لا أدري إن كان يحق لي الاعتراض على حدث ثقافي تعرفنا إليه نهاية هذه السنة، ( وأنا أعني بها طبعا سنة 2020) ، فنحن عادة يروقنا أن يمطرنا الآخر بالمجاملات والمدح، ولكن أن نتعرض للنقد، ( في الاختلاف بركة وحداثة. أليس كذلك؟)،فهذا ربما لا نريد له أن يحدث، لأن النقد يكشف لنا مواطن العيوب، والأخطاء والزلات.يقال عادة لا عيب في أن نرتكب الأخطاء والعيوب، ولكن أن تُرتكبَ مرات عديدة، فهذا يقتضي منا وقفة تأمل واستكناه، حتى لا يعاد إنتاجها مرة ثالثة ورابعة وخامسة، مع العلم أننا نعرف أن هذه المهزلة لن تزول، لأن المصنع الذي يصنعها، لم يصب بالإفلاس بعد، فحتى المثقفون يصنعون الأعاجيب، في عالم اللامبالاة والتفاهات، وقد يتمثلون دور السلطة- أي سلطة- التي كانوا يدعون بأنهم يعارضونها، في ما مضى من الزمان.
الأمر هنا يخص الجائزة التي تبنتها الوزارة منذ سنوات، دعما للإبداع الوطني في مجالات مختلفة، ونالها كتاب وشعراء ومترجمون ومفكرون،من أجيال متباينة. هذا إنجاز يُحمد لوزارة الثقافة المغربية، التي فرض عليها ما يحدث من تحولات في الفكر والثقافة، على المستوى العربي والعالمي؛ أن تساهم بطريقة من الطرق في الاهتمام بمن يشتغل بالكتابة، على أساس تقديم دعم مادي ومعنوي لهؤلاء؛ فالجوائز التي تُنال تكون دائما مُرفقة بمقدار من المال، هو مقتطع من المال العام طبعا، وهذا الجزء من هذا المال العام، لا بد أن يسلك الوجهة الصحيحة، وإلا عُدَّ ريعا تستفيد منه فئات أو شخصيات مخصوصة، وهذه الجائزة تكون أيضا مرتبطة بالشهرة التي ستفتح أمام الكاتب أبواب دور النشر، متهافتة على كتاباته،وقد يسأل عنه المختصون، والدارسون، والمكتبات العالمية، لأن ما كُتب يعد فتحا جديدا في عالم الكتابة، ( ولنركز على فكرة أننا نتحدث هنا عن الأدب الذي يُوجَّه للطفل، وما عداه لا يهمنا في شيء). ولكن إن كانت القصة، أو الرواية التي نالت رضا اللجنة المكلفة بالتحكيم والاختيار، لا ترقى إلى المأمول "البسيط" في الكتابة، بَلْهَ المرجو فيها، فهذا يعد ريعا تستفيد منه فئات أو شخصيات معينة، يعاد إنتاجها هنا وهناك بطريقة من الطرق.
الوثيقة المنشورة في موقع وزارة الثقافة المغربية، المرتبطة بجائزة المغرب للكتاب تقول: " وقد ترأس أشغال اللجن الأستاذ عبد الإله بلقزيز، وأسندت رئاسة اللجان الفرعية إلى كل من الأستاذة لطيفة المسكيني (صنف الشعر) والأستاذ محمد أديوان (صنف السرد والإبداع الأدبي الأمازيغي والكتاب الموجه للطفل والشباب) والأستاذ عبد الغني منديب (صنف العلوم الاجتماعية) والأستاذ محمد الشيخ (صنف العلوم الإنسانية) والأستاذة نوال بنبراهيم (صنف الدراسات الأدبية والفنية واللغوية والدراسات في مجال الثقافة الأمازيغية) والأستاذ خالد بن الصغير (صنف الترجمة) ". والسؤال الذي يجوز إثارته هنا هو : ( بالتركيز على صنف أدب الطفل فقط ) : هل يصح اختيار كاتب يرأس لجنة صنف أدب الطفل من خارج السياق، الذي ينتمي إليه هذا الأدب، يعد مشروعا ومؤكِّدا مصداقيةَ هذه الجائزة؟ فالجائزة آلت إلى الإصدار الأول في دورتين؛ الدورة الأولى والثالثة، موضوع هذه المقالة،في مجال أدب الطفل، الذي يتميز بخصائص من حيث اللغة، والمضمون والأسلوب، مع العلم أن كثيرا من المشاركين كتبوا قصصا كثيرة، ومنهم ربما من كتب العشرات، التي نشرت في أرقى دور النشر العربية. وكأن ليس ثمة قصص أخرى تمثَّلتْ فيها اللجنة ( وهي شخص واحد فقط، مادامت الأسماء المشاركة في الاختيار متوارية، ولكونها كذلك فاللجنة هي شخص واحد فقط، بقوة ما جاء في الوثيقة المنشورة في موقع الوزارة) الجدة والتفرد والاختلاف، والصنعة الأدبية والإدهاش. وهذا بطبيعة الحال يدعو إلى الحيرة والاستغراب.
