الثقافة ثقافتان، ثقافة ساكنة جامدة، وأخرى متحركة فعالة، الأولى ارتكاسية لا زمن لها والثانية خلاقة إما أنها تدرس الماضي وتفهمه على ضوء الحاضر كفلسفة التاريخ مثلا والتحليل النفسي، أو تتنبأ بالمستقبل كالطب وعلم المناخ والفلك، الثقافة الحية ثقافة تتغذى من السؤال وبالسؤال، أما الثقافة الميتة فإنها لا تطرح الأسئلة إلا لماما، وإن طرحتها فإنها تنحصر فقط ضمن المجال النظري دون العودة للعملي، أسئلة الثقافة الحية أسئلة جريئة جدا تبدو مجنونة لنا في الوهلة الأولى، لكنها تعدو بعدئذ حقيقة لا مناص منها، في حين أن أسئلة الثقافة الميتة هي أسئلة خجولة معادة بصيغة أخرى، أسئلة تخاف من الانفتاح وتنشد التقوقع، الثقافة الحية تحيا انطلاقا من لا محدودية المجال الذي تشتغل فيه، أما الأسئلة الميتة فإنها تدور في نفس القطر دون أن تعرف ذلك، تنتج المُعاد دون أن تبدع، وتدور في المحدود دون أن تدري.
ألبير كامو وجون بول سارتر: رسائل جمعت وأخرى فرقت ـ عزالدين بوركة
"عزيزي سارتر، ها هي كنوزكم التي رصعت بالشكر"-من كامي إلى سارتر
يُعتبر كل من ألبير كامي وجون بول سارتر أيقونتين، للفكر الفرنسي خاصةً والعالمي، في القرن المنصرم (العشرين). وخاصة ما بين فترة 1940 و 1960. فأعمالهما وإنخراطاتهما الفكرية والنضالية/الثقافية، تتقاطع، لتجيب عن تحديات القرن الماضي، وتستمر في القرن الحالي. في السنة الماضية 2013 تمّ إكتشاف رسالة، تحمل توقيع ألبير كامو إلى ج. ب. سارتر.. وقد عُثر عليها من قبل وراقين من Orléans، وقد عُرضت في معرض ب Lourmarinما بين الثالث والثامن من شهر شتنبر من نفس العام. جاء في الرسالة بإيجاز "عزيزي سارتر [...] أتمنى لك وأيضا للقندس المزيد من العمل [...] أعطني إشارة عند عودتكم، سنقضي أمسية حارة [...]".
الثَّقَافَةُ العلميّةُ والقِيَمُ الإنسَانيةُ: مُفارقَاتُ النَّسَقِ العلميِّ-التِّقنيّ ـ د. يوسف تيبس
"العلم وحده قادر على حل مشكلات الجوع والفقر والجهل،والخرافات والعادات والتقاليد البالية، والثروات الآيلة إلى النضوب،والبلدان الغنية التي تتضور شعوبها جوعاً ... وهل هناك من يجرؤ على تجاهل العلم؟فنحن نلتمس العون منه في كل أمر ...ولا وجود في المستقبل إلا للعلم، ولكل من يناصر العلم".جواهر لال نهرو
يمثل هذا القول شعاراً لأنصار النزعة العلمانية التي تستقي مبدأها الأول من دعوة رينيه ديكارت (René Descartes) إلى السيطرة وتسخير الطبيعة بواسطة العلم والتقنية. لقد كانت هذه الرغبة الإنسانية في التحكم وتسخير الطبيعة لصالحه مرتبطة منذ القدم بشعوره بالضعف أمام قواها، وأحياناً جبروتها. بيد أن سبل تحقيق هذه الرغبة قد تنوعت وفق مستوى التقدم المعرفي والعلمي عبر تاريخ البشرية، فقد كانت في البداية عبر الأسطورة، إذ كان اليونان -مثلاً- يتصورون الآلهة في صورة البشر، تنفعل وتغضب وترحم وتظلم، ومن ثم وجب العلم بها، لذا كان لا بد من وجود الكهنة كوسائط بين الإنسان والآلهة، للتعبير عن رغباتهم ونزواتهم وحكمهم. باختصار، لقد كانت الآلهة تتدخل لتغيير القوانين الطبيعية. ثم تحولت الأسطورة إلى خرافة كنتيجة طبيعية لأن الخرافة ممارسة عملية لما كان يحكى شفهياً؛ والغرض الأول لها هو نفسه؛ أي تسخير قوى الطبيعة واتقاء شرها عن طريق السحر والشعوذة. وعندما بلغت المعرفة العلمية ذروة التقدم وتميزت عن غيرها من المعارف غير العلمية، اعتقد الإنسان بالقدرة الخارقة لهذا النمط المعرفي الذي أثبت فعاليته ونجاعته في مجالات الصناعة والطب وغيرها من المجالات الإنسانية.وعلى هذا الأساس التطوري، حاول العديد من الإبستمولوجيين والفلاسفة، وضع تحقيب لتطور المعرفة العلمية، فحددوا المراحل ما قبل العلمية والمرحلة العلمية بناء على معايير أو خصائص محددة [أوغست كونت (Auguste Comte)؛ غاستون باشلار (Gaston Bashlard)؛ ميشيل سير (M.Serres)؛ ليون برانشفيك (Léon Brunschvicg)].
