على مدى العقود الأربعة الأخيرة طغى على دراسات الإسلام في الغرب طابع اجتماعيّ سياسيّ، كانت بُغية الطلب فيه تفسير التحولات التي تشهدها المجتمعات العربية والإسلامية واستشراف مصائرها. وقد صاغت دراسات الإسلام تفسيراتها للظاهرة الإسلامية وتطوراتها من خلال إرث المدرسة الاستشراقية الذي هيمنت عليه رؤية فقهية تشريعية كلامية مشفوعة ببحث مرفولوجي في منشأ الإسلام وما تخللته من أطروحات متنوعة. والملاحظ في مسار محاولات استيعاب أصول الإسلام المبكرة والتأسيسية داخل الاستشراق، بقاء الحقل الروحي أقلّ الحقول متابعةً، بموجب غلبة الرؤية المؤسساتية الصارمة على النظر للإسلام وطغيان المنظور التشريعي المنهجي في قراءة الظاهرة الإسلامية عموما.حتى إن مجالا مهمّا من مجالات التراث الإسلامي، ونقصد التصوف، لم يشهد اهتماما مركّزا سوى في مرحلة لاحقة، ولم يوله الاستشراق المبكّر واللاحق سوى عناية متناثرة وعابرة.
التصوّف اليهودي - عزالدين عناية
شكّل التصوّف الإسلامي، رفقة التقاليد الروحية الهندية والصينية، إغراء روحيا للسّاعين لإرساء معنى لوجودهم من خارج أنساق الفلسفات الغربية في العقود الأخيرة. حيث تشهد معظم البلدان الغربية انتشار نوادي اليوغا والتأمل والروحانيات والرياضات الروحية، والتصوف بطُرقه المتنوعة أحد هذه المكوّنات التي باتت تغوي الدارسين والسالكين. ربما كانت أوضاع التوتر التي شهدها عالمنا في الحقبة الأخيرة، والتي أسهم تسييس الأديان في زيادة حدة تأجيجها، حافزاً لإعادة اكتشاف المخزون الروحي الذي توارى في غمرة الصرامة المؤسساتية والنزعة التشريعية المتشددة. من هذا الباب غدا التراث الروحي في الأديان الشرقية الهندية والصينية متابَعا ومحتذى، وبالمثل التراث الروحي العائد لدين الإسلام، رغم موجة الإسلاموفوبيا الضاغطة التي يتعرض لها.
خصومات المثقفين أو في محنة ابن باجه الفيلسوف - عبد الصمد البلغيتي
تكون بين المفكرين والمشتغلين بالثقافة في كثير من الأحيان صراعات وخصومات لا تنتهي، وهي صورة قلما نستحضرها في الحديث عن شخصياتنا الفكرية والثقافية، سواء في علاقتهم ببعضهم أو في علاقتهم بالسلطة ودوائر الحكم والسياسة.
وفي كثير من الأحيان تعكس نصوصهم ومؤلفاتهم هذا النزوع نحو إعلاء الذات وتبخيس الغير، سواء بشكل صريح يتمثل في الهجوم على الشخص والتحريض عليه عن طريق مقال في جريدة أو مجلة أو كتب مؤلفة أو خلال المشاركة في ندوة...، أو تلميحا من خلال نقد الأفكار والأطروحات دون التعرض لأصاحبها بالتهم والتجريح، والأمثلة كثيرة في أيامنا وعند أهل زماننا التي نصادف فيها مقالات وكتبا وحوارات لمثقفين وباحثين يتعرضون لغيرهم، ويعبرون عن خصومتهم عن طريق توجيه التهم ونشر الإشاعات، بعيدا عن أخلاق المثقف وقواعد البحث العلمي. مما يصعب معه أن تجد جماعة من الشعراء أو الفنانين والباحثين في مجالات البحث المختلفة دون خصومة وصراع تجد دوافعها من الغيرة والحسد والانفعال الغريزي.
الفقه الإسلامي ومشكلات التجديد - محمد سمير
إن ما يدعونا لطرح مثل هذه الإشكالات الكبرى هوما يعيشه المجتمع المعاصر من تطور مستمر في ضوء السرعة وعصر العولمة، وإن كنا صراحة لا ندعي الوقوف عند كل ما يعانيه الحقل الديني من الإشكالات والأزمات المستمرة لأن ذلك يصعب علينا، إلا أنه يمكن أن نقف وقفة مع أحد أعمدة الثقافة الإسلامية والتي لا يمكن للمسلم أن يستغني عنها خصوصا في زمن كثرت فيه النوازل والمستجدات، ولعلي أقصد هنا الفقه الإسلامي الذي بات يعرف فتورا مستمرا اليوم إذ أنه انتقل من التجديد إلى التقليد، ولعل السائل يسأل؛ لماذا تخلف الفقه الإسلامي المعاصر؟
لعل الأمر يستوجب شرحا مفصلا وبحثا معمقا، لكن سنحاول فقط تقريب القارئ من أهمية الموضوع خصوصا في وقت أصبحت كل أصابع الاتهام تتجه نحو الإسلام ومايقال وما يفعل باسم الدين.
الاِستهْواد العربي في مقاربة التراث العبري:كتاب يؤسّس للدراسة العلمية لليهودي- عزالدّين عناية
شكّل الارتباط المتين للنصّ القرآني بالنصّ التوراتي، سواء في المجالات العقدية أو التشريعيّة، إضافة إلى تجارب التعايش الاجتماعي المبكّرة بين أبناء الملّتين، الإسلامية واليهوديّة، مرجعيّة ثريّة للفكر الإسلامي الكلاسيكيّ وللفكر العربي الحديث في معالجة الظّاهرة اليهوديّة. وبفعل ثقل التاريخ واستفزاز الوقائع، وما نجم عنهما من تطوّرات، جرّاء تغيّر بنية الخارطة السياسيّة للعالم العربي، بتأسّس دولة عبريّة تستلهم وجودها الحضاريّ من المقاصد العامّة للتراث التوراتي، تأتّى انشغال الفكر العربي المستجدّ باليهوديّة واليهود. فكان الاهتمام بهذا المعطى، بالقدر الذي يثيره الماضي فإن الحاضر يستلزمه، انجرّ عن ذلك تراكم قائمة مرجعية دراسيّة هامّة في المكتبة العربيّة، انشغلت بهذا الحقل، تمازج فيها الإيديولوجي بالعلميّ والدينيّ بالسياسيّ.شكّل الارتباط المتين للنصّ القرآني بالنصّ التوراتي، سواء في المجالات العقدية أو التشريعيّة، إضافة إلى تجارب التعايش الاجتماعي المبكّرة بين أبناء الملّتين، الإسلامية واليهوديّة، مرجعيّة ثريّة للفكر الإسلامي الكلاسيكيّ وللفكر العربي الحديث في معالجة الظّاهرة اليهوديّة. وبفعل ثقل التاريخ واستفزاز الوقائع، وما نجم عنهما من تطوّرات، جرّاء تغيّر بنية الخارطة السياسيّة للعالم العربي، بتأسّس دولة عبريّة تستلهم وجودها الحضاريّ من المقاصد العامّة للتراث التوراتي، تأتّى انشغال الفكر العربي المستجدّ باليهوديّة واليهود. فكان الاهتمام بهذا المعطى، بالقدر الذي يثيره الماضي فإن الحاضر يستلزمه، انجرّ عن ذلك تراكم قائمة مرجعية دراسيّة هامّة في المكتبة العربيّة، انشغلت بهذا الحقل، تمازج فيها الإيديولوجي بالعلميّ والدينيّ بالسياسيّ.
القرآن هو الذي شرّع أبوابه لدخول الإسرائيليات واستدخالها - أحمد أشقر
تنتمي الأديان اليهمسلامية (اليهودية والمسيحية والإسلام) إلى حيّز جيوثقافي واحد، ممتدّ من شبه جزيرة العرب مرورًا بالعراق وصولًا إلى بلاد الشام. وقد شكلت تلك الأديان معًا استمرارًا ثقافيًّا، بات يشوبه الاضطراب والتنازع أكثر من الإِلف والتقارب، نتيجة الصراعات السياسية المختلفة. فاليهودية هي ديانة قبيلة بني إسرائيل العربية، استعارت خرافات وأساطير وتعاليم دينية من التراث السالف، قبلت المسيحية ببعضها، كما جاء على لسان مؤسسها يسوع المسيح "لا تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ" (إنجيل متى5: 17-18)، وبالمثل قبل الإسلام ببعضها كما ورد في نصّه التأسيسي: "نزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ"، "وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ" (آل عمران: الآيتان 2 و50).
الاختراع العلمي عند عباس بن فرناس - د.زهير الخويلدي
"كان يجري التجارب، ليتأكد من صحة كل ما يتوصل إليه، ولم يكن يقتنع بظاهر الأمور فقط، كما كان يتحقق من الأمور قبل عرضها على الناس وإقناعهم بها"
ولد أبو القاسم عباس بن فرناس التاكرني سنة 810 ميلادي في رندة بالأندلس زمن قيام الدولة الأموية من عائلة أمازيغية، ودرس في قرطبة التي توفي فيها سنة 887 ميلادي وكان مقربا من الساسة وموضع غيرة من الفقهاء وظهرت عليه علامات النبوغ منذ صغره وتبحر في الحكمة والشعر والعلوم وبرع في الكيمياء والرياضيات والفلك والفلسفة والموسيقى ،ولكنه اشتهر في مجال الاختراعات العلمية والصناعات المبتكرة.
لقد كان له السبق التاريخي والعلمي في صناعة أول قلم حبر وذلك بوصله باسطوانة مملوءة بالحبر وتمكن من صناعة نظارات طبية للرؤية المتفحصة واقتدر على تصميم ساعة مائية أطلق عليها تسمية "الميقاتة" وأوجد طريقة لاستخراج الزجاج من مادة السيليكا، كما تمكن من تقطيع الأحجار بدل إرسالها إلى مصر.
في إشكالية ترتيب مؤلفات ابن باجه فيلسوف المغرب و الاندلس - عبد الصمد البلغيثي
صدر كتاب "ابن باجه سيرة وبيبليوغرافية" عن مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث (سلسلة كتاب مجلة مرآة التراث 6) التابع للرابطة المحمدية للعلماء، سنة 2017، للباحث المغربي جمال راشق (أستاذ الفلسفة العربية الإسلامية بجامعة القاضي عياض مراكش).
يتكون الكتاب من سبعة أقسام وزعها المؤلِف كالتالي : القسم الأولُ، عرضٌ وافيِ لسيرة ابن باجه (460ه/533هـ)، استقصى فيها جميع كتب التراجم والطبقات التي تعرضت لحياة الفيلسوف، أما القسم الثاني فقد خُصص لوصف المخطوطات التي تضم تواليف الرجل وصفا دقيقا، والقسم الثالث احتوي على تحقيق نصين هامين عبارة عن تصدير ابن الامام لمجموع أقاويل ابن باجه في نسخة أكسفورد وكذا تصدير المجموع في نسخة برلين، أما القسم الرابع فقد جعله المؤلف عبارة عن جداول تتبع فيها نصوص ابن باجه، الموجودة اليوم بين أيدي الباحثين، في النسخ المخطوطة ثم تحقيقاتها وترجماتها، والقسم الخامس كان عبارة إبرازٍ للحضور الباجي في التراث العبري واللاتيني، ثم القسم السادس فيحتوي على محاولة جمال راشق في الترتيب الكرونولوجي لمؤلفات ابن باجه مع الإشارة إلى المحاولات التي سبقته، وأخيرا ببليوغرافيا غنية ووافية جمع فيها المؤلف أغلب ما أنجز عن ابن باجه، تحقيقات كانت أودراسات أو ترجمات أو مساهمات في ندوات أو أيام دراسية نشرت أو قيد النشر بلغات مختلفة.