عادة ما يتم الأخذ بسنة 1798م كبداية لمشروع النهضة العربية، التي حاولت تغيير واقع الإنسان المفتقر للعلم والتفكير العقلاني والممارسة الديمقراطية. من الجلي أنه على ما يزيد من قرنين مرا على محاولة تحقيق ذلك، ما زالت الكثير من إشكاليات النهضة لم تحل لأنه مازال المفكر العربي إلى الآن يطرح نفس الإشكاليات النهضوية حول الدين والفلسفة، الدين والسياسة، وقيمة المعرفة العقلانية مقابل المعرفة الدينية، وطبيعة العلاقة المفترض إقامتها مع الغرب. حيث يقول برهان غليون: <<...بل أن العديد من المثقفين انتبهوا إلى أننا عدنا نطرح اليوم نفس المشكلات التي كان يطرحها منذ أكثر من قرن جيل النهضة.>>()، ويظهر أن العائق المركزي الذي أدى إلى الفشل في تحقيق النهضة، والذي انتبه إليه من انصب اشتغالهم على نقد مشروع النهضة، يتمثل في ميل المفكرين إلى اتخاذ المواقف التوفيقية، وقبول الحلول الوسطى. هذه التوفيقية أو كما سماها نصر حامد أبو زيد بالتلفيقية تجنح في آخر المطاف إلى التمسك بالماضي وبالدين أساسا. وقد اكتفى رجال الإصلاح بتقليد المرحلة الأولى من الحداثة الأوروبية. كما رأى بن مزيان بن شرقي() في كتابه "التاريخ والمصير". لأن المستوى الأول من الحداثة الغربية كان يتجه إلى استرجاع التراث الإغريقي، أما المستوى الثاني فعلى العكس اتجه إلى المستقبل بعد تطور العلوم التجريبية. وهذا ما يفسر أن العرب بقوا حتى سنة 1967م يريدون تغير أحوالهم باسم مشاركتهم السابقة في الحضارة. وميل مصلحي النهضة إلى الماضي لم يكن عفويا بل كان نتيجة ما تعرضوا له من ضغوطات جعلتهم يقدمون تنازلات و ترضيات للاتجاه السلفي. إذا ما هي الأسس الفكرية التي بني عليها مشروع النهضة العربية الإسلامية، وما حقيقة العوائق التي حالت دون أن يحقق أهدافه؟
اuالالصة بية ممثلcolor: #800000">1- في مفهوم الحداثة:<خالصة لوu>اbr /> الحداثة نمط حياتي يتجسد فيه مستوى وعي الجماعة حسب جون بودريار. وهي عكس عالم التقاليد، لأن مصطلح حداثة/Modernité مشتقة من الكلمة اللاتينيةModernus" " وتعني "الآن" أو الزمن الحاضر. في حين أن التقليد يرجع إلى الزمن الماضي، والأصل ""Modus يعني يقيس، لذلك هناك ارتباط وثيق بين الحداثة والعقلانية والعلم. يقول ألان توران: << فكرة الحداثة تغير الله من مركز المجتمع وتستبدله بالعلم، تاركة الإيمان الديني داخل الحياة الخاصة، ولا يكفي حضور التطبيقات التكنولوجية حتى نتكلم عن الحداثة، يجب بالإضافة أن يكون النشاط العقلي محميا من الدعايات السياسية أو المعتقدات الدينية.>>(). إن منشأ الحداثة في الغرب مرتبط بتغيير العلاقة التي كانت موجودة بين الدين والحياة السياسية والاجتماعية، بحيث تم زحزحة المعتقدات الدينية من مركز الحياة ليحل محلها العقل والعلم. بعد أن عانى العقل من الممارسات السياسية والدينية السائدة في العصور الوسطى، والتي فرضت عليه وصاية محاكم التفتيش.
