في الفصل الرابع : ( مشكلة السلف الصالح ) من كتاب "وعّاظ السلاطين" ، يتناول الدكتور علي الوردي مشكلة ( سخيفة ) كما يصفها وتتمثل في محاولة الواعظين العودة بنا إلى صدر الإسلام من خلال القول بأن السلف الصالح هو الأنموذج الأكمل الذي علينا الإقتداء به . وهو يعد هذا المنطق ( سخيف طبعا ) لأن المسلمين الأوائل ليسوا الأنموذج المثالي الذي علينا أن نقتفي خطاه في حياتنا الراهنة ، وذلك لأنهم نجحوا في البداية ثم فشلوا وما علينا إلا أن ندرس أسباب فشلهم لكي نتعظ بها في تجاربنا الحاضرة . وحسب الوردي فإن هناك شواهد قوية على إحساس النبي وعمر وعلي من بعده بالتشاؤم من المستقبل الذي ينتظر التجربة الإسلامية . فبالإضافة إلى أن القرآن الكريم يقول : ( إن الإنسان ليطغى إن رآه استغنى ) مؤسِّسا لناموس اجتماعي شامل للفشل والضمور والإنحطاط الذي ينتظر أي حركة اجتماعية كبرى ، فإن الواقع قد أظهر أن المسلمين كانوا أول عهدهم يكافحون الظلم والترف والاستغلال في أيام الرسول ، لكنهم بعد أن أُتخموا بالمال والترف أصبحوا بحاجة لمن يكافحهم كما يقول الوردي . والشواهد التي ينقلها الوردي تشير إلى أن الرسول قد خرج إلى المسجد في أواخر أيامه وصاح بصوت عال :
( أيها الناس .. سُعّرت النار وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم ) ( الإسلام سيرجع غريبا ) بدلا من أن يتفاءل بانتشار الإسلام .
علي الوردي 6 : وعّاظ السلاطين حلفاء الطغاة ـ د. حسين سرمك حسن
في كتابه الخطير (وعّاظ السلاطين) وفي معرض تعليقه على سلوك الوعاظ القدماء المتناقض حيث يستنزلون لعنة الله على الفقير حين يغازل جارية من الجواري , ولكنهم يباركون للغني شراءه عشرات الجواري ، يضع علي الوردي هامشا يقول فيه :
( والمدهش في هذا الباب أن بعض الفقهاء يفرقون بين اللواط بالغلام المملوك وغير المملوك . فاللواط بغلام غير مملوك يستوجب في نظرهم القتل أو الرجم . أما من يلوط بغلام له ، فلا يستحق عندهم غير التعزير من القاضي . ومعنى ذلك أنهم يقتلون الفقير الذي يلوط ، أما الغني الذي يشتري الغلمان ليلوط بهم فعقابه أن يقول له القاضي : تف .. قبّحك الله ) (32) .
وأعتقد أن اختيار هذا المدخل النوعي لمواجهة وعّاظ السلاطين ، وبهذه الحدّة ، هو أمر مدروس من قبل الوردي ، لأنه من بين أشد المقتربات تأثيرا في المجتمع الذي تحكمه العقليات الدينية الوعظية ، التي تبطن غير ما تُظهر ، هو المقترب الأخلاقي الجنسي ، وخصوصا ما يتعلق بالانحرافات السلوكية الجنسية . فجوهر الفعل الوعظي في المجتمع الإسلامي هو استنزال الويلات على أي شكل من أشكال السلوك اللاأخلاقي في المجتمع حيث نصّب الوعّاظ أنفسهم قيّمين على أخلاق الناس وقيمهم وسلوكاتهم ، معتبرين أنفسهم أنموذجا أخلاقيا متساميا يصعب على العامة بلوغه . وعليه فإن نزع هذا البرقع الأخلاقي وتحقيق التعرية الأخلاقية لمن يتستر بها نفاقا هي ضربة شديدة الأذى .
