تقديم
مذهب وحدة الوجود لا تنحصر مداولته فلسفيا بعيدا عن الاديان حيث لا يخلو دين من الاديان في العالم قديما وحديثا من مذهب وحدة الوجود والفرق الصوفية التي تدين به. ومذهب وحدة الوجود مبحث إشكالي على صعيدي الاديان والفلسفة على السواء. وتختلف معالجته في تداخله بين الدين والفلسفة، ونتطرق بهذه المقالة الى مفهوم وحدة الوجود في فلسفتي اسبينوزا المثالية الايمانية وهيجل ألتأملية العقلية المثالية.
وحدة الوجود في الفلسفة
مذهب وحدة الوجود عند اسبينوزا يشبه الى حد كبير وحدة الوجود عند هيجل. وأكثر مما يشبه وحدة الوجود عند هنود ألمايا)، ويقرّ هيجل على أن اسبينوزا كان محّقا الى حد ما عندما تصّور المطلق جوهرا واحدا، لكن المطلق بالفهم الفلسفي الهيجلي أبعد ما يكون عن فهمه أنه جوهرإلهي. لذا نجد وجوب معاملة الجوهر "ذاتا" وليس هناك شيء بالمطلق لا يكون عقليا، من الممكن معرفته وتصوره عقليا) 1..
توضيح مبدئي
وحدة الوجود عند اسبينوزا حين يلتقي مع فهم هيجل ، فهذا مؤشر وجود إختلاف جوهري كبير بينهما يصل مرحلة التضاد. أهمها بداية أن أسبينوزا يفهم وحدة الوجود فلسفيا بمرجعية لاهوت الإيمان الديني بالخالق خارج الإيمان بمعجزات الانبياء، في حين يعمد هيجل فهم وحدة الوجود من منطلق فلسفي مادي على صعيد الفكر لا ديني يقوم على وحدة الادراك الكليّة العقلية في نزعة واقعية مثالية لا ميتافيزيقية..
اسبينوزا يرى بالمطلق الأزلي الشامل الإلهي جوهرا لا يمكن إدراكه خالق غير مخلوق، بدلالته ندرك الجواهر الاخرى في الطبيعة والاشياء. بينما نجد النزعة العقلية لدى هيجل تذهب خلاف اسبينوزا أن الله والطبيعة والانسان والميتافيزيقا تقوم على فكرة مطلقة واحدة عقلية لا دينية تجد أنه لا يوجد شيء حتى الروح لا يطالها الإدراك العقلي. فكرة المطلق الهيجلية تجدها تمّثل مدركات موجودات الواقع في كل شيء يدركه العقل. بل هيجل يذهب ابعد من ذلك في امكانية العقل ادراك قضايا الميتافيزيقا. ولا يوجد شيء لا يدركه العقل.
مفهوم الجوهر يختلف تماما بين الفيلسوفين، ونجد هيجل متناقضا مهزوزا في فهمه الجوهر الذي يقصده اسبينوزا ولا يؤمن به، حيث يقول هيجل : اسبينوزا على حق في إعتباره المطلق هو جوهر لا يمكن إدراكه، ليعود ينقض قوله هذا أن المطلق لا يلتقي الجوهر وهو خال من جوهر لا يدركه العقل. تناقض هيجل يتعدّى هنا مفهوم الجوهرفي الوجود الى الفكرة المطلقة التي يطال فيها العقل ادراك كل شيء.
الثقافة والناس أو عندما يضيق المدرج بالجمهور – ترجمة: د.زهير الخويلدي
مقدمة
تم الإعلان عن 567 إصدار للبداية الأدبية لعام 2018. ثقل السنين، تملأ المكتبة الافتراضية المكونة من جميع النصوص المتاحة للبشرية منذ ملحمة جلجامش، والتي يفترض أنها أقدم كتابات معروفة حتى الآن. من أجل أن نرى بشكل أكثر وضوحًا في هذا الجبل التحريري، توجهنا المراجعات والجوائز الأدبية المعتادة إلى النصوص المقدمة أحيانًا على أنها ضرورية ويجب على الجميع، وفقًا لها، أن يضيفوا إلى ثقافتهم الشخصية. من خلال هذين الجانبين، فإن الموسم الأدبي الجديد هو نموذج للمزالق التي ابتليت بها التقاليد الثقافية. من جهة، اختزال الثقافة الفنية إلى ترفيه جماهيري، في شكل حدث تسويقي آخر يهدف في المقام الأول إلى جعل اقتصاد النشر مزدهرًا. من ناحية أخرى، فإن المطالبة بتعريف شخصي لما له طابع ثقافي وما ليس له طابع ثقافي، وبالتالي وضع تفضيلات المرء كمعايير للذوق السليم. وبالتالي، فهي أيضًا وفوق كل شيء فرصة لطرح الأسئلة على أنفسنا فلسفيًا حول مفهوم الثقافة المقيدة بعلاقتها بالفن، وبما أن تعريف الأخير يتطلب على الأقل عددًا من الأعمال مثل تلك التي تظهر في هذا الموسم الأدبي، لنرسم أولاً ما إنه ليس كذلك، من أجل رعاية ثقافة الثقافة بعد ذلك بشكل أفضل.