اوdiv>
السياسي بين الصحراء والواحة عند حنا أرندت - زهير الخويلدي
" إن التعدد يظهر بالخصوص كشرط ضروري لكل حياة سياسية"[1]
يتعلق الأمر بتوسع للصحراء ومقاومة الواحة لهذا التوسع،فالصحراء هي رمز للقحط والجدب أين يعم الهلع والجوع والعطش وينعدم الأمن وتقل فرص الحياة ويقتل الأمل أما الواحة فترمز إلى الحياة والماء والخصب والراحة والإنسان أين تعم السكينة والأمن وسط الأهل وحيث توزع القبيلة منظومتها القيمية على ضيوفها مناصفة، وقد سلكت حنا أرندت عبر هذا المجاز طريقها في الفلسفة العملية نحو الإجابة عن سؤال:هل مازال لعلم السياسة معنى؟ وقامت بتحديد ماهية السياسة بكونها زرع الأمل في الحياة المشتركة على الرغم من التنوع والتعدد بين البشر وعلى الرغم من توسع الصحراء واكتساح طوفان العدم الوجود، ولقد كانت رسائلها إلى كارل ياسبرس ومارتن هيدجر متجهة نحو هذا الغرض وكانت كل مرة تخط فيها تخوفاتها وإدانتها للسياسة الشمولية وللحروب المشتعلة في العالم دون أي مبرر إنساني ودون ضرورة حياتية تقتضي ذلك. لقد رأت أرندت أنه ينبغي أن نكتب مدخل إلى السياسة حتى نساعد الفاعلين السياسيين ونجعلنهم ينخرطون فيها باقتدار ويتنزل عملها ضمن ما يعركه الجسم الانساني من أثر بيديه من أجل مقاومة ممكنة لكل أشكال الشمولية. كان هذا الوضع المتفجر كافيا حتى تسارع إلى كتابة أطروحة حول فلسفة القديس أوغسطين لتردفها فيما بعد بكتاب عن "شرط الانسان الحديث" أين ميزت فيه ببراعة بين العمل والأثر والفعل مشككة في امكانية تأثير الأفكار الفلسفية علي الواقع وتغيير شكل التاريخ وفق مخطط مرسوم مسبقا كما تدعي المثالية الألمانية في نسختها اليسارية الهيجلية. [2]
لقد رفضت هذه الفيلسوفة منذ البداية ادعاء التأسيس fondation الذي كثيرا ما ارتبط عند البعض من الفلاسفة بتوهم الريادة والتفرد والسبق وأطلقت صيحات فزع من الكارثة التي حلت بالكوكب بعد صعود النزعات غير العقلانية ورأت في فكر أوغسطين اللحظة التي انفجر فيها الثالوث الروماني:الدين والسلطة والتراث أين تصور الخيال كتعبير عن الحياة النشطة التي يظهر عليها الانسان كحيوان سياسي والتي يسميها أرسطو:"الحياة المخصصة للشؤون السياسية العمومية". وعن سؤال هل مازال بعد للسياسة معنى؟ la politique a-t-elle finalement encore un sens ? تجيب الكاتبة :"إن معنى السياسة هو الحرية" « le sens de la politique est la liberté » بمعنى أن الحرية تتحقق عندما يستكمل المرء فعله السياسي ويصل به إلى مقاصده ومراميه وترى حنا أن السياسة تقوم على واقعة التعدد البشري، " فبقدر ما تكون ثمة شعوب بقدر ما يكون هناك عالم" لأن الله خلق الانسان موحدا بينما الناس هم من إنتاج الطبيعة البشرية يجتمعون في مجموعات أساسية ومحددة في شكل فوضى كلية من الاختلافات بعبارة أخرى هم منتوج بشري أرضي.
كانط ومنزلة الخيال - محمد طواع
في عصر سيطرة التقنية، التي تتجلى إحدى مظاهرها في الحضور المكثف للأشياء الإلكترونية في حياتنا اليومية، وفي الميل إلى التعامل التدبيري، والوظيفي المحض مع الوجود، كما تتجلى في انشغالات علماء الفلك اليوم بإمكانية الحياة في فضاء الكون الواسع وربما بكيفية لا تشبه حياتنا على كوكب الأرض؛ في هذا العصر أضحى الالتباس واضحا في تقدير المسافة الممكنة بين الواقعي والمتخيل إلى درجة بات ممكنا اليوم الحديث عن متخيل واقعي أو عن ميتولوجيا الواقع.
في ظل هذا العصر وقوته التقنية الجارفة التي تتجلى في لغة الحساب الرياضي وفي النزعة نحو التحكم عن بعد في الموجود، كيف يمكن الحديث عن منزلة للخيال؟ وبأي معنى لا زال ممكنا اعتبار الخيال مصدرا للتوهم؟ ومتى كانت الحياة تستقيم بدون وهم؟ الحقيقة هي أن التوهم واحد البشر والعصور. وبما أن حقيقته هي كذلك، فإن التوهم كالضلال أو الخطأ ليس مسألة منهج بقدرما هو مسألة قدر، قدر الحيوان العاقل ومصيره. نقول ذلك لأنه الكائن الوحيد الذي يقيم داخل العالم. أما الأنعام فهي كائنات حية تشترك معنا في أمور، غير أنها لا تكابد مسألة السكن في العالم ولا مسألة التوهم والضلال أو المجاز. والفاصل بيننا وبينها هو اللغة. لكن اللغة هنا ليس كما هو متداول مفهومها لدى اللسانين أو لدى المشتغلين بعلم الدلالة، وإنما اللغة هنا في بعدها الأنطولوجي، اللغة باعتبارها مقطن الوجود. والعالم بالنسبة للإنسان كالماء بالنسبة للسمك.
