" كيف أمكن غلق باب الإسلام في وجه البشرية جمعاء وعزل المسلم في بلاده وهو يتخبط في الجهالة واقصاؤه عن كل حركة تقدمية وحضارية" [1]
لقد امتد مشكل تردي العقلانية العربية من القديم إلى الراهن وبرز بين أبو حامد الغزالي الداعي إلى كسر زجاجة التقليد ومؤلف كتاب الإحياء [2] إلى محمد بنيس صاحب كتاب الحداثة المعطوبة [3] والفوات الحضاري.
إذا بحث العرب عن العقلانية ترددوا بين القول بوجود عقل واحد أو عقول في الجمع واختلفوا حول أن يكون جوهر العقل دينيا أم فلسفيا وتباينوا حول هوية العقل هل بنية عربية أم بنية مسلمة وتصارعوا حول تكوين العقل ضمن نظام علم الكلام أم علم الفقه وافترقوا بين التصوف واللغة وانقسموا إلى رأي وحديث.
العقلانية عند العرب لا تعني حسن استخدام المنطق البرهاني وتفسير حدوث الظواهر الطبيعية بالأسباب وجعل نسق المعرفة العلمية موافقا لمسارات التجربة بل تتطلب العقلانية العميقة التطرق إلى الميثاق التاريخي بالتوسع والانتشار وتبليغ الرسالة الحضارية إلى العالم والشعور بوحدة الأمة وضرورة العودة إلى القوى المحركة للتاريخ ومصالح القوى والجماعات وتوظيف التفاعل بين الرموز السياسية والدينية.
من المعلوم أن العقل عندنا لا يرتبط بنظام الكون ولا يهتم بترتيب المجتمع ولا يتجه نحو التفكير والفهم وليس دوره تجنب الوقوع في الزلل والغفلة وإنما يتعلق دوما بالأحوال الوجدانية للذات وتحكمه نظرة معيارية للأشياء مشدودة إلى التمييز بين الخير والشر وأقرب إلى العاطفة والفؤاد والقلب وإعمال الخاطر.
محاورة أيون الأفلاطونية أو الينبوع الفلسفي الأول للهرمينوطيقا ـ د.زهير الخويلدي
"فما زال التأويل هو أصعب جوانب فني بكل تأكيد. وإنني لأرى في نفسي القدرة على أن أتحدث عن هوميروس أفضل من أي شخص آخر."[1]
ارتبط اسم الهرمينوطيقا بهرمس رسول الآلهة أولمب في الميثولوجيا الإغريقية الذي ذكر أنه ينقل الرسائل من زيوس كبير الآلهة وينزل بها من العالم السماء إلى مستوى البشر في الأرض فكان بالتالي خير وسيط بين عالم السر الغيبي وعالم العلن المرئي ولكنها ارتبطت أيضا بالتفسيرات الهيمورية (نسبة إلى الشاعر هوميروس) وكتابي العبارة وفن الشعر لأرسطو ، ولكن محاورة أيون لأفلاطون هي أيضا من الينابيع الصافية التي نهل منها مؤسسي هذا الاختصاص النبيل الذي سمي منهج تفسير النصوص الدينية أو نظرية في التأويل أو فن في الفهم.