الحقيقة بين صمت الفرد في عزلته وإجماع الأغلبية ـ د.زهير الخويلدي
"من ذا الذي يستطيع أن يعلم أنه يعرف شيئا من الأشياء إذا لم يكن يعرف هذا الشيء من قبل؟" سبينوزا
هل نتحدث عن حقيقة الإنسان أم عن علاقة الإنسان بالحقيقة؟ وهل نبحث عن تعريف لها أم عن معنى؟ هل يتعلق الأمر بالتفتيش عن مصدر أم بإيجاد معيار نميز به الصواب عن الخطأ؟ ولكن من يحدد هذا المعيار؟ هل هو الإنسان الفرد المنعزل أم مجموعة من الذوات المفكرة؟ لذلك ترجع في الغالب إشكالية الحقيقة إلى إشكالية من يملك ميزان الحق؟ هل هو الفرد أم المجموعة؟
أبيكتات يعترف أن رأي الواحد منا غير كاف إذن لتحديد الحقيقة لأن الآراء متناقضة وليست صائبة ولابد من البحث عن التأييد من خلال إجماع عدد كبير من الناس لكن ألا يوجد معيار يعلو على الرأي ويخلص الناس من جنون استعمالهم للظن.
ماذا يعني أني أفكر ؟ ـ نادية عبد الجواد
اقترن التفكير الفلسفي عند اليونان بالدهشة لا بماهي ذهول سلبيَ أمام موضوع غير مألوف و إنما كرجَة وجدانيَة و فكريَة تصاحبها حيرة و قلق و أسئلة و لقد عبًر عن ذلك ذلك أرسطو في كتاب الميتافيزيقا عندما اعتبر أن ما يدفع الناس إلى البحوث الفلسفيَة هي الدهشة و من هنا كانت " الدهشة هي أم الفلسفة و منبعها الخطير" كما قال شوبنهاور , فلا نكاد بهذا المعنى نطرح مشكلا فلسفيا بعيدا عن كلَ ضروب القلق و الأرق و هواجس الفهم بدءا بأكثر الأشياء بداهة وصولا إلى المرَكب منها. فالبساطة لا تستقيم أمام السؤال الفلسفيَ بل فيها ما يستدعي دائما التفكير و الفلسفة هنا اختراق و هدم و استنباط لكلَ ما يظهر و يتخفى على حدَ السواء.
أن نفَكر هو أن نتفلسف : هكذا أعلن الفكر نفسه لأوَل مرَة مسائلا الوجود في عناصره و حركته و تبدياته مع فلاسفة ما قبل سقراط و مسائلا الإنسان في إنسانيته بدءا من أفلاطون , و مع ذلك يبقى الفكر في ذاته مغمورا , لا مفكر فيه كأنهَ من تحصيل حاصل إذ عادة ما نحدد موضوع التفكير أو منهجه و شروطه لكن نادرا ما نقصده في ذاته مرتبطا بالذات المفَكرة السائلة و القلقة كأنما قذف بها في العالم ترى نفسها تتساءل و لا تدري من أين لها أن تسأل و تفكَر.