بناء على ما تقدم نتساءل بأي معنى يتعين التفكير في مسألة الخيال في ارتباط بالعالم وبالإقامة والسكن والعصر عصر التقنية، العصر الذي أضحى فيه "المجاز الهندسي أعقد وأعمق وأدق من المجاز الشعري أو المجاز العلمي أو المجاز الأسطوري"(*)؟
I
التفكير في الخيال، مثله في ذلك مثل التفكير في الحواس والانفعال أو في الجسد وجنونه، يفرض حوارا ما مع الأفلاطونية، خاصة وأن نموذجها الأول -أفلاطون- قد اهتم بشكل كبير بهذه الأمور في الوقت الذي تحدث فيه عن تأثير المرايا والانعكاس، أو عن الحس المشترك، أو عن الأصل والنسخة، أو عن الحق والظاهر. وكان لذلك ارتباط بحديثه عن أنماط الصور، الصورة الأيقونة والصورة المحرفة وصورة الصور. في إطار هذا الحديث تم التشريع مع أفلاطون لما اعتدنا عليه من تمييز مانوي بين الحقيقي والواهم أو بين الموجود الحق والخيالي.
لقد شكل الخيال، دائما، بالنسبة للفلسفة، منذ نشأتها كميتافيزيقا إلى اليوم أمرا محيرا. وما تميز به في خطابها هو أنه "شيء" يتمنع عن كل تحديد صارم، مثله في ذلك مثل المسائل الجوهرية أو القضايا التي اعتبرت من قبيل العويص في الفلسفة.
من أجل فلسفة اختلافية نقدية عربية معاصرة - عبد اللطيف الخمسي
إن بناء عقل فلسفي نقدي وتجاوز أسس الميتافيزيقا المتعالية والمطلقة المؤسسة على مقولة الجوهر، لهما مطمح المثقف العربي الراغب في التنوير لا شرعنة اللاعقل وسلطة التراث. وفي هذا السياق يفرض على الفكر الفلسفي، في مجتمعنا، أن لا يتحول إلى محض تأملات ومتاهات وخواطر، بل عليه الالتحام بالنقد العقلاني في أفق بلورة نظرية فلسفية جديرة بالمتابعة والمساءلة. وهذا لن يتأتى بطبيعة الحال، وبحكم ضرورات إبيستيمولوجية، إلا بالقطع مع العقل المفارق والماهية والجوهر والحقيقة المتعالية، وعودة الأصل. ويمكن أن يشكل هذا أساس كل فعل فلسفي منهجي وعلمي وتاريخي يبدع ويجدد، ويقلق من دون خضوع للانغلاق. ولكن مسار هذا الرهان لن يتأتى إلا بتجذير عقلاني لمفهوم فلسفي وتاريخي داخل مشروع العقل، وهو: الاختلاف (différence). وقد يقود هذا الأمر إلى نقض كل عمليات تصنيم المطلق والفكر الماهوي، وبالتالي فسح المجال أمام حوار نقدي-وتفكيكي مع كل أنماط الخطاب والوجود التي تؤجل ميلاد فلسفة اختلافية عربية معاصرة. إن إنجازات الحداثة الغربية، على المستوى الفلسفي، ومنذ كانط إلى فلسفة الاختلاف، تقدم إمكانات كثيرة لنقد آليات اشتعال المطلق وتمركز المتعالي وتمأسس الأسطورة.
وإذا كان شعار الاختلاف يرفع من حين لآخر لضرورته التاريخية والفلسفية، فإن منطق الفكر العربي ما زال لا يكثف المفهوم لصالح الاستقلالية التامة للإنسان والمعرفة العقلانية، ضد كل ميتافيزيقا تحاول إلغاء الاختلاف ذاته، وبالتالي العقل النقدي. فالاستيعاب العميق للفكر الحداثي والما بعد-حداثي سيساعد على بناء تصور للاختلاف من داخل الواقع التاريخي والاجتماعي. إذ كيف يمكن أن نكون متساويين في المطلق ومختلفين في الثروة والملكية والحقوق وأداة السلطة والمعرفة؟ وكيف يلغى الاختلاف المادي لصالح التماهي والتساوي في المطلق؟ تلك هي ميتافيزيقا الهوية التي تحكم كل فكر مثالي وكل فلسفة متعالية قد تتكلم عن الاختلاف في المطلق من أجل اغتياله ضد العلم التاريخي الناقد لكل ميتافيزيقا تماثلية ما زالت تحاصر الفكر العربي، وتكرس المبدأ الواحد في الوجود والثقافة والسياسة. ولا ننسى أن الكثير من النظريات الفلسفية الرائجة في الوطن العربي مازالت تنهل من منطق الواحد والوحدة الذي نظر له كل من أفلاطون وبارميندس وأفلوطين وابن سينا وغيرهم. وبدون تجاوز منطق الهوية ومبدأ الوحدة وفرض استقلالية العقل النقدي الاختلافي فلن يستطيع الفكر العربي التحرر من سلطة التراث واللامعقول. فلا اختلاف إذن دون وعي بالتناقض المؤسس ماديا لا ذاتويا ودينيا بالمعنى الكير كجاردي (نسبة إلى الفيلسوف سورن كيركجارد).
