الملخص التنفيذي للبحث:
يعيش الإنسان وهو يعتقد أنه يملك وعيا بذاته والذي تم التعبير عنه من خلال تاريخ الفلسفة ب "الأنا"، كما يعتقد كذلك أنه من خلال الوعي بالذات يتحقق له الوعي بالمحيط الخارجي، بل والوعي بجميع علاقاته مع الآخرين/الأغيار، ومعنى هذا أن الإنسان يعتقد أنه على وعي بكل ما يصدر عنه من أفعال وتصرفات وسلوكات وممارسات، لدرجة أنه مع ديكارت اعتبرنا أنفسنا وذواتنا أسيادا على الطبيعة بل وعلى أنفسنا أيضاً نتحكم فيها ونطوعها لخدمتنا، ولهذا كانت مقولة الحداثة هي "الإنسان سيد نفسه فيما يقول ويفعل." ولكن مع فرويد اكتشفنا أن بعض السلوكات والتصرفات والأفعال والانفعالات والنزوات والميولات والممارسات التي نقوم بها أثناء حالات الغضب والانفعال والقلق، أو حتى بعض الأحلام الصادرة عنا أثناء النوم ما هي سوى تعبير عن جانب مجهول وغامض من حياتنا الداخلية النفسية الغير مفهومة بتاتا، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على أن ذلك الوعي بالذات ليس واضحا وبديهيا ومائزا كما عبر عن ذلك ديكارت، وأن الإنسان في نهاية المطاف ليس هو السيد على نفسه وعلى الطبيعة وعلى الآخرين، بل مع فرويد أصبحنا نقول أن مجمل أفعالنا وأفكارنا ليست كلها صادرة عن وعينا وإرادتنا الذاتية الحرة كما عبر عن ذلك كانط، الذي يجعل من الإرادة الحرة هي القائدة للذات، بل إن جزءاً كبيراً مغموراً منها يرجع إلى فرضية اللاشعور أو اللاوعي، وفي هذا إشارة حثيثة إلى تلك الحياة النفسية اللاواعية التي لها رابطة وطيدة وعميقة بتاريخ الفرد منذ نعومة أظافره وطفولته المبكرة.
إشكالية البحث:
كيف يتحكم الوعي واللاوعي في السلوك الإنساني؟ ما الذي يجعل فرضية اللاوعي فرضية ضرورية ومشروعة وموضوعية؟ هل معطيات الوعي كافية لتحديد الشخص السوي؟ هل الأنا محكوم باللاوعي أم هو مركز الكون أم سيد ذاته؟ أين تتمثل ضرورة ومشروعية الاشتغال بفرضية اللاوعي؟ ما هي طبيعة العلاقة بين الوعي واللاوعي من خلال تمفصلات : الهو -الأنا- الأنا الأعلى في تشكيل الجهاز النفسي؟ بأي معنى يعتبر الحلم متنفسا للرغبة؟ هل الرغبة حاجة لا يفي بها الواقع ولا تستوعبها ممكناته؟
ألا تكشف بعض سلوكاتنا أثناء حالات الغضب والانفعال والقلق، أو الأحلام الصادرة عنا أثناء النوم عن جانب غامض من حياتنا النفسية؟ ألا يدل ذلك على أن الوعي ليس واضحا وشفافا بما فيه الكفاية، وأن الإنسان في نهاية الأمر ليس سيد نفسه؟ ما هي مشكلة علاقة الوعي باللاوعي: ما الذي يتحكم في الحياة النفسية: هل الوعي أم اللاوعي؟ ما هو الفن في تصور فرويد؟ هل يمكن إعتبار الشخصية بناءً دينامياً؟ لماذا لا يعتبر فرويد الأنا هو أساس حقيقة الشخصية ومقومها الأساسي؟ كيف نزع فرويد مركزية الأنا وتقويض تطابقه؟ ما هي أنماط الشخصية غير السوية؟ ما هي صفعات التحليل النفسي للأنا الذاتية ؟ ما تصور فرويد للدولة؟ هل يمكن إعتبار الأنا الأعلى هو نفسه الضمير الأخلاقي؟ هل يعتبر تصور فرويد مقنعاً من حيث تطابقه مع مبادئ العقل أو الواقع الإجتماعي أو العلم ؟ لماذا الحرب؟
- في جَوَازِيَّةِ فرضية اللاّشعور أو اللاّوعي:
<< يُعْتَرَضُ علينا من سائر النَّواحِي في الحَقِّ في إِفْتِرَاضِ حياةٍ نَفْسِيَّةٍ لاَوَاعِيَّةٍ، وفي الاشتغال على نَحْوٍ عِلْمِيٍّ استناداً على هذا الْإِفْتِراضِ.
وبوسعنا أن نرد على هذا الاعتراض بالقول إن فرضيةُ اللاَّوَعْيِ هي فرَضِيَّة ضَرُوريَّة ومَشْرُوعَةٌ، وإننا نتوفر على عدد من الحُجَجِ تؤكد وجود اللاَّوَعْيِ. >> [1]
ويضيف أيضاً: << إن فرضية اللاَّوَعْيِ ضرورية لأن معطيات الوَعْيِ ناقِصَةٌ جداً.
ذلك أنه كثيراً ما تَحْدُثُ لدى الإنسان السَّوِيِّ والمَرِيضِ على حَدِّ سواء جملة من الأفعال النفسية التي تستلزم، من أجل تفسيرها، أفعالا نفسية أخرى لا تَحْظَى بِاعْتِرَافِ الوَعْيِ.
وإن هذه الأفعال النفسية اللاَّوَاعِيَةُ لا تتمثَّلُ فَحسبُ، في الهَفَوَاتِ والأَحلامِ عند الإنسان السَّوِيٍّ، وكل ما نسميه بالأعراض النَّفسيةِ والظَّواهرِ القَسْرِيةِ بالنسبة للْإِنْسانِ المَريضِ، بل إن تجربتنا اليومية الأكثرَ حَمِيمِيَّة تضعنا أمام أفكار تخْطُرُ لنا من غير أن نعرف مصدرها أي أمام خلاصات تَفْكِيرٍ تَظَل مُفَكّكَةً وغير قابلةٍ للفَهمِ، إذا ما أصررنا على الزَّعْم بأنه ينبغي أن ندرك عن طريق الوَعْيِ كل ما يجري فينا من أفعال نَفْسِيَّةٍ. >> [2]