علي الوردي : (1) النهضوي المغدور .. موجز برياداته ـ د. حسين سرمك حسن
(( إن زمان السلاطين قد ولى وحل محله زمان الشعوب . وقد آن الأوان لكي نحدث انقلابا في أسلوب تفكيرنا . فليس من الجدير بنا ، ونحن نعيش في القرن العشرين ، أن نفكر على نمط ما كان يفكر به أسلافنا في القرون المظلمة . إن الزمان الجديد يقدم لنا إنذارا . وعلينا أن نصغي إلى إنذاره قبل فوات الأوان . إنه زاحف علينا بهديره الذي يصم الآذان . وليس من المجدي أن نكون إزاءه كالنعامة التي تخفي رأسها في التراب حين تشاهد الصياد . فهي لا تراه وتحسب أنه لا يراها أيضا . الأفكار كالأسلحة تتبدل بتبدل الأيام . والذي يريد أن يبقى على آرائه العتيقة هو كمن يريد أن يحارب الرشاش بسلاح عنترة بن شداد ))
( علي الوردي )
كتاب ( مهزلة العقل البشري – 1955 )
إن أية مراجعة للأفكار المتفرّدة والجريئة والريادية لمشروع المفكر العراقي الثائر الراحل العلّامة الدكتور (علي الوردي) التنويري ينبغي أن تركز على ناحيتين أساسيتين : الأولى تتعلق بالأفكار والنظريّات التي طرحها الوردي والتي - كما سنرى - سبق بها الكثيرين من الكتاب والمفكرين العرب، وتناول فيها موضوعات صار بعضها يطرح الآن وكأنه من معطيات تيارات الحداثة وما بعد الحداثة ، علما أنه قد طرح أغلبها خلال مرحلة الخمسينيات ، ولم تُراجع بصورة موضوعية مناسبة انطلاقا من قاعدة أن (مغنية الحي لا تطرب) في أغلب الأحوال ، ومن تجاهل الباحثين العرب لأطروحات الوردي بعد أن أثارت في اذهانهم مشروعات فكرية مرتبطة بما طرحه أو أنهم غرفوا منها ولم يعودوا بحاجة إلى ذكره.
في القراءات الجديدة لتراثنا الأسطوري العربي : البحث عن الجنة ! ـ تركي علي الربيعو
إن دارس الأساطير سرعان ما يقع في هواها وهذا ما لاحظه إيفانز برتشارد وكذلك كلود ليفي ستراوس في تعليقهما على فرويد في تحليله لأسطورة أوديب، فقد ابتدع فرويد أسطورته الخاصة عن الأب البدئي الذي قتله الأبناء والتهموه ثم عبدوه في صورة طوطم. ومن وجهة نظر ستراوس أنه يمكن رصف أسطورة فرويد في عداد الأساطير الأوديبية العديدة.
في كتابه الموسوم بـ»المتن والهامش ، 1997 « يذهب حسن قبيسي إلى القول: إن أصحاب الفكر التاريخي الذين ما برحوا قياس البيضة على الباذنجانة يجدون أنفسهم نتيجة عجزهم عن فهم بنية المجتمع العربي التقليدية ومقوماته، في مواجهة مع هذا المجتمع الذي يظهر عصياً على التغيير، وذلك بهدف إدخاله إلى جنة الفكر التاريخي، مع العلم أن الناس لا تريد أن تدخل الجنة ولو بضربات الهراوة على حد تعبير لينين ذات مرة. لذلك ليس غريباً أن يظهر بين آن وآخر حجّاج جديد على حد تعبير قبيسي، يقوّم اعوجاج أهلنا الأسطوري بحد السيف ويدخلهم عنوة إلى جنة الفكر التاريخي. يقول قبيسي، إن المثقفين العرب من ذوي الفكر التاريخي ودعاته لا بد أن يكونوا أقرب إلى منهجية الفكر الغربي(التاريخي بامتياز) في تفكيرهم، ومن ثم أبعد من ذهنية جموع مجتمعاتهم التي هي لا تاريخية من حيث فكرها وتعاملها مع أحداث الزمان وتجاربه وعبره.. وأن النوايا السليمة لا تجد فتيلاً في هذا المجال. فمهما زعم هؤلاء المثقفون وصلاً بليلى جموعهم، فهم لا بد مصطدمون لأن بينهم وبين هذه الجموع صدعاً لا يرأب إلا بشق الأنفس وقمعها، واعوجاجاً لا يقوّم. هل أردف أحد: إلا بحد السيف«؟(1).