آراء ابن طفيل في التربية، نص: "حي بن يقظان" ـ الأعرج بوجمعة
إن الدارس والمتتبع لجغرافية قصة "حي بن يقظان" لصاحبها ابن طفيل، يجد بين ثنايا هذه القصة آراءه في التربية، فالقصة بمثابة منظار يمكن أن ينظر منه الباحث لأي إشكال يخصه، كإشكالية التوفيق بين الحكمة والشريعة، وإشكالية الفلسفة والتصوف، وإشكالية العقل والنقل، كما هناك من يستهويه الجانب القصصي والروائي في القصة... فالقصة سِجل مفتوح أمام كل التأويلات والقراءات. لكن نحن سنحاول حصر مجال اشتغالنا في التنقيب على البعد التربوي الكامن في قصة ابن طفيل. فالبناء الذي تمت به القصة يُظهر قوة ابن طفيل وخاصة المنهج الذي اتبعه، فلا نبالغ إن قلنا إنه منهجًا أكسيومياً، متماسكاً، ينطلق من مقدمات ليصل في النهاية إلى نتائج تترتب عنها كضرورة منطقية.
الجذمـور (معرفة ضد التأصيل) ـ جيل دولوز – فليكس غاتاري ـ ترجمة: د. عز الدين الخطابي
لقد كتبنا "ضد- أوديب" معاً، أنا وغاتاري. وبما أن كل واحد منا كان متكوثراً،1 فإن العدد أصبح كبيراً. وهنا استخدمنا كل ما يقرب بيننا؛ أي ما هو أقرب وما هو أبعد. ووزعنا أسماء مستعارة ذكية كي نحافظ على السرية. فلماذا أخفينا أسماءنا؟ بفعل العادة فقط؛ ولكي لا يتعرف علينا أي أحد. وأيضاً حتى يصبح ما يدفعنا إلى التصرف والشعور والتفكير في غير متناول الآخرين. وفضلاً عن ذلك، فإن من الممتع أن نتحدث مثل كل الناس، وأن نقول إن الشمس أشرقت، وهذه طريقة في التعبير، يعرفها كل واحد. ولم يصل بنا الأمر إلى الإحجام عن قول "أنا"، بل إننا وصلنا إلى الحد الذي لم يعد من المهم فيه أن نقول أو لا نـقول "أنا". فلم نعد نحن بل أصبحنا مغايرين لذواتنا، لكن كل واحد منا سيتعرف على ذويه (His Own). فنحن حصلنا على المساعدة وحققنا طموحنا وتعددنا.
نقد الفلسفة الكنطية لأرتور شوبنهاور ـ حميد لشهب
صدر عن "جداول للنشر و التوزيع و الترجمة" ببيروت مؤخرا ترجمة كتاب "نقد الفلسفة الكنطية لأرتور شوبنهاور" من ترجمة و تقديم الباحث المغربي حميد لشهب.
ظلت فلسفة شوبنهاور غائبة إلى حد ما على الساحة الفكرية و الفلسفية العربية الإسلامية، و لم يُتطرق له إلا مناسباتيا و في عجالة، على الرغم من الأهمية القصوى لفكره الفلسفي. و من المعلوم أن هذا الأخير قد أثر على أجيال من الفلاسفة الغربيين بأكملها و يعرف في الوقت الراهن، و بالخصوص في ألمانيا، نهضة جديدة و انتعاش ملموس، يمكن للمرء لمسه في إعادة طبع أمهات كتبه و قيام العديد من الجمعيات الفلسفية التي تحاول إعادة إحياء فكره.
إن المناخ الفكري و السياسي الذي عاش فيه هذا الفيلسوف العظيم، يشابه في جوانب كثيرة المناخ الذي تمر به الأمة العربية و الإسلامية حاليا، و الذي بدأ مع ما أسميه شخصيا بـ"ربيع الغضب العربي".
مفهوم السلطة عند ميشيل فوكو ـ نجيب مجدوب
تأسست قراءة ميشيل فوكو لمفهوم السلطة على المستوى النظري ضد التصور الماركسي،خصوصا نظرية لوي ألتوسير المتعلقة بــ"الأجهزة الإيديولوجية للدولة"،وضد مجمل التصورات الميتافيزيقية والتقليدية في هذا الصدد.فمن المعلوم أن ألتوسير خصص دراسة لما يسميه الأجهزة الإيديولوجية للدولة التي تعمل في رأيه على إعادة إنتاج نفس نمط الإنتاج وعلاقاته السائدة في المجتمع،ويقصد بذلك أجهزة الدولة ومؤسساتها التربوية والتعليمية والثقافية والجزائية التي تهدف إلى المحافظة على الفوارق الاجتماعية القائمة وإلى إعادة إنتاج نفس العلاقات..أما على المستوى العملي فقد تبلورت أدوات ومفاهيم فوكو انطلاقا من تغير جذري لحق طبيعة العلاقة بين النظرية والممارسة،حيث كان نضال فوكو في صفوف حركة"مجموعة الإعلام عن السجون"خلال بداية السبعينيات من القرن المنصرم من أجل تفادي الانزلاقات التي كانت تهدد اليسار الفرنسي آنذاك بالانجراف نحو العنف وإراقة الدماء..
