توطئة
تناولت في مقالة سابقة متعالقة مع عنونة هذه الورقة مفهوم الوعي الفلسفي عند ديكارت مرورا بهوسرل وهيدجر وسارتر وكذلك ميرلوبونتي، وناقشت بتفصيل غيرمسهب مفهوم الوعي بذاته في الموجودات غير العاقلة وأختلافه الجوهري عن الوعي الخالص الهدف المنشود والفردوس المفقود عند الانسان كما طرحه سارتر، وعلاقة الوعي التبادلي التواصلي الحواري بين الناس كنوع، كما تناولت تعالق الوعي بكل من اللغة والصمت، ونستكمل في هذه المقالة جوانب أخرى تهم محتوى هذه الورقة البحثية التي يعتبر وعي الذات من المباحث الفلسفية التي شغلت الفكر الفلسفي عصورا طويلة ولا زال مبحث الوعي بحاجة الى معالجات من زوايا رصد جديدة لعلنا نكون موفقين في مقاربة تفسيرية توضيحية لبعض تلك الرؤى..

 وعي الذات بين هوسرل و سارتر

 نرى عقد مقارنة بين عبارة ميرلوبونتي التي ناقشناها من وجهة نظرنا في جزء سابق من هذه الورقة (أنه لا فكر خارج العالم أو الكلمات) وعبارة سارتر ذات العلاقة (أن الوعي الخالص هو فينامينولوجيا جامعة تذهب الى ما يقصد اليه الوعي من أشياء ).(1) ولنا هنا وقفة حوارية أوسع في هذا المجال.

ميرلوبونتي في عبارته لم يكن موفقا في أشتراطه سببيا الجمع بين الفكر في العالم الخارجي ومثله في الكلمات كتعبير صامت في الذهن أو أفصاح معبّر عنه باللغة في أدراك ومعرفة الاشياء في وجودها المادي الخارجي...

الفكر في الذهن هو (انطباعات) زائلة مستمدة من الحس كما يذهب له ديفيد هيوم وجورج بيركلي. وهذه الانطباعات الذهنية هي غيرها الفكر المعبّر عنه في أدراك العالم الخارجي. خارج بيولوجيا العقل بلغة تواصل قد تكون اللغة التداولية المعهودة أو تكون غيرها من وسائل التواصل التي تعتمد حركات الجسد الأيمائية التي توحي بلغة غير صوتية.. الفكر داخل الذهن هو تفكير تجريدي لا يعوّل كثيرا على تعبير اللغة عنه، والفكر خارج العقل هو تفكير لغوي ناجز في تعبيره الواعي عن المدركات في وجودها الخارجي المستقل، وهنا بضوء تأويلنا معنى عبارة ميرلوبونتي يكون تداخل الفكر بالعالم الخارجي هو أفصاح تعبيري لغوي مرة أو أفصاح تواصلي غير لغوي مرة أخرى بغية أثبات أدراك وجود الاشياء ومعرفتها، فليس باللغة المنطوقة أو المكتوبة فقط يتم التعبير عن الموجودات المدركة عقليا المادية منها والخيالية،، فالصمت والحركة لغتان تواصليتان سيميائيا موحيتان بالمعنى التواصلي المطلوب أيضا لكنهما غير منطوقتين صوتيا ولا مكتوبتين أبجديا...

أما أن الفكر لا يكون خارج الكلمات حسب تعبير ميرلوبونتي، فهو خطأ في الفكر قبل خطأ تعبير اللغة المخاتل إذ الفكرالصامت هو تفكير عقلي فسلجي لغوي مكوّن من كلمات وابجدية لغوية لا صوتية خارجيا.ولا تكون الكلمات التفكيرية غير الصوتية استبطانيا هي ليست لغة تعبير وتفكير. وهي لغة لا تعمل بمعزل عن الفكر الذي هو خصيصة عقلية وليس خاصية تفرضها الموجودات على العقل.،

، أذ يمكن أن يكون الفكر خارج الكلمات المنطوقة والمكتوبة، في فعالية العقل التفكيرية بالاشياء والمواضيع تجريدا خياليا مثل الفكرة الصامتة في الذهن المستمدة من الواقع الخارجي أو من مواضيع خيال الذاكرة، أو التفكير الصامت المعبّر عنه في أيحاءات وأيماءات وحركات الجسد الذي لا تلازمه اللغة أو الكلمات المنطوقة ولا يحتاج ملازمة اللغة التعبيرية عنه وأنما يحتاج صور الاشياء المفكربها وترجمتها بلغة الجسد أيحاءا تواصليا حركيا في حمولته المعنى اللامحدود ... في هذه التجليات تكون الحركة الجسمانية فكر ولغة إيحائية لا صوت يميزها.