الجائزة في العرف المتعارف عليه، في أي مكان، وفي أي زمان، تقوم على قواعد وقوانين صارمة؛ تخص اللغة والأسلوب والتميز والمضمون، فإن خالف إبداع ما ( ولا يهم لمن ينتمي هذا الإبداع، ومن كتبه ) قاعدة من هذه القواعد، واتضح أن آخر تمثلها، فالغلبة لهذا الآخر لا للأول، وإن كان كاتبا شهيرا في المحافل الثقافية، لأن الجائزة وضعت لمن يستحق، لا لمن لا يستحق. وإن خالفت اللجنة ( هي هنا ممثلة بكاتب واحد هو الأستاذ د محمد أديوان الذي اضطلع بمهمات مختلفة، لمجالات أدبية مختلفة؛ هي السرد والإبداع الأدبي الأمازيغي والكتاب الموجه للطفل والشباب )، قاعدة واحدة من تلك القواعد التي سطرها المشرع لهذه الجائزة، فمنحت هذه الجائزة لعمل لا تتوفر فيه أسس الإبداع والتفرد، اللذين يجعلا منه عملا يستحق التنويه، حتى لا نقع في تقييم الأعمال بالأهواء، فاختياره يكون مرفوضا، للأسباب التي ذكرنا.
إننا نتحدث عن الإبداع الذي يفرض على اللجنة ( وهي هنا ممثلة بكاتب واحد لا غير، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الوثيقة المنشورة في موقع وزارة الثقافة المغربية تؤكد هذا،فإن كان ثمة مساعدون لرئيس هذه اللجنة فلِمَ لَمْ تُذكر أسماؤهم؟، ولهذا نركز هنا على ما ذكرنا ) أن تهتم به، وتعمل على قراءته قراءة فاحصة بعيدا عن الأهواء، التي تفسد النظر، والبحث والتحليل في العرف الأكاديمي،لأن الجائزة لا يستحقها إلا الكاتب الذي أنتج عملا يثير الانتباه إلى لغته وجدَّته وصنعته وأسلوبه وفكرته. أما إن كانت الجائزة غير معنية بالجيد في الإبداع، وكانت تهتم بالأهواء التي تحيلها مباشرة إلى هذا أو ذاك، لاعتبارات تخرج على نطاق القواعد المسطرة، التي تضمن شرعية هذه الجائزة ومشروعيتها في الحقل الأدبي المغربي، وما سيترتب عنها من شهرة واتساع نطاق وجودها إلى أمكنة أخرى، تكون معارض أو إشادات وكتابات تنشر أمر هذا الإبداع الذي نال رضا اللجنة ( والأمر هنا طبعا لا يزال يقر بوجود كاتب واحد لا غير، قام بمهمة جماعة؛ قد يهتم عضو منها بالرواية والقصة القصيرة، وثان يهتم بالأدب الأمازيغي، وثالث يهتم بأدب الطفل والشباب وهكذا... )، فإن اتضح أن رئيس اللجنة لا يفقه شيئا في الأمازيغية مثلا، أو في أدب الطفل، لأن هذا وذاك يرتبطان بالاختصاص، لا بالعضوية الشرفية، إذ ثمة كتاب متبارون ، كلٌّ يظن نفسه فائزا، وهذا حق مشروع وجائز، فاللجنة المكلفة بتسيير شؤون الجائزة، تتدارك الخطأ، فتعين من يمتلك هذا الاختصاص أو ذاك.فإن لم تفعل، فالجائزة التي تكون من وظائفها، أن يتعرف القارئ المغربي أو العربي أو العالمي إلى إبداعنا، لن تستطيع تحقيق هذه الوظيفة الثقافية، فتفقد بهذا مصداقيتها وتأثيرها وأدبيتها وفرادتها.
