1
تُمثِّل التناقضاتُ في العلاقات الاجتماعية تَحَدِّيًا وُجوديًّا للشعورِ الإنساني ، والمصلحةِ العامَّة ، وتطوُّرِ الأفكار الإبداعية، لأن التناقضات تَمنع التواصلَ بين عناصر الواقع المُعاش ، وتَحُدُّ مِن قُدرة الفِعل الاجتماعي على صناعة الكَينونة الإنسانية ، وتُشكِّل خطرًا على ماهية التجانس وصِيغة العَيش المُشترك . وغيابُ التجانس يعني حُدوث انشقاقات في المنظومة الاجتماعية الواحدة ، وغيابُ صِيغة العَيش المشترك يَعني تكريس النَّزعة الأنانية ، والبحث عن الخَلاص الفردي ، والهروب من مواجهة التحديات ، والتَّنَصُّل مِن تحمُّل المسؤوليات ، وهذا يعني تحوُّل المجتمع إلى شَقَّة مَفروشة ، يَسكنها الفردُ لبعض الوقت ، ثُمَّ يَرحل عنها ، بدون شُعور بالانتماء إلى المكان ، أو وَلاء للذكريات . وإذا اختفت ثنائية ( الانتماء / الوَلاء ) ، اختفت الشرعيةُ الاجتماعية التي تُسيطر على اتِّجاهات الفِعل الإنساني ، وتتحكَّم بمسارات الأفكار المعرفية . مِمَّا يعني بالضرورة انتقال مشاريع النهضة ومضامين التنمية مِن الحُلْم إلى الكابوس ، ومِن الأشواق الروحية إلى الأنماط الاستهلاكية . وهكذا ، تصير حياةُ الإنسان هُروبًا مُستمرًّا ، فهو يَهرُب مِن مُكوِّنات نَفْسِه إلى عناصر البيئة الخارجية بحثًا عن الأمن والأمان ، ويَهرُب مِن امتحان المُستقبل إلى مُسلَّمات الماضي ، لأنَّه عاجز عن مُواكبة حركة الإبداع ، وغَير قادر على مُنافَسة الآخرين في اقتحام المُستقبل . وإذا اعتبرَ الإنسانُ نَفْسَه خارجَ التاريخ الحضاري ، ولا مكان له في الحاضر والمُستقبل ، فَسَوْفَ يَرجع إلى أمجاد الماضي ، ويَغرق فيها ، كَي يَرتاح مِن عذاب الضمير ، وكثرةِ التفكير ، ويُثبِت لِنَفْسه أنَّ له جُذورًا وتاريخًا ووُجودًا اعتباريًّا وكَينونةً حضاريةً .
التاريخ والجغرافيا في التفاعل الرمزي الاجتماعي - إبراهيم أبو عواد
1
يعتمد التجانسُ في العلاقات الاجتماعية على التوازن بين الجوهر والعَرَض في حياة الأفراد ، وهذا التوازنُ يُحدِّد الأولويات ، ويُرتِّب القيمَ الإنسانية وَفْقَ أهميتها ، ويُميِّز بين الأُسُس الفكرية الدائمة والعناصر الحياتية المُؤقَّتة . وامتلاكُ القُدرة على التمييز بين الدائم والمُؤقَّت يُعتبَر اللبنةَ الأُولَى في منهجية العلوم الاجتماعية ، التي تستمد شرعيتها وفلسفتها من قُدرتها على تفسير دور الأفراد في حركة التاريخ ، وتحليلِ دور التاريخ في تشكيل وعي المجتمع . والفرقُ بين الدائم والمُؤقَّت في البُنى الاجتماعية ، يُشبِه الفرقَ بين جَذر الشجرة الراسخ وأوراقها المُتساقطة في الخريف . وبما أن الحياة عبارة عن سباق مسافات طويلة ، فلا بُد من فحص العناصر وتمييزها وغَرْبلتها من أجل معرفة القادرين على الوصول إلى خط النهاية ، والتعويل عَلَيهم في بناء المنظومة الاجتماعية ، لأنهم وَحْدَهم يُشكِّلون الحقيقةَ الإنسانية القادرة على الاستمرار والدَّيمومة ، ورؤية الأمور من كل الزوايا والجهات ، والتواصل مع الأفكار ، وتوصيل الأفكار إلى الشرائح الاجتماعية المختلفة .