*صدمة الفكر في حضارة اقرأ زمن العولمة – زهير الخويلدي
"
"لقد اضطر الفكر العلمي الى فصل هذا التلاحم بين حكم القيمة والتحليل،لأنه كان قد بدأ يتبين أكثر فأكثر أن القيم الفلسفية لا تسمح بتنظيم المجتمع ولا بتحويل الطبيعة.فلقد كانت هذه القيم عديمة النجع وكانت تفتقر الى الواقعية."1
يا لصدمة الفيلسوف زمن العولمة! ويا لوضعيته الصعبة! فهو على ظاهر وصوله الى المعرفة المطلقة وتشييده للنسق الذي أكمل خدمات الواقع وصار لغته مازال بعد أخف من الملائكة مثقفا هائما وإنسانا جهولا "علمنا شيئا وغيب عنا عدة أشياء"،لا يعرف"كيف يقول؟ ولا ماذا يقول؟". ألا ترى كيف أنه يؤثر الهدم على البناء والتفكيك على التأسيس والافتقاد على الامتلاء ويحاول جاهدا الكشف عن العدم ونقد النظريات دون أن يقتفي آثار المعنى ودون أن يأخذ بعين الاعتبار المشاكل الواقعية الملحة ثم ألا ترى كيف أنه يلقي بنفسه إلى الأمام وفي المجهول عن طريق العودة إلى الأصول والوقوف عند الأسس ويزعم تحقيق الصعود والنهوض من خلال القيام بخطوات إلى الوراء والتواري عن الأنظار كما يفعل الجهلة من الخلق؟هل هناك شيء أسوأ من أن يتحقق الإكتمال النظري للفلسفة عن طريق تحويل الجدال الفكري بين العلماء إلى صراع فعلي بين البشر وحروب بين الدول وصدام بين الحضارات؟ بأي معنى تنجز الفلسفة نفسها ذاتيا وتسمى عناقا للعالم لما تتجاوزه فعليا وتتعالى عليه ولم يعد بينها وبينه أي علاقة سوى التأمل النظري؟ لكن لو كان ما يدعيه هذا الفيلسوف صحيحا فيا ترى كيف بالتأمل الذي ينغمس فيه الفيلسوف عروجا إلى الحق يفضي به إلى مستنقع الأوهام؟ ألا يجدر به هنا "أن يتخلى عن وضع يكون في حاجة إلى الأوهام عوض أن يحاول التخلص من الأوهام المتعلقة بوضعه"؟ ألم يكن يريد إقامة حقيقة العالم بإزالة عالم ماوراء الحقيقة؟ فلماذا هو يهتم الآن بالأفكار كما لو كانت كيانات مستقلة لا تخضع إلا لقوانينها الخاصة ويدعي أنها قادرة على الفعل في الأشياء والتأثير على الأشخاص ويضع العدم إلها مطلقا ليغتاب به الوجود الحقيقي ويدجن براءة الصيرورة؟وهل بعد هذا نستغرب أن هذا الفيلسوف في مأزق ومن أن وجود الفلسفة في حد ذاتها في وضع متناقض؟ إذ كيف نفهم هذا اللبس: كلما استحدث الفيلسوف شيئا سابغا عليه أوصاف الكمال والأبدية ما لبث أن تأذى منه بوجه من الوجوه وحجب ظهور هذا الشيء أبعاد أخرى وكلما أرادت الفلسفة أن تفضح الأوهام وتقضي على التشويهات التي يتعرض لها الإنسان في وجوده والقيمة التي يمنحها لنفسه وللأشياء التي تحيط به كلما وجدت نفسها هي أيضا كنوع من التشويه الذي يحول الأوهام إلى حقائق والإستعارات الميتة إلى قيم ومبادئ؟
ما أشد غربة هذا الفيلسوف وما أعظم غفلته يمضي إلى تدبر أمر الوجود متفقها في الأدوار التي تنهض بها اللغة محولا الوقائع إلى تأويلات دون أن يبالي بالمنعرج الذي حدث للغة وللتغير الذي طرأ على نظام الخطاب.