يمكننا أن نتساءل عن مكانة الفلسفة الاجتماعية من خلال طرح السؤال التالي على الفور: ما هي التيارات الفكرية التي تعبر عنها؟ وماهي التصورات التي تختلف عنها؟ وكيف يتم التعبير نظريا عن الاجتماعي؟

من تفكير يميل، على ما يبدو، إلى إعادة تأهيل سيادة القانون، والإنسانية الفلسفية السياسية، والمثل السياسية التي كان ماركس قد وصفها بأنها "أيديولوجية" (تهدف إلى إخفاء التناقضات الطبقية) كما يتضح من تأثير نظرية جون راولز حول العدالة. لكن، كما يؤكد فرانك فيشباخ، لا شيء يسمح بحجز التحليلات المعيارية في الفضاء القانوني السياسي والتهرب من هذه المعيارية نفسها عندما يتعلق الأمر بالمجال الاجتماعي. وبالتالي فإن العودة إلى الفلسفة السياسية الكلاسيكية ليست بريئة. يؤكد فرانك فيشباخ، بشكل جدلي متعمد، أن المدافعين عن حقوق الإنسان انتهى بهم الأمر إلى جعل الدولة غير ذات أهمية وجعل هدف "إنقاذ البنوك" أولوية حتمية. الميزة الوحيدة لهذا اللجوء إلى أيديولوجية الليبرالية الجديدة الضمنية هي أن الوهم الذي يبرر إقامة معسكر غوانتانامو والحروب القاتلة في العراق - باسم الحق وباسم الخير على التوالي - قد نفذ وقته وفي نهاية المطاف. ولدت "إعادة التسلح المعاصرة للنقد الاجتماعي". لم يعد من الممكن التظاهر بتشويه الماركسية أو الاعتراض على تأثير العلوم الاجتماعية على الخطاب الفلسفي. وهكذا، فإن التشكيك في الحياة المقبولة إنسانيًا يصبح حادًا، في مواجهة النزعة غير المسيّسة وغير المسيّسة للتعامل تقنيًا مع المشاكل الاجتماعية والسياسية. لقد أشار إيمانويل رينو في تجربة الظلم بالفعل إلى الانفصال القائم بين اللغة السياسية وتجارب معينة من الظلم الاجتماعي، والصعوبة التي تواجهها الفلسفة نفسها، في التفكير في تجربة الظلم أكثر من تعريف العدالة بشكل معياري. ما هو تأثير العلوم الاجتماعية على الفلسفة وكيف تقوم الأخيرة بدورها بتخصيبها؟ سؤال يؤدي تعميقه إلى تعريف محتمل لـ "الفلسفة الاجتماعية"، والذي قدمت مدرسة فرانكفورت مع ماكس هوركهايمر مقدماته. وتجدر الإشارة أيضًا إلى أنه، بالمعنى الدقيق للكلمة، لا توجد فلسفة اجتماعية فرنسية، في حين أن "الفلسفة الاجتماعية" ليست مجهولة لدى الألمان. ومع ذلك، يشهد أكسل هونيث، في مجتمع الازدراء، على عدم وضوح الفلسفة الاجتماعية في المنطقة الناطقة بالألمانية، والتي من المفترض إما أن تحمي جميع التخصصات الموجهة نحو الممارسة، أو أن تكون بمثابة مكمل معياري لعلم الاجتماع الذي يتقدم بشكل تجريبي. ... المصطلح، وفقًا لفرانك فيشباخ، لا يحظى بتغطية إعلامية جيدة، بما في ذلك بين علماء الاجتماع، ويتميز بعدم دقته (سيكون بمثابة "رؤية اجتماعية" للأشياء). ومع ذلك، يمكننا تحديد الموضوع والسؤال الحاسم الذي تطرحه علينا الفلسفة الاجتماعية وتطرحه علينا: "ما هي الحياة المشوهة، المنحطة، المغتربة؟"، ولم يعد "ما هي الحياة الناجحة؟" تضاعف الغرض من خلال عمل أكسل هونيث عندما أعلن أن هذه "النظرية النقدية" الجديدة لها الأولوية في "تحديد وتحليل عمليات تطور المجتمع التي تظهر كتطورات أو اضطرابات مفقودة، أي "الأمراض الاجتماعية". وعلى هذا النحو المحدد، تميل الفلسفة الاجتماعية إلى تمييز نفسها عن الفلسفة السياسية القديمة، التي فهمها أرسطو على أنها شرط "للحياة الطيبة"، والأخلاق التي تؤدي إلى السياسة. وأن تنأى بنفسها أيضًا عن محاولات "التعافي" الكانطية الجديدة، وعن النضال الذي يقوده بعض علماء الاجتماع ضد ماركسية الأممية الثالثة. فهو يجسد أكثر من أي مجال آخر المعضلة السياسية الكبرى التي تقوض الفكر الاجتماعي وتقسمه: الإصلاحية أم الثورة، أي جانب يجب أن نعتمد؟ ألا تترجم بطريقة مميزة ما أسماه لويس ألتوسير "الصراع الطبقي من الناحية النظرية"؟