إن حديثنا لا يزال يصر على أن ما يخطه الكاتب، أو الشاعر أو المختص بأدب الطفل، أو أدب الفتيان..، على الورق، فينال الاستحسان من لدن قراء من بقاع مختلفة في هذا الكون،لأنه يمتلك خيالا مبدعا، ملهما، وعجيبا، والقارئ ينتبه دائما إلى أن ما يربطه بالإبداع هو أن يكون متفردا بخاصية أدبية ما، أما الآخر فهو لا يتجاوز ما ندعوه بالكتابة الإنشائية، أو التداعيات التي يصعب تصنيفها في أي مجال، مع أن الواقع الأدبي يعترف بهذا الصنف إن كان طبعا يضيف شيئا جديدا لهذا الأدب، وإن كان مجرد كتابة لا صنعة، ولا أسلوب، ولا فكرة فيها، فهو يكون كتابة ولكنه لا يكون أدبا. والجوائز التي قد ينالها هذا الصنف من الكتاب، لن تصنع منهم كتابا. ولكن أن يُختار عمل لا تتوفر فيه أي صفة تربطه بالإبداع والتفرد في أدب الطفل، مع العلم أن كتبا أخرى، تنتمي إلى الصنف عينه، نتيين فيما بعد، عند المقارنة والتمحيص، أنها ظُلِمت، إما لأنها لم تقرأ، وإما لأنه تم التغاضي عنها، وإما لأن الحكم تدثر بالهوى، فوقع ما وقع. ويكون هذا الحكم مرفوضا بقوة القواعد التي سطَّرها المشرع للجائزة، فإن لم تكن ثمة قواعد تسير أعمال اللجنة، فهي جائزة لا معنى يرجى منها، مع العلم أنها تدعى بجائزة المغرب للكتاب، التي تسعى إلى إثارة الانتباه والاهتمام بأدبنا المغربي.
نتحول الآن إلى الحديث عن المشكلة التي استرعت انتباهنا، في هذا الأدب المسمى بأدب الطفل، الذي يتميز عن سواه من الآداب الأخرى بمميزات؛ منها أنه يكون مرفقا برسوم تتفرد بميزة الإبداع والتفرد، تمثل حكاية أخرى إلى جانب الحكاية المكتوبة، وأسلوب في الطبع يثير الفضول، والورق الذي اختير للقصة، والإخراج الفني، والتصميم، ولا بأس إن كان الرسام هو الكاتب عينه، ولكن التميز واجب، وهو أساس الإبداع الذي نريد له الانتشار في ثقافتنا، وفي الثقافات الأخرى.
أولا التفرد في الكتابة، وتحقق إرث أدبي من الأسس التي لابد أن تتوفر في المشارك، فإن لم يكن يملك إلا إصدارا واحدا، في صنف أدب الطفل، وكان يملك إصدارات في مجالات أخرى، فالعبرة في ما أصدره في الاختصاص الذي يُختبر فيه، لا في الاختصاصات الأخرى. فإن كان من يكتب عملا واحدا، هو من يحق له أن يفوز بالجائزة، فأي عبرة في أن يكتب الكاتب عشرات الأعمال؟ يكفيه كتاب واحد، شر كتابة العشرات.
