حول كتاب "مفهوم العقل" لعبد الله العروي
ربما لن يرضى الأستاذ العروي بـهذا العنوان تقديما لكتابه في مفهوم العقل. فهو يجره إلى سياق لم يرد، وربما لا يريد أن ينخرط فيه، وأعني ذلك الجدال الذي يكثر فيه الحديث اليوم والذي تتزعمه كتابات محمد عابد الجابري ومحمد عركون.
وحتى إن لم يكن في استطاعتنا أن ننفي دخول صاحب هذا الكتاب في ذلك الجدال، فإنه مع ذلك لا يرد بشكل صريح على أية أطروحة من الأطروحات الواردة في الساحة النقدية في هذا المضمار. وربما كانت هذه سمة تميز كتابة العروي بصفة عامة، وهو صمته عما يجري بالقرب منه، وتفضيله محاورة البعيد عن مجادلة القريب.
وعلى رغم ذلك فسيتضح لنا خلال هذا العرض الوجيز لمضمون هذا الكتاب القيم أن الأمر يتعلق أساسا بنقد العقل الإسلامي.
مسألة أخرى ربما لن يرضاها أستاذنا هي كذلك، وهي ما تحمله كلمة نقد من شحنة فلسفية. والمعروف أن العروي يأبى لكتاباته أن تدرج ضمن الإنتاج الفلسفي، وهو يفضل أن يصنفها بالأولى، ضمن اجتماعيـات الثقافة. وعلى أية حال فإن كان بإمكاننا أن نسلم بأن الكتب الأخرى التي تعرض فيها لسلسلة المفاهيم كمفهوم الأدلوجـة ومفهوم الدولة ومفهوم الحرية ومفهوم التاريخ هي أقرب إلى اجتماعيات الثقافة، فإن الكتاب الذي بين أيدينا كتاب في الفلسفة، منهجا ولغة ومضمونا وموضوعا، بل إن صاحبه يبين عن تمكن كبير وإطلاع واسع على الفكر الفلسفي عربيّه وغربيه، لذا فهو حوار مزدوج مع التراث الغربي والتراث الإسلامي.
وهنا تعترضنا نقطة ثالثة لم يكن الأستاذ العروي ليعترف بـها فيما قبل. وهي الحوار مع التراث، بل وضرورة تفكيكه. لا استعمل كملة تفكيك هنا إتباعا لموضة ثقافية، فهي واردة في الكتاب. أستعملها لأشير فقط إلى أن هذا الكتاب ينطوي على مفهوم عن القطيعة لم يكن الأستاذ العروي ليقبله، وهو أن الانفصال عن التراث ليس عملية تلقائية. كما أنه ليس خصاما وإنما تملكا وإحياء.