"إنها (أي الِّديكُولوِنْيَنَةdécolonisation) ضرب من الثورة الكوبرنيكية المتمثّلة في الانفصال عن المركز بالتساؤل، لا عمّ يمكن تعليمه للآخرين، بل عمّ يمكن تعلّمه من الآخرين."(مبوندا)
"يتعلّق الأمر بقطع الاتصال بمواقع التعبير والقول المتصلة بالكولوينالية / الحداثة، و وربط الصلة بالذات ، بالمواقع الذاتية للقول ، بـ"الأساطير" الخاصّة، والتحرّر والانفلات من " المصفوفة الكولونيالية للسلطة"، و التحرّر من نظام ابستيمي يمنع من التفكير بذاته وانطلاقا من ذاته "( أ. ماري مبوندا)ّ
 "إنّ العقل ( الكولونيالي) المتكبّر أو الخامل، هو العقل الذي يرفض تعلّم إماتة أفكاره المسبقة ، والذي يرفض التخلّص من مقولاته الأبدية والكونية، و إزاحة الحواجز للتفكير على نحو آخر، للتفكير مع الآخر وللتفكير في الغيرية". ( أزم. مبوندا)

     إنّ مقولة دِيكُولِونْيَنَةِ décolonisation المعارف أو تحريرها من النزعة الاستعمارية، حاضرة بشكل يتزايد في أعمال العلوم البيوطبية biomédicales ، وفي العلوم الاجتماعية ، وفي الأدب وفي الفلسفة. وبإمكاننا كذلك تعريفها في عبارات التفكيك   déconstruction ، و" العصيان الإبستيمي"  (1) « désobéissance épistémique ، وفقدان الوجهة أو " التيهان"(2) « désorientation ، و" ترييف أوروبا" « provincialisation de l’Europe(3)، وباختصار في إدانة كلّ إدّعاء هيمني وغير تساؤلي لحيازة المعرفة الكونية ، إدانة مؤائمة للدفاع من أجل "الإزاحة عن المركز"décentrement »  و تداول المعارفsavoirs"  « circulation des . إضافة إلى أنّ تفعيلها يصطدم بعوائق  يجعلها جدّ خيالية . تتميّز هذا الديكولونينة للمعارف في مجال الفلسفة ، إنْ لم نقل ملغومة ، بجملة من " النزاعات" المتّصلة بتاريخها وجغرافيتها وأمكنتها وأنماط إنتاجها وذواتها وموضوعاتها.

نجد فيها غالبا التساؤلات التالية : هل يوجد فلاسفة لاغربيين ؟ هل توجد فلسفات هندية، صينية وإفريقية؟ أيّ منزلة تحتلها الفلسفات اللاغربية في شرائع  الإستوريوغرافياhistoriographie  أو عمل المؤرخ للفلسفة؟ إيّ منزلة تحتلها الفلسفات اللاغربية في برامج تعليم الفلسفة في الغرب وفي أماكن أخرى؟ هل بإمكان المستعمَرين القدامى الكلام والتفكير" على نحو آخر مغاير لنمط الجواب والتفاعل في اللغة ووفق منطق التحكّم والهيمنة؟"(4) .

   لقد اخترت التعبير عن عنوان هذا المقال بصيغة السؤال التي فضلا عن ذلك ، تحمل لأول وهلة، بعبارة "ممكنة"، على التفكير في تحيّز ريبي بالنسبة إلى ما هو موضوع الرهان. وبالفعل، فالسؤال يمكن أن  يُؤوّل بما هو استفهام عن الطابع الممكن ببساطة لمثل هذه الديكولونْينة. وقد يكون بإمكاننا أيضا، للتشديد على هذا الارتياب الظاهري، إعادة صياغة السؤال على النحو التالي: ما هي شروط قابلية التفكير pensabilité أو شروط إمكان ديكُولُونْينة فعلية للمعارف في الفلسفة؟  بهذه الصياغة للسؤال ، وبالتشديد على شروط ديكولونْينة للفلسفة ، تترك الرّيبية المجال مفتوحا لإمكانية فحص بنّاء لما يظهر كممارسات لديكولونْيَنَة للمعارف. سأبدأ هذا الفحص بمحاولة توضيح مقولة ديكولونْينة المعارف ذاتها. ثمّ سأحلّل ما أسمّيه " نزاع" ديكولونْينة المعارف في الفلسفة بالارتكاز بالخصوص على حالة الفلسفة الإفريقية التي تبدو لي احد المختبرات الرئيسية لهذا النوع من التساؤل . و سأحاول،انطلاقا من هذه الحالة الخاصّة ، بيان أنّ المحاولات البارزة لديكولونْينة لمعارف في الفلسفة الإفريقية تجد صعوبة في التخلّص من مكر العقل الاستعماري أو الكولنيالي. إنها ( أي هذه المحاولات) ، سواء قدمت نفسها في شكل مطالبة "بحقّ الاختلاف"أو " بحقّ التشابه"، ذات ميل إلى تثبيت، على نحو مفارقي، هيمنة المعرفة الكولونيالية. إنّ إمكانية ديكُولونْينة للفلسفة تقتضي فيما يبدو لي الأخذ بعين الاعتبار لهذه المفارقة.

يذهب ميرلوبونتي الى ان العالم الخارجي ليس حقيقة. وكذلك (الذات) ليست حقيقة. اعتقد انه من المتفق عليه انه بدلالة العالم الخارجي ندرك ذواتنا في مغايرة ادراكاتنا الموجودات. وليس بهذه الخاصية الادراكية المتفردة نستطيع معرفة حقيقة العالم الخارجي ايضا. الذات جوهرفردي لا وجود له سوى بالمغايرة الادراكية العقلية للاشياء والتفكير بما حولنا.
العالم الخارجي مفهوم وليس كينونة وجودية متعيّنة ماديا محدودة بابعاد الموضوع سواء اكان الموضوع ماديا أو غير مادي يدركه العقل ويمكنه بها معالجة العالم الخارجي كموضوع. متى يكون موضوع تفكير العقل غير مادي؟ كل مواضيع تفكير العقل المستمدة من الخيال هي غير مادية. هي تصورات ذهنية يبتدعها العقل ويعبّر عنها لغويا او يتم التعبير عنها بأنشطة ادبية وفنية.
مالمقصود بالعالم الخارجي انه ليس حقيقة؟ هل هو الطبيعة بكل شموليتها البايولوجية المتنوعة الكائنات والمكونات بما لا يمكننا حصره ومعرفته لا تمتلك حقيقتها؟ أم العالم الخارجي الذي هو الموجودات والعلاقات البينية التي يتوزعها المحيط من حولنا ولا تمتلك حقيقتها؟ نكران حقيقة العالم الخارجي يوجب علينا الايمان بحقيقة ميتافيزيقيا خرافة التسليم بفرضية فلسفية عتيقة في امكانية وجود عالم خارجي حقيقي غير عالمنا هذا لا ندركه هو غير عالمنا الخارجي الزائف الذي يدركه العقل ونتعامل معه ونعيشه. العالم الخارجي كمفهوم اصطلاحي يكون تعاملنا معه بما يحتويه من موجودات لا حصر لها هي مواضيع جاهزة لمعالجتها الادراكية عقليا.

مقدمة
"يجب أن نسمي الفلاسفة، وليس أصدقاء الظن، أولئك الذين يرتبطون في كل شيء بالماهية"
يعد أفلاطون أحد كبار فلاسفة الفكر العالمي، وفي العصور القديمة اليونانية على وجه الخصوص. يقدم عمله، بشكل أساسي في شكل حوارات، نفسه على أنه بحث صارم عن الحقيقة، دون حدود للمجال. يغطي تفكيره السياسة وكذلك الأخلاق وعلم الجمال والعلوم. إن الثقة في قدرة الإنسان على معرفة الواقع هي ما يشكل وحدة عمل أفلاطون. ضد السفسطائيين، الذين يعلمون فن الإقناع والإرضاء، يثير أفلاطون مسألة الخطاب الحقيقي. الواقع يمكن معرفته. لا يقتصر الإنسان على انطباعاته: فمن خلال ما يشعر به، يمكنه الوصول إلى واقع يتجاوز حدوده. وبالتالي فإن عمله موجه في اتجاهين متكاملين: من ناحية، البحث عن الحقيقة حول حقائق محددة (العدالة، العالم، على سبيل المثال)؛ ومن ناحية أخرى، تسعى إلى تبرير إمكانية معرفة الحقيقة. لذلك يرى أفلاطون أن الحوار بحث مشترك عن الحقيقة، مشترك لأنه لا ينتمي إلى أحد. ضد السفسطائيين وعلى النقيض من السفسطائيين، الذين رأوا في الحوار مجرد مسابقة خطابية، فقط صراع من المونولوجات التي تقتصر نهايتها على إخراس الخصم، يهدف الحوار الأفلاطوني، في الواقع، إلى السماح للمشاركين بمواءمة خطاباتهم مع الحقيقة. إن السفسطائيين، على الأقل كما وصفهم أفلاطون، برجماتيون، لا يهمهم إلا النجاح، ولا ينزعجون من الشكوك المتعلقة بالقيم: فالإنسان، كما قال بروتاجوراس، هو مقياس كل الأشياء. وعلى العكس من ذلك، تؤكد الأفلاطونية تجاوز القياس. وليس بسبب صعوبة المواضيع التي يتناولها، بل لأن مزاجهم السيئ يقودهم إلى رفض هذا التعالي الذي بدونه لا يكون لكلمة الحقيقة أي معنى، فإن السفسطائيين يجعلون الأمر ينتهي بتناقض غير قابل للحل في معظم الأحيان في الحوارات التي يشاركون فيها.