ثانيا الجائزة لا تختص بالإصدار الأول في أدب الطفل، ولكن يبدو أنها صارت كذلك، ولهذا يصح أن تدعى بجائزة المغرب للكتاب صنف أدب الطفل، الإصدار الأول، إذ لم تسلم من هذا الظاهرة إلا الدورة الثانية.الجائزة تنظر في النص طبعا، وفي الإرث الأدبي الذي تتبناه وثيقة السيرة الذاتية، التي ترفق بهذا النص، وإلا ما جدوى هذه الوثيقة؟
ثالثا ماذا يعني هذا ؟ بمعنى آخر، أنت تكتب في مجال يعده الكتاب مجالا صعبا، لأنك تكتب لجيل صاعد، يفرض عليك شروطا، ويتطلب أساليب معينة، لا بد أن تبهره، لتكون كاتبا مقروءا.ولا شك في أن كتابا آخرين،لم يكتبوا كتابا واحدا فقط. كتبوا العشرات، وهذه القصص أو الروايات، الموجهة للطفل، نالت شهرة بين القراء في المشرق العربي خاصة. وقد ترقى هذه الكتب إلى مصاف الكتب العالمية في أدب الطفل، لأن الواقع الأدبي المرتبط بهذا الفن، يفرض عليك أن تكون متمكنا من الأساليب التي تنتج بها أدبا مبهرا، لا أدبا يعيد إنتاج المضامين المكرورة، غير المستساغة ( فالطفل ليس قارئا ساذجا، حتى نمطره بالرديء فقط). ولكن أن تكتب كتابا واحدا فقط، ولا تمتلك من الإرث الأدبي غير هذا الكتاب، واللجنة لم تنتبه إلى هذا الأمر،فهل هذا يعني أنها تغاضت عنه، ولم تأخذه بعين الاعتبار؟ وهذا التغاضي، ألا يعني استهتارا بقداسة جائزة تدعى جائزة المغرب للكتاب، صنف أدب الطفل؟
رابعا التساؤل المشروع الذي يحتاج إلى إجابة ( وهو طبعا لن ينال ردا، لأن عدم الاكتراث، هو الجواب السائد في بلدنا السعيد ) هو : هل يصح أن يتكفل شخص واحد، بغض النظر عن الثقافة التي تمكن منها، وأهلته لأن يكون أهلا لهذه المهمة، بأمر النظر في مجالات مختلفة من الإبداع؟ وهل يصح أن يتكفل بمجال ليس من اختصاصه، لأنه ببساطة من اختصاص نخبة من الكتاب الذين يمتلكون ثقافة تخص كتاب هذا الصنف المسمى بأدب الطفل، ويمتلكون ثقافة بالأسماء التي انتشر صيتها في بقاع العالم العربي، وحققت شهرة جعلتها محط اهتمام دور النشر الشهيرة، ونالت استحسانا من لدن القراء، والمكتبات العالمية، واختيرت نماذج منها لتقرأ في المنتديات المهتمة بهذا الأدب. أما أن نميل ( ونحن هنا نتبع الأهواء، وهي من جهة المنطق، مخطئة في الاختيار، لأنها تتجاوز أعراف القواعد، وتخالف المنطق الذي يتأسس عليه الإبداع ) إلى قصة واحدة هي كل ما أنتجه هذا الكاتب أو ذاك، فهذا يدخل في باب الخلل، الذي لا يكرس إلا منطق الإخوانيات والصداقات. وما لا يجهله حتى القارئ العادي، هو أن أدب الطفل يحتاج إلى مختصين في كتابته، أو التأريخ له، أو دراسته. وأي تجاهل لهذا، يجعل من الجائزة مجرد وسيلة من وسائل الشهرة الزائفة، أو ضحكا على الذقون.
خامسا إن حديثنا عن أدب الطفل في المغرب، لا يزال يكتنفه قدر من الغموض واللبس، فالقيمون على الشأن الثقافي في المغرب، وجزء منهم ينتمون إلى وزارة الثقافة المغربية، لا يمتلكون نظرة دقيقة عن الحقل الأدبي في المغرب، لهذا تكون نظرتهم قاصرة، يرهنون كتابة قصص الطفل بهذا الكاتب أو ذاك، أو يرهنون الرواية بهذا أو ذاك فقط، وهذا لا شك يؤثر حتى في اختيار من هو أهل للإشادة به. فماذا يترتب عن هذا أيضا؟ نركز انتباهنا، وهذا ناتج عن اتباع الأهواء لا القواعد، على هذا الاسم لا غير، وإن نظرنا في الإرث الذي أنتجه وجدنا أنه لم يكتب إلا هذه القصة، التي نالت استحسان اللجنة ( وهي طبعا مكونة من شخص واحد بقوة ما جاء في الوثيقة الوزارية ). فهل هذا ما وقع فعلا؟ أجل هذا ما وقع فعلا، وهو في نظرنا يمثل مهزلة في عالم الثقافة، الذي يحسن بنا احترام الغايات التي يسعى إليها.
