بمهام سواء فرديا أو في مجموعات. فضلا عن إشاعة روح المسؤولية وتنمية الشعور بالاستقلالية.
-حفز المتعلمين على التأمل في أفكارهم ومكتسباتهم وقياس درجة نجاعتها عبر التقويم الذاتي.
_فسح المجال أمام المتعلم لتعبئة موارده ومعارفه واستثارتها لمواجهة الوضعيات التعلمية المستجدة حتى يستطيع تطبيق ما تعلمه ونقله إلى الواقع المعيش.
_تشجيعه على المبادرة واتخاذ القرار بدل الانكفاء على ذاته والاقتصار على التلقي وشحن الذهن بمعارف جامدة بعيدة عن محيطه، لا تثير فيه سوى مزيد من السخط وتثبيط العزيمة.
-حفزه على التعلم الذاتي وشحذ همته لتتجه نحو الاستكشاف والملاحظة والاستقصاء.
وهذه الأهداف تبقى غير ناجعة ما لم يُراع المدرس عند وضع أسئلة الإعداد القبلي الفوارق بين المتعلمين مستهدفا تلبية حاجاتهم معرفيا ووجدانيا وحس حركيا لذلك ينبغي (تفريد العمل التربوي وإعطاؤه في صيغة وصفات فردية تناسب خصائص كل فئة من التلاميذ داخل القسم)[6].
ومن المواصفات التي ينبغي احترامها عند تهيئ أسئلة الإعداد القبلي أن تكون واضحة مختصرة، متنوعة، تتدرج من السهل إلى الصعب، مناسبة لمستوى المتعلمين، محفزة لعقولهم، مستثيرة جوانب الفضول عندهم، مبتعدة ما أمكن عما تحتويه الكتب المدرسية مراهنة على أنشطة التدريب والتمهير، والتعبير الشخصي درءاً لكل لجوء إلى إعادة القول أو استنساخ الانجازات السابقة التي تحبل بها كراسات التلاميذ القدامى (انظر الإعداد القبلي للمتعلم، محمد بن عبد الوهاب،2004،ص:40_41)
5- نحو إستراتيجية بديلة لبناء إعداد قبلي فعال
مادامت المقاربات التربوية الحديثة تتبنى التعلم الذاتي والنشط، وتبوئ المتعلم مكانة كبرى جاعلة منه مركز العملية التعليمية، فإن على المدرس أن يفسح المجال لمتعلميه كي يبزغوا، وينخرطوا في بناء تعلماتهم، ينبغي عليه أن يضعهم أمام وضعيات/ مسائل تستفزهم وتخلخل أفق انتظاراتهم، لها ارتباط بواقعهم، وبمعيشتهم منتصرا لنهج التعاقد والتفاوض وذلك بإقناعهم بالوعي بمهنتهم بتعبير روجرز، وضرورة التعلم بشكل مغاير يجعل منهم شركاء نشيطين ومبدعين.
ومن الاقتراحات في هذا الصدد، أسوق مجموعة من الأنشطة:
-وضعهم أمام مشكلات حقيقية تحيل على الواقع
-إنجاز مقابلات واستجوابات حول ظواهر معينة
-القيام بأبحاث ميدانية
-جمع ملفات ووثائق لها علاقة بالدرس.
-تشخيص الأدوار عبر محاكاة وضعيات عايشها المتعلم أو عاينها، وذات صلة بالمجال الدراسي أو الموقف التعليمي.
-التعلم في إطار مجموعة عمل
-التدريب على مهارات معينة (التقرير، التلخيص، كتابة رسالة، المقارنة...)
أما تحفيز المتعلم في مكون القراءة فعادة ما يعتمد على إجراءات نذكر من بينها:
-تقديم لغز وتقسيم المتعلمين إلى مجموعات مصغرة لاقتراح حلول أولية لهذا اللغز[7].
-توزيع صور ومطالبة المتعلمين بالتعليق عليها، وإبراز مكوناتها مع الوقوف عند دلالة الألوان...
-اعتماد شبكة عند تفكيك العنوان
العنوان
طبيعته بنيته التركيبية بنيته المعجمية الدلالة علاقته بالنص تجسيد مشهد معين؛
-تحويل نص من نمط إلى آخر؛
-ملء الفراغ أو ترتيب فقرات؛
-إنجاز حوار مع خبرات؛
-اقتراح مشاريع شخصية للمتعلمين؛
-اعتماد جدول في الشرح اللغوي يلقي الضوء على الكلمات المفاتيح.
الكلمة | طبيعتها | المجال الذي تنتمي إليه | مرادفها | الضد | الاشتقاق | التركيب في جمل |
-اعتماد شبكات للقراءة؛
-اعتماد بطاقات خصوصا عند الحديث عن الكاتب، مصدر النص؛
-تحديد مقاطع النصوص والتدليل على مؤشرات ذلك، وتحديد العلاقات بين الفقر من خلال جدول واصف.
وفي الدرس اللغوي، تكتسي التمارين البنيوية أهمية كبرى، في تشغيل المتعلمين وتحميسهم، وإكسابهم القدرة على التعبير الشفهي اعتمادا على تقنيات كثيرة لعل أهمها تقنية التكرار، الاستبدال، التحويل، تقنية السؤال.
6 خلاصـــة وتركيب
الإعداد القبلي مرحلة مفصلية لبناء الدرس، وإستراتيجية حقيقية للتعلم الذاتي تنظر إلى المتعلم كذات حرة مسؤولة، مبادرة متحمسة للتعلم، ومستمتعة به. وكل عملية تربوية تنزع إلى التمركز حول المتعلم، تطمح حتما إلى أن تكون فارقية، متنوعة، ومخططا لها بدقة ووضوح.
هوامش الدراسة
1-تنويع التدريس في الفصل-دليل المعلم لتحسين طرق التعليم والتعلم في مدارس الوطن العربي. مكتب اليونسكو الإقليمي للتربية في الدول العربية-بيروت، مجموعة من الباحثين، 2008م.
2_الإعداد القبلي للمتعلم،دعم لشروط التعلم الذاتي،محمد بن عبد الوهاب ،افريقيا الشرق ،2004 ، ص 18
3_الميثاق الوطني للتربية والتكوين، المادة 6، ص 10.
4_التقرير التركيبي للبرنامج الاستعجالي 2009-2012، ص 7.
5-البرامج والتوجيهات التربوية الخاصة بمادة اللغة العربية بسلك التعليم الثانوي الإعدادي، ص 10.
6_الدليل البيداغوجي للتعليم الابتدائي،وزارة التربية الوطنية، إصدار 12 دجنبر 2008، ص 9.
7_تحضير الدرس وتخطيط عمليات التعليم والتعلم، عبد اللطيف الفارابي، ص 110
8-تدريس القراءة الكفايات والاستراتيجيات –دليل عملي- عبد اللطيف الجابري وآخرون، ص 30.