على عتبات الوحدة وفقدان المعنى، تقف ليندا متسائلة: هل كان يجب، أن أحصل على كل ما أود دون جهد جهيد؟ وهل كان ذلك ليشعرني بالسعادة؟ ثم، هل من الضروري أن أكون سعيدة كل الوقت؟
تفتح علبة سجائرها وتأخذ واحدة، ثم ترفع الولاعة وكأنها ترفع حجر سيزيف. تسحب نفسا عميقا من سيجارتها ثم تنفـثه بعيــدا، كما لو أنها تنسل أخيرا من دائرة المعذبين فوق الأرض. تجعل خيالها يسبح مع هذا الدخان المتلاشي في الأفق. فتنتصب داخل ذاكرتها شاشة كبيـــرة تحجب عنها الواقعي، تمر الصور أمامها كما لو كانت تقلّب ألبوم صور؛ ليندا ذات السبع سنوات بضفيرة وفم ملطخ بالشوكولاته، ليندا وهي تستلم هدية تفوقها الدراسي، ليندا المراهقة وهي ملقاة في حضن عشيقها، ثم ليندا ذات الهالتين السوداويتين حول عينيها. وتمضي في طريقها الشوبنهاوري: ماذا بعد؟
أخـــيرا تنــام، كـطفل انتظر طويــلا عودة أمـه ومعها ما يملأ بطنه، لكن عبثــا انتظر. نــوم كهذا، كيف يــكون؟ وأي نـوع من الأحلام يجلـب؟ أطباق على أشكالـها، وأكــل بلا شبع في حـالة الطفل. أما صاحبتنــا، فيحملها على أن ترى ذاتها نقطـــة مــعلّقة في الخـــواء، ينقصها تحديد مكانها وبالتالي وجهتها. ينــام الإنســان ومـعه وعيه، حتى لا يجـنّ جنــونه، أو بالأحرى حتى لا يتجاوز دائـرة المعقــول المحددة لشخـص سـويّ. يــا لـه من ترتيـب وتنظــيم رهيـــب؛ وقــت للنــوم وآخــر للاستيـقـاظ، وقــت للـحيــاة وآخــر للمــوت. ومـن يتمـرّد تعاقبــه الطبيعـة بــأن تصيبــه لعنتهـا فــلا يعود مقبـــولا داخـل نظامهـا وبـالتالــي بين سكانهـا المؤقتيــن. يصير عــدوّا للجميــع؛ لأم روّضت لسانه كي يقول حمدا للوهاب بشكل سليم، لأب رسم له دربـا على دربه أو ربما زيـادة، لإخـوة نصروه ظالمـا ومظلومـا، لحضن آواه ذات حــبّ ولــذّة، لــرفاق مرحلة النّظرة السّاذجة للأشياء والعــالم، لمدّعي الخــلاص وأتباعــه... ينفــره الجميع كــكلب أجرب لعيــن.
تستيقـظ عند العـاشرة صباحـا، تفتح لوحتها الإلكترونية لتلقي نظـرة خـاطفة عن العالـم؛ الحـرب في الشّـرق الأوسط، قيمـة العملة، الانتخابات في أمريكـا، إيـران وأزمة القنبلة النووية، غـرق مهاجرين سريين، وختاما أخبار الكــرة كآخر أفيون ابتليت به الشعوب. "إلــى أين نتّجه؟" تلقي بلوحتها جانبا وتنظر إلــى الحائط قبالتهــا، وهي تقول سرا: "الحائط، إنه الوجهة المحتمـل جدا أننا نسير صوبهـا".