دعونا من هذا قليلا، وتعالوا نسبح في عالم أخبار الكُتّاب. التاريخ الأدبي يحدثنا عن أن شيخنا محمود عباس العقاد كتب رواية واحدة هي "سارة"، ثم ترك هذا المجال لأهله.ستسطع نجوم في سماء الأدب؛ منها نجيب محفوظ، ويوسف إدريس، وعبد الرحمان الشرقاوي.. ربما يكون دخول العقاد مجال الرواية، نكاية في طه حسين الذي جرب كتابة السيرة والرواية الرومانسية، أو تعبيرا عن امتلاكه ناصية اللغة، وإمكانيات الإبحار في أي فن يريد، وهي الخاصية التي كان يعشقها الكتاب المحدثون، أو نكاية في صديقه الرومانسي عبد القادر المازني الذي كتب روايات، وهذا الكاتب ( أي عبد القادر المازني) سيكتشف القراء فيما بعد، أنه كان يخلط أحداث الروايات التي يترجمها بأحداث ما يكتب هو. ونظم شيخنا العقاد الشعر أيضا، ولا شك في أن هذا الدخول إلى مجال الشعر، لم يأت من فراغ كما يقال. له أسباب لا تكاد تتجاوز ما ذُكر في شأن كتابته الرواية. في فرنسا كتب رامبو ديوانا واحدا، لا غير، ثم اختفى عن الأنظار، مفضلا المغامرة في بلاد الحبشة، ولكن هذا الديوان كتبه شاعر موهوب، لا شك في أنه نهل من الثقافة التي سادت في المرحلة التي عاش فيها، ونهل من التراث الشعري الذي ينتمي إليه. وشاعرنا المغربي أحمد المجاطي، لم ينشر إلا ديوانا واحدا، ونال جائزة ابن زيدون، ولكن ما يشفع لهذا الشاعر هو أنه شاعر فعلا، حتى في هذا الديوان الواحد. ونحن نعرف في البلد الذي نعيش فيه، معنى أن تكتب قصة واحدة، أو ديوانا واحدا لا غير، في عهدنا هذا.
ولكن ما مناسبة هذا الكلام؟
أنت اليوم تطالع منشورات في أدب الطفل لكتاب يكتبون الرواية أو الشعر أو النقد، فيخطئون، لأن هذا الفن يحتاج إلى الخيال الجامح، الغريب والعجيب، ويحتاج إلى الصنعة والأسلوب، إذ كيف تستطيع إقناع طفل، بقصة تكتبها أنت،بخيال ساذج، وأفكار مكرورة، لا تواكب التطور الفكري الذي يسم المرحلة التي نعيش فيها، وقد قُدِّر لهذا الطفل أن يطلع على أمهات القصص بلغات، وبأساليب مختلفة.
ولكن هذا هو السائد، والمطلوب في المحافل الثقافية ببلدنا.
السذاجة في التفكير، وفي الخيال نعتبرها في بلدنا فتحا جديدا، وما عداه هو ترهات، لن تستطيع التأثير في هذه الكتابة الساذجة، التي تملأ كُتبُها رفوفَ المكتبات، وترغب في أن تنتشر بين الأجيال الصاعدة. ولكن السائد الذي ينال التكريم، والشهرة، هو ما ذكرنا.
الأدب إن كتب بطريقة جذابة يحقق التغيير، وما نحتاج إليه في الكتابة هو شيئان؛ الفكرة والأسلوب. فهل تحقق هذا في ما اختارته اللجنة ؟. يستطيع من كتب قصة واحدة، أن ينال التكريم والتعظيم، وأن يفوز بجائزة في أدب الطفل، ومن يمنحها له؟
من لا دراية له بما يكتب في هذا المجال، وما تحقق، وما نشره الكتاب المغاربة، في المغرب أو في المشرق العربي، الذي يشهد ثورة ثقافية في صناعة كتاب الطفل.