ربما من فضائل محاورة أيون الأفلاطونية- المشكوك في صحة نسبتها إليه- أنها أرست التقاليد الأولى السؤال الهرمينوطيقي حول الجدارة والصناعة بالنسبة إلى الراوي وطرحت الأدوار التي يلعبها المؤلف والقارئ وسلطة النص والسياق الاجتماعي الذي تشكل فيه وبحثت في قضايا المعنى والحقيقة والطبيعة والقيمة والإنسان وما يضطلع به من مسؤولية في الحياة. ولعل أهم إشكال مطروح منذ البداية في هذه المحاورة هو: ما علاقة تصور أفلاطون للهرمينوطيقا في محاورة أيون بتصوره للغة ولطبيعة العلاقة بين الكلمات والأشياء في محاورة الكراتيل؟ وهل أن الخطاب الهرمينوتيقي يقتصر على مجال اختصاص معين دون آخر أم أنه خطاب كوني يتناول جميع التجارب الحياتية وكل الحقول المعرفية دون استثناء؟ بأي معنى نتحدث عن كونية الخطاب الهرمينوطيقي؟ وهل يمكن للهرمينوطيقي أن يرتقي إلى مرتبة الفيلسوف؟ بأي معنى نسند حرفة الفهم والتأويل إلى الشعراء في حين أن أفلاطون أطردهم من المدينة في محاورة الجمهورية لابتعادهم عن الحقيقة واتقانهم فن الكذب والخداع؟
مقدمة في بلاغة المنشور الفلسفي العراقي : نحو تأويل سوسيو-ثقافي لفلسفة المعرفة (القسم الثاني) ـ حيدر علي سلامة*
في واقع الأمر إن ذلك المنهج الدراسي "المصنِف"، يطرح علينا مجموعة من الإشكالات الفلسفية والنظرية والابستمولوجية والتاريخية. فلا يمكن النظر إليه على انه منشور تعليمي منهجي فقط، بل لابد من أن نتعامل معه، بوصفه "نصا يختصر تاريخ التناص التعليمي والمنهجي المتبع في أقسامنا الفلسفية"، والذي من خلاله تم تشكيل ووضع مناهج ودروس وجداول وبرامج التعليم الفلسفي المُعتمدة في تدريس مقررات المواد الفلسفية لطلبة أقسام الدراسات الفلسفية في جامعاتنا. فالمتتبع لطبيعة أسلوب كتابة "المصنف أعلاه"، سيجد انه يكاد لا يختلف عن اساليب تلقين المواد الفلسفية وتاريخها في مؤسساتنا الأكاديمية. فمنذ كنا طلابا في قسم الفلسفة، كانت الرؤى الفلسفية في محاضراتنا لا تكاد تختلف في شيء عن تصنيفات المنهج الدراسي المذكور، لاسيما فيما يتعلق "بخصائص الفكر الفلسفي" المتسمة بالعقلانية والموضوعية والاستقلالية عن العامة ووجودهم اليومي. فمثل تلك النظرة هي ليست وليدة اليوم -كما ذكرنا سابقا- بل لها تاريخ طويل من "التناص الأيديولوجي واللاتاريخي"، خاصة فيما يتعلق بترشيح مصنفات فلسفية معينة دون أخرى، أصبحت من قدماء الفلسفة المتربعين على تاريخ تدويل وتدريس الفلسفة. فعلى سبيل المثال، اعتمد قسم الفلسفة على المؤلفات التالية: (تاريخ الفلسفة اليونانية) و (تاريخ الفلسفة الوسيطة) و(تاريخ الفلسفة الحديثة) - وهي مؤلفات تعود للفيلسوف الأرسطي الكبير الأستاذ الراحل يوسف كرم- وجرى تداولها كمناهج تدريسية رسمية غير قابلة للتحاور والحجاج في الدرس الفلسفي، لان "سياسة التلقين والتلخيص من قبل أساتذة الفلسفة لما هو مُقرَر"، كانت أشبه بالمنهج التدريسي المعتمد، الذي لا يحتاج إلى كبير عناء لفهم الفلسفة وتاريخها، فما عليك إلا ان "تحفظ تلك المواد عن ظهر قلب حتى يحين موعد إيداعها في موعد الامتحان المحدد"، لتكتشف فجأة، انك أصبحت فيلسوفا على الطريقة التلقينيةّ!
