عنوان المقال هذا ليس لي في الحقيقة؛ بل هو للكاتب الألماني المعروف غونتر غراس, الحاصل على جائزة نوبل في الآداب, والذي يُعاني - بالمصادفة – الآن من مسألةٍ في "تاريخه" لها علاقةٌ إلى حدٍ بعيد بمشكلة الحرية. فقد عاد الكاتب (البالغ من العمر 78 عاماً) لكتابة مذكراته من جديد, وهذه المرة بعنوان "تقشير البَصَل", نعم, تقشير البصل باعتبار صعوبته, وأنّ العين تدمع, وقد تجرح السكين اليد! ومذكّرات الكاتب عن فتوته طويلةٌ ومفصَّلة, وقد سبق أن قصَّ الكثير منها (روائياً) في قصصه الرائعة والتي تتوالى منذ العام 1959م, والتي أورثتْهُ جائزة نوبل للآداب بعد توماس مان وهاينر بول. إنما المهمُّ ليس الطول أو التفصيل أو الروعة؛ بل سرٌّ يذكره الرجل للمرة الأولى, وهو أنه في فتوته (كان عمره 17 سنة) خَدَم في فِرَق الأمن الألمانية (44-1945م)! وهذا الأَمْرُ شديدُ الحساسية ليس للألمان فقط؛ بل ولليهود أيضاً, وسائر الأوروبيين. فقد كانت كتائب الـ SS هذه بقيادتة هاينرش هملر مخيفةً ورهيبةً, وهي تحرس "الفوهرر", ومعسكرات الاعتقال, وتمارس أعمال القمع في الأقطار التي "فتحتها" ألمانيا النازية أو اجتاحتها. وقد كان النازيون الشبان المتحمسون يعتبرون ذلك السلاح والدخول إليه شرفاً ما بعده شرف, وما كانت فِرَقُ النخبة هذه مُتاحةً للجميع؛ ولذلك فهذه مشكلةٌ أُخرى لغــراس: إذ لا بد أنه رغم صِغَر سنّه كان نازياً متحمساً بحيث رضي الذين أجروا له مقابلة الاختيار أن يقبلوا طلبه الدخول إلى منتدى الشرف ذاك!
ولستُ هنا في معرض تقييم تاريخ غراس الشخصي, أو تأثيرات هذه الحادثة على "خلود" عمله الأدبي, الذي كان بمجمله نقداً قاسياً وأخلاقياً ضد نفاق الألمان وخضوعهم خلال العهد النازي, وتلاؤمياتهم "الكاثوليكية" بعد الحرب الثانية! السؤالُ هنا حول المعنى العميق للحرية أو الاختيار الإنساني الفردي": هل اختار غراس الانتماء إلى البوليس الحربي النازي بملء إرادته؟ هو يقول: نعم, لكنني كنتُ صغيراً، وكان الجوُّ النازيُّ جارفاً بين الفتيان الألمان. لكن: متى أدركْتَ خطأَكَ يا سيّد غراس؟ هو يقول: في مطلع الخمسينات، وظهر الندم في روايته الشهيرة: "الطبل الصفيح"، والتي وردتْ فيها العبارةُ المذكورة في عنوان المقال: أنّ للتبعية (الفكرية والروحية والمادية) وجهاً واحداً، وأنّ للحرية وجوهاً متعددة!. لكنْ يا سيد غراس, إذا كنت قد أدركْتَ ذلك فلماذا لم تُعلِنْ عنه في حين انصرفْتَ طوال أكثر من أربعة عقود إلى إدانة وتعرية ليس كلّ من سار مع النازيين فقط؛ بل وكلّ من جامَلَ أو سكت أو بقي على الحياد؟! ويجيب غراس: نعم هذا صحيح, لقد أردْتُ بناءَ فكرٍ نقدي لدى الألمان لإخراج الفتيان من إسار التاريخ ومن أوهام الحاضر. لقد أردْتُ أن أتسبّبَ في تحرير العقل الألماني والنفسية الألمانية من الجبن والخوف والنفاق والتماس المعاذير! لكنك يا سيد غراس تسبَّبْتَ في نشوء انطباعين باقيين: انطباع الذنب الأبدي للألمان باعتبارهم ألماناً.
ولستُ هنا في معرض تقييم تاريخ غراس الشخصي, أو تأثيرات هذه الحادثة على "خلود" عمله الأدبي, الذي كان بمجمله نقداً قاسياً وأخلاقياً ضد نفاق الألمان وخضوعهم خلال العهد النازي, وتلاؤمياتهم "الكاثوليكية" بعد الحرب الثانية! السؤالُ هنا حول المعنى العميق للحرية أو الاختيار الإنساني الفردي": هل اختار غراس الانتماء إلى البوليس الحربي النازي بملء إرادته؟ هو يقول: نعم, لكنني كنتُ صغيراً، وكان الجوُّ النازيُّ جارفاً بين الفتيان الألمان. لكن: متى أدركْتَ خطأَكَ يا سيّد غراس؟ هو يقول: في مطلع الخمسينات، وظهر الندم في روايته الشهيرة: "الطبل الصفيح"، والتي وردتْ فيها العبارةُ المذكورة في عنوان المقال: أنّ للتبعية (الفكرية والروحية والمادية) وجهاً واحداً، وأنّ للحرية وجوهاً متعددة!. لكنْ يا سيد غراس, إذا كنت قد أدركْتَ ذلك فلماذا لم تُعلِنْ عنه في حين انصرفْتَ طوال أكثر من أربعة عقود إلى إدانة وتعرية ليس كلّ من سار مع النازيين فقط؛ بل وكلّ من جامَلَ أو سكت أو بقي على الحياد؟! ويجيب غراس: نعم هذا صحيح, لقد أردْتُ بناءَ فكرٍ نقدي لدى الألمان لإخراج الفتيان من إسار التاريخ ومن أوهام الحاضر. لقد أردْتُ أن أتسبّبَ في تحرير العقل الألماني والنفسية الألمانية من الجبن والخوف والنفاق والتماس المعاذير! لكنك يا سيد غراس تسبَّبْتَ في نشوء انطباعين باقيين: انطباع الذنب الأبدي للألمان باعتبارهم ألماناً.