الرمز عند الصوفي تفعيل و ممارسة ـ د. محمد غاني
ارتبطت قراءة الرموز الكونية بالدين الحنيف ([1]) حتى قبل ظهور قراءة رمزية الكتابة و الحروف حيث ان في قصة تقبل الله تعالى لقربان هابيل بأن نزلت نار من السماء فأحرقته دلالة على القبول جاء في تفسير سورة المائدة : { إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا } أي: أخرج كل منهما شيئا من ماله لقصد التقرب إلى الله، { فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ } بأن علم ذلك بخبر من السماء، أو بالعادة السابقة في الأمم، أن علامة تقبل الله لقربان، أن تنزل نار من السماء فتحرقه ([2])
كما طولب سيدنا زكريا بأن يقرأ في عقل لسانه عن الكلام بغير ذكر الله تعالى وذلك في قوله تعالى : قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا ، آية و علامة على استجابة الله دعاءه بأن يهب له من لدنه ذرية طيبة فسأل ربه وناداه نداء خفيا ، وقال : ( رب هب لي من لدنك ) أي : من عندك ( ذرية طيبة ) أي : ولدا صالحا ( إنك سميع الدعاء ) ([3])
"الله غالب" : شخصية التونسي الدينية من خلال أمثاله ـ عزالدين عناية و عائشة بنت التقّاز
يُعدّ قطاع التدين الشعبي أحد المحاور الأساسية في إدراك كينونة فضاء اجتماعي مّا، وهذا المجال لا يزال يشكو إهمالا داخل أوساط الدراسات الاجتماعية والإناسية، في مجمل المجتمعات العربية، برغم انتشار الكليات والمعاهد المدرّسة للدين والاجتماعيات، التي لم توفق إلى حد الآن في القطع مع الانعزال النظري والانخراط في الاندماج العملي. وأمام هذا النقص الحاصل يزعم غربيون قيامهم بدراسات إناسية وسوسيولوجية للمجتمعات الأخرى، خوّلت لهم وعي بناها الدينية والأسطورية. أشك في الزعم المضخَّم، وفي اقتدارهم لبلوغ وعي متكامل وصائب. ولكن الأنكى أن كتاباتهم تتحول إلى أناجيل لدى أبناء البلدان المزعوم دراستها، بين عامتهم وعلمائهم.
المصطلحات الحضارية المغربية في رحلة ابن بطوطة: بين التحقيق والترجمة ـ عمر اكداش
أولا: عوائق ترجمة المصطلح الحضاري:
بالرّغم من أهمية الرّحْلة، وقِيمة ما ورد فيها من أخبار ومَعلومات، فإنها ظلتْ مجهولة لفترة طويلة. إذ لم يُكْشف عنها إلا في القرن التاسع عشر، بعد أن تَنبَّه المُسْتشرقُون خاصّة لقِيمة ما تَتضمنه من مَعْلومات، ومِيزتها ضِمن الرّحلات، فاتجهوا إليها بالدِّراسة والتّحْليل والتّرجمة والنّشر...
ويَرجع الفَضْل في إصدار أوّل عمَل مُتكامل للرِّحلة –بعد أن تُرجمت ونُشـِرت مُـقتطفات كَثيرة مِنها- إلى المُسْتَشرقيْـن الفَرنْسيّيْـن دِيفْريمِيـرِي (C. Defremery) وسَانْكِـنِيـتي (B. R. Sanguinetti) بالاعتماد على ثلاث مَخْطوطات للرّحلة. وبهذا، أصْبحت الرِّحلة في مُتناول القَارِئ الغَربي والعَربي الإسْلامي معًا. لأنّهُما نشرَا الرِّحلة في أرْبع مجلدات باللغة العَربية، مَصْحوبة بالتّرجمة الفَرنسية لها. وبعدهما يَرجع الفَضل لمُستشرق ثالثٍ أسْدى خِدمة لهذا التراث، هو هَامِيلتُـون كِـيب (H. A. R. Gibb) الذي تَرْجم مُعْظم الرّحْلة إلى اللغة الإنْجليزية. وقد حاول في أعْماله شَرْح ما غَمَض من الألفَاظ، وتحْديدَ عَددٍ من الأعْلام الجغرافية، والتعريفَ بعدد من الشّخصيات الوَاردة في الرِّحلة. وتُرجمت بَعد ذلك الرِّحلة –كامِلة أو أجْزاء منها- مرّات متكررة إلى لغات عديدة، منها الإسبانية والبرتغالية والروسية والسويدية والفارسية والتركية والهندية واليابانية... وبذلك، ذَاع صِيتها، وأصْبحت في مُتناول جميع القُرّاء.
المالوف التونسي ـ فتحي عابد
المولع بمعرفة أسرار المقامات الموسيقية ومعانيها لا يسعه إلا أن يقف احتراما لفن المالوف الذي بقي شامخا بكثيرا من الصبر، إذ ليس من السهل التمسك بالإختيارات وفرض هذا النوع من الفن الراقي على أذن تعودت على الإيقاعات الصاخبة والسريعة، وعلى ألوان وأنماط أخرى من الموسيقى التي لا تجد صعوبة في استعمار أذن السامع وخاصة الشباب.. مما يدفعنا بحثا في هذا النوع من الفن الذي يبرز تحدي الأصالة الصلبة لمتغيرات عالم الإستهلاك العبثي، وصخب التهريج الموسيقي. وهذاالمقال الذي أستند فيه إلى أهل المجال يوثق نظريا على الأقل جزءا قليلا من التراث الموسيقي الأصيل لتونس الذي كاد أن يضيع بسبب السياسات التغريبية التي طحنتنا لأكثر من خمسين سنة...