مقدمة في بلاغة المنشور الفلسفي العراقي : نحو تأويل سوسيو-ثقافي لفلسفة المعرفة (القسم الاول) ـ حيدر علي سلامة*
تُعد مسألة سيطرة وسيادة الأنماط التقليدية في فلسفة المعرفة وأشكالها البلاغية في خطابنا الفلسفي العراقي**، واحدة من كبرى الإشكاليات المهمة التي لازالت تلعب أدواراً مختلفة في صناعة "النص الفلسفي التقليدي"، ذلك النص الذي اتسم بغياب البعد الإشكالي والنقد الابستمولوجي لتاريخية مجمل أنساقه الفلسفية السابقة، بوصفها تشكيلات أيديولوجية عملت على تكريس ممارسات أكاديمية إرتكاسية/نمطية في كتابة النص الفلسفي؛ واختيار ثيماته الفلسفية، بل وحتى في فهرسة وتداول ذلك النص. وعند تتبعنا لطبيعة تحولات النص الفلسفي منذ لحظة انبثاقه الأولى، المتمثلة في جيل الرواد المهندسين لذلك لنظام المعرفي ولنظرياته الفلسفية، سنجد أن اغلب الاجيال المتعاقبة على تلك التصورات بقيت منشغلة في نفس القضايا التقليدية للفلسفة، كقضية المعرفة التجريبية؛ والمعرفة المثالية؛ وتواريخ الفكر الفلسفي في شقيه الاسلامي والغربي. واللافت في الأمر اننا وإلى يومنا هذا نجد أن طرق ومناهج تناول "نظرية المعرفة" الفلسفية لم تتعرض إلى التغيير والنقد والتحويل، وكأنها نظرية مستقلة عن بقية الخطابات الثقافية؛ والسايكولوجية واللغوية. ومن المفارقات الأخرى والكبرى في خطابنا الفلسفي السابق واللاحق، انه تعامل مع نظرية المعرفة بطريقة "ارثوذكسية/ماقبل النقد الابستمولوجي"، بمعنى أن جيل الرواد ومنذ لحظة تدشينه للنص الفلسفي، عمل على استبعاد هذا النص من الثورات الحاصلة في مناهج العلوم الإنسانية وخطاباتها المختلفة، فلا يمكننا أن نجد مثلا، قراءات نقدية وتحليلية لنظرية المعرفة من خلال اعتماد احدث نظريات الفسيولوجيا؛ والسايكولوجيا؛ والتحليل النفسي؛ والدراسات الثقافية وتحليل الخطاب ونظريات الثقافة والمادية الثقافية...الخ، بل على العكس من ذلك، نلحظ وجود حالة من الاهمال الأيديولوجي في تحقيق أي "تواصل ابستمولوجي" بين نظرية المعرفة وعلوم اجتماع المعرفة التاريخية.
إشكالية نظرية البلاغة الجديدة في مدرسة بغداد الفلسفية ـ حيدر علي سلامة
- جدل المنطق التقليدي وفلسفة المنطق : بين سيطرة بلاغة البرهان ونسيان بلاغة الحجاج
بات من الصعب اليوم، قراءة الخطاب الفلسفي الراهن، دون الأخذ بالاعتبار "مركزية المنطق" ضمن خرائط ذلك الخطاب، لما لعلم المنطق من أهمية ابستمولوجية ولغوية في تشكيل "القول الفلسفي"، وتحديد مسارات خطابه، وطرق إنشاء الدرس الفلسفي وصناعة الأسلوب التعليمي المتبع في تأسيس مناهج النص الفلسفي وطرق كتابته. وهنا ينبغي علينا التوقف لمساءلة ذلك المنطق المعتمَد والمتداول في خطابنا الفلسفي. فهل تأسس خطابنا المنطقي على تقاليد وأصول البلاغة الجديدة والتي دشنها الفيلسوف البلجيكي شاييم بيرلمان في عام 1958 والمستندة على الحجاج البلاغي (argumentation rhétorique)** الذي لا يُغيّب المتلقي أو ما يُعرف بـ"بلاغة المخاطَب" -حسب تعبير الأستاذ الدكتور عماد عبد اللطيف-، ام شُيد على أسس البرهان البلاغي (démonstration rhétorique) حيث تتم مصادرة الآخر/المتلقي في بنية الدرس الفلسفي من جهة، وفي بنية الحياة الثقافية اليومية من جهة أخرى؟
يأخذنا الاستفهام أعلاه إلى وقفة أكثر استفهامية ونقدية لبنية الدرس الفلسفي نفسها، التي تمأسست على طرق بيداغوجية وتقليدية في صناعة برامج التدريس الفلسفي. والملاحظ على طبيعة تلك المناهج، اعتمادها على "سياسة التلقين"، التي همشّت "سؤال الفلسفة"، الذي ينقلنا :(( من التعليم الإخباري إلى "التعليم ألبرهاني ألحجاجي"))(1). وهذا بطبيعة الحال سوف يسلط الضوء على العلاقة الديالكتيكية أو الجدلية بين كل من: الأستاذ والطالب والنص الفلسفي؛ والسؤال عن طبيعة هذه العلاقة وتاريخها التعليمي وأطرها المنهجية المعتمدة في إيصال أو نقل المعلومات الفلسفية إلى ذهن المتلقي أي الطالب.