مبحث الميتافيزيقا عند هايدغر - محمد المزوغي
1 - مقدمة:
على القارئ العربي أن يَعلَم بأنّ كلّ مَن يَنقد فِكر نيتشه أو هايدغر أو أيّ فيلسوف غربي آخر، لا يجب ضرورة أن يُصَنَّّف في خانة الإرتكاسيّين الذين يَكِنّون عداء مَرَضيّا للفكر الغربي أو يرغبون في إقصائه على أساس أنه فكر دخيل لا يتماشى مع ثقافتنا العربية الإسلامية. العالم الإسلامي يَتميّز عن الغرب المسيحي بروحانياته وتديّنه وأخلاقه الإنسانية العالية، في حين يَلهث الغرب نحو المادّة ويتشبّث بالأشياء الزائلة، ناسيا الأهمّ، أي الروح وغير مُعتنٍ بمقوّمات الدين الحقّ والأخلاق السّليمة. هذه التخمينات الرائجة في كثير من أوساط شبه المثقفين الأصوليين، تعكس الوجه الآخر لأطروحات مفكري اليمين الغربي المتطرّف ولمُنظّريه الرجعيّين الذين قَويت شوكتهم الآن وأصبحوا من دعاة صراع الحضارات وفضل الحضارة الغربية ومبادئها الإنسانية الشاملة على جميع الحضارات الأخرى. إنهم يرون أن الفكر الغربي الديمقراطي بعيد كلّ البعد عن الفكر المتأتي من الشعوب الأخرى وغريب عن تقاليد الشرق، وبالأخصّ الشرق الإسلامي الذي بَقي على علاّته وبطبيعته سجين اللاعقل والدكتاتورية وعبادة الأشخاص. هذه ليست بالأفكار الجديدة، بل إنّها الأرضيّة الإيديولوجية لكلّ هجمة استعمارية سواء غربية مسيحية أو حتى عربية إسلامية. كاتب هذه السطور يعارض كليهما، ويعتقد، في ما يخصّ عالمنا العربي الإسلامي الذي كثيرا ما كُبتت فيه الروح النقدية، أن الإشكال له استتباعات مستقبليّة مُحدّدة وخطيرة في مجال الإنتاج الثقافي والعلمي: المثقفون العرب المتعاطفون مع هايدغر وأتباعه، والمائلون إلى تبنّي أطروحاتهم الفلسفية وآراءهم حول الحداثة وما بعد الحداثة، قد يشعرون بالإمتعاض من النقد القاسي لِمَعَالمهم وقد يُصيبهم الذّعر معتقدين أن الناقد تحرّكه أغراض إيديولوجية بحتة أو، على الأقلّ، يضرّ بالفلسفة لأنّه يقدّم معطيات وأفكار مضادّة يمكن لأيّ تيّار رجعي إسلاموي قومي أن يستبدّ بها. كاتب هذه السطور واعِ بهذا الأمر، ولا يستبعد قطّ أن يستغلّ الظلاميّون مكاسب الحداثة لتوجيهها ضدّ الحداثة ذاتها، أو أن يستثمروا النقد الموجّه لأعلام الفلسفة الغربية لصالح تمرير خطابهم الرّجعي. هذا أمر محتمل، بل وارد ومعاين مباشرة من خلال كتاباتهم وتنظيراتهم التي قطفت القشور وتركت لبّ المسائل ومغزاها. إنها عملية تحطّ من الفكر العربي وتُجهض صيرورته التقدّميّة من الأساس. فعلا، أن يستحوذ أحدهم على مكاسب النقد ويستغلّها لصالح تمرير خطابه اللاعقلاني، فهذا أشدّ التّنكيل الذي يمكن أن تخضع إليه الفلسفة والفكر الحرّ. مَن ينتَهج هذا النهج ومن يَعتمد هذه التقنية في التنظير، فقد أوصد أمامه أبواب الحوار الجدّي وأعرض عن التفكير البناء. الفكر بصفة عامة ومنتوجات الروح والفلسفة بصفة خاصة إمّا أن تكون كلية شاملة أو لا تكون. مَن يتفلسف في نطاقه الضيّق ويكتفي بالتنظير في صلب ثقافة محدّدة فإنه يخاطر بأن يسجن مؤبدا فكره وأن يقدّم الذريعة للشّكّاك المناهضين لرفض أفكاره واعتبارها مُجرّد نزوات فرديّة لا تتقاسم همومها الإنسانية جمعاء.
ما هي الأنسنية؟ (*) - د.حازم خيري
"في موعد النصر متسع للجميع" إيمي سيزير
الإنسان Human Being وتر مشدود على الهاوية الفاصلة بين لانهايتين : الوجود المطلق ، والعدم المطلق . ولذا كان وجوده نسيجا من كلا النقيضين ، على تفاوت في نصيب كليهما منه ، وفقا للحظات الزمنية ، بكل ما تنطوي عليه من إمكانيات ، تترجح بين المد والجزر ، في تيار المصير المتوثب للروح . لكن مهما يكن من كم هذا التفاوت وكيفيته ، فالينبوع الدافق الثري للوجود الحي هو دائما الإنسان ، والإنسان فحسب ، وان نسي هو أو تناسى هذا الأصل ، فانشق على نفسه وفرض عنصرا من عناصره الوجودية على الآخر ، حتى يجعل الصلة بينهما صلة التابع والمتبوع . بيد أنه سرعان ما يرتد ، في لحظة أخرى تالية ، إلى الينبوع الأصيل للوجود الحي ، أعني إلى نفسه يستمد منها معايير التقويم ، ومن ثم يبدأ لحظة جديدة ، لها في التطور الحضاري داخل الحضارة الواحدة مركز الصدارة . وهذا العود المحوري إلى الوجود الذاتي الأصيل هو ما يسمى في التاريخ العام باسم "النزعة الإنسانية Humanism".