لا يهم، إن كانت هذه القصة هي الوحيدة في سيرة الكاتب، ولكن الاحتكام إلى قواعد الفن والصنعة والتفرد، من أسس الاختيار، وإلا عد ميلا إلى الهوى، الذي لن يثير إلا النقد والاستهزاء.
هذا يعني،أن الجائزة المسماة بجائزة المغرب للكتاب، لا تمنح إلا لفئة معينة، مع العلم أن القاعدة الأساسية هي أن تمنح لمن يستحقها؛ لمن حقق شهرة داخل المغرب وخارجه، وصنع لأدبه أسلوبا أثار دهشة كبار الناشرين، وكبار الكتاب.
التطبيع مع الريع والتفاهة جائز في محافلنا الثقافية.
النفاق والضحك على الذقون هو ما يطبع ثقافتنا المغربية. أنصاف كتاب، وأنصاف شعراء، وأنصاف نقاد يتحكمون فيها، وكأن لا أحد يفقه في الكتابة إلا هم. ولهذا لا بأس في أن يثير هؤلاء في المحافل الثقافية، وفي الصحف السيّارة، ما معناه إن ثمة أزمة في القراءة والقارئ. فهل القارئ المغربي فعلا غير موجود؟. إن القارئ موجود، وهو يحتاج إلى الأدب الذي يمتعه بالفكرة والأسلوب، لا إلى الأدب الذي يفتخر بالسذاجة والتفاهة.
جائزة أدب الطفل تمنح لم لا يستحقها. فالقاعدة المنتشرة في وقتنا الحالي هي أن من يكتب قصة واحدة،يفوز بجائزة، ومن يكتب العشرات، ويمتلك صيتا في العالم العربي لا محل له من الإعراب. يتوقف الزمن عند هذه النقطة، لأن الأهم هو أن المهمة أنجزت، ولا يهم إن كانت القصة باهتة اللون، ولا أسلوب لها، ولغتها ركيكة..لماذا؟ اسألوا أعضاء اللجنة الذين قرؤوا القصص الموجهة للطفل طبعا ( إن كانت ثمة لجنة مختصة أسندت إليها مهمة قراءة النصوص المشاركة، ولكن اللجنة هنا هي شخص واحد فقط بقوة التصريح الذي جاء في الوثيقة المذكروة سابقا). لو كانت موجهة للكبار لهان الأمر ( مع العلم أن هذا الموجه للكبار لم يسلم من هذه العدوى التي يعاد إنتاجها كل سنة)، ولكنها موجهة للأطفال أيها السادة والسيدات. أما أن يكون شخص واحد فقط، هو من اطلع على عشرات الروايات والقصص الموجهة للكبار وللصغار، واستخلص أحكاما، وهو لا يمت بأي صلة لهذا الفن الجميل ( وهو هنا في مغربنا يصبح فنا قبيحا )، فهذه هي الطامة الكبرى، أو هي أم الطامات..
تمنح الجائزة للعمل الأدبي الذي استوفى شروط الإبداع، فكرا وأسلوبا ولغة، وحقق صاحبه باعا طويلا في هذا المجال محليا وعربيا، ولا تمنح لمن كتب قصة على المقاس، وليس بينه وبين الصنعة القصصية إلا الخير والإحسان.
والتساؤل الذي ينبغي لنا إثارته هو :
هل حققت القصص التي فازت بهذه الجائزة شهرة في بلدنا ( هي ثلاث دورات)، وفي بلداننا العربية، وفي بلدان العالم؟ ( الأمر هنا يتعلق بأدب الطفل دائما ).كلا. لأنها لا تستطيع منافسة ما يكتب في بلدان عربية أخرى، ولا تستطيع أن تترك أثرا في الناشر والقارئ معا، فالأدب الذي لا يخلف أثرا في النفس ليس أدبا.