المعرفة العلمية بين الأحدية والتعددية المنهجية ـ د.زهير الخويلدي
" التفكير يسبق العلم الذي لا يفعل شيئا سوى استخدام أكثر من منهج. الانسان لا يمكن أن يعيش وسط الأشياء دون أن يصنع منها أفكارا يضبط من خلالها سلوكه"1
لا يمكن بناء العلوم دون حدوث ثورة في المناهج ويستحيل تحصيل المعرفة دون الاستناد الى قواعد وأسس ومراجع واضحة ومتنوعة ويتعذر على العقل تفسير الكون وإنقاذ ظواهر الطبيعة وقراءة الواقع والتكيف مع المتغيرات اذا لم ينطلق من رؤية متكاملة للأشياء ويتسلح بالعدة الإبستيمولوجية الضرورية والمعاول النظرية الماسحة وينضج في المخابر التجريبية الكافية.
الأصل الاشتقاقي اللغوي لكلمة المنهج Méthode هو الجذر الاغريقي ميتودوس μ?θοδος والذي يفيد الاستمرارية والبحث عن طريقة بغية تحقيق شيء معين ويتكون اللفظ من جزئين: ميتا meth أي مابعد وما يتبع ويستمر ويلحق ، وأدوس odos هو الدرب والطريق والوسيلة.
اذا كان رونيه ديكارت قد ترك خطابا حول المنهج من أجل حسن قيادة العقل والبحث عن الحقيقة في العلوم2 وإذا كان فرنسيس بيكون قد جعل من التجربة معيار التثبت من صدق الإفتراضات المستخلصة من الملاحظات ومرحلة منطقية بحثية تسبق صياغة النتائج وبلورة القوانين3 فإن الحقول التي يتنزل ضمنها المنهج لا تقتصر على الرياضيات والمنطق وعلوم الطبيعة والفكر الفلسفي الذي يحرص على انتاج خطاب متماسك وانجاز أفعال متساوقة بل يشمل جميع القطاعات ويحضر في كل المهن والحرف ولذلك يتراوح المنهج في العلوم الاجتماعية بين الكم والكيف ويساعد في السياسة على تفسير التحولات واتخاذ القرارات ويمثل تقنية في التأويل بالنسبة الى الفنون والآداب ووظيفة في علاقة بموضوع وبرمجة موجهة نحو تحقيق أمرا ما في الإعلامية.
في تحقيق المجتمع العادل ـ منيـر برقاد
تشكل فكرة العدالة اليوم، محطة نقاش واسع من طرف العديد من الفلاسفة والباحثين السوسيولوجيين والاقتصاديين المعاصرين. ولقد تم الاهتمام بهذا المفهوم قديما لاسيما في الأعمال التي قدمتها الفلسفة السياسية حول أفكار ومبادئ وشروط تحقيق المجتمع العادل. إن مسألة العدالة تتطلب فهما عميقا بأسسها ومبادئها وشروط تشكلها. ومن أجل مقاربة جلية للمفهوم، فإنه يمكن فهم وتحليل أبرز الأفكار الفلسفية والسوسيولجية والاقتصادية التي حاولت تفسير وإدراك مسألة العدالة في إرتباطها بمؤسسة الدولة. ومن هذا المقام، فإن إستشكال المفهوم يظل أمرا مشروعا، وذلك بغية فهم أعمق بفكرة العدالة، إذن، فما المقصود بالعدالة؟ وما الذي يميز الفعل العادل؟ وما علاقة العدالة بدولة الحق والقانون؟
إن محاولة وضع إجابة عن هذا السؤال، تكتسي طابعا مركبا لأنها تحوي مفاهيم فلسفية صعبة المراس، وتشكل في نفس الآن، مجالا خصبا غني الدلالات والتحليلات، وعلى هذا الاساس، انصب تفكير الفلاسفة والسوسيولوجيين والاقتصاديين في أطروحتهم المختلفة حول معالجة مفاهيم، كالعدالة، الدولة، القانون، الحق، كمفاهيم غنية، تحتاج لتفكير عميق يمنحها معناها وقيمتها الاساسية.
