مقدمة
نسجت الأسطورة داخل الحقل العربي الإسلامي الوسيط متخيلا دينيا وأدبيا استطاع أن يخترق حدود الزمان ويتسرب داخل كتابات متعددة الأغراض كونت النواة الأولى للثقافة العربية الإسلامية. فظاهرة الوضع التي أثرت في الحديث النبوي وظاهرة ما يسمى " الإسرائيليات " وعلاقتها بكتب التفسير وظاهرة العجائب وعلاقتها بكتب الأدب والجغرافيا والحكايات بصفة عامة، ما هي إلاّ عناصر تحدثنا عن الصلة الوطيدة بين هذه الأنواع الدينية والأدبية والمتخيل الذي يستمد قوته وتنتعش روحه داخل عالم الأسطورة.
فالحدث الأسطوري، الذي يمثل " تاريخا مقدسا "، يستغّل أدنى فرصة يعطيها له النص المقدس ( القرآن) أو النص الحديثي أو الأدبي بصورة عامة فيشبعهم سردا. يُتمّم ويصنع الظروف والسياقات ويضيف الحلقات الناقصة داخل سلسلة الحكي.
ونجد داخل الأغراض الأدبية السالفة الذكر وحدات سردية وحكايات مزركشة مصنوعة بقماش عجائبي وعناصر أسطورية تعطينا فكرة عن الدور الفعّال الذي
لعبه شخص القاص ( أو القصّاص) متلّبسا أقنعة مختلفة (مُذكّرا وواعظا ومفسرا) حيث أثرى هذه الحكايات بواسطة مخيلته الفياضة. فتكوين هذه القصص بهذه العناصر جعلها تحفظ لنا جانبا من جوانب المتخيل الديني والأدبي الذي كان سائدا في السرد العربي الإسلامي الوسيط .
وبناءا على ما سلف فقد عرفت قصة خلق الكون عملية أسطرة باعتبارها الحدث التأسيسي الأول الذي أخرج إلى الوجود كل الوحدات المكونة للكون، وأنتجت هذه الأسطورة داخل الحقل العربي الإسلامي متخيلا دينيا وعجائبيا وليد عمليات تفسيرية و تأويلية متنوعة . سنحاول في الجزء الأول من هذا المقال تسليط الأضواء على مكونات وتجليات هذه الأسطورة انطلاقا مما ذكره الراو يأبو اسحاق الثعلبي من مواضيع وعناصر مختلفة لأسطورة خلق الكون -الأرض والسماء والشمس والقمر - في عرائس المجالس).أما فيما يخص الجزء الثاني من المقال المتعلق بالحيوان العجائبي فسنتطرق للأسئلة التالية: كيف أدرج الثعلبي الحيوان العجائبي في سرده؟ وما هو دوره داخل سرديات قصص الأنبياء ؟ما هي المكوّنات والعناصر التي ساهمت في تصويره؟ أسئلة نحاول الإجابة عليها انطلاقا من أمثلة سردية.
1.1الثعلبي وأسطورة الكون