حدث خرق لأبسط قواعد هذه الجائزة المدعوة بجائزة أدب الطفل لسنة 2020، بغض النظر عن كون الفائز معروفا أو غير معروف في أدب الطفل، أو كونه صديقا أو منتميا إلى مجال الإبداع. هي تدعى جائزة المغرب للكتاب في أدب الطفل، ولا تدعى مسابقة أو سباقا..فهل هذا يعني أن الحكم لم ينظر في السير الذاتية التي رافقت الأعمال الأدبية، وهي من قواعد قبول الأعمال المشاركة؟ وهل هذا يعني أيضا أنه لا يمتلك معرفة دقيقة، عن إصدارات الكتاب المغاربة المختصين بهذا الميدان؟ ربما.
لم يتم الإعلان عن أعضاء لجنة التحكيم، وتم الاكتفاء بالإعلان عن اسم واحد هو د محمد أديوان، وأنا على حد علمي، لا أدري إن كانت اللجنة ( وهي مرتبطة بالوزارة طبعا ) التي اختارت لجان تحكيم الجائزة، تستطيع أن تميز بين المختص في هذا الفن، والمختص في ذلك الفن، لأن من قواعد الجوائز أن يضطلع المختصون بما يسند إليهم، لاعتبار أنهم ينتمون إلى هذا الاختصاص أو ذاك، حتى لا يثير الإعلان عن النتائج أي انتقاد أو استنكار.
الجائزة تنتصر للإبداع، ولا تنتصر للإخوانيات والصداقة، فاتقوا الله في الأدب..فما للأدب للأدب، وما لقيصر لقيصر..
الثقافة لا شأن لها بالصداقة. لها ارتباط بما نبدع، وبما نكتب، فإن كان الإبداع متميزا، جاز الاهتمام به، ولكن إن كان مجرد كتابة لا فن فيها، فلا عيب إن لم تنل الاستحسان. فالصرامة واجبة هنا،إذ يجوز أن يكتب أي كان قصة، وهو براء من الكتابة والأدب، فينال ما يبتغي. والمعروف في الأدب بخاصة، أن العمل الوحيد لا يفي بالغرض، إذ يقتضي الأمر كتابة أعمال أخرى. وقد يحدث أن ينال كاتب بإصدار واحدا فقط الجائزة، ثم يتوارى عن الأنظار، وكأن مشاركته كانت تواطؤا مقصودا.
تسخرون منا إن نشرنا في مجلات ودور نشر دول المشرق العربي،ولكن هل تركتم لنا أنتم مساحة ننشر فيها أدبنا أو غسيلنا في مجلات وجرائد مغربنا العزيز؟
وتطلبون منا أن نقاطع ثقافة الريع، فهل استطعتم أنتم أن تزهدوا في متاع الدنيا؟
وتطلبون منا أن نساهم في تطوير أدبنا المغربي..
فهل تطوير أدبنا يقوم على الإقصاء والتهميش؟
هو طبعا يحتاج إلى الرعاية والاهتمام، ولكن هذا لم يحدث ألبتة. في هذا البلد المعطاء.
من يرأس مجلة أدبية، لا ينشر إلا للأصدقاء..
ومن يرأس لجنة في جائزة، لا يجيز إلا أدب الأصدقاء..
فهل يصح أن يرأس لجنة أدب الطفل، من لا ارتباط له بهذا الأدب؟
كيف يستطيع هذا الرئيس أن يطلع على عشرات الروايات والقصص الموجهة للكبار والصغار؟
ما المعايير التي تم الاحتكام إليها؟ وهل هي معايير بالمواصفات العالمية، أو بمواصفات الانطباعات؟
ثقافتنا تسير بالمقلوب إذًا، فلم هذا الإصرار على التطبيل للجائزة إن كانت نتائجها تحدس قبل الإعلان عنها..؟
ما نسعى إليه هو أن نقرأ كتبا تفوز بجائزة تدعى " جائزة المغرب للكتاب"، تشرف أدبنا المغربي، في العالم أجمع، وتستطيع منافسة ما يكتب هنا وهناك.
فهل يتحقق هذا في المستقبل؟
يتحقق طبعا، إن قطعنا الصلة بالاحتكام إلى الأهواء..
•كاتب قصص وروايات أطفال وفتيان.أصدر ما يناهز السبعين كتابا في هذا المجال، نشرتها دور نشر عربية مشرقية، ونشر عشرات القصص في مجلات الطفل المختصة.