التفكير النقدي و رهان تقويض الأطر المغلقة من خلال مؤلف "أسطورة الإطار" لكارل بوبر ـ أ.عبد القادر ملوك
لا اختلاف حول كون كارل بوبر هو أحد فلاسفة النقد بامتياز، كيف لا و قد قضى معظم حياته الفكرية المديدة في الدفاع عن النقد العقلاني حتى جعل منه طريقة للتفكير بل و طريقة للحياة تتمثل في استعداد الفرد الدائم للإنصات إلى الحجج النقدية، و البحث الدؤوب عن الأخطاء و التعلم منها. فنحن نلفي النقد حاضرا في أعطاف كتاباته في مجملها و على اختلاف المواضيع التي طرقتها، سياسية كانت، اجتماعية، تاريخية أو حتى علمية، هاجسه في ذلك الدعوة إلى مواجهة كل أشكال الأطر المغلقة التي تشل الفكر و تسد عليه منافذ كل تبصر و تفكير عقلاني متفتح يؤمن بالآخر و يدعو إلى المجتمع المفتوح و الكون المفتوح.
و لأجل ذلك، كانت الغاية التي حددها لمبحثه هذا، تتمثل في التصدي لأبرز تجليات و مظاهر اللاعقلانية، متجسدة بالخصوص في النزعة النسباوية - التي تقوم على مبدأ فحواه أننا نستطيع أن نفكر من خلال إطار ترسم معالمه خلفيتنا العقلية، و أن الحقيقة تختلف من إطار إلى آخر- استهدف تقويض حججها و تبيان تهافت مسوغاتها في أفق إحلال النقاش العقلاني الخصيب و المثمر بدلها. لكن و قبل أن نتعرف على بعض مظاهر التفكير النسباوي، لنسفر، بادئ ذي بدء، الحجاب عما يقصده بوبر بأسطورة الإطار، تلك العبارة التي جعلها عنوانا لأحد فصول كتابه بل و أسبغها على المؤلف ككل، في دلالة معبرة على إدانته القوية لمفهوم الإطار و خطورة أن يتلبس بالعقول.
قراءة في كتاب " الرسالة المنطقية الفلسفية":الجزء الأول- محمد عزوزي
لقد ركزنا في هذه الدراسة على إتباع المفاهيم الأساسية في كتاب (ل.ف) "الرسالة المنطقية الفسلفية " و منهجه في التحليل ، بدءا من المستوى الأنطولوجي ثم عرجنا على الفهم اللغوي نظرا لإسهام صاحب الرسالة وأهميته البالغة في حقل فلسفية اللغة وكونه رائدا من رواد الفلسفة التحليلية.
لقد عالجنا في هذا المشروع الإشكالية التالية "فلسفية التحليل عند "لودفيغ فيتجنشتاين"، منطلقين من فكرة العالم في كتاب الرسالة، ومتبعين منهج التحليل الذي هو القاعدة الأساسية في فلسفة (ل.ف) فالفلسفة بالنسبة إليه تقوم على أساس نشاط يوضح ما نعرفه بالفعل من قبل، وذلك بحل المشكلات التي هي نتيجة سوء استخدام اللغة.
لقد كانت هذه الدراسة محاولة لسبر أغوار فيلسوف عظيم أثر في جيله وكل لاحقيه، محاولة لدراسة كتاب سماه البعض إنجيل الوضعية المنطقية، إنها محاولة لطرق مجال بحث لم ننفتح عليه طوال سنوات دراستنا الجامعية، وكان دليلي في هذا البحث توخي البساطة والوضوح في الطرح، وأخذ الحيطة والحذر في تناول المفاهيم، والهدف تقديم دراسة تنأى عن السطحية، وتزويد ساحتنا الفكرية بمشروع طالما بحث عن حل للمشكلات الفلسفية من خلال دراسة "منطق اللغة" التي تنتج هذه المشكلات، للبحث صعوبات وعراقيل، لكن فيه متعة وبهجة البحث و التفكير الفلسفيين، فالرسالة تقذف بنا بين مباحث الفلسفة التقليدية لتقدم حلولا جديدة ، تفتح لك مجالات أخرى للبحث، من الأنطولوجيا إلى الإبستيمولوجيا، ثم الأكسيولوجيا، إنه كتاب يستهدف إقامة حد للتفكير بالفعل.
الفلسفة ـ حميد الحريزي
بمناسبة مرور ((888)) على ميلاد الفيلسوف العربي الاسلامي ((ابن رشد))
الفلسفة ، اذا جاز لنا ان نسميها علما فهي علم التساؤل والتغيير وعدم الثبات ، علم التفكر والتطور ...