الواقعية والمجتمع الكامل - إبراهيم أبو عواد
1
الواقعية في تحليل العلوم الاجتماعية لا تعني نسخَ الأحداث اليومية المُعاشة ، ونقلَ الوقائع من حياة الأفراد المادية إلى عالَم الأفكار الذهنية والنظريات المُجرَّدة ، وإنَّما تعني تحويل السلوك الاجتماعي فرديًّا وجماعيًّا إلى منظومة معرفية رمزية تشتمل على الهُوية الوجودية والقيم الأخلاقية والطبيعة الزمكانية ( الزمانية _ المكانية )، ثُمَّ تطبيق هذه المنظومة على أرض الواقع بشكل تدريجي ، ليس بسبب ضعف المنظومة ، ولكن بسبب عدم قدرة الناس على تحمُّل التغييرات الفكرية المفاجئة والصدمات الاجتماعية العنيفة ، وهذا يدل على خطورة حرق المراحل ، والقفز مِن طَوْر إلى طَوْر بشكل عبثي وفوضوي . ولا يوجد تغيير اجتماعي بأسلوب الصعق الكهربائي ، والتنقُّلِ عبر المراحل غير الناضجة . يجب إنضاج كُل مرحلة اجتماعية قبل الانتقال إلى مرحلة أُخرى ، وهذا يستلزم أن يكون الفكر الاجتماعي ( غذاء الواقع ) ناضجًا ، حتى يستفيد جِسمُ المجتمع مِنه ، تمامًا كالطعام ( غذاء الجسد ) ، يجب أن يكون ناضجًا حتى يستفيد جسمُ الإنسان مِنه .
الأنساق والمعنى والمجتمع الجديد - إبراهيم أبو عواد
الغايةُ مِن تحليل الأنساق الاجتماعية هي تفسير مصادر المعرفة ، التي تكتشف تاريخَ الوَعْي الإنساني ، وتُحِيله إلى علاقات وجودية منطقية قائمة على منظومة التَّأسيس والتَّوليد ، تأسيس قواعد المنهج الاجتماعي ، وتوليد أنساق إبداعية تُوازن بين الشكل والمضمون . والأنساقُ الاجتماعية لَيست كُتلةً جامدةً ، أو وِعاءً فلسفيًّا لتجميع الأحداث التاريخية، وإنما هي حَيَوَات مُتكاثرة ومُكثَّفة في بُؤرة إنسانية مركزية شديدة العُمق . وهذه البُؤرة كَبِئر الماء ، إذا أردنا معرفةَ عُمقها ، ينبغي أن نُلقيَ حجرًا فيها ، وننتظر ارتطامه بالماء ، والوقتُ الذي يستغرقه الحَجَرُ في الوصول إلى القاع ، يُظهِر عُمْقَ البِئر . ومركزيةُ الحَجَر في بِئر الماء ، تُشبِه مركزية المعنى الاجتماعي في البؤرة الإنسانية .
"هوس عربي معاصر".. لماذا يُصدِّق الناس الأبراج النجمية الآن أكثر من أي وقت مضى؟! - شادي عبد الحافظ
بشكل أسبوعي، تنشر جاكلين عقيقي، وهي مقدمة برامج في قناة السومرية العراقية تعرف نفسها بوصفها "عالمة فلك"، تنبؤاتها لكل الأبراج في الجوانب المهنية والعاطفية والصحية على صفحتها الخاصة بمنصة فيسبوك التي تضم نحو 1.47 مليون متابع، عادة ما تحصل منشورات عقيقي العادية على أربعمئة أو خمسمئة إعجاب، لكن منشورها الأسبوعي عن الأبراج تحديدا يتلقى أكثر من أربعة إلى خمسة أضعاف هذا الرقم من الإعجابات.
أما على يوتيوب فإن حلقة توقعات عقيقي لأهم أحداث العام الفائت، التي قدّمتها على مدى أكثر من ساعة وربع، شوهدت أكثر من 2.7 مليون مرة، وهذه ليست حالة خاصة على أية حال، فكل عام تُشاهَد حلقة تنبؤات الأبراج والتاروت، التي يُقدِّمها الإعلامي المصري عمرو أديب، أكثر من مليون مرة، وتعمل برامج في كل القنوات التلفزيونية المصرية تقريبا على استضافة "خبير أبراج" ليحكي لنا عما سنراه من أحداث خلال 12 شهرا قادمة.