مكانة الفلسفة داخل العالم وخارجه حسب ملاحظات جان باتوشكا - ترجمة: د.زهير الخويلدي
الترجمة:
" هذه الكلمات القليلة لا تدعي أنها فلسفة بالمعنى الصحيح للمصطلح. لن ندخل هنا في جوهر المشاكل الفلسفية الصحيحة. ليس طموحنا أن نساهم في الحوار الفلسفي الذي يستمر بين العصور، من الألف إلى الألف: حوار أولئك الذين كان وجودهم في الزمن - أكثر من وجود الشاعر أو البطل، محسوبًا للخلود - إلغاء الزمن. كل عظمة ترجع في النهاية إلى اختراق ما هو خارج الزماني في غضون الزمن، لكن العظمة الفلسفية تعني أيضًا الفهم الصريح لوحدة الزمن وما فوق الزماني. لكن، أليست هذه العظمة غريبة عن الوقت الحاضر، وغير حساسة حتى لعظمة الشاعر والبطل؟ أليست الفكرة التي لدينا عن الفيلسوف هي فكرة الانسان الذي تظهر له الحياة كلها بالضرورة كمسألة تفكير، لشخص ليس مجرد فيلسوف في بعض الأحيان؟ وفي بعض الأحيان فضائل الا فيلسوف حقيقي؟ في حين يبدو أن الفلسفة في الوقت الحاضر أصبحت شيئًا عرضيًا يمكن لمسار الحياة إما تجاوزه أو تركه جانبًا تمامًا. كيف يمكن لفلسفة من هذا النوع، مشتقة وبدون عاطفة، أن تقاوم اعتداءات "العالم"؟ ألا ينبغي لها أن تجمع نفسها، وتطلب الدعم قبل كل شيء فيما هي في فكرتها، وماذا يمكن أن يكون للفيلسوف الملموس؟
بهذا المعنى، هناك تجربة فلسفية، عملية صعبة لا يمكن لأي فرد أن يدعيها لنفسه، لكنها عمل البنوة العظيمة. ستكون هذه التجربة، في سمات معينة نعتبرها أساسية، موضوع الارتجال التالي. نعود إلى هذا: هدفنا هنا ليس القيام بالفلسفة. سنقتصر على محاولة متواضعة لانتزاع الفلسفة من النسيان - إلى سوابق الذاكرة، وبالتالي، والتي لا تفشل في إدراك المخاطر التي تتعرض لها. في الواقع، قد يكون من المفيد الحديث عن البعد الثالث في عالم بلا عمق. لا يسمح لنا الإطار المقيد الموجود تحت تصرفنا بتبرير أطروحاتنا كما كنا نود، على الرغم من أنها بلا شك تتمتع بشرعية أعمق من اللطافة الفلسفية للإنتاج الذي يجرؤ اليوم على تقديم نفسه تحت عنوان الفلسفة.
تاريخ الفلسفة من وجهة نظر يورغن هابرماس - ترجمة: د.زهير الخويلدي
"عندما بلغ هابرماس عقده التاسع من حياته، أراد أن يبني مبلغًا كبيرًا، تحفة لشخص حكم عليه عصره بالعزلة الفكرية. من خلال الإصرار على هذا الجانب، فإنه يعطي لونًا متحركًا لهذا العمل الذي تكتسب عملاقته معنى غير متوقع. لقد جسّد هابرماس بامتياز الجيل الثاني من مدرسة فرانكفورت هذه التي عرّفت نفسها على أنها "نظرية نقدية". لم يدير ظهره لما كان يمكن أن يكون دليلاً لحياة فكرية كاملة. هذا الثبات بالذات، هذا العناد الذي لن يسهم قليلاً في مكانتها، سيكون له أيضًا فضيلة إنتاج عمل فلسفي من التماسك الذي لا يمكن إنكاره، بغض النظر عن تقدير المرء للتوجه الذي يتبعه. يكفي القول منذ البداية إننا لا ندرك أنفسنا بالضرورة في مقاربة هذه "النظرية النقدية" التي بدأناها قