abstrait-3مقدمة : يعد الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس ، احد الوجوه الفلسفية البارزة في القرن العشرين، ويعتبر في نظر المؤرخين للفلسفة ممثلا للجيل الثاني لمدرسة فرانكفورت النقدية وان كانت لديه اختلافات مع ممثلي هذه المدرسة .
يمكن اعتبار هذا الفيلسوف موسوعيا فهو تطرق الى الفلسفة والسوسيولوجي والتداوليات والأخلاق والسياسة ؛ في مجموعة من كتابته منها ملامح فلسفية وسياسية والخطاب الفلسفي للحداثة وأخلاقيات المناقشة والحق والديمقراطية....
ومن ابرز نظرياته نظرية الفعل التواصلي التي تجاوز بها العقل الادتي ليطرح مفهوم العقل التواصلي وما أحوجنا اليوم إلى عقل تواصلي يحقق لنا الإجماع والتفاهم والحوار.

* العقل الاداتي : طبيعته وسماته
يميز هابرماس في كتاباته بين العقل الاداتي والعقل التواصلي ،.فما هي طبيعة العقل الاداتي ؟ وما هي سماته؟

"anfasseهذه الضرورة بالنسبة إلى الوعي في أن يوجد من حيث هو وعيا بشيء آخر غير ذاته يسميها هوسرل قصدية."[1]
لقد ادخل البحث في مطلب الوعي منذ الوهلة الأولى التساؤل عن ماهية الإنسان إلى صميم التفكير الفلسفي ولقد أيد المعنى الايتيمولوجي هذا الربط بين المعرفة والأخلاق وحازت ملكة الوعي على لقب الضمير.
غير أن الجديد الفلسفي عند ديكارت بالمقارنة مع السابقين هو المعنى البسيكولوجي الذي أعطاه للوعي وذلك بالانتقال من تعريف الإنسان بكونه جوهر ميتافيزيقي وحيوان ناطق يخضع إلى نواميس الكون عند الإغريق والعرب والرومان إلى التعامل معه على أنه ذات عارفة وأنا مفكر وثنائية تتصل فيها النفس بالجسم ولكن النفس  تحدد وفق ثلاثة معان:
-         النفس هي مبدأ حيوي يغذي ويوجه الجسم.
-         النفس موجود روحي متميز عن الجسم وغير فان ويجعل من الإنسان كائنا دينيا وأخلاقيا.
-         النفس هي جوهر كل طبيعته أو ماهيته تقوم على الفكر.

anfasseإن الحديث عن علاقة الدين بالدولة في خطاب محمد أركون لا يمكن فصله عن مشروعه الفكري المتعلق بتفكيك آليات اشتغال العقل العربي الإسلامي. أي الحديث عن هذه العلاقة لايمكن أن يعطي مدلوله الفكري والمنهجي دون تحديد الإطار الذي يتحرك فيه أركون ، الإطار/ الزاوية التي ينظر من خلالها إلى قضايا الفكر العربي الإسلامي بغية تحديد مفاهيمه  وتكوين آرائه وصياغة تأويلاته.
إن كل الإشكاليات والقضايا التي تهم العقل العربي الإسلامي ومن بينها مسألة العلمانية عند أركون "تندرج ضمن إطار بحث واسع متعدد الجوانب" يسمى "بالإسلاميات التطبيقية" .
فبمجرد تناول مسألة" الإسلاميات التطبيقية" عند أركون يطرح أمامنا مقابلها "الإسلاميات الكلاسيكية " فبدون تحديد معنى هذه الأخيرة لايمكن تحديد معنى الأولى. بهذا يرى أركون أنه من اللازم أن نذكر بالاختيارات والحدود والمساهمات التي كانت قد قدمتها الإسلاميات الكلاسيكية.
إن المدلول الذي يعطيه أركون للعلمانية لا ينحصر ضمن حدود جغرافية أو ثقافية أو فكرية - كما هو الشأن بالنسبة للعلمانية عند محمد عابد الجابري - بل يبقى منفتحا ومستوعبا للإرث الثقافي الإنساني دون التقيد بخصوصية ملازمة لهذه الثقافة أو تلك . فالعلمانية عند أركون "موقف للروح وهي تناضل من أجل امتلاك الحقيقة أو التوصل إلي الحقيقة" وبهذا المعنى فهي تواجه مسؤوليتين أو تحديدين اثنين:

" anfasseالديمقراطية بصفتها نظاما يتضمن التحكم بالمواطنين وفصل السلطات وتعددية الآراء وصراع الأفكار هي الدواء الشافي للسلطان المطلق لجهاز الدولة وجنون السلطة الشخصية."[1]
ماهو بديهي أن طبيعة الدولة التي تتبني خيار الاستبداد هو تعليق كل ممارسة ديمقراطية وإلغاء التعددية واحتكار ثروات المجتمع من طرف الطبقة الحاكمة وسن القوانين التي تحافظ بها على مصالحها وتعيد إنتاج هيمنتها على المكونات والقوى المتنافسة بشكل دائم. ومن الواضح والمعروف أن إعلان نظام سياسي ما تبني خيار الديمقراطية والشروع في تفعيل آليات معينة لتجسيم هذا الخيار هو كفيل بالتخلص من الاستبداد والحكم الفردي والكف عن تسيير الشأن العام باستخدام القوة واعتماد التشريعات الجيدة واحترام نصوص الدساتير. لكن المفارقة تظهر عندما تتجمل الأنظمة الاستبدادية بالديمقراطية وتستعمل هذه الفكرة الحقوقية النبيلة من أجل توطيد أركان الحكم المطلق وتبقى عليها في الواجهة وتتبجح بالشعارات السياسية الفضفاضة لا غير وتتناقض معها في ميدان الممارسة ومجريات الأحداث اليومية.

انفاس" ما دام العرب وغير العرب من المسلمين لم يخرجوا حتى الآن من إطار المعقولية الدينية القروسطية فلا معنى إطلاقا لنقد العقل العربي قبل نقد العقل الإسلامي."[1]
إن رحيل العقل اليقظ محمد أركون 1928-2010 يعني أن الساحة الثقافية والإسلامية قد خسرت هذه الأيام ويا للأسف وفي فترة وجيزة العديد من العمالقة والقمم مثل محمد عابد الجابري ونصر حامد أبي زيد والطاهر وطار وغيرهم مما يترك فراغا كبيرا لا يمكن تداركه بسهولة. ويعتبر ابن تيزي وزو من الجزائر الشقيقة وأحد أعضاء معهد العالم العربي باريس رائدا كبيرا من رواد الإنسية العربيةarabe  humanisme ومحررا هاما للفكر الإسلامي من السياج العقائدي الدغمائي وقارئا متعدد المناهج للقرآن وعالما فذا من علماء الإسلاميات التطبيقية ومصلحا دينيا حارب الجهل ودعاة اليمين الديني والمتأثرين بالمنهج الاستشراقي على حد السواء.
لقد مثّل أركون حضارة اقرأ في الدوائر الجامعية الغربية على أحسن ما يكون وناظر كبار الفلاسفة والمفكرين الأوربيين وأثبت من المستوى المرموق ومن الندية معهم مما جعله محل احترام وتقدير وتبجيل أينما حل ولكنه لم يلقى في الفضاء العلمي العربي والإسلامي ما يليق به وما يتماشى مع قيمته العلمية وقد مُنع في العديد من المرات من زيارة بعض الدول والجامعات ومن تقديم المحاضرات والاتصال بطلبته ومريديه وحوصرت كتبه وتعرضت أفكاره إلى هجوم سفسطائي ونقاش غير علمي ونقد أصولي بغير حق.

anfasseتوفيّ ليل الثلاثاء – الأربعاء 14 ـ 15 شتنبر، في العاصمة الفرنسية باريس المفكر الجزائري/ الفرنسي المثير للجدل محمد أركون. وذكرت تقارير إعلامية إنّ أركون توفيّ بعد معاناة كبيرة مع المرض، وأركون هو مفكر وباحث جزائري من مواليد العام 1928 في بلدة تاوريرت في تيزي وزو بمنطقة القبائل الكبرى الأمازيغية بالجزائر، و انتقل مع عائلته إلى بلدة عين الأربعاء (ولاية عين تموشنت) حيث درس دراسته الابتدائية بها. وأكمل دراسته الثانوية في وهران، وإبتدأ محمد أركون دراسته الجامعية بكلية الفلسفة في الجزائر ثم أتم دراسته في "السوربون" في باريس.  وحصل على شهادة الدكتوراه في الآداب، كما درّس بجامعات عديدة في أوربا وأمريكا والمغرب، واهتم بدراسة وتحليل الفكر الإسلامي.
وأركون عضو اللجنة الوطنية لعلوم الحياة والصحة بفرنسا، وعدة لجان أخرى. من آرائه إعادة قراءة القرآن برؤية عصرية وتجريده من القداسة التي تعيق دراسته وهو ما جعله عرضة لانتقادات التيارات الأصولية المتشدّدة.

"lanterإن الذي لابد له من طلبه في المتكلمين مما يتكامل به علمهم بالله وصفاته وعلمهم بعدله وتوحيده وعلمهم بالنبوة والشرائع وتمسكهم بذلك"
استهلال:
يكاد يتفق معظم الباحثين في الإسلاميات على أن ما سمي بالاعتزال هو حركة عقلية رائدة تعود إلى فئة القراء الذين حفظوا القرآن في صدورهم واتبعوا المنهاج النبوي في أعمالهم وينحدر هذا التوجه من خط التوحيد والعدل وينسبه البعض إلى محمد ابن الحنفية وأبي ذر الغفاري ومعاذ بن جبل وعبد الله ابن مسعود والحسن البصري وغيلان الدمشقي وسعيد ابن جبير. بيد أن واصل ابن عطاء هو أول من جاهر بالاعتزال وحول الكلام في العقائد إلى علم عقلي ينطلق من مقدمات وأصول ويتبع مسالك وأساليب وينتهي إلى نتائج وقوانين وقد تبعه في ذلك من الطبقة الأولى عمرو ابن عبيد وزيد ابن علي وأبو عمرو عثمان بن خالد الطويل وحفص بن سالم وبشر بن سعيد وأبي عثمان الزعفراني.
غير أن الاعتزال لا يتوقف على جملة من الأسماء وعدد من الأشخاص بل هو منزع فلسفي ومغامرة فكرية حمل لواءها الكثير من الأعلام الثائرة والرجال الأحرار والعقول النيرة التي سعت إلى فهم عميق للآيات والآحاديث من أجل الإيضاح والتبليغ والرد على الخصوم بالحجج المنطقية والبينة الدامغة.

anfasseإن دراسة فكرة "وحدة الوجود" بشكل متكامل تحتاج إلى جهود متضافرة ومتعددة تخصص لها، كما تحتاج إلى أن تعالج من زوايا مختلفة، بما أنها من إحدى المقولات الصوفية ذات المرتكزين الاجتماعي الأخلاقي، والمعرفي الفلسفي.
كما أن مقارنة ما ورد عن هذه الفكرة في دوائر حضارية مختلفة يجعل من الصعوبة بمكان الخروج بموقف موضوعي بعيد عن التلفيق، أو الإسقاط المتعسف، أو التقول ونسبة المتأخر إلى المتقدم، أو محاولة معالجة الظاهرة بنوع من التجزيء والتعميم الذي يقضي على جوهر المسألة.
ودراسة وحدة الوجود أيضاً، لا تنفك عن دراستها في صلتها بظاهرتي الزهد والتصوف، وبخاصة ظاهرة التصوف التي تعتبر ظاهرة عالمية، لا ترتبط بالدين تماماً بقدر ما ترتبط بالإنسان، أي أنها ليست ظاهرة دينية في جوهرها بقدر ما هي ظاهرة إنسانية، والدليل على ذلك أننا نجد كثيرا من المذاهب الوجودية المعاصرة في الغرب، والحركات الطقوسية، وجماعات العربدة وغيرها لا علاقة لها بالدين السائد في تلك المناطق، بل هي ظاهرة تشبه دائرة الدروشة الصوفية التي انتشرت في عهود انحطاط التصوف الإسلامي.

"anfasseلماذا أطيع أنا وغيري شخصا آخر؟ لماذا لا أعيش كما يروق لي؟ هل يحتم الواجب الطاعة؟ هل أجبر على الطاعة إن عصيت؟ ومن يجبرني على ذلك والى أي مدى وباسم من ومن أجل ماذا؟"[1]
قد تمارس فكرة الحرية من التأثير في الناس والقوة في التاريخ ما لا تضاهيها أية فكرة أخرى وذلك لكونها مرتبطة بالنشاط والفعل والممارسة والنظرية العملية وحركة الطبقات الاجتماعية وطموح الناس إلى نيل أهدافهم وتعتبر خير الوسائل الممكنة لإحراز الاستقلال بالنسبة للدولة ولحصول المجموعات على الاعتراف وبعض من الحقوق الثقافية والحكم الذاتي ولذلك يصعب أن تكون مجرد حلم هادئ لفيلسوف ينظر في موقع متعال وإنما هي من المشكلات العويصة والتحديات الجسام ومن الغايات النبيلة التي يمكن أن تتحول إلى عنف وأداة إنتاج للصراع والهيمنة ما لم يقع ترويضها والتفنن في إبداعها والتعاطي معها.
لقد ارتبطت الحرية في البداية بالفرد وحقه في التمتع بحياته وتنمية ثرواته وبالملكية الخاصة وامتياز السيادة وسلطة التحكم والتوجيه ولكنها ما لبثت أن أصبحت تعنى الاستقلالية الذاتية وحق المجموعة عن التعبير عن هويتها وقدرتها على تسيير شؤونها الثقافية والدينية بنفسها وتصرف الشعوب في أوطانها.

68"يؤتي الحكمة من يشاء ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا" البقرة 269
من المعروف أن الفلسفة منذ بواكيرها الأولى مع الهنود والإغريق والفنيقيين والقرطاجنيين والعرب والرومان ارتبطت بالمعرفة والعلم والتفكير والإدراك والوعي وأنها تجسدت في انطباعات الحواس وامدادات الذاكرة وإرهاصات الخيال وخطابات العقل ورمزية اللغة وشعرية التصوف. ولعل أفضل ما اختصت به في ذاك الزمان هو حب الحكمة والشوق نحو الحقيقة والبحث عن المعنى والحرص على القيمة واحترام النواميس وبناء النسق وإتمام النظرة الموسوعية. ولكن الفلسفة المعاصرة استوعبت كل هذا وتعففت عنه وصارت تبحث عن التحطيم والتفكيك والنقد الجذري وتعشق أسلوب الشذرة خارج كل منهج وارتضت بلانهائية التأويل ومعقولية العدمية وخطت لنفسها مهمة الخوض في التخوم والهوامش ثورة على المركز وبحثا عن الأصل الذي لاأصل له واقتناعا بأهمية المظهر وغنى السطح.
فهل هذا يعني أن الفلسفة قد تخلت عن نبراسها الهادي وأنها لم تعد حبا للحكمة؟ وما المقصود بأن في اللعب والكسل والكذب والوهم والعنف مزايا ومنافع؟ فأية علاقة جديدة ستقيمها مع كل من الحب والحكمة؟ هل أصبحت تنهل من الكره بعد أن ملت كل تجارب الحب؟ هل انقلبت إلى ضدها وأصبحت مجنونة لا تعترف إلا بكل أشكال اللامعقول والخلف المنطقي والعبث والفارغ من المعنى واللاحكمة؟وما الحكمة من لاحكمية الفلسفة المعاصرة؟ وهل تعلمنا حب التفكير أم حب الحياة؟ ألا ينبغي أن تولي وجهها شطر حكمة النظر وحكمة العمل من أجل أن تؤهل الناس للوعي بالزمان والفعل في التاريخ؟
يبدو أن مطلب الفلسفة المعاصرة من الإنسان هو أن يهجر ديار الحكمة والتحكم وما رافق ذلك من تسيد وتذويت وتمركز وأن ينقل لنا بعد التشخيص والوصف بعض من الوضعيات اليومية التي يتخلى فيها عن كل أشكال السيطرة العقلانية والمنهجية في تسيير حياته وأن يعبر بحرية عن لاوعيه وحمقه وأنانيته وعنفه وعن كيفية وقوعه ضحية حتميات اجتماعية وطبيعية وسلطات اقتصادية وسياسية ويسرد تناهيه وتشظيه وعجزه عن تحمل خفته وعن الإقامة في العالم.
من البين إذن أن الفلسفة اليوم لم تعد تحب الفكرة الشاملة والحقيقة المجردة بل أصبحت تسعى إلى اقتناص المنفعة الجزئية والمصلحة الآنية وتتصيد الفرصة السهلة والحياة الممتعة وبالتالي لم يعد موضوعها طلب المعلوم الأسمى بل العناية بالمرء صحة وتربية وحياة وسكنا في الكوكب. وكما يقول سانتيانا:"ليس من الحكمة أن يكون الإنسان حكيما فحسب" بل عليه أن يوظف هذه الحكمة في معاشه ومعاده وأن يحذر من أن تنقلب إلى قوة تتحكم فيه. هكذا من جديد التفت الفلسفة نحو طرق تفادي الألم وشرعت في البحث عن الدروب المؤدية إلى السعادة ومن جديد عرض الفيلسوف خدماته وأسئلته على سكان المدينة بحثا عن هوية ضائعة وسط ركام الأجوبة المعلبة وهكذا أطلق عنان التفلسف في طبقات الميراث والتقاليد.

25نبدأ بطرح السؤال التالي : هل فكْر السوق يؤدي إلى نهضة الفلسفة ؟ أم على العكس .. ، فثقافة السوق ببعدها الاسهلاكي و التنميطي هو الذي يساهم بشكل كبير في الدفع بالفكر الفلسفي إلى حافة السقوط غير المبرر ...؟

جاء انخراط الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز ، في النقاش الفلسفي الدائر في عصره الحديث ( النصف الثاني من القرن العشرين ) أو المشبع حتى الثمالة ، بحداثة الفكر التنويري المتعدد الأصول و الأبعاد ، كنتيجة حتمية و ضرورية لما كانت تعيشه الفلسفة ، كمعرفة تصوّرية ، من تشديد الضيق و الخناق ، و الضغوطات المختلفة و الرهيبة أحيانا ، من قبل العديد من الجهات الرسمية و غير الرسمية ، سواء ذات علاقة بأهداف سياسوية أو إيديولوجية أو ثقافية أو فكرية إقتصادية استراتيجية ، لها مصالح كبيرة الحجم ، و واضحة المعالم ، و ذلك رغبة في التشويش على الفكر الفلسفي الراقي ، و بالتالي استغلال هذه الفرصة الثمينة ، و المشاركة في الحط من قيمة و نجاعة القول الفلسفي ، بدعوى أن عصر الفلسفة قد انتهى ، و أنه لم تعد هناك جدوى و لا إمكانية للحديث عن الفلسفة و التفلسف ، لأن شروط القول الفلسفي أصبحت منعدمة و في خبر كان .. ؟؟

و انطلاقا من هذا الإدعاء المزعوم ، سيعمل دولوز على تشييد أطرحته الفلسفية المتميزة ، في تاريخ الفكر الفلسفي البشري برمته ، لأنه حاول الدفاع عن الفلسفة و الفيلسوف بالفلسفة نفسها ، و ذلك بتأكيده و إلحاحه الجريئين ، في جميع كتبه الفلسفية التي تجاوزت العشرين كتابا ، على الطابع الراهني و الثوري المقاوم لكل إمكانية فعل التجاوز ، كيفما كان نوعها ، لطبيعة الفكر الفلسفي ، و أن شرط وجودها كمعرفة عقلانية تصورية مازال قائم الذات ، بل إنه يشكل مطلب الطبيعة البشرية للإنسان ، و لا يمكن إن لم نقل يستحيل أن نتحدث – حسب دولوز دائما – عن موت الفلسفة .. ، و أنها وصلت إلى لحظة اكتمالها ، كما يدعي البعض ، و ذلك لسبب بسيط ، هو أن الشرط الموضوعي للقول الفلسفي و تفلسف الفيلسوف ظل حيا و موجودا ، و لا يزال متوفرا ، في بيئة مجتمعية حضارية لعصر معرفي ، ما يزال في أشد الحاجة إلى دور الفيلسوف و وظيفته الحيوية و الأساسية في هذه الحياة . لأن الإنسان حيوان بطبعه يتفلسف .. يعني يفكر عبر آليات عقلية حرة ، تبحث عن الاتساق و الجمال و العدالة بين الأشياء و كائنات الوجود الذي يعيش فيه ..