” إن العقل عند بيكون ينبغي أن يبدأ بتطهير ذاته من الأوهام. وعندئذ يستطيع الإنسان أن يُقبل على الطبيعة وقد خلا ذهنه من الأفكار السابقة، فيتمكن من تفسيرها ومن السيادة عليها. ولن يكون تفسير الطبيعة عن طريق القياس. فالقياس ليس أداة للكشف عن حقائق الكون، وإنما هو أداة لعرض الحقائق وإقناع الخصوم بها. وهو أداة تشوبها عيوب عديدة: فهو يتألف من قضايا تتكون من ألفاظ. فإذا كانت هذه مختلطة في الذهن، كما رأينا في أوهام المسرح، كان القياس كله مختلطاً. ثم في اقتصاره على عرض القديم دون اكتشاف الجديد يكون منهجاً عقيماً. كذلك يشوبه عيب أساسي هو أن قضاياه العامة تكون في الأغلب نتيجة تسرع في التعميم، وهو ما يسميه بيكون استباق الطبيعة “. (من كتاب: فلسفة فرنسيس بيكون، لحبيب الشاروني، ص:75).
من المفارقات المؤلمة أن تبدأ النهضة الأوروبية([1]) في وقت كانت الحضارة الإسلامية([2]) تفقد هويتها بسرعة. وقد بدأ العلماء الأوربيون في إنشاء العلوم الحديثة على الأسس التي وضعها علماء المسلمين. منذ ذلك الوقت فقط تبنى الأوروبيون مفهوم المزاوجة بين العلم النظري والعلم التطبيقي للحصول على تطبيقات علمية نافعة.
بعد قرون تلت أصبحت الخطوات التي ينبغي سيرها نحو تطوير الحضارة الحديثة أكثر اتساعاً بدءاً من الحقبة التي سيطرت فيها طاقة البخار والفحم إلى الحقب التي شهدت اكتشاف طاقة الزيت والغاز والكهرباء والطاقة الذرية واكتشاف الترانزستور والكمبيوتر والاتصالات بواسطة الأقمار الاصطناعية والهندسة الوراثية.
لقد اعتمدت الحضارة الأوربية الحديثة باعتراف الغرب أنفسهم على ثقافة المسلمين وحضارتهم اعتماداً كلياً في وجودها وتقدمها، بل لقد اعتمدت حركة الكشوف الجغرافية على الفكيين من المسلمين، وقامت جامعات أوروبا الشهيرة على أكتاف العلماء المسلمين، وبها درست كتبهم ومصنفاتهم العلمية، ولا تزال أمهات هذه الكتب لأمثال هؤلاء العلماء محل رعاية المكتبات الأوروبية وعنايتها حتى يومنا هذا منهم العالم المسلم أبو ريحان البيروني([3]) (973-1048م) الذي أبدع في الفلك، والطب، والرياضيات، والفيزياء، ولمكانته العلمية وبحوثه الرائدة في علوم الفضاء اختير من بين (18) عالماً إسلامياً، أطلقت أسماؤهم على بعض معالم سطح القمر.