إن العقل عند بيكون ينبغي أن يبدأ بتطهير ذاته من الأوهام. وعندئذ يستطيع الإنسان أن يُقبل على الطبيعة وقد خلا ذهنه من الأفكار السابقة، فيتمكن من تفسيرها ومن السيادة عليها. ولن يكون تفسير الطبيعة عن طريق القياس. فالقياس ليس أداة للكشف عن حقائق الكون، وإنما هو أداة لعرض الحقائق وإقناع الخصوم بها. وهو أداة تشوبها عيوب عديدة: فهو يتألف من قضايا تتكون من ألفاظ. فإذا كانت هذه مختلطة في الذهن، كما رأينا في أوهام المسرح، كان القياس كله مختلطاً. ثم في اقتصاره على عرض القديم دون اكتشاف الجديد يكون منهجاً عقيماً. كذلك يشوبه عيب أساسي هو أن قضاياه العامة تكون في الأغلب نتيجة تسرع في التعميم، وهو ما يسميه بيكون استباق الطبيعة “. (من كتاب: فلسفة فرنسيس بيكون، لحبيب الشاروني، ص:75).
من المفارقات المؤلمة أن تبدأ النهضة الأوروبية([1]) في وقت كانت الحضارة الإسلامية([2]) تفقد هويتها بسرعة. وقد بدأ العلماء الأوربيون في إنشاء العلوم الحديثة على الأسس التي وضعها علماء المسلمين. منذ ذلك الوقت فقط تبنى الأوروبيون مفهوم المزاوجة بين العلم النظري والعلم التطبيقي للحصول على تطبيقات علمية نافعة.

بعد قرون تلت أصبحت الخطوات التي ينبغي سيرها نحو تطوير الحضارة الحديثة أكثر اتساعاً بدءاً من الحقبة التي سيطرت فيها طاقة البخار والفحم إلى الحقب التي شهدت اكتشاف طاقة الزيت والغاز والكهرباء والطاقة الذرية واكتشاف الترانزستور والكمبيوتر والاتصالات بواسطة الأقمار الاصطناعية والهندسة الوراثية.

لقد اعتمدت الحضارة الأوربية الحديثة باعتراف الغرب أنفسهم على ثقافة المسلمين وحضارتهم اعتماداً كلياً في وجودها وتقدمها، بل لقد اعتمدت حركة الكشوف الجغرافية على الفكيين من المسلمين، وقامت جامعات أوروبا الشهيرة على أكتاف العلماء المسلمين، وبها درست كتبهم ومصنفاتهم العلمية، ولا تزال أمهات هذه الكتب لأمثال هؤلاء العلماء محل رعاية المكتبات الأوروبية وعنايتها حتى يومنا هذا منهم العالم المسلم أبو ريحان البيروني([3]) (973-1048م) الذي أبدع في الفلك، والطب، والرياضيات، والفيزياء، ولمكانته العلمية وبحوثه الرائدة في علوم الفضاء اختير من بين (18) عالماً إسلامياً، أطلقت أسماؤهم على بعض معالم سطح القمر.