ويعتمد الكاتب في كتابه الماثل مصطلح "الأنسنية" للدلالة على النزعة الإنسانية المشار إليها سلفا ، والقائلة بأن الإنسان هو أعلى قيمة في الوجود ، تمييزا لها عن "الإنسانيات" باعتبارها مادة الدراسة الجامعية التي تعنى باللغات والفنون والآداب والتاريخ ، أو بمعنى أكثر حصرا باعتبارها دراسة المؤلفات الكلاسيكية الإغريقية والرومانية . وكذلك تمييزا لتلك النزعة عن "الإنسانوية" التي تستخدم للدلالة على الميل أو النزوع إلى الإنسانية أو ادعائها . ويعود الفضل في نحت مصطلح الأنسنية ( كمرادف للمصطلح الغربي Humanism ) للأستاذ فواز طرابلسي ، في إطار ترجمته لآخر مؤلفات الراحل إدوارد سعيد ، وهو كتاب " الأنسنية والنقد الديمقراطي Humanism and Democratic Criticism " ، فقد اقتضت الترجمة الوافية نحت مصطلح عربي يستوعب المضامين الفكرية التي أودعها سعيد كتابه الأخير ، والتي تبرز تطوره الفكري والأدبي وقد تأوج في التزامه النهج الأنسني.
نشأة مصطلح "الأنسنية" :
قد يكون مفيدا ، ونحن بصدد التأريخ لنشأة مصطلح "الأنسنية" ، تذكر قول الدكتور محمود رجب بأن الكلمات ، شأنها شأن الأشخاص والشعوب ، لا تنشأ في فراغ ولا تهبط من السماء ، وإنما تنشأ في قلب المجتمع البشري ، وتتكون معانيها من خلال معاناة الإنسان لمشكلات تاريخية حية .
في الفعل الفلسفي التواصلي - د.عبدالله موسى
تقترح هذه المداخلة عرض رهانين اتجاه إدراك العلاقة ( فلسفة ـ تواصل ) وهما: الرهان المعياري والرهان التبليغي .
فالأول يتعلق بالعملية التواصلية والتي أثارها باحثون في حقول متعددة علوم الإعلام، بسيكولوجيا، سوسيولوجيا الخ….أما الثاني فيتضمن إمكانات تبليغ الفلسفة وتعليمها.
فالتواصل * كما يعرفه شارل كولي Charles Cooley، هو الميكانيزم الذي بواسطته توجد العلاقات الإنسانية وتتطور. إنه يتضمن كل رموز الذهن مع وسائل تبليغها عبر المجال وتعزيزها في الزمان. فالتواصل من خلال هـذا التعريف هو جوهر العلاقات الإنسانية ومحقق تطورها. مما يجعلنا نستشف منه جملة الوظائف والآليات والأنواع ..منه خاصة الوظيفة المعرفية المتتمثلة في نقل الرموز الذهنية وتبليغها زمكانيا بوسائل لغوية وغير لغوية؛ والوظيفة التأثيرية الوجدانيةالقائمة على العلاقات الإنسانية.
في الرهان المعياري أو في التواصل من المنظور الفلسفي:
لقد طُرح مفهوم الأنا والغير في الخطاب الفلسفي كثيرا من الإشكاليات التي تنصب كلها في كيفية التعامل مع الغير وكيف يمكن للأنا النظر إلى الغير؟!
يذهب الفيلسوف الألماني "هيجل" على أن العلاقة بين الأنا والغير هي علاقة سلبية قائمة على الصراع الجدلي كما توضح ذلك نظريته جدلية السيد والعبد. أما "جان بول سارتر" فيرى أن الغير ممر ووسيط ضروري للأنا إلا أن الغير جحيم لا يطاق لأنه يشيىء الذات أو الأنا. لهذا فهو يدعو إلى التعامل مع الغير بحذر وترقب وعدوان، وأنه يستحيل التعايش بين الأنا والغير أو التواصل بينهما مادام الغير يستلب حرية الأنا ويجمد إرادته. لذلك قال: " أنا والآخرون إلى الجحيم".في مقابل " ميرلوبونتي" الذي رفض نظرية سارتر التجزيئية العقلانية، واعتبر أن العلاقة بين الأنا والغير إيجابية قائمة على الاحترام والتكامل والتعاون والتواصل. وأساس هذا التواصل هواللغة. أما "ماكس شيلر" فيرى أن العلاقة بين الأنا والغير قائمة على التعاطف الوجداني والمشاركة العاطفية الكلية مع الغير ولا تقوم على التنافر أو البغض والكراهية. ويرى" جيل دولوز" أن العلاقة التواصلية بين الأنا والغير في المجال المعرفي البنيوي قائمة على التكامل الإدراكي.
Read Moreوإذن ومن خلال هذه الرؤى ..نتساءل ، هل الفلسفة في حاجة إلى التواصل؟، أو هل يجب على الفلسفة أن تتخذ، ، التواصل كموضوع للتفكير في المقام الأول؟ ، نظرا للمكانة وللدور الذين يميزانه داخل المجتمعات المعاصرة، وهل يجب على الفلسفة نفسها أن تصبح قابلة للتواصل، كمنظومة وكوظيفة معرفية؟.
سبينوزا بين الدين والفلسفة - هاشم صالح
ما هي المشكلة الأساسية في عصر سبينوزا؟ بل ما هي المشكلة الأساسية على مدار ثلاثمائة سنة من تشكل الحداثة الأوروبية؟ إنها مشكلة الدين والأصولية الدينية. إذا لم نفهم هذه النقطة، إذا لم نعرها الاهتمام الكافي فإننا لن نفهم أبداً جوهر الحداثة ومعاركها الكبرى. عندما نشر سبينوزا كتابه "مقالة في اللاهوت السياسي" عام 1670، فإن ذلك يعني أنه انخرط في إحدى المعارك الرهيبة التي استمرت بعده طيلة مائتي سنة وأكثر. لقد أراد تحديد العلاقات بين الدين والسياسة، أو بين رجال الدين ورجال الحكم. وأراد أيضاً، وبالدرجة الأولى، البرهنة على الشيء الأساسي التالي : وهي أن حرية التفلسف، أو حرية الضمير والمعتقد والكلام، لا تضرّ أبداً بالسلام العام للدولة ولا تؤدي إلى الفسق والفجور كما يدعي اللاهوتيون. على العكس، إنها شرط أساسي لتحقق هذا السلام ولشيوع الاستقامة والنـزعة الأخلاقية في المجتمع. وبالتالي فلا ينبغي التضييق على الحرية الفكرية أو الفلسفية ما دامت تعبر عن نفسها داخل حدود القانون.
في الواقع إن هذا الكتاب يمثل أول تدخل لسبينوزا في الشؤون الدينية والسياسية لزمنه. ولذلك فهو يحتل مكانة خاصة بين أعماله. فهو قد ظهر في مرحلة حرجة من تاريخ هولندا. فالجدالات اللاهوتية كانت عنيفة بين مختلف الطوائف المسيحية وبالأخص البروتستانتية الكالفينية التي كانت تشكل دين الأغلبية. وذلك على عكس فرنسا، أو إسبانيا، أو إيطاليا حيث يسيطر المذهب الكاثوليكي بشكل مطلق تقريباً. وقد أدت هذه الصراعات اللاهوتية بين مختلف الطوائف البروتسانتية إلى انتصار المذهب الكالفيني أولاً، وذلك قبل أن يحصل تعايش سلمي إلى حد ما بين مختلف هذه الطوائف. وهو تعايش فريد من نوعه في أوروبا آنذاك. فمعظم الدول ما كانت تقبل إلا بمذهب واحد في أراضيها، وكانت تحرِّم كل المذاهب المسيحية الأخرى تحريماً قاطعاً باعتبار أنها منحرفة عن الخط المستقيم للدين المسيحي، أي عن الأرثوذكسية. وبالتالي فهي مهرطقة، أو زنديقة، ويحل تكفيرها وإدانة أتباعها وحرمانهم من الحقوق السياسية والمدنية. وهذا ما فعله المذهب الكاثوليكي في فرنسا، وإسبانيا، وإيطاليا، والبرتغال، مع البروتستانتيين. وحدها انجلترا كانت تمشي في اتجاه التحرر من الطائفية والمذهبية، أي في الإتجاه الذي سلكته هولندا. بالإضافة إلى الصراعات اللاهوتية المذكورة كانت هناك صراعات على السلطة. وهي صراعات اندلعت بين عائلة "أورانج" الملكية، وبين المجالس المحلية التي تحكم المدن والأقاليم .
الفلسفة و المؤسسة التربوية - مصطفى محسن
تمهيـد: في البعد الإشكالي لعلاقة الفلسفة بالمؤسسة: تساؤلات وعناصر منهجية أولية.
يطرح التفكير في إشكالية علاقة الفلسفة بالمؤسسة بشكل عام، وفي مجتمعنا خاصة، تركيبة معقدة وهامة من التساؤلات والأسئلة والقضايا والمشكلات النظرية والمنهجية…التي تتعدد بتعدد مستوياتها ودلالتها وأبعادها الفكرية والاجتماعية والسياسية والتربوية… ذلك أننا لا نتحدث عن مفهومي: الفلسفة (Philosophie) والمؤسسة (Institution) في شروط مجتمعاتنا الثالثية - قياسا إلى شروط المجتمعات الغربية التي "تشكل" الإطار المرجعي تبلور وتطور المفهومين الآنفين - إلا بالكثير من التعميمية والتجاوز. هذا فضلا عن كون العلاقة الملتبسة للفلسفة بالمؤسسة، التربوية تحديدا، تظل، على المستوى الكوني، مرتبطة بما افرزه التاريخ العميق لهذه العلاقة من صراعات أو مفارقات أو غموض، ومن المكونات، أو في آليات الأشغال وإنتاج أنماط متعددة من القول/الخطاب (Discours)، ومن المواقف والرؤى والتصورات وتمثلات الواقع، ومن أشكال التوجيه للفكر والممارسة في آن.
