توطئة
تناولت في مقالة سابقة متعالقة مع عنونة هذه الورقة مفهوم الوعي الفلسفي عند ديكارت مرورا بهوسرل وهيدجر وسارتر وكذلك ميرلوبونتي، وناقشت بتفصيل غيرمسهب مفهوم الوعي بذاته في الموجودات غير العاقلة وأختلافه الجوهري عن الوعي الخالص الهدف المنشود والفردوس المفقود عند الانسان كما طرحه سارتر، وعلاقة الوعي التبادلي التواصلي الحواري بين الناس كنوع، كما تناولت تعالق الوعي بكل من اللغة والصمت، ونستكمل في هذه المقالة جوانب أخرى تهم محتوى هذه الورقة البحثية التي يعتبر وعي الذات من المباحث الفلسفية التي شغلت الفكر الفلسفي عصورا طويلة ولا زال مبحث الوعي بحاجة الى معالجات من زوايا رصد جديدة لعلنا نكون موفقين في مقاربة تفسيرية توضيحية لبعض تلك الرؤى..
وعي الذات بين هوسرل و سارتر
نرى عقد مقارنة بين عبارة ميرلوبونتي التي ناقشناها من وجهة نظرنا في جزء سابق من هذه الورقة (أنه لا فكر خارج العالم أو الكلمات) وعبارة سارتر ذات العلاقة (أن الوعي الخالص هو فينامينولوجيا جامعة تذهب الى ما يقصد اليه الوعي من أشياء ).(1) ولنا هنا وقفة حوارية أوسع في هذا المجال.
ميرلوبونتي في عبارته لم يكن موفقا في أشتراطه سببيا الجمع بين الفكر في العالم الخارجي ومثله في الكلمات كتعبير صامت في الذهن أو أفصاح معبّر عنه باللغة في أدراك ومعرفة الاشياء في وجودها المادي الخارجي...
الفكر في الذهن هو (انطباعات) زائلة مستمدة من الحس كما يذهب له ديفيد هيوم وجورج بيركلي. وهذه الانطباعات الذهنية هي غيرها الفكر المعبّر عنه في أدراك العالم الخارجي. خارج بيولوجيا العقل بلغة تواصل قد تكون اللغة التداولية المعهودة أو تكون غيرها من وسائل التواصل التي تعتمد حركات الجسد الأيمائية التي توحي بلغة غير صوتية.. الفكر داخل الذهن هو تفكير تجريدي لا يعوّل كثيرا على تعبير اللغة عنه، والفكر خارج العقل هو تفكير لغوي ناجز في تعبيره الواعي عن المدركات في وجودها الخارجي المستقل، وهنا بضوء تأويلنا معنى عبارة ميرلوبونتي يكون تداخل الفكر بالعالم الخارجي هو أفصاح تعبيري لغوي مرة أو أفصاح تواصلي غير لغوي مرة أخرى بغية أثبات أدراك وجود الاشياء ومعرفتها، فليس باللغة المنطوقة أو المكتوبة فقط يتم التعبير عن الموجودات المدركة عقليا المادية منها والخيالية،، فالصمت والحركة لغتان تواصليتان سيميائيا موحيتان بالمعنى التواصلي المطلوب أيضا لكنهما غير منطوقتين صوتيا ولا مكتوبتين أبجديا...
أما أن الفكر لا يكون خارج الكلمات حسب تعبير ميرلوبونتي، فهو خطأ في الفكر قبل خطأ تعبير اللغة المخاتل إذ الفكرالصامت هو تفكير عقلي فسلجي لغوي مكوّن من كلمات وابجدية لغوية لا صوتية خارجيا.ولا تكون الكلمات التفكيرية غير الصوتية استبطانيا هي ليست لغة تعبير وتفكير. وهي لغة لا تعمل بمعزل عن الفكر الذي هو خصيصة عقلية وليس خاصية تفرضها الموجودات على العقل.،
، أذ يمكن أن يكون الفكر خارج الكلمات المنطوقة والمكتوبة، في فعالية العقل التفكيرية بالاشياء والمواضيع تجريدا خياليا مثل الفكرة الصامتة في الذهن المستمدة من الواقع الخارجي أو من مواضيع خيال الذاكرة، أو التفكير الصامت المعبّر عنه في أيحاءات وأيماءات وحركات الجسد الذي لا تلازمه اللغة أو الكلمات المنطوقة ولا يحتاج ملازمة اللغة التعبيرية عنه وأنما يحتاج صور الاشياء المفكربها وترجمتها بلغة الجسد أيحاءا تواصليا حركيا في حمولته المعنى اللامحدود ... في هذه التجليات تكون الحركة الجسمانية فكر ولغة إيحائية لا صوت يميزها.