تمهيد:
اود ايجاز بعض التوضيح في ما يخص هذا المبحث (التاريخ البدائي والنزعة الانسانية في الفلسفة البنيوية)، اني استقصيت ابرز عاملين او مرتكزين اعتمدتهما البنيوية لدى فلاسفتها ليفي شتراوس الاب الروحي للبنيوية، والتوسير، ولاكان، وفوكو، ودي سوسير وغيرهم وسنأتي عليهم لاحقا.
كما اود الاشارة ان المقصود بالانسان هنا ، ليس الكائن النوعي المتفرد عن جميع الكائنات الاخرى في الطبيعة، كائن انثروبولوجي- بيولوجي وحسب ميزته المتفردة(العقل واللغة)، وانما يعني في هذا المبحث (النزعة الانسانية) بمعناها القيمي والفلسفي في صنع الانسان لتاريخه التطوري الحضاري، وليس الوجود الانساني كموجود غير فاعل كما هو في مراحل بدائية سحيقة من عمر البشرية.
من الجدير بالذكر ان الانسان اكتسب فرادته النوعية وانسنته بالطبيعة عن بقية المخلوقات والكائنات الحية على الارض بامتلاكه وحده خاصية الذكاء العقلي والاحساس بالزمن.
العاملان اللذان اعتمدتهما البنيوية هما:
اولا التاريخ البدائي للاقوام البشرية او ما يسمى علم الاثنولوجيا، وهو علم اجتماعي يدرس الجماعات البشرية البدائية، اعتمدته البنيوية، فحواه ان تلك الاقوام لا تاريخ لها بالمعنى الانثروبولوجي البنيوي والتطور الحتمي الحضاري للتاريخ، اذ تعتبرالبنيوية تاريخ تلك الاقوام البدائية تاريخا ساكنا يحكمه العقل في ثباته ومحدوديته في التفكير. ان هذا التاريخ البدائي الانساني توقف تطوره مراحليا في عصور اكتشاف الانسان للزراعة سبعة الاف سنة قبل الميلاد.
في عصر اكتشاف الانسان للزراعة اعقاب عصر الصيد والالتقاط البدائي، وهو بداية صنع الانسان للحضارة الانسانية، فقد عرف تخزين الحبوب الفائضة عن حاجته، وراقب بدقة تغّير الفصول وموسم سقوط الامطار، وسكن على شكل مجموعات قرب الانهر والترع، وعرف كيفية تدجين الحيوانات الاليفة والاستفادة منها، وعرف ايضا الوسائل البدائية في الري.

  • التراكم الفلسفي ليس تراكما عموديا نوعيا بل شانه مثل باقي التراكمات في ضروب الادب والثقافة والفنون تراكما افقيا نوعيا لا يلغي لاحقه كما في العلوم سابقه . وكل اجتهاد فلسفي يحاول التجديد يكون عابرا للزمن والتاريخ بنفس وقت انه فرشة استقبال كل محاولة بالمجاوزة غير المحكومة لا بالتراكم العمودي ولا بالتخطئة الكليّة لما سبق قوله عبر تاريخ الفلسفة الطويل.
  • محدودية المتناهي لا تتم بمعيارية القياس بالمطلق اللامتناهي بل محدودية المتناهي تقاس بمحدودية متناهية تجانسها النوع. لناخذ مثلا اشكالية محدودية الزمن اللامتناهي الخاطئة من حيث معيارية مقايستنا الزمن الارضي في حياتنا بالمطلق اللامتناهي الكوني للزمن. فالزمن مطلق لانهائي سرمدي غير قابل للادراك في افتراضية محدوديته الخاطئة. نحن اذا اردنا تمرير امكانيتنا تحديد الزمن بمحددات يدركها العقل ماديا نصبح امام استحالة يعجزها العقل لسببين الاول لا يمكننا ادراك ماهو غير مادي عقليا الا في حال ان يكون موضوع الادراك هو من تخليقات الخيال التفكيري. السبب الثاني ان المحدود المتناهي الذي يدركه العقل ماديا هو الذي تكون صفاته الخارجية – والماهوية تحتويها الابعاد الفيزيائية الحسية الطول والعرض والارتفاع والزمن.

تحديد محددات المتناهي يكون بمحدود متناهي من نوعه وهذا بالنسبة لمثالنا حول الزمن يكون استحالة يعجزها العقل من حيث الزمن واحد لا يتجزا ولا يقبل القسمة على نفسه زد على ذلك الزمن مفهوما وليس موجودا موضوعا للادراك. بمعنى اننا لا نستطيع ادراك محدودية الزمن الا بمحدودية زمنية اخرى تجانسه الماهية وهو عجز لا يدركه عقل الانسان في محدوديته امام عجزه ادراك اللامتناهي المطلق للزمن.