هل يجب أن نحترم الآخرين؟ من يجب أن نحترم؟ - ما الذي يجب احترامه؟ هل يجب أن نحترم الأشياء كما يجب أن نحترم الآخرين؟ وهل يجب أن نحترم الطبيعة؟ هل يجب أن نذهب إلى حد احترام ما لم يوجد بعد، أي الأجيال القادمة؟ ولكن ما هو الاحترام؟ إنه شعور يُختبر أمام القانون الأخلاقي، وبالتالي أمام الشخص الذي يحمل في داخله القانون الأخلاقي الآخر، يا أخي الإنسان. من الواضح أن الطبيعة ليست شخصًا. لماذا يكون من واجب احترام الطبيعة. يتعلق الواجب بالالتزام الأخلاقي. تقليديًا، يفرض الواجب بشكل قاطع الاحترام بين الأشخاص الأحرار والمتساويين: فهم يتمتعون، بطريقة ما، بالمساواة في الحقوق والواجبات. بهذا المعنى لا يمكننا إلا أن نتحمل واجبات تجاه الآخرين. لكن السؤال يطرح ضمنا مسألة ما إذا كان من الممكن أن تكون هناك واجبات تجاه ما ليس شخصا، تجاه ما ليس موضوعا للحقوق والواجبات. على سبيل المثال، هل لدينا واجبات تجاه الأشياء، أو الطبيعة، أو تجاه هذه الكائنات المحتملة التي لا وجود لها والتي ستكون من نسلنا أو حتى تجاه الموتى الذين لم يعد لهم حقوق. تتمثل الصعوبات في أنه لا تستسلم لإغراء القول بأن لدينا واجبات تجاه أنفسنا، لأنه باحترامنا الإنسانية في أنفسنا، فإننا نحترمها في الوقت نفسه في الآخرين، لدرجة أنه، وفقًا لعمانويل كانط، من واجبنا أن نجعل السعادة كما هي. فمن الواجب احترام الذات. كما يتعلق الأمر بمعاملة الإنسانية في النفس وفي الآخرين ليس فقط كوسيلة، بل دائمًا كغاية. يبدو أننا لا نستطيع أن نتحمل واجبات تجاه ما ليس له حقوق في الوقت الحاضر. ماذا لو وضعنا أنفسنا من منظور المسؤولية تجاه ما ليس بالآخرين، وما ليس حاملاً للقانون الأخلاقي. مع العلم أن ما لم يوجد بعد لا يمكنه الدفاع عن نفسه أو المطالبة بالحقوق. وبهذا المعنى، فهم معرضون للخطر، وميلادهم هو مسألة حماية الطبيعة. فهل من واجب حماية الطبيعة من الحيوانات المفترسة التكنولوجية، للحفاظ على النظام البيئي للأجيال القادمة؟ هل هو واجب أم أنها مسؤولية؟

انطلاقا من قلق فلسفي ما فتئ ينتابني بخصوص مصطلح "الأنثروبومورفية" وفي محاولة لاستكشاف نطاق دلالته، توقف مؤقتا مسعاي في هذا الصدد عند حد الأنسنة التي يضفيها الإنسان على الحيوان. ومن أجل إشراك القارئ الكريم في اكتشاف هذا الحيز من القارة التي تشملها الأنثروبومورفية، تجشمت عناء ترجمة مقال جان كلود بودان.

ارتبطت الأنثروبومورفية بصحافة سيئة ويُنظر إليها على أنها ساذجة في أحسن الأحوال. إن الاهتمام بالحيوانات لا يعني إسناد قدرات الإنسان ومهاراته إليها، ولا يعني الغرق في سخافة الحديث معها كما يحدث مع الإنسان. في كتابه ألف باء "A مثلما في Animal"،* يميز جيل دولوز بين صنفين من العلاقات بالحيوان، العلاقات الإنسانية والعلاقات الحيوانية. إن تبني علاقة إنسانية أمر ممكن فقط مع الحيوانات الأليفة أو بالأحرى العائلية، التي تدعم الإسقاطات الرمزية للتحليل النفسي. إن حب الحيوانات الأليفة يؤدي إلى هذا السلوك غير المحتمل المتمثل في التحدث إليها وإقامة مجتمع معها ينكر حيوانيتها. إن الإسناد الأنثروبومورفي مطلوب بالضرورة في هذا الموقف. ويعارض دولوز هذه العلاقة التي تأخذ في الاعتبار وجود العوالم الحيوانية وخصوصيتها. يتضمن التواصل مع الحيوانات تحديد وقراءة العلامات التي من خلالها تبني الحيوانات عالمها الخاص. تحل السيميولوجيا وعلم سلوك الحيوان محل علم النفس التناظري التلقائي. يؤكد دولوز على أن الصيادين، الصيادين الحقيقيين، يصبحون حيوانات بطريقة ما عندما يتعرفون على آثار الحيوانات ويتفاعلون معها، ويتصرفون بطريقة حيوانية مع الحيوانات.
ولكن يمكننا أن نقول إن الأنثروبومورفية ليست مشكلة إذا سلمنا بأنه لا توجد طريقة أخرى للحديث عن الحيوانات والتحدث إليها سوى استخدام لغتنا الطبيعية ومقولاتها. والحال أن من يتصرف بهذه الطريقة لا يدعي إذا سئل أنه يؤمن بمعنى الكلمات التي يستخدمها. فكما تظل لغتنا بطلمية بينما علمنا كوبرنيكي عندما نقول أن الشمس تشرق، كذلك القول بأن الحيوان ذكي لأنه حسب طريقه للهروب من الفخ لا يحمل بالضرورة مذهبًا عن ملكات تشبه ملكاتنا. ومن المؤكد أن الذي ينجو من شبهة الأنثروبومورفية هو الديكارتي، المؤيد للآلة الحيوانية. لا يمكن أن يكون هناك أي غموض: إذا قلت إن قطة معينة تفكر في تغطية برازها، فأنا أعلم أنها لا تفكر في ما تفعله، ولكنها تنتج فعلًا يحدده جهازها العصبي آليا، وما إلى ذلك. والدليل أنها لا تكاد تغطيها بالكامل. الميزة الإبستيمولوجية لهذه النظرية هي أنها تطيع قانون مورغان للبخل الذي يأمرنا بعدم اللجوء إلى ملكات عليا عندما يمكننا الاستغناء عنها لتفسير السلوك. لكنها بدورها تصبح عرضة للسخرية إذا تعهدت، بدعوى الاستغناء عن المفاهيم ذات الأهمية الإنسانية، بوصف صرخة كلبة تم ركلها للتو بالقول إن ما نسمعه صرير نوابض معدنية.

