يصعب علينا صراحة تحديد نقطة البداية لأن ذلك رهين بالعقليات والإرادة القوية لدى الفرد و المجتمع، ومن ثم سنحاول أن نقف عند بعض النقاط التي من شأنها أن تسهل لنا مجال البحث والدراسة للحقل المعرفي في التراث الإسلامي، إلا أننا لا ندعي دراسته دراسة شمولية لأن هذا أمر صعب إلى حد بعيد.
دعني أولا أشير إلى أن تطور الأمة الإسلامية رهين بتطور العقليات والأفكار، وبالتالي فهي مطالبة ــ الأمة ــ بتجاوز مجموعة من العراقيل التي ربما كانت سببا في إفشال المشروع الحضاري لها، وهنا نتحدث عن التجديد داخل الساحة الفكرية المعاصرة، ومنه نطرح السؤال: ماهي العوائق التي حالت دون إنجاح المشروع الحضاري الذي تبناه المجتمع العربي المعاصر؟

يصعب علينا صراحة تحديد نقطة البداية لأن ذلك رهين بالعقليات والإرادة القوية لدى الفرد و المجتمع، ومن ثم سنحاول أن نقف عند بعض النقاط التي من شأنها أن تسهل لنا مجال البحث والدراسة للحقل المعرفي في التراث الإسلامي، إلا أننا لا ندعي دراسته دراسة شمولية لأن هذا أمر صعب إلى حد بعيد.
دعني أولا أشير إلى أن تطور الأمة الإسلامية رهين بتطور العقليات والأفكار، وبالتالي فهي مطالبة ــ الأمة ــ بتجاوز مجموعة من العراقيل التي ربما كانت سببا في إفشال المشروع الحضاري لها، وهنا نتحدث عن التجديد داخل الساحة الفكرية المعاصرة، ومنه نطرح السؤال: ماهي العوائق التي حالت دون إنجاح المشروع الحضاري الذي تبناه المجتمع العربي المعاصر؟

مدخل:
الديانة اليهودية وتاريخ بني إسرائيل، من القضايا التي أثارها البِيروني في كتاب "الآثار الباقية"، وقد آثر الرجل الحديث عنهما في سياق عرضه للتواريخ التي تعتمدها مختلف الطوائف والمجموعات الدينية، حيث ركز على الجوانب التاريخية، والجوانب المرتبطة بالطقوس والاحتفالات الدينية، وكذا العادات والتقاليد التي يُحْيُونها، إلى جانب الإشارة إلى الأيام والأوقات المعظمة عندهم، و التي يخصونها بالصوم، وسنأتي على ذكرها بالتفصيل. وقد كان ذلك على حساب عدم التعّرض لأهم العبادات التي يمارسها اليهود، أو الجوانب العقدية والفلسفية واللاهوتية في ديانتهم. لكنه مع ذلك ناقش الكثير من المواضيع التي تهم تلك الديانة، نذكر على سبيل المثال لا الحصر المواضيع التالية: المسيح المنتظر، تباين نسخ التوراة، مسألة التحريف، بشارة النبي محمد من خلال كتب العهد القديم، قول اليهود في النَّسخ والبَداء، تدوين التوراة، السامرة والعداوة بينهم وبين اليهود، خراب بيت المقدس، عبادة اليهود للأصنام، قصة هارون عليه السلام وصناعة العجل([i])...الخ

سيظل اسم المفكر السوري  جورج طرابيشي الحلبي المزداد سنة 1939 من اسرة مسيحية محافظة- كما يروي ذلك بنفسه في عدد من الاستجوابات والكتابات -  والمتوفى في منفاه الباريسي في مارس 2016 ،  علامة  مضيئة في تاريخ النضال الفكري والثقافي   في مجالات النقد الادبي والترجمة  وفحص مكنونات الثرات الاسلامي نقدا ونقضا  . وستظل مساهماته  النظرية في هذا المجال  نموذجا  للفكر العلمي المكافح المهموم من اجل اللحاق بركب الحداثة ومتطلباتها العلمية والفكرية . وقد تميز انتاجه الفكري بغزارة كبيرة ومتنوعة  فترجم الكتب الماركسية  المهمة وقدم لنا كتابات  الوجودية  لسارتر و اليسار الجديد لالتوسير وكتاب الانسان ذو البعد الواحد لماركيوز وغيرهم من عمالقة الفكر الماركسي  واهتم ردحا من الزمن بالفرويدية وترجم عددأ كبيرا من كتابات سيغموند فرويد  ، بل تأثر بالتحليل النفسي وطبق منهجه في دراسة نقدية لعدد من الروايات العربية  واصدر كتبا  مهمة استثمر فيها التحليل النفسي  بجدارة واقتدار  مثل كتابه الذي نشره سنة 1977  شرق وغرب ، رجولة وانوثة : دراسة في ازمة  الجنس والحضارة في الرواية العربية . وكتاب عقدة اوديب  في الرواية العربية  نشره سنة 1982 وكتاب الله في رحلة نجيب محفوظ وغيرها من الكتب الادبية الهامة التي الهمت جيلا ثقافيا واسعا  في السبعينات والثمانينات والتسعينات  من القرن الماضي .

بموجب الفترة المطوَّلة التي قضّيتها في جامعة الزيتونة طالبا وباحثا، على مدى السنوات المتراوحة بين منتصف الثمانينيات ومنتصف التسعينيات من القرن الماضي، سيكون جلّ اهتمامي في هذه المقالة منصبّا على التعرّض إلى تجربة التحصيل العلمي، إضافة إلى استحضار واقع الصراع على الزيتونة، بقصد التأمل في مسارات ومآلات مؤسسة دينية، لا تزال مثار جدل، لاسيما في ظل التحولات العميقة التي يشهدها مجتمعنا.

من الزيتونة إلى الغريغورية

غدا بمثابة اليقين لديّ، أن الإشكال الرئيس الذي يعاني منه الدرس الديني في مؤسساتنا التعليمية في تونس متلخص أساسا في أمرين: خضوع المقرّر التعليمي إلى وصاية سياسية توجه مساراته، ما انعكس على مضامينه وتطلعاته وآفاقه؛ ومن جانب آخر مجافاة منهج التعليم الديني للراهنية الحضارية، وهو ما يتجلى في غياب عناصر الواقعية، والعلمية، والمعقولية.

رغم تناول قضايا الإسلام في شتى مظاهرها وأبعادها السوسيولوجية والدينية والسياسية، في الفترة الحالية في الغرب، فإن موضوع الفنّ في تلك الحضارة يبقى مُدرَجا في الهامش، أو مُتناولا بشكل سطحي، تبعا لأحكام مسبَقة متجذرة. بهذه العبارات يستهلّ جوفاني كوراتولا حديثه عن الفن الإسلامي في مقدمة المؤلَّف العميق والأنيق الذي تولى الإشراف عليه، والذي حاول فيه، رفقة جمع من المتخصّصين في الفنّ الإسلامي، الكتابة عن تجليات التجارب الجمالية الإسلامية، التي تشكّلت على ضفاف المتوسط وغطّت سائر المراحل التاريخية. كوراتولا هو إيطالي متخصص في الفن الإسلامي ومستشار لدى متاحف عالمية، وهو أيضا أستاذٌ في الجامعة الكاثوليكية في ميلانو وفي جامعة أودينه، سبق أن أنجز جملة من الأعمال في الموضوع من بينها "تركيا.. مسيرة فنية من السلاجقة إلى العثمانيين" (2010)؛ "الفنّ الفارسي" (2008)، كما تولى إعداد كتاب "العراق.. مسيرة فنية من السومريين إلى عصر الخلفاء" (2006)؛ وشارك كذلك في المؤلف الجماعي "من بيزنطة إلى أسطنبول" (2015).

ابن باجه (460ه533ه/1066م1139م) فيلسوف أسس فلسفته على المنطق والرياضيات وترك لنا الكثير من المؤلفات في الطب والأدوية والنبات والطبيعة والحيوان والفلك والنفس...، أغلبها فُقد وضاع، تشهد على ذلك قوائم تواليف الرجل بفهارس المخطوطات وكتب التراجم والطبقات.

وقد حظِيَت مؤلفات ابن باجه بالمتابعة والإهتمام الأكاديمي في المغرب من طرف بعض الدارسين، منهم الباحث جمال راشق أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة القاضي عياض بمراكش، الذي بلور ذلك في إطار مشروع علمي تميز بالحرص على قراءة نصوص المتن الباجي وتحقيق المخطوط منه، وتتبع صورة الفيلسوف قصد إزالة الغموض عن بعض سُوءِ فَهمٍ لقضايا في فلسفته، وجوانب من سيرته.

قبل الحديث عن ابن رشد(520ه595ه/1126م1198م) وموقفه السياسي من السلطة في زمنه، لا بد من تقديم صورة موجزة لمظاهر المجتمع والثقافة بالأندلس، ففي المراحل الأولى للغزو الإسلامي للأندلس، لم تظهر أي بوادر لازدهار فكري أو إصلاح سياسي، فالداخلون الأوائل معظمهم جنود وفرسان من الأمازيغ والعرب، برعوا في فنون الحرب والقتال وتميزوا بحميتهم الدينية، ولم يكن لهم ميل للفكر والثقافة، وهو ما كان أثره خطيرا على الحياة الفكرية بالأندلس، لكن كيف أصبح الحال بعد ذلك سياسيا وثقافيا؟

1-الفكر بين السلطة الفقهية والسلطة السياسية:

كان الحال بعد استقرار غزو الأندلس، مؤسفا جدا، فقد سادت سلطة الفقهاء وسيطرت ثقافة مبنية على العلوم الدينية واللغوية وبعض فنون الشعر، وغلب على هذه المدارس طابع التقليد والانغلاق، فكان من الصعب الخروج عن سلطة الفقهاء، وأصبحت المشروعية في الإتباع والبدعة في المخالفة والإبداع.