الفلسفة منهج تفكير لا يؤمن بوجود أرضية ثابتة غير قابلة للتغير ، غير قابلة للزحزحة ، سواء بعوامل التعرية او بتغيير طبيعة مكوناتها عبر الزمن مهما طال او قصر ....
لاشك ان ظهور الفلاسفة والنظريات او المناهج الفلسفية لايأتي من فراغ ، هي وان بدت نشاطا عقليا متفردا لذات منفردة ، لكنها بالتاكيد ناتجة عن ظروف اقتصادية وثقافية اجتماعية محددة ، انها استجابة غير محسوسة وغير مباشرة لتفكر واقع معاش وظواهر بارزة او مستترة ، هذه العلامات او هذا ((الوحي)) يختار من آلاف او ملايين العقول عقلا مميزا قادرا على فك رموز اشاراته وايحائاته لصياغتها في نظرية فلسفية تبدو وكأنها انتاج عقل الفرد الشخص الناطق بها ، بلا ريب ان هذا الشخص هو المتفكر دائم التفكر، الفطن اللماح الغير مستسلم لفروض الواقع المعاش والنظريات والمسلمات السائدة في عصره ، انه المشكك المشاكس ، الذي يؤمن بان (( لا ثابت الا المتغيير ))، هذه الخصوصية تضفي على الفيلسوف هيبة وسمات وصفات الانبياء ولكن وحيه أرضي محسوس ومشهود ...
العامل الديني عند ماركس.. واقع الانعكاس ونقد الاغتراب ـ د. زهير الخويلدي
مقدمة:
تبدو ظاهرة التدين لصيقة بالوجود الاجتماعي للإنسان الواعي ولذلك تطرح على كل إنسان ينتمي الى جماعة يتصرف في شؤونها نظام سياسي معين، وهي ظاهرة يبحث فيها أيضا كل عاقل ومفكر وقد اهتم فيلسوف الرجة كارل ماركس بالدين بشكل مباشر صريح وبطريقة ضمنية منذ بداية مشواره الفكري وبشكل مبكر ولذلك شكل الدين وحده من بين كل المسائل النظرية والعملية المنطلق والمدخل إلى بقية المسائل الفكرية وهو ما جعل المسألة الدينية تبرز في هذا السياق بقوة وبكثافة وتحتل قيمة نظرية وعملية على صعيد منظومة ماركس المعرفية وعصره.
ان المعضلة الرئيسية التي يتصدى الفكر المعاصر لحلها هي المعضلة الدينية لأن صلابة الخطاب الديني وشموليته تصطدم بمرونة الواقع وحدثية صيرورة التاريخ وأن أهم الصعوبات التي تواجه العقول الحرة على صعيد التفكير الفلسفي في الديني هي النزول من عالم النص إلى عالم الواقع والتوفيق بين المحتوى المطلق والثابت للنص الديني وبين حركة الواقع النسبية، وعندما تجعل نخبة من الاكليروس من لغة النص ميدان عملها وتحرص على نقل عالم القداسة النصية وتفسيرها والتعبير عنها باستخدام اللغة العادية فان الدين يصبح الحقل الرئيسي لقلب العلاقات الحقيقية بين الإنسان والله وبين الذات والموضوع ويسقط الإنسان خارج الصفات التي تخص نوعه.
يمكن أن نقسم آراء النقاد والمؤرخين حول علاقة ماركس بالعامل الديني إلى فريقين: الأول يصنفه ضمن التيار الإلحادي اللاأدري الذي ينكر وجود الله والغيب والبعث ويحارب الدين بلا هوادة ويمثله مارسيل نوتش وواكنهايم [2] وبولتزير وغيره كثير وفريق ثاني يعدل الموقف الأول ويلطف اللغة ويعتبر ماركس قد تعامل مع الدين تعاملا فلسفيا تاريخيا عقلانيا وأنه يبحث باستمرار عن القاع الإنساني في التجربة الدينية والإمكانيات الهائلة التي تتضمنها الأديان في أية مشروع انعتاقي تحرري ويمثله غرامشي وماوتسي تونغ وروزا لكسمبور وبدرجة أقل ألتوسير وبيير بيغو. [3]