المقولة الاولى:

يقول الفيلسوف ريتشارد فايمان (الزمن هو ما يحدث عندما لاشيء آخر يحدث).

بالحقيقة كلنا نعلم ان اسحق نيوتن مكتشف قانون الجاذبية كان يعتبر الزمن جوهرا كليا لانهائيا مطلقا. الى ان فنّد هذا الرأي انشتاين في النظرية النسبية العامة عام 1915 قائلا الزمن نسبي.

لا نيوتن ولا انشتاين اعتبرا الزمن الارضي هو (توقيت) زمني نسبي وهو زمن واحد كوني في خاصيته الكليّة المتفردة انه ليس موضوعا يدركه العقل. وان هذا النسبية بالزمن تكون لدينا اوضح حين نتعامل مع موضوعة الزمن قياسا بسرعة الصوت وليس بمقياس سرعة الضوء. ومعلوم ان سرعة الضوء تفوق سرعة الصوت كثيرا (تبلغ سرعة الصوت 355 مترا في الثانية. وتبلغ سرعة الضوء 300 الف كيلو متر في الثانية في الفراغ).

لماذا اهتدى العلماء الفيزيائيين الى اهمية ترتيب فهمنا للزمن بتوقيتات زمنية تبدأ من الثانية وتنتهي بالفصول الاربعة بمعيارية قياس سرعة الصوت على الارض. هذا التقسيم بين التوقيت الزمني الارضي النسبي واختلافه عن الزمن الكوني هي ليست حقيقية بمعيارية وحدة الزمن النسبية على الارض وفي الكون معا الغير قابلة للتقسيم والتجزئة فالزمن لا يحده زمن حسب ارسطو لايجانسه فمثل هذا الزمن غير موجود.. لذا نطلق على زمن الارض (توقيتا) بالاستدلال الفيزيائي على حركة الكواكب في المنظومة الشمسية. وان التوقيت لقياس مقدار حركة الاجسام لقطع مسافة معينة انما هو زمن استدلالي حيادي فقط ولا يكون موضوعا مستقلا يدركه العقل.

اذا اعتبرنا أن الزمن سبب معياري لقياس مقدار حركة جسم ما لقطع مسافة معينة. والزمن محايث حيادي ميكانيكي لا يدركه العقل كموضوع مستقل عن الاجسام المتحركة التي يحتويها. مع هذا قال ارسطو في تعريفه الزمن انه مقدار حركة الجسم لكن الزمن ليس بحركة مستقلة وليس موضوعا للعقل. عندها يحدث الزمن حين يكون كل ما لا يقع تحت سطوة المطلق الزمني الذي هو في حقيقته المثبتة علميا نسبيا المحايث لكل موجود او موضوع يدركه العقل. كما ورد في عبارة ريتشارد فايمان.

هل طبيعة العقل جدلية كما يقول هيجل؟
وهل قوانين الطبيعة وجدت يحكمها الجدل الديالكتيكي كما يقول انجلز؟
لا تعتبر مصادرة فكرية فلسفية قولنا ان كلتا العبارتين خاطئتان.

في تخطئة عبارة انجلزفإن قوانين الطبيعة ثابتة فيزيائيا وهي قوانين ليست من صنع الانسان ولا يمكن التلاعب بها ولا دخل للانسان ان يحاول تغييرها بل قدرات الانسان معها هو في كيفية اكتشافها والاستفادة من تطبيقاتها في تحسين حياته والتكيّف المتعايش مع بعضها.

قوانين الطبيعة الثابتة يغلب عليها طابع الثبات العلمي والفيزيائي الدائم ولا تعي ولا تدرك تلك القوانين اهمية الدخول في جدل مع قوانين والظواهر التي هي من صنع الانسان. فالثابت من القوانين الطبيعية لا يدخل مع قوانين العقل المصنوعة انسانيا المتغيرة باستمرار.

الديالكتيك الجدلي سواء في المادة او التاريخ يحكمه القانون الاول (وحدة وصراع الاضداد) بمعنى حركة التطور التاريخي جدليا اول ما تتطلب هو وحدة قطبي التناقض، وتعني الوحدة هنا وحدة قطبيي التضاد الجدلي بعلاقة تجانس نوعي متماثل بينهما فمثلا لا يمكن حدوث جدل تطور وحركة تضاد ديالكتيكي بين شجرة وحيوان. فهما لا يحملان المجانسة النوعية الواحدة كما ينفقد بينهما عامل التضاد بينهما. لذلك لا يحصل جدل بينهما ولا يمكن ان يحصل.

فالديالكتيك في المادة والتاريخ ومظاهر الطبيعة، كل نوع من جدل يحصل بين واحد او اكثر من ظواهر ما مررنا به المادة والتاريخ ومظاهر الطبيعة يجب ان يحصل بين قطبين متضادين يحملان المجانسة النوعية الواحدة كما يحملان التضاد في وجوب زوال السلب على حساب فوز ونجاح الايجابي الذي يحمل استحداث ظاهرة جديدة هي الاخرى محكومة بجدل تغييري دائم لا يتوقف. اذن كي نحصل على ظاهرة جدل ديالكتيكي علينا التوفر على:

  • طرفان متضادان تحكمهما المجانسة النوعية الموحدة المتماثلة التي تجمع بينهما على صعيد وحدة التجانس النوعي.
  • الطرفان المتضادان اللذان يشكلان طرفي الجدل هما طرفين تحكمها الحركة الدائبة المستمرة في رضوخهما لتقبل التغيير الذي سيكون حاصل عملية التضاد بينهما جدليا بوجوب اندثار وزوال احد الطرفين لحساب الاخر.
  • كل جدل ديالكتيكي بين متضادين لا يتم الا في مساعدة ظروف موضوعية لا علاقة لارادة الانسان بها. وهذه الظروف تسمى العوامل المساعدة.

الترجمة
مقدمة
تقدم لوز أسكاراتي ، مع كتابها التخيل وفقًا لبول ريكور، عملًا طموحًا وأصليًا. طموح قبل كل شيء ، لأنه دراسة يتبعها مفهوم الخيال خلال اللحظات المختلفة للفكر الريكوري من قراءته الأفكار الأولى لهوسرل إلى القضايا السياسية والاجتماعية في اليوتوبيا. لذا فإن القصد الأساسي لهذا العمل يتكون من تأليف مقاطع مختلفة من مجموعة بول ريكور والتي عادة ما يتم النظر فيها بشكل منفصل: على وجه الخصوص، يتمثل الجانب الأساسي لقراءة ريكور من قبل المؤلف في إعادة تقييم أهمية الفينومينولوجيا في هرمينوطيقيته . تتكون الأطروحة التي تم الدفاع عنها في إظهار أن تطوير فلسفة التخيل من قبل ريكور هو استئناف وتحسين أحد الأشكال التقليدية للفينومينولوجيا ، أي التباين التخيلي أو المخيالي [1]. من خلال قراءته لهوسرل ، كان ريكور قد رأى في الأدب الخيالي من وجهة نظر منهجية الإدراك الأكثر كمالًا للإزالة الإقليمية (أي حقيقة الارتقاء من الحقيقة نحو الماهية) إلى العمل في فكرة التباين الأولاني ، موردا قويا للتفكير في اليوتوبيا بالاختلاف مع الأيديولوجيا في حوار متجدد مع النظرية النقدية وعلم الاجتماع البراغماتي. في الواقع، إذا تم بالفعل تنفيذ عمل أساسي حول مفهوم الخيال عند ريكور ، وكذلك على اليوتوبيا أو الخيال الاجتماعي ، فإن أصالة مقاربة أسكاراتي تتمثل في حقيقة ربط كل هذه الجوانب من الفكر الريكوري من خلال إقامة حوار بين ريكور والمنظرين الاجتماعيين الرئيسيين. في هذه المناسبة، تستخرج نصوصًا غير معروفة أو غير منشورة مثل محاضرات عن الخيال ومحاضرات حول الإيديولوجيا واليوتوبيا ، وتعتمد على مجموعة من الأدبيات الثانوية التي ليست مألوفة في فينومينولوجيا اللغة ، مما ألهم العديد من المفسرين من أمريكا اللاتينية مثل روزماري ريزو باترون أو ماريانا تشو. لإبراز هذه الأصالة ، من الضروري الخوض في تفاصيل العمل ، والتي تتكون من جزأين. يتمثل الأول في إظهار التطور التدريجي للفلسفة الريكورية للخيال باعتباره دافعًا رئيسيًا لفكره ، وهذا يحدث بصورة ثانوية فيما يتعلق بفينومينولوجيا هوسرل. وتبلغ ذروتها مع أطروحة الأنثروبولوجيا الفلسفية ، والتي اقترحها بول ريكور بقصد وصف الإنسان بأنه قادر على التخيل ، وهو مفهوم من المفترض أن يثير معضلة الفينومينولوجيا المتعالية لهوسرل بينما يعيد تنشيط "مطلبه ''.

     إنَّ الواقعية السِّحْرية لَيْسَتْ تَيَّارًا أدبيًّا يَجْمَع بَين الواقعِ والخَيالِ ضِمْن إطار إبداعي فَحَسْب ، بَلْ هِيَ فلسفة إنسانية مُتكاملة تَرْمي إلى اكتشاف العناصر الغامضة في الواقع المُعاش ، والانقلابِ عليه ، وإعادة إنتاجه أفقيًّا وعَمُوديًّا ، مِن أجل تَحويلِ العناصر الرُّوتينية إلى رُموز عجائبية ، ونَقْلِ الأنساقِ الحياتية مِن الرَّتابة الخاضعة للزمنِ والمكانِ إلى السِّحْرِ السائلِ في التراكيبِ اللغوية العابرةِ للتَّجنيسِ والحُدودِ. وبالتالي، تَصِير الأبجديةُ زمنًا مُتَدَفِّقًا ومَكانًا غامضًا ، يَلِد نَفْسَه بِنَفْسِه، ويتكاثر في آلِيَّاتِ الفِعْلِ الإبداعي ، وأدواتِ التَّعبير الفَنِّي ، فتنتقل الاستعاراتُ البصرية مِن المَلَلِ المَحصورِ في النظام الواقعي المادي الاستهلاكي إلى الدَّهشةِ الباعثةِ للأحلامِ المَكبوتةِ والذكرياتِ المَنسيَّةِ والرَّغَبَاتِ المَقموعة ، فَيُصبح الواقعُ الساكنُ وقائعَ عجائبية مُتحركة شكلًا ومَضمونًا ، ويُصبح الإنسانُ تاريخًا لانبعاثِ الحَيَوَاتِ السِّرِّيةِ مِن أعماقه السحيقة ، ونُقْطَةَ الارتكازِ في عملية الاندماج بين الماضي والحاضرِ والمُستقبَلِ . وإذا صَارَ الإنسانُ تاريخًا مُتَوَاصِلًا بلا قطيعة معرفية ، فإنَّ الوَعْيَ الإنساني سَينتقل مِن التَّكرار القاتلِ لِعُذوبةِ الرُّوحِ وتَدَفُّقِ الشُّعُورِ إلى التَّوليدِ الرُّوحي المُستمر للأحداثِ والوقائعِ . وإذا صارَ الواقعُ سِحْرًا دائمًا بلا انكسار شُعُوري ، فإنَّ بُنية الحضارة ستنتقل مِن كَينونةِ الزَّمَنِ المُستعارِ إلى كِيَانِ الحُلْمِ المُستعادِ .

     إذا كانَ الإنسانُ هُوَ الساحرَ الذي يُنَقِّب عَن وجهه بَيْن الأقنعةِ ، ويَبحَث عَن الأحلامِ الوَرديةِ في الواقعِ الجريحِ ، فإنَّ الواقعية السِّحرية هي انقلابُ السِّحْرِ على الساحر ، وهذا الانقلابُ لا يَكُون دمويًّا ولا مُتَوَحِّشًا ، لأنَّ الهدفَ مِنْه هُوَ إحلالُ الحِبْرِ مَكانَ الدَّمِ ، وتَتويجُ القَلَمِ سَيْفًا على الأوهامِ لا سَيْفًا على الرِّقَابِ ، وقَتْلُ الوَحْشِ داخل الإنسان ، ولَيْسَ قتل الإنسان . وبالتالي ، يُصبح العملُ الأدبي عمليةَ حَفْرٍ في الأحلامِ الورديةِ والحُلُولِ السِّحْريةِ في رُوحِ الزمنِ وجَسَدِ المكانِ ، ولَيْسَ حاجزًا عسكريًّا بَين الحُلْمِ والكابوسِ ، أوْ نُقْطَة تَفتيش عسكرية في مَسَارِ الفِعْلِ الاجتماعي المُنْدَمِج معَ التجربة الإبداعية الإنسانية . لذلك ، كانت الثقافةُ الحقيقيةُ هِيَ زَمَنَ الخَلاصِ لا زَمَنَ الرَّصَاصِ .