قراءات نيتشه وأبعادها النظرية - محمد المزوغي
عدم تمكّن نيتشه من الفلسفة يظهر بوضوح من خلال كتاباته التي تشكو النقص في التوثيق وغياب الإستشهاد بالمراجع والتسرّع في الأحكام والنثر المشبّع خطابة وشعريّة. ولكن الأكثر خطورة هو أن نيتشه أخلّ حتى بالعلم الذي اختص فيه أي الفيلولوجيا: فعلا، كتاب نشأة التراجيديا " Die Geburt der Tragödie" هو كتاب فيلولوجي حالم ومتوهّم. لقد خرق بذاك العمل، وهو رجل متخصّص، يدرس ذاك العلم في مؤسسة جامعية عريقة، كل المعايير والمناهج التي انبنت عليها الفيلولوجيا.
شنّ حربا شعواء على أعلام الفلسفة اليونانية الكلاسيكية وبالأخص منهم سقراط واتهمه بقتل التراجيديا هو والكاتب المسرحي يوربيدس الذي استمدّ، حسب زعمه، تعاليمه من سقراط وأدخل العقل والمنطق في أعماله المسرحية. وهي حملة بدأها قبل صدور نشأة التراجيديا في مجموعة من المحاضرات ألقاها في فترة لا تبعد كثيرا عن فترة صدور كتابه نشأة التراجيديا. هذا علاوة على أقوال مربكة وأفكار ناشزة وتُهَم خطيرة، رُكّبت على كَاهل رِجَال مِن العالم اليوناني وعلى فيلولوجيين معاصرين له وسابقين عليه. وهي أقوال ينقصها التوثيق وغير مدعّمة بشواهد تاريخية دقيقة كما هو معمول به في أي مبحث علمي يستحق هذه التسمية.
كتابان اثنان كانا لهما أثر كبير ومحدِّد في حياته الفكرية :