الاختراع والاكتشاف في حياة الإنسان الاجتماعية - إبراهيم أبو عواد
1
الأسئلةُ المطروحة على الأنساق الاجتماعية لا تهدف إلى إيجاد تفسير عقلاني لحركة الأفراد من أجل تقييدها لصالح السُّلطات الأبوية ، وإنما تهدف إلى بَلورة وَعْي اجتماعي يُحرِّر العقلَ مِن ثقافة القطيع ، ويُحرِّر طريقةَ التفكير مِن ضَغط المُسلَّمات المصنوعة لتحقيق مصالح شخصية . وهذا يعني أن الغاية مِن عملية العَقلنة هي تحرير العقل مِن سُلطة العناصر الاجتماعية الضاغطة المُحيطة به ، وليس تَدجين العقل وإخضاعه لإفرازات العقل الجمعي . ولَن يَقْدِر العقلُ على الانطلاق نَحْو الإبداع إلا بكسر القيود ، والتخلص مِنها ، وليس تنظيفها وإزالة الصَّدَأ عنها ، فالتَّحَرُّر والحُريةُ يَعْنِيان كَسْرَ القيود على العقل لا تَلْميعها . وإذا تحرَّرَ العقلُ الفردي فإنَّ العقل الجمعي سيتحرَّر تلقائيًّا ، وإذا تحرَّرَ العقلُ الجمعي ، فإنَّ الأنساق الاجتماعية ستُصبح حاضنةً شرعية للإبداع والإنتاجِ المعرفي .
الموضوع الاجتماعي والذات الإنسانية - إبراهيم أبو عواد
1
العلاقة المصيرية بين الموضوع الاجتماعي والذات الإنسانية هي الأساس العقلاني لتفسير أنماط السيطرة الفكرية في المجتمع . والموضوعُ الاجتماعي هو الحَيِّزُ المعرفي الموجود في الواقع ، والخاضعُ للأحاسيس اليومية والتجارب العملية . والذاتُ الإنسانية هي جَوهر الإنسان ، وشخصيته الاعتبارية ، وهُويته الوجودية . وفي ظِل الحركة الاجتماعية المُستمرة أفقيًّا وعموديًّا في التاريخ والجُغرافيا ، يتكرَّس الموضوع كإطار خارجي ، يحتوي على إفرازات العقل الجمعي ، ويُحقِّق الاستقلاليةَ عن الإرادة والوَعْي ، ويُحقِّق التوازنَ بينهما . وفي ظِل الصراع المُستمر الذي يعيشه الإنسانُ داخل نَفْسه وخارجها ، تتكرَّس الذات كَنَوَاة مركزية تُعبِّر عن الشُّعور والتفكير،وتُترجم تعقيداتِ العَالَم الخارجي إلى أنساق اجتماعية يُدركها العقلُ،مِن أجل تفسيرها والاستفادة منها.
التوفيق والتلفيق والهوية الاجتماعية - إبراهيم أبو عواد
1
الهُوية الاجتماعية لَيست تعبيرًا عن الولاء والانتماء فَحَسْب،بَل هي أيضًا تعبير عن السلوك الحياتي اليَومي، ودَوره المركزي في تثبيت شرعية وُجود الإنسان ، وتحقيق الجوهر التاريخي عن طريق توليد أنساق اجتماعية إبداعية ، وتكوين مناهج فكرية تحليلية ، وعدم الاكتفاء بالتلفيق بين الأضداد والعناصر المتعارضة ، ودفن النار تحت الرماد ، فالإنسانُ لن يستعيد جوهرَه الوجودي في بناء التاريخ إلا بالمشاركة في صناعة الأحداث ، وعدم التفرُّج عليها ، ولن يحصل المجتمعُ على شرعيته المركزية في مشروع النهضة الحضارية إلا بتشكيل سُلطة اعتبارية قائمة على قوة المنطق لا منطق القوة، تجمع كُلَّ الأطياف والتيارات ، وتعتمد مبدأ التَّوفيق لا التَّلفيق .
2