من الشخصانية الواقعية إلى الشخصانية الإسلامية في فلسفة محمد عزيز الحبابي ـ الاعرج بوجمعة
تمهيد:
يعتبر مفهوم الشخصانية الإسلامية من بين المفاهيم الأساسية التي شكلت صرح الفكر الفلسفي عند الحبابي، وهو ما جعله ينفرد بميزة أول من قدّم نسقا فلسفيا متكاملا. مما جعل عدد المعجبين بهذا النسق يتزايد. كما نجد كذلك من لا يعترف بانتماء هذه الفلسفة إلى الخطاب العربي المعاصر. فمثلا الدكتور محمد عابد الجابري لم يدمج في كتابه "الخطاب العربي المعاصر، دراسة تحليلية نقدية" فلسفة الحبابي لأنها في نظره كُتبت بلغة أجنبية، وبالتالي فهي "لا تنتمي إلى الخطاب العربي المعاصر. أما بالنسبة للأستاذ كمال عبد اللطيف فإن انتقاده لا يقل جذرية عن انتقاد الجابري بحيث نجده في بحثه "طبيعة الحضور الفلسفي العربي في الفكر العربي المعاصر"، يصف الفلسفة العربية المعاصرة بأنها تتصف بالهامشية والانتقائية[1]. مضيفا بأن "مؤلفات الحبابي لا يمكن وصفها بالهامشية وحسب، بل إنها أيضا درجة أعلى من الهامشية، لأنها في نظره غريبة عن واقع المغرب المعاصر.
ملامح القراءة الدولوزية لفلسفة نيتشه ـ اسماعيل فائز
مدخل عام :
قد لا نبالغ إن اعتبرنا الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه واحدا من أهرامات الفكر الفلسفي برمته. إذ استطاع أن يحدث ثورة في تاريخ الفلسفة، متوجها بنقده إلى مقولاتها ومفاهيمها وحقائقها، حيث كانت وسيلته إلى ذلك مطرقته، التي ترافقه أينما حل وارتحل، فوجهها صوب الميتافيزيقيا عامة والأفلاطونية خاصة. منطلقا من التشكيك في بداهاتها ومقولاتها، مفككا بنيتها، رافضا ثنائياتها، كاشفا وجهها التنميطي، معلنا ازدراءه لها، كونها تزييف وتشويه للحياة.
كان نيتشه، إذن، السباق إلى افتتاح أوراش كبرى، في مجال الفلسفة، ورش مجاوزة الميتافيزيقا. وهكذا توجه إلى قلب القيم، وإعادة النظر في أصولها وأسسها، وطرح قيمتها للنقاش. فوجدت الأخلاق نفسها أمام فيلسوف لا يتقن لعبة النفاق والتملق. بل أمام فيلسوف يجيد لعبة القاضي. فتراه يصب غضب نقده وتساؤلاته العميقة، حول الحقيقة، مشككا في أكثر العقائد رسوخا، موظفا في ذلك منهجه الجينيالوجي الرامي إلى كشف أصول كل ما نعتقد أن أصله سام وراق، والتساؤل بعد ذلك عن قيمته.
ولم يكن نيتشه يهدم فقط ، بل كان يبني أيضا ولكنه " كان يبني بعنف" كما أخبرنا بذلك أندريه جيد . لم تكن، إذن، رغبة الهدم هي التي تستبد بنيتشه فحسب، بل كانت حاضرة إلى جانب ذلك رغبة أعمق وأكثر جرأة ونبلا. إنها السعي إلى نشر أخلاق القوة والعطاء، وقيم اللعب والضحك، والفرح، والرقص على نغمات موسيقى فاغنر الشاب. فليس نيتشه فيلسوف المطرقة فحسب، وبعبارة أخرى إنه فيلسوف نلمس لديه روح الإبداع. إنها روح الشاعر والفنان، والعبقري بتعبير شوبنهاور.