هل يجوز التفكير هرمينوطيقيا مع ابن خلدون؟ ـ زهير الخويلدي
استهلال:
تأخرت الكتابة عن ابن خلدون نسبيا بالمقارنة مع غيره من الحكماء العرب على الرغم من أهمية المنعرج الذي أحدثه في تاريخية الفكر العربي الإسلامي وقوة الكشف العلمي لسنن الظواهر العمرانية ودقة الإشكاليات التي طرحها بالنسبة إلى حضارة اقرأ وخطورة القرارات النظرية والعملية التي اتخذها بشأن تدبير الاجتماع البشري واستراتيجية الإصلاحات التي اقترحها بالنسبة إلى الثقافة الإنسانية جمعاء.
كما استقرت الخيارات المعرفية عند جملة من المنطلقات المعاصرة والمرجعيات التحديثية بالرغم من النزعة الخلدونية البادية للعيان عند كل كاتب يشتغل على هموم الأمة سواء على مستوى شكل اللغة المستعملة أو ضمن الروح الفكرية التي يؤطر بها مباحثه ويرصع من خلالها مقالاته .
ولعل سبب هذا التأخير هو كثرة الضجيج حول هذه الشخصية الفريدة وتزايد النصوص المدحية الافتخارية لكاتب المقدمة مما جعله يكون ملهم لمرجعيات متنافرة مثل تنافر المادية التطورية مع الدينية الروحانية. والداعي الثاني هو الرغبة في التخلص من الهالة السحرية التي يمارسها تمثال ابن خلدون على المخيلة الإبداعية لكل عقل باحث عن وجهة نظر فريدة من نوعها وذلك بوصفه ما لا يمكن تجاوزه تصديقا للحديث الشريف:" لا نبي بعدي" وتفعيلا لمنهجية النقد الهرمينوطيقي التي نروم استعمالها هاهنا. فهل يجوز التفكير هرمينوطيقيا مع ابن خلدون؟ أو بعبارة أخرى ما السبيل إلى استخلاص تجربة هرمينوطيقية بالانطلاق من مقدمة كتاب العبر؟
إن التسلح بروح المغامرة وببعض من الحذر الفلسفي والتزود بالتدبير التعقلي قد ييسر علينا إمكانية الشروع في القيام بقراءة هرمينوطيقية نقدية لمقدمة ابن خلدون تحفر بين تضاريسها وتنقب في طياتها وتتجول في أروقة عمارتها وتستعيد اللغة التي كتبت بها والمقولات التي عبرت عن قدرته التأليفية المدهشة وتقف عند مواطن الضعف والقوة وحركات الصعود والهبوط في الأسلوب الخلدوني.