تمهيد
الحديث عن الحرب العادلة يعني أيضاً دعم بناء السلام؛ ويعمل الجيش، بشكل يومي، في مجتمعاتنا المفتوحة والديمقراطية، كبناة للسلام، ويمنع اندلاع العنف ويضمن، قدر استطاعته، حماية السكان. فهل ينبغي لنا أن نؤكد كيف أنه من خلال تقديم الدعم للكيان الصهيوني المحتل للأرض الفلسطينية والمروع للسكان والأطفال والنساء في غزة، ومن خلال منح الجنود المهاجمين الوسائل اللازمة للدفاع عن أنفسهم وعن بنيتهم التحتية التي تعرضت للقصف، تنشأ دائما هذه الرغبة في خدمة وحماية الأضعف؟

فماهي المعايير التي يمكن اعتمادها للتمييز بين الحرب العادلة والحرب الظالمة؟ وكيف يتم لجم الحرب الظالمة وتفاديها واحترام العدل عند الحرب؟ وبأي معنى يعتبر الهجوم الصهيوامبريالي على فلسطين حربا ظالمة؟ والا يجرم من وجهة نظر كونية ارتكاب المجازر والابادة الجماعية بحق سكان غزة؟

الترجمة:

كيف يمكن أن نفهم الأهمية التي يحظى بها موضوع الحرب العادلة في الفكر السياسي المعاصر؟ هذا هو السؤال الذي حفز في البداية البحث الجماعي، والذي نعرض نتائجه هنا. ويهدف هذا المبحث في الواقع إلى التفكير في مفهوم “الحرب العادلة” بأدوات النظرية السياسية. ولتحقيق هذا الهدف، وتقديم المنهج الذي اعتمدناه في هذا العمل، لا بد من العودة أولا إلى ظروف ظهور أو، بشكل أدق، إعادة ظهور موضوع الحرب العادلة في الفترة الأخيرة. وسنقوم بعد ذلك بعرض القضايا النظرية المرتبطة بتسمية الحرب قبل تسليط الضوء على الأهمية السياسية لهذا الموضوع.

أطروحة مايكل والزر

منذ عام 1977، عندما ظهرت الطبعة الأولى من العمل الذي أصبح منذ ذلك الحين "كلاسيكيًا" لمايكل والزر، "الحروب العادلة وغير العادلة"، أصبح الموضوع موضوعًا لعدد لا يحصى من المنشورات والمناقشات المكثفة. يبدو أن مايكل فالزر بالنسبة لنظرية الحرب العادلة هو ما يمثله جون راولز بالنسبة لنظرية العدالة: المؤسس الذي أعاد فتح النقاش الكلاسيكي في النظرية السياسية. لكن والزر يختلف عن راولز سواء في طريقته أو في أهدافه. وفي حين ينوي رولز أن يبني، بأساليب الفلسفة التحليلية، نظرية سياسية عالمية خالية من الأحداث التاريخية، يعتمد فالزر على إنجازات التقليد الفلسفي والتجربة التاريخية لمواجهة الأحداث الجارية والسياسة التي يتم صنعها. إن استخدامه لنظرية الحرب العادلة له موقع تاريخي ومُناقش سياسيًا؛ يعبر عن موقفه من المشاكل الدولية والاستراتيجية في عصره.

" كل ما في اﻷرض من فلسفة لا يعزّي فاقدًا عمّن فقد." -إيليا أبو ماضي-
"إن الفلسفة التي لا تشفي آلام البشرية هي محض هباء. فالفلسفة التي لا تبرئ الرُّوح من معاناتها، لا تختلف عن طب لا يداوي مريضًا ولا يشفي عليلًا " - أبيقور-
" ليس العالم، تحديدا، كما يوجد في الظاهر، عالم الجميع. ذلك أن ّ الديمقراطيين، أصحاب الشعار(الديمقراطي)، وأناس الغرب، يحتلّون في هذا العالم موقعا أعلى، بينما الآخرون من عالم آخر، ليس عالما بحقّ، بحكم كونه آخر. هو حيّز للبقاء فحسب، ميدان للحرب، والفقر والحواجز والأوهام. نقضّي الوقت في هذا الضرب من " العالم"، من الميدان، في جَمْعِ أمتعتنا للفرار من الرعب" -( آلان باديو - الشعار الديمقراطي)-
" أعرف بوضوح أكثر من الماضي بأنّ إمكانية تدمير إسرائيل يجرحني في أعماق نفسي. كثير من مثقفي اليسار قاموا بنفس تجربتي : ينسون لفترة " الإمبريالية " و" الواقع الاستعماري"، ويتذكّرون أصولهم ويجدون أنفسهم لدهشتهم، يهودا". -(ر. آرون)-
يقدّم الفيلسوف نفسه بوصفه "صديقا للجميع"،" و"مفكّرا كونيا" و"مواطنا عالميا أ و" أبا مشتركا لكلّ المواطنين، مُصلحهم ومرشدهم وحاميهم، يهب نفسه للجميع حتى يشارك في استكمال كل خير، فرحا مع أولئك الذين تغمرهم السعادة، متعاطفا مع أولئك أصابهم الحزن ومواسيا لهم".( إيبكتات " الدليل المختصر" 32- سطر 154 نشر " هادو"، لايد، بريل 1996.). هذه هي صورة الفيلسوف عامّة، تلك التي تتراءى لنا حينما نقرأ خطاباتهم. لقد كانت الفلسفة دوما " خطابا"كونيا من أجل الإنسان ومدار التفكير فيه هو " الإنسان" أيّ كان، "إنسانا كليا" لا يعرّفه لا لونه ولا دينه ولا انتماءه إلاّ أن يكون " انتماء إلى الإنسانية"، بل " إنسانيته " أي بوصفه " إنسانا" لا غير، قيمة القيم أو " الغاية القصوى" كما يقول كانط. الموقف الفلسفي إذن " موقف أخلاقي" بالأساس من جهة مقاصده ومشروعية وجوده. بالرغم من أنه غالبا ما يجد صعوبة بل استحالة في " تبرير مشروعية " وجوده بالنسبة للآخرين. صعوبة تقوم في " استحالة " أن يكون الموقف الفلسفي موقفا " مفيدا نافعا " على نحو مباشر في حياة الناس و بالمعنى المادّي والحسي للمنفعة. ولعلّ هذا ما يفسّر صعوبة العلاقة بين الفلاسفة وعامة الناس. إنّ خصوصية الموقف الفلسفي، بوصفه " موقفا إيتيقيا" لم يستطيع، مع ذلك، ردم المسافة بين الفيلسوف والعامّي. بل لعلّه يزيد الهوة بينهما اتساعا حينما يترجم الموقف الفلسفي إلى سلوك حياتي، في علاقته بالبشر، من خلال التعبير عن " حضور الفيلسوف" التاريخيّ" كفرد " يعيش حاضره " على نحو " مخصوص" بمحاولته فهمه والتفكير فيه واتخاذ موقف منه وربما السعي إلى" تغييره" أيضا... وذلك تجسيدا " لصداقته" للمدينة وانشغاله بالإنسان في أحواله...هكذا كان " الفيلسوف " سقراط نموذجا " لهذا الموقف الفلسفي " الملتزم" بالتفكير في "الإنسان" والمنشغل بحاضره. وهكذا كان الفلاسفة من قبله و من بعده على هذه الصورة وإن تعدّدت زوايا وأبعاد النظر إليها بل وسياقات تشكلها كصورة " عامّة" للفيلسوف " الملتزم"، الفيلسوف "بوصفه سياسيا" لا تتعارض لديه غايات الفعل الأخلاقي مع " غايات الفعل السياسي". غير أن الواقع، في معنى " معيش البشر ووضعهم"، ظلّ دوما مجالا " لاختبار" هذا المعنى في " صدقيته " ومشروعيته " الأخلاقية " خاصّة.باعتباره كما أسلفنا القول، " موقفا سياسيّا- أخلاقيا" بالأساس. ولما كانت الأخلاق ليست سوى الصلة بين منظومة قيم عليا وممارسة لهذه القيم، فإنّ مجال الممارسة أو " البراكسيس" كثيرا ما يكشف عن " حرج " dilemme بين " الأخلاقي أو " الإيتيقي " وبين " السياسي" بوصفه وجها من وجوه الممارسة أو الفعل " الذي يحتكم إلى " معايير " ومعقولية خاصّة غير التي تقوم عليها " الأخلاق"، حرجا بين " الوقائع والقيم" بعبارة ماركوز، بين الوسائل والغايات. انتبه الفلاسفة دون شك إلى " إشكالية " الأخلاقي والسياسي" وبحثوا لها عن صور عديدة لإمكان " علاقة بينهما، على صعيد نظري بالأساس. بيد أن المعضلة تظل قائمة في مواجهة الأخلاق لواقع الممارسة " السياسية" ذات معقولية تحتكم إلى مبادئ المردودية والنجاعة. من هنا كثيرا ما يجد الفيلسوف نفسه في " مأزق" حقيقيّ حينما يحمله الواقع، واقع الممارسة السياسية والوضع السياسي أو " الحاضر المعيش" على اتخاذ موقف وترجمة التزامه " الأخلاقي" إلى موقف سياسيّ وهو الذي يطرح نفسه دوما رجل "الأخلاق والسياسة" من حيث انه مضطلع بمسؤولية " تحرير الإنسان من كلّ أشكال استعباده".

هذه الدراسة أعدها جون هوسبرز (1918/‏‏2011) الذي كان أستاذاً فخرياً للفلسفة بجامعة جنوب كاليفورنيا، لوس أنجلوس، وله العديد من المؤلفات، منها «مقدمة في التحليل الفلسفي»، و«قراءات تمهيدية في الجماليات»، و«فهم الفنون» وغيرها الكثير. “فلسفة الفن”، دراسة لطبيعة الفن، بما في ذلك مفاهيم، مثل التأويل والتمثيل والتعبير والشكل، ويرتبط هذا الموضوع ارتباطاً وثيقاً بعلم الجمال، والدراسة الفلسفية للجمال والذوق.
الدراسة: (تتمة)
الفن كمحاكاة (تمثيل)
إن وجهة النظر القائلة بأن "الفن محاكاة" قديمة تعود إلى الفيلسوف اليوناني أفلاطون على الأقل، ورغم عدم انتشارها على نطاق واسع حاليا، فإن تاريخها الطويل والمتميز دليل على استمرار سيطرتها على الناس باعتبارها تفسيرا للوظيفة المميزة للفن. ومع ذلك، هناك نقطة اصطلاحية هنا: من أجل الوضوح، يجب التحدث عن الفنانين على أنهم يحاكون في عملهم الأشخاص والأشياء والمشاهد في العالم، ولكنهم يقلدون أعمال الفنانين الآخرين. وهكذا "يمثل الفنان في هذه اللوحة حظيرة وبعض حقول القمح، وأسلوب الفنان مقلد لفنسنت فان جوخ ". سيتم استخدام هذا التمييز هنا، ونتيجة لذلك سيتم التحدث عن هذه النظريات التقليدية للفن باعتبارها نظريات محاكاة وليست تقليدا.
في فترة ما من تاريخ الفن، كتب علماء الجمال والنقاد كما لو أن الطبيعة يجب أن يسجلها الفنان بدقة فوتوغرافية. يمكن القول إن اختراع التصوير الفوتوغرافي (الذي يمكنه القيام بذلك بشكل أفضل من أي رسام) قد أعفى الفنان من أي مسؤولية من هذا القبيل. ومع ذلك، يمكن للفن أن يحاكي الواقع: قد لا تبدو محاكاة المنزل في اللوحة مطابقة تمامًا للمنزل - لا يمكن ذلك، نظرا لأن المنزل الحقيقي ثلاثي الأبعاد واللوحة ثنائية الأبعاد - ولكنه يبدو مثل المنزل بما يكفي لتمكين الجميع دون تردد من تحديده كمنزل.

تقديم
في مقالة سابقة لي كنت ناقشت بعض الأمور والثغرات في منهج ديكارت القائم على الشك المطلق بغية الوصول الى يقينية حقائق الحياة التي تقوم على توليفة تضم حسب ديكارت الله ، الانسان ، والفلسفة في إيلاء تجارب العقل أن تكون هي الفيصل في تأكيد كل ما يتعلق بهذه الأقانيم الفلسفية التي يوحدّها المنهج الافتعالي التعسّفي الشكّي الذي أراد ديكارت تحقيقه وفشل به..

منهج ديكارت الفلسفي الذي ضمّنه أفكاره كتابه الذائع الشهرة الفلسفية ( مقال في المنهج) حيث اتضّح أن ديكارت لم يتمكن من شرح قضايا المنهج الذي وصفه بالعلمي العقلي القائم على الشك قبل التسليم بصدقية أي شيء يصل إدراكنا العقلي له ، ويكون ذلك الشيء من بديهيات الحدوسات التي يكمن برهانها في باطنها بما يصّدقه العقل عنها والإجماع على بديهيتها الواضحة، لتكون استدلالا عقليا في البرهنة على قضية أو قضايا أخرى يطالها الشك غير المحسومة صدقيتها من زيفها.

الحقيقة غير العلمية يتضمّنها الكوجيتو أنا افكر إذن أنا موجود المرتكز المثالي الميتافيزيقي الذي عجز ديكارت عن توضيحه بمنطق انطولوجيا الفلسفة والعلم. حيث يستنبط " الانسان يفّكر وهو موجود من حيث هو مفّكر." 1، ويؤكد منهجه العلمي قوله أيضا " أنا أعرف نفسي الآن موجودا لأني أفكر، ولا أعرف نفسي إلا كذلك، ووجود الفكر علة وجودي، والفكر أشد ثبوتا من وجود الجسم، وطبيعة النفس وماهيتها هي الفكر، والنفس مستقلة عن الجسم ومعرفتها أيسر"2

في هذه العبارة الجوهرية في تفكير ديكارت الفلسفي نستنج المتناقضات التالية :

يبدو لدى غالبية الفلاسفة الغربيين والعرب مثل هذه العنونة غريبة على الفلسفة الغربية المعاصرة مفتعلة على احسن الفروض، فالفلسفة تجريد إفصاحي لغوي نوعي إجناسي متفرد نخبوي يختلف عن الاجناس الادبية مثل الشعر والقصة والرواية والمسرح والفنون التشكيلية. وتختلف الفلسفة عن التجربة العلمية والعملية وتطبيق الايديولوجيا بكافة ما يطلق عليه السرديات الكبرى. في الوصاية على تاريخ الانسان والحياة.
الفلسفة ليست نصا ثقافيا ادبيا تجنيسيا يتقبل (ثيمة) الالتزام علما ان الفيلسوف الفرنسي الشهيرسارتر طرح مثل هذا التساؤل في كتابه ما الادب؟ ومثله فعل هنري برجسون. نال سارتر جائزة نوبل بالادب وليس بالفلسفة ورفض استلامها. اما برجسون فقد منح جائزة نوبل بالادب واستلمها.
هنا اسأل سؤال اجيب عنه راجيا عدم تذكيري توضيح الاجابة عليه اكثر مما احاول اختصره مراعاة ضيق المجال. لماذا لا تمنح جائزة نوبل للفلاسفة وتمنح لجميع الاختصاصات العلمية في الفيزياء وفي الرياضيات والكيمياء وفي شتى ضروب الحياة تليها تخصصات الاجناس الادبية كافة في تسمية جائزة نوبل بالادب؟ الاجابة التي لا ارغب ذكرها في سبب حجب جائزة نوبل عن الفلاسفة هو لان الفلسفة بنية منطقية تجريدية لا تلتزم واقع الانسان والحياة. على خلاف من العلوم والاجناس الادبية. وكذا منعت جائزة نوبل عن الايديولوجيات السياسية الوحشية الممثلة بالعنصرية والابادات الجماعية.
الالتزام في الادب
أوصل صدى ما طرحه سارتر حول الالتزام بالادب في نهاية الستينيات من القرن العشرين إبان إزدهار الفلسفة الوجودية الفرنسية ان بادر الكاتب الروائي الكبير سهيل ادريس صاحب مجلة الاداب اللبنانية بداية السبعينيات دعوة عميد الادب العربي طه حسين تلبيته رغبة اتحاد ادباء لبنان القائه محاضرة حوارية نقاشية امام بعض الحضور من ادباء ومثقفي لبنان يناقشون فيها معه مسالة الالتزام بالادب من وجهة نظر فلسفة سارتر. لا اعتقد تم تنفيذ الدعوة.

 هذه الدراسة أعدها جون هوسبرز (1918/‏‏2011) الذي كان أستاذاً فخرياً للفلسفة بجامعة جنوب كاليفورنيا، لوس أنجلوس، وله العديد من المؤلفات، منها «مقدمة في التحليل الفلسفي»، و«قراءات تمهيدية في الجماليات»، و«فهم الفنون» وغيرها الكثير. “فلسفة الفن”، دراسة لطبيعة الفن، بما في ذلك مفاهيم، مثل التأويل والتمثيل والتعبير والشكل، ويرتبط هذا الموضوع ارتباطاً وثيقاً بعلم الجمال، والدراسة الفلسفية للجمال والذوق.
الدراسة:
- الخصائص المميزة
تتميز فلسفة الفن عن النقد الفني الذي يهتم بتحليل وتقييم أعمال فنية معينة. قد يكون النشاط النقدي تاريخيا في المقام الأول، كما هو الحال عندما يتم إلقاء محاضرة حول تقاليد المسرح الإليزابيثي من أجل شرح بعض الأدوات المستخدمة في مسرحيات ويليام شكسبير . قد يكون تحليليا في المقام الأول كما هو الحال عندما يتم فصل مقطع معين من الشعر إلى عناصره وتفسير معناه أو مضمونه بالنسبة إلى مقاطع أخرى وقصائد أخرى في التراث. أو قد يكون تقييميا في المقام الأول، كما هو الحال عندما يتم تقديم الأسباب للقول بأن العمل الفني المعني حسن أو سيئ، أو أفضل أو أسوأ من عمل آخر. في بعض الأحيان لا يتم توضيح عمل فني واحد، بل فئة كاملة من الأعمال بأسلوب أو نوع معين (مثل القصائد الرعوية أو موسيقى الباروك ) التي يتم توضيحها، وأحيانا يكون فن فترة كاملة (مثل الرومانسية ). لكن في كل الأحوال هدف النقد الفني هو تحقيق فهم متزايد أو الاستمتاع بالعمل (أو فئات الأعمال) الفنية، وقد تم تصميم بياناته لتحقيق هذه الغاية.
إن اختبار نجاح النقد الفني مع شخص معين هو: هل أدى هذا المقال أو كتاب النقد الفني إلى زيادة أو تعزيز فهم الشخص أو تقديره للعمل الفني المعني؟ يعد النقد الفني مفيدا بشكل خاص وغالبا ما يكون ضروريا للأعمال الفنية التي تكون أكثر صعوبة في العادة، بحيث لا يتمكن الأشخاص الذين ليسوا على دراية بالفنان أو النوع أو الفترة من فهم العمل أو الاستمتاع به بشكل كافٍ إذا تركوا لأنفسهم.
إن مهمة فيلسوف الفن أكثر جوهرية من مهمة الناقد الفني، حيث أن تصريحات الناقد تفترض إجابات على الأسئلة التي يطرحها فيلسوف الفن. يقول الناقد أن عملاً موسيقيا معينا هو عمل تعبيري، لكن فيلسوف الفن يتساءل عما يعنيه القول بأن العمل الفني معبر وكيف يمكن للمرء أن يحدد ما إذا كان كذلك أم لا. في الحديث والكتابة عن الفن، يفترض النقاد أنهم يتعاملون مع مفاهيم واضحة، تحقيقها هو مهمة فيلسوف الفن.

تمهيد:
المقال يعتمد على ترجمة الباحث الفلسفي القدير حاتم حميد محسن  لمقالة الفيلسوف الامريكي وعالم الرياضيات جاريد وارين التي نشرها في مجلة (الفلسفة الآن) عدد اب – ايلول المزدوج. ونشر الاستاذ حاتم ترجمتها على موقع المثقف تاريخ 9 ايلول 2023 بعنوان (الغاز الرياضيات: الابعاد الفلسفية والحلول الممكنة).

مداخلة نقدية
ورد في مقالة وارين:(أن حقائق الرياضيات الخالصة تختلف تماما عن الحقائق العادية. فمثلا حقائق الرياضيات الخالصة هي ابدية. هي دائما كانت صحيحة وستبقى صحيحة. كانت صحيحة عند الانفجار العظيم ان 1+1=2 وستبقى صحيحة بعد تريليون سنة. انها ضرورية وتبقى صحيحة دائما لا يهم بذلك احوال العالم. حتى في عالم بلا انسان سيبقى صحيحا واحد زائدا واحدا يساوي اثنين. كذلك  صحة الحقيقة الرياضية (موضوعية) لاتعتمد اهواء ورغبات اي شخص. ولو نحن نلتقي باناس من المريخ ويقولون 1+1=3 سوف نعرف اننا نفشل بالتواصل معهم ). انتهى الاقتباس.

نحاول تفكيك هذا المنطق الرياضي الفلسفي رغم وضوح لغته التي توهم ماذكره الفيلسوف صحيحا تماما. رغم ان عالم الرياضيات وارين يبسط قضية علمية صارمة لاتقبل خلط ما هو علمي بما هو متخيّل. الا انه يدخل في مقالته الكثير من الاستطرادات الخيالية غير الواقعية التي لا نصيب قليل لها من الحدوث.

قول فيلسوفنا حقائق الرياضيات الخالصة تختلف عن العادية عبارة سليمة تماما لكن كيف؟حقائق الحياة العلمية منها حقائق الرياضيات العلمية ثابتة لا تتغير ولا تتاثر بعامل الزمن دليل قول الفيلسوف بعبارته الغامضة قائلا (الحقائق الرياضية ثابتة لا تتغيربسبب ان لغتنا الرياضية مستقلة عن الزمن). هنا الخطأ البدئي الاول هو الخلط بين حقائق الرياضيات ولغتنا ومفاهيمنا عنها مستقلتان كليهما عن الزمن .والصحيح ان حقائق الرياضيات هي الثابتة المطلقة فقط هي المستقلة عن الزمن. ولا تحضر لغتنا الرياضية هنا عنها سببا محايثا لاستقلالية حقائق الرياضيات عن الزمن وسنوضح هذا اكثر لاحقا.

 "أن نتفلسف يعني أن نقاوم"
إذا كان التنوير بالنسبة لكانط هو "خروج الإنسان من عدم نضجه الذي جلبه على نفسه"، وهو عدم نضج ناجم عن "الافتقار إلى القرار والشجاعة"، فإن الثورة هي شرط الحداثة والفرد المستقل هو أساسها. لقد حدّدت الثورات السياسية تاريخ الحداثة؛ العلم والتكنولوجيا في حالة اضطراب دائم. تستمر الطليعة الفنية في الثورة وإعادة تعريف روح العصر. لقد تعاملت الفلسفة على نطاق واسع مع الثورة والحق في المقاومة. لكن العلاقة بين الاثنين تم فحصها بشكل سطحي إلى حد ما. يتم تناول استكشاف الفلسفة المتردد للعلاقة بين الثورة والحق في المقاومة. فما الذي يسبب العودة الدورية للمقاومة والثورة في مجال التاريخ؟ وهل تستطيع الفلسفة تفسير العودة الأبدية للمقاومة رغم محاولات القانون المستمرة لحظرها؟ وما الذي يجعلنا نقرر المقاومة بصورة جماعية؟ وبأي معنى تصير مقاوما فلسفيا في الفضاء العمومي؟

مصطلح المقاومة سمعناه في المظاهرات المطالبة بالحرية والاستقلال والسيادة وضد الغزو والاحتلال. وهو المصطلح الذي أصبح منتشرا في كل مكان منذ موجات المطالبة بتقرير المصير للشعوب. وهو بالطبع مصطلح يطارد ذاكرتنا منذ الحرب العالمية الثانية: نقاوم العدو، لا نستسلم، نصمد، لا نتفاوض. في مواجهة الرعب، نحن لا نخضع. وفي مواجهة ما لا يمكن تصوره، نبقى واقفين. بعد الاعتداءات، بدا أن المقاومة والتظاهر والتواجد معًا والتعبير عن الاشمئزاز، قبل الفهم أو الشرح أو التعليق، كان رد الفعل الوحيد الممكن، البداية الضرورية. لكن يجب أن أثير هنا شكًا، خوفًا: هل المقاومة، رغم أنها ضرورية، كافية؟ هل يكفي أن نقول "أنا أقاوم"، أن أقاوم الجمود، أن أواجه الغزاة والمحتلين للرد على المعتدين؟