وإذا كانت طبيعة هذه العلاقة: فلسفة/مؤسسة مسألة يتداخل فيها الخصوصي والكوني، وأنها لا يمكن أن تفهم بالعمق الكافي إلا بالمعرفة الدقيقة لمجمل الشروط التي تنتظم الجدل التفاعلي للعنصرين الآنفين في فضاء اجتماعي محدد في الزمان والمكان، فإن خصوصية المجتمع المعاصر، مجتمع المأسسة والعقلانية والتنظيم المعتمد على الكثير من الآليات المستحدثة للتخطيط والتدبير والترشيد والهيكلة والتوجيه، مما يمكن أن نطلق عليه مصطلح "هندسة اجتماعية" (Ingénierie sociale)، بالمفهوم السوسيولوجي العام، فإن خصوصية هذا المجتمع قد أصبحت تتطلب، أكثر من أي وقت مضى، ضرورة توفير شروط معرفية واجتماعية جديدة لإعادة التفكير في مسألة تدبير علاقة الفلسفة بالمؤسسة التربوية. وذلك على اعتبار أن هذه المؤسسة هي، في التحليل النهائي، جزء من كل، منظومة فرعية ضمن منظومة أشمل هي المجتمع: مؤسسة المؤسسات ونسق الأنساق، في بنيته الكلية، ومشروعه التربوي والاجتماعي العام. وإذا كان كل مشروع تربوي أو مجتمعي لا يمكن تصور استقامته وتكامل عناصره ومكوناته إلا في إطار فلسفة تربوية أو اجتماعية مؤطرة للنظر والفعل، فإن مهمة تدبير العلاقة السالفة الذكر تصبح متسمة بالكثير من الصعوبة والتعقيد والاستشكال: كيف يمكن تجاوز المفارقة التي تطرحها مسألة تحديد العلاقة بين الفلسفة وبين ما يفترض أن تشكل هذه الفلسفة إطاره الفكري الموجه:
الحقيقة والسلطة - عبد السلام دخان
إن هدف الفلسفة هو التوضيح المنطقي للفكر، واذا كان العمل الفلسفي يتكون أساسا من توضيحات فسيكون من الحتمي علينا وبدون شك أن نتفلسف وهذه المسالة تفترض علينا أن نكون واضحين ويقظين."جاك دريدا
شكلت إشكالية الحقيقة محورا رئيسيا داخل كل الفلسفات إذ عدت حجر الزاوية داخل نظرية المعرفة، يتضح ذلك من خلال تاريخ الفلسفة الذي يشير إلي مجموعة من الفلاسفة بدءا من بارميندس الذي تكلم عن دروب الحقيقة وطريق الظن مرورا بسقراط، أفلاطون، أرسطو وصولا إلي ديكارت مؤسس الفلسفة الحديثة ورائد النظرية العقلانية في المعرفة.ينشا عن هذا الكلام القول أن الحقيقة ظلت ومازالت هدف الفلاسفة، مادامت الفلسفة نفسها هي السعي الدائم وراءها وإذا كانت الحقيقة تعرف بأنها ما يجب وما يمكن للعقل أن يتفق عليه فإننا نجد جميع الأنساق الفلسفية تدعي الوصول إلي الحقيقة لكنها تختلف من نسق لآخر، وبالتالي نصل إلي إشكال مطروح:هل هناك حقيقة واحد ة أم هناك حقائق متعددة؟
لعل التعريف الكلاسيكي للحقيقة-هي مطابقة الفكر لموضوعه- يجعلنا نرجع إلي اجترار كل ما سبق أن عرفناه عن الفلسفة وبالتالي سنجد أنفسنا في طوق من الصعب بما كان الخروج منه.فما هي طبيعة التحولات التي عرفها مفهوم الحقيقة؟وما السلطة؟
وماهي علاقة الحقيقة بالسلطة؟بداية لابد من الإشارة إلي لحظة ديكارت الذي بدأ من الرياضيات وأقام مذهبا مختلفا انتقد فيه الارسطية المتأخرة التي تري أن اصل المعرفة هي الحواس، وقد عمل ديكارت علي مواجهتها بالنقد الصارم والمتمثل في الشك المنهجي.
غالبا ما يتم القول إن المعرفة مستمدة من الحواس، لكن هذه الأخيرة تخدعنا في كثير من الأحيان، وتبعدنا عن قول الحقيقة"ومن عدم الحكمة أن نتق فيمن يخدعنا مرة" ويبرهن ديكارت علي هذا الخداع من خلال الحلم.وهذا يوجب علينا أن نشك في وجود ما يقوم عليه الإدراك الحسي والمتمثل في العالم المحسوس،ومن جهة أخري تواجهنا قضايا الرياضيات اليقينية التي تدفعنا لأول وهلة إلي عدم الشك فيها، لكن هناك ما يدعونا إلي الشك في صدقها من خلال افتراض "شيطان ماكر" من القوة بحيث يستطيع خداعنا وإيهامنا بكذب ما هو صادق أو بصدق ما هو كاذب،هنا يصل الشك الديكارتي إلي حدوده القصوي،فمن رفض وجود عالم وعدم يقينية الرياضيات إلي القول بعدم الشك في وجود الذات التي تشك،وبالتالي فالذات التي تشك وبالتالي فان الذات المفكرة موجودة وهو ما عبر عنه بقوله:<وspan><وstrong>