"عجبا لهؤلاء الإغريق لكم كانوا يعرفون أسباب العيش، بالصورة والشكل والأصوات والكلمات، والإيمان بأولمب المظهر، هؤلاء الإغريق كانوا سطحيين من شدة عمقهم... "
ـ فريدريك نيتشه ـ
هل استطاع الانسان أي يعيش؟ أن يجرب معنى الحياة ويحس به، هل نحن متصالحون مع أنفسنا أم أننا نتوهم ذلك؟ ما معنى أن نحيا هنا، في العالم وبجانب الآخرين؟ وإلى أي حد استطعنا تحقيق الأفضل؟ ومن المسؤول عن هذا الذي حصل الآن؟ أسئلة وأخرى تشكل عمود هذا القول أو قل هذا الامر، ونحن نقارب الإنسان مرة أخرى، نقاربه من زاوية فلسفية ميتافيزيقية محضة، مادام الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يعيش ميتافيزيقيا، حيث سنقلب هنا قيما لصالح أخرى، مسلطين الضوء على جانب معتم في الإنسان، والذي لن يكون إلا الجشع والطمع في المزيد كلما تحقق المراد.
إن الإنخراط في الحياة ليس يعني بالضرورة أن ننخرط في الحضارة وأن نعيش مرحلة الثقافة، لقد كان الإنسان قديما وفي عصور جد غابرة يعيش هو الآخر دون أن تكون لديه سيارة أو جهاز تلفاز، أو مركبات فضائية تحاول حل لغز الكون، والحال أنه عندما نتأمل ما قلناه آنفا سنلاحظ أن جهاز التلفاز جاء نتيجة طلب لاشعوري للتعب الذي أصبح يحفنا من كل الجوانب، من خلاله نقضي وقت الفراغ إما في التفرج على نكبات وكوارث الآخر، أو الاطلاع على آخر الأنباء أو مشاهدة فلم يعيش حياة مفترضة أو حياة كانت ستكون هي الواقع، أو التلصص على الحياة الخاصة لباقي الكائنات... السيارة هي الأخرى لا تقل أهمية عن التلفاز، إنها نتيجة للثورة الصناعية ظاهريا، لكنها وجه من أوجه جشع الإنسان باطنيا، أي قطع مسافة كبيرة جدا في أقل وقت ممكن، ما الداعي من طلب هذا الاختصار؟ ومتى كانت السرعة معيارا للانخراط في العيش؟ الدليل هو أن المسافة التي أصبحنا نقطعها بسرعة كما نعتقد، ستصبح بطيئة جدا بعد سنين معدودة، الانسان حاليا من خلال هذا الأمر يظن أنه متحضر على الذين سبقوه، وأنه يسافر من مدينة إلى أخرى في ظرف قياسي وجيز، لكن إذا تمعنا في الامر جيدا سنلاحظ أنه أمر تافه جدا أن تضع السرعة كمعيار للتقدم، بعبارة أخرى الإنسان القديم الذي كان يقطع مسافة في وقت طويل يعيش هو الآخر نفس السنين التي يعيشها إنسان الألفية الثالثة، وما يقوم به الأول أي الإنسان القديم وهو في طريقه نحو مراده، لا يقوم به الثاني وإن كان سيصل قبله بفرق شاسع جدا، المعادلة واضحة تماما لا تفوق للأول على الثاني وليس هناك أي انتصار للثاني على الأول.
الكتابة والمعنى ـ هادي معزوز
لماذا يكتب الإنسان؟ وهل الكتابة فعل بريء أم أن لها من الأغراض الخفية ما لا تظهره؟ وهل يمكن حصر الكتابة فقط كوسيلة للتعبير، أم أنها هي التي تعبر عن نفسها عن طريق الإنسان؟ الحال أن الوقوف على فعل الكتابة ليس من الجانب الأدبي وإنما من نظرة فلسفية محضة، يجعلنا نعيد ترتيب رأينا حول فعل الكتابة، بما هي قوة وليست مجرد أداة، وذلك من خلال وضعها أمام منطق المعنى، أي هل تلعب الكتابة دور الوسيط لتبليغ المعنى، أم أنها قوة تحاول تكريس معنى على حساب آخر؟
عندما نعود لتاريخ الكتابة نجد أنها ارتبطت بداية بالسحر عن طريق خطِّ رموز كطلاسيم للتخلص من الأرواح الشريرة، لتنتقل بعدئذ تطوريا إلى المجال الديني ثم القانوني فيما بعد، وهنا أول لقاء حقيقي بين الكتابة والمعنى، أن تكتب من هذا المنطلق معناه أنك تضع أثرا يفتت بنية الزمن، أي أن فعل الكتابة يحوي في طياته خاصية الحضور، حضور الأحكام والقوانين والعِبَر، وإبقاء سلطة قوية للنص الديني، والحضور من هذا المنطلق يجعل من الماضي حاضرا، كما يحول المستقبل إلى قوة دائمة الحضور بناء على ما نفكر فيه في الحاضر، فلنتخيل دينا دون نص مقدس مكتوب سلفا، سيبدو لنا الأمر صعبا إن لم نقل مستحيلا، من خلاله سوف يسقط النص الديني في منطق الشفهي، هذا الشفهي الذي ما إن ينتقل من شخص لآخر حتى يعرف تغييرات كبيرة في المعنى، من ثمة فإن أول شيء نستخلصه في هذا الأمر هو أن الكتابة حفظ للمعنى وتكريس لقوّته وضمان لحضوره الأبدي، وإبعاده عن بؤرة النسيان.
اليوم العالمي للفلسفة : الواقع والانتظار ـ هادي معزوز
يخلد العالم خلال كل خميس ثالث من شهر نونبر ذكرى الاحتفال باليوم العالمي للفلسفة، حيث يقف المتتبع أمام واقع هذا الفكر والحالة التي بات عليها اليوم، من خلال تنظيم ندوات وورشات وعروض فنية الغرض منها تقريب الجمهور إلى الفلسفة، ناهيك عن تبادل المعارف والمعلومات والحديث عن آخر الإصدارات وأبرز القراءات النقدية الراهنة للواقع والانسان والوجود، ولسان الحال يقول أن الفلسفة ليست فكرا يقتصر فقط على الصالونات وجدران كبريات الجامعات والمعاهد، بقدر ما أن موقعا هو الساحة مع ضرورة الانفتاح على غير المهتمين بالفلسفة شرط الحفاظ على هويتها الخاصة.
الفلسفة فكر ومعرفة زئبقية، ما إن تموت حتى تحيا من جديد، إنها كطائر الفنيق الذي يضمحل كي يبعث مرة أخرى، من هنا فالفلسفة أو موضوع الفلسفة بصفة عامة يرتبط بموضوع الساعة وبما يحف الإنسان في واقعه اليومي، إنها ترياق للأزمات والكوارث التي باتت تهدد الانسان، كما أنها موقف من مجموع السلوكات التي تضر بالحياة على هذه الأرض، الفلسفة لسان حال الوجود، وبدونها ستنهار المنظومة الأخلاقية ومعها سيعود الانسان لطبيعته الأولى ولجشعه الأول، لهذا ظهر فلاسفة العقد الاجتماعي مفترضين حالة أطلقوا عليها حالة الطبيعة، إذ من خلالها انطلقوا لوضع حدود دنيا لتصرفات الإنسان تجنبا لحرب طويلة الأمد ستأتي على الأخضر واليابس لا محالة، ومنه تم وضع القوانين والدساتير المنظمة ومنه أيضا انطلقت الإنسانية نحو منعطف آخر يضع لكل فرد منا حقوقه وواجباته، ما له وما عليه، نفس الأمر نجده أيضا عند الفيلسوف الألماني هايدغر الذي خاض نقاشا طويلا عريضا و مفهوم التقنية محذرا من أن تبسط قوتها على العالم، فيعيش هذا الأخير بعدئذ في قبضتها التي سيكون لها من العواقب ما لن يكون لغيرها، في المقابل كان ولازال يورغن هابرماس يدلي بدلوه بخصوص عديد الصفات التي بدونها لن نستطيع الاستمرار في العيش بكل رضى، حيث يبقى مفهوم الفضاء العمومي من أبرزها.
حدود النزعة التكذيبية في الابستمولوجيا ـ مصطفى قشوح
ينطلق التكذيبي من مسلمة أساسية ،إن النظرية تقود الملاحظة عبر فرضيات ،ويتم تعديل هذه الفرضيات كلما تبين أنها غير صالحة ، أو يتم تكذيبها ، فقابلية التكذيب كتفسير استنباطي للنظرية العلمية يقوم بالأساس على بناء فرضي قادر على تفسير مجموعة من ظواهر العالم،قبل أن استمر في شرح دور الفرضيات في تقدم المعرفة العلمية ، سأشرح هذا الذي نسميه قابلية التكذيب .
الفرضية قابلية تكذيب الفرضية
1 يوم الخميس، الجو حار --يمكن ان يكون الجو حار في أحد أيام الخميس
2 كل الأجسام تتمدد بالحرارة يمكن أن لا تتمدد بعض الأجسام بفعل الحرارة ، و يمكن أن نشير إلى أن الماء لا يتمدد بفعل الحرارة
3 الأمي هو غير المتعلم --هذه الفرضية لا يمكن تكديب ، لأنها في كل الأحوال صادقة
4 الله موجود --هذه الفرضية فرضية ميتافيزيقية لا تدخل في مجال العالم بالتالي يجب استبعادها
مفهوم الحرية ـ أندري كومت سبونفيل ـ ترجمة: حسن بيقي
“إن الامتثال للقانون الذي نلزم أنفسنا به هو حرية”روسو
أن تكون كائنا حرا، معناه أن تفعل ما تشاء. بيد أن هذا المعنى، يفهم في نطاق معان شتى ومتنوعة. يحيل المعنى في البداية إلى حرية فعل التصرف، أي إلى حرية الفعل. وأي معارضة لها تعد فعلا من أفعال الإكراه أو الإعاقة أو الاستعباد. “فليست الحرية، بتعبير هوبس، شيئا أخر غير كونها غياب كل الموانع التي من شأنها أن تعترض أي حركة، فهي أشبه بماء محجوز في إناء لا يتمتع بحرية الانسياب. لكن ما أن يتم تحطيم الحواجز، حتى يسترد الماء حرية انسياب جريانه. وبهذا المعنى يتمتع شخص ما إلى هذا الحد أو ذاك بحريته وفق فضاء معطى له”. أي أنني أكون حر التصرف، حينما لا يعترضني شيء أو شخص ما. فهذه الحرية لم يسبق لها أبدا أن كانت مطلقة (هناك دوما موانع) ونادرا ما تكون منعدمة. فحتى السجين مثلا، بمقدوره في العادة أن يظل في زنزانته قاعدا أم منتصبا، متكلما أم متكتما، معدا لعملية فرار أو مداهنا لحراسه... فلا أحد من المواطنين، وفي أية دولة يستقر في كنفها، بمستطاعه أن يفعل ما يشاء: فالآخرون والقوانين هي بمثابة إكراهات يستحيل القفز عليها دون مخاطر أو مجازفات. لهذا السبب، نتحدث مرارا، بغاية الإشارة إلى هذه الحرية ذاتها، عن المعنى السياسي للحرية؛ لأن الدولة هي القوة الأولى التي تقيدها وهي، بلا أدنى شك، الوحيدة القادرة على ضمان بقائها. فالحرية تستمد أساسا عظمتها من ديمقراطية ليبرالية أكثر مما تستمدها من دولة كليانية، بل ومن دولة الحق عوض استمدادها من حالة الطبيعة:لأن القانون هو الذي يسمح وحده للحريات أن تتعايش فيما بينها بدل أن تتعارض، ولأَن تتقوى(حتى وإن كان بعضها يحد البعض الآخر بشكل متبادل) أفضل من أن تتهاوى كلها. فحيثما “يغيب القانون، تنعدم الحرية أصلا.
دفاعا عن فرويد ـ المختار منودي
مــــقدمـــة:
يكتب ألثوسير في إحدى هوامش الجزء الأول من كتابه «Lire le Capital» ما يلي:
"يعود الفضل اليوم، فيما يخص النتيجة التي عملت على قلب فهمنا ل فرويد، للمجهود النظري الواضح والحازم الذي قام به جاك لاكان لسنوات طوال. [1]
تعتمد قراءة ألثوسير لفرويد على ما قدمه التأويل اللاكاني في هذا الصدد، والباحث المدقق في صفحات «Lire le capital» سيجد على ان قراءة ألثوسير لفرويد لا تختلف عن قراءته لماركس، فإذا كان موضوع فرويد، أي اللاوعي، ينتمي الى الاشكال النظري العلمي الجديد «Problématique» المختلف كليا عن اشكال علم النفس الاختباري الأيديولوجي، فإن موضوع ماركس، ونعني هنا مفهوم نمط الإنتاج الرأسمالي، ينتمي الى الإشكال النظري العلمي الجديد الذي اسسه ماركس والمختلف كليا عن الاشكال الأيديولوجي الاختباري سواء في شكله الهيجلي او الفيورباخي. وانطلاقا من هكذا منظور لإنتاج المعرفة العلمية، تغذوا لحظة انتاج التصور أو المفهوم اللحظة الحاسمة والمحددة لإنتاج معرفة علمية بموضوع ما. من هنا يمكننا ان نستوعب طبيعة التأويل الذي قدمه ألثوسير لتاريخ الكيمياء في الجزء الثاني من كتابه المومأ إليه سابقا، فمكتشف الغاز في الطبيعة الذي يؤدي الى الاحتراق، ونعني هنا العالم بريستلي، وانطلاقا من كونه قد ظل عاجزا على بناء التصور الخاص لما بين يديه، فإن دوره في تاريخ الكيمياء قد ظل هامشيا إن لم نقل ان دوره كان غير ذا أهمية تذكر مقارنة بما قدمه العالم لافوزييه الذي تمكن-استنادا على تجارب العالم بريستلي-من بناء التصور والمفهوم، أي مفهوم الأوكسجين. لحظة بناء التصور والمفهوم، هي اللحظة الحاسمة في انتاج المعرفة العلمية، بالنسبة الى ألثوسير، وابتغاء لمزيد من الدقة والوضوح يمكننا ان نقول ان ذلك ينطبق على كل الباحثين المتأثرين على نحو واضح بالابستمولوجيا الباشلارية.
مقاربة فلسفية لمجتمعات المراقبة* ـ عبد العالي نجاح
1 -في الشروط التاريخية:
يرى جيل دولوز أن ميشيل فوكو قد حدد مجتمعات الحراسة(1) في القرن 18 و19؛ وأنها وصلت إلى قمتها في القرن 20. وتعمل هذه المجتمعات على تنظيم الأوساط الكبرى للحراسة. مافتئ الفرد يمر من وسط مغلق إلى آخر، كل حسب قوانينه: بداية العائلة، ثم المدرسة ("لست داخل عائلتك")، ثم الثكنة العسكرية ("لست داخل المدرسة")، ثم المصنع، ومن حين لآخر المستشفى، ومن المحتمل السجن الذي يعد وسط الحراسة بامتياز. ويؤخذ السجن كنموذج تماثلي؛ يمكن لبطلة فيلم "أروبا 51"(2) أن تصرخ حين ترى العمال: "لقد اعتقدت رؤية سجناء..". لقد حلل ميشيل فوكو جيداً المشروع المثالي لأوساط الحراسة، تحديداً مرئية داخل المصنع: تمركز؛ توزيع في المجال؛ تنظيم في الزمان؛ تجميع في الزمكان قوة إنتاجية حيث المفعول يكون أعلى من مجموع القوى الأولية. لكن ما كان يعرفه فوكو أيضا هو محدودية هذا النموذج: إنه يلي مجتمعات السيادة(3)، حيث كان الهدف والوظائف أشياء أخرى (تحصيل الإنتاج عوض تنظيمه، تحديد الموت عوض تدبير الحياة)؛ تم الانتقال تدريجيا، وقد استشف نابليون التحول الكبير من مجتمع إلى آخر. لكن عرفت الحراسات بدورها أزمة، لفائدة قوى جديدة حلت محلها ببطء، والتي تسارعت وثيرتها بعد الحرب العالمية الثانية: لقد أضحت مجتمعات الحراسة ذلك الذي لم نكن عليه، وذلك الذي لم نصر عليه.
اللامنطق والعبث في الرياضيات ـ هادي معزوز
عادة ما نعتبر أن الرياضيات هو ذلك المجال الذي لا يتحدث سوى لغة المنطق والدقة اللامتناهية، وغالبا ما نعتقد بوعي منا أو بغير وعي أن كل ما هو رياضي واقعي وكل ما هو واقعي رياضي، الرياضيات لغة لا كباقي اللغات، والعالم برمته على غرار المدرسة الفيتاغورية إلى يومنا هذا أعداد وأشكال هندسية، بل إن الكون لا يمكن له أن يُفهم وأن تُعرف آليات اشتغاله إلا عند إخضاعه للفهم الرياضي، خلاصة القول في هذا الأمر هو أن الرياضيات مقياس كل شيء وما عداه حسب المعرفة العلمية مجال للتطاحنات واللايقين، مادام الإنسان يسعى في نهاية الامر إلى اليقين كي ينطلق نحو لبس آخر لإضفاء طابع اليقين عليه كذلك، ألم يسعى ديكارت طوال حياته وهو أب الرياضيات الحديثة إلى تكريس اليقين بعد الشك فيه؟ وما كل حقيقة ثابتة إلا ويتم الشك فيها بداية ثم إثباتها على أسس يقينية بإخضاعها لمنطق رياضي صارم يتوخى الدقة والوضوح والتميز.
بصدد العقد الاجتماعي أو مبادئ القانون السياسي لجان جاك روسو ـ المختار منودي
مـقدمـــة:
يعرض هذا البحث على نحو وجيز أهم الأفكار والتصورات المتعلقة بالعقد الاجتماعي وبالفلسفة السياسية عامة التي ضمنها روسو في بحثه الشهير: العقد الاجتماعي أو مبادئ القانون السياسي. الأكيد هو أن هذا البحث قد فتح افاقا جديدة للبحث والتنظير والممارسة في حقل الفلسفة السياسية فبقدر ما تميز هذا البحث عما سبقه من بحوث أخرى حول العقد الاجتماعي بقدر ما مثل استمرارية نوعية لكل التراث النهضوي والتنويري على نحو عام. إن جدل التواصل والتفاصل هو وحده الكفيل بجعلنا نتقصى المسألة في حدودها الاستمرارية والقطائعية.
إن فلسفة جان جاك روسو السياسية لا تنفصل عن السياق التاريخي للقرن الثامن عشر؛ فقد شكل إلى جانب مجموعة من المفكرين تيارا فلسفيا، يعكس على نحو نظري مصالح تيار اجتماعي في طور التشكل والبروز، ونعني هنا الطبقة البرجوازية التجارية الصاعدة، يعنى بإحلال المساواة والحرية والعدالة الاجتماعية أمام جبروت الحكم المطلق وأما الوصاية التي تفرضها الكنيسة على الإنسان ؛ إذ أن الخيط الرابط الذي يجمع الأدبيات التنويرية هو التنظير للفكر البرجوازي ولنظامه الذي بدأ يتبلور شيئا فشيئا، إذ أن معظم فلاسفة الأنوار قد وضعوا صوب اهتماماتهم نقد وتقويض دعائم النظام الاقطاعي الذي سيطر على الحياة العامة في جميع المستويات الاقتصادية والسياسية .
حول منهج وموضوع رأس المال من منظور ألثوسير ـ المختار منودي
لقد قيل، بعد سقوط المعسكر الشرقي، أن النظرية الماركسية ليست إلا ذكرى قديمة، وكان انتشار هذا القول، مصحوبا قطريا وعالميا، بجملة من الأحداث التاريخية والسياسية الهامة، خاصة ما رافق عملية السقوط تلك، من إعادة دخول جديدة للرأسمالية للمعسكر الاشتراكي، وما رافق ذلك أيضا من انتعاش اقتصادي في العالم الرأسمالي جعل الجميع، حتى من كان منهم ماركسيا الى حين، يردد عنوان بحث فرانسيس فوكوياما، "المجتمع الأخير والانسان الأخير"، وكأنه اخر ما أنتجته المعرفة العلمية. الان، وبعد سنوات طويلة، يعود "شبح" ماركس من جديد، الى القراء، المثقفين، السياسيين، والفلاسفة أيضا وحتى العلماء، خاصة مع تعمق الأزمة الاقتصادية العالمية، وانفجار ثورات وانتفاضات شتى على امتداد أرض الانسان. لابد من التأكيد أولا على ان الماركسية تنظر إلى التاريخ نظرة بعيدة المدى. من وجهة النظر هذه تشكل بعض الفترات في التاريخ نقطة تحول حاسمة، مثلما كانت سنوات 1789، و1917، و1929. خلال تلك الفترات يتم تسريع السيرورة التاريخية برمتها، وخلالها تنقلب الأوضاع، التي كانت تبدو ثابتة بشكل كامل، إلى نقيضها. وإلى هذه القائمة من نقاط التحول التاريخية العظيمة علينا الآن أن نضيف سنة 2008. إن المرحلة الجديدة التي انفتحت مع أزمة عام 2008 تجد انعكاسا لها في تكثيف الصراع الطبقي، وتوتر العلاقات بين الدول، وفي الحروب والصراعات الدولية.
الواقع الفيزيائي المعاصر والميتافيزيقا الأفلاطونية ـ مصطفى قشوح
ملخص
يتأسس الواقع الفيزيائي في الفترة الراهنة على النموذج الرياضي، فالرياضيات هي اللغة الكونية الوحيدة التي من حقها أن تعبر عن أسرار وكنه العالم، لأن الفكر الرياضي يمتلك مقدرة كبيرة على وصف وتفسير السيرورات العامة للطبيعة كإبداع رياضي، فالعالم الماكروفزيائي والميكروفزيائي من إبداع الرياضيات. الأمر يجعلنا نقول بأن العالم الفيزيائي والكوسمولوجي ينبثق بشكل من الأشكال من التصور الرياضي للعالم. يمكننا الحديث وأمام هذا الاهتمام المبالغ فيه بالرياضيات داخل المعقولية الفيزيائية المعاصرة عن عالم أفلاطوني جديد لا يمكن تحديده إلا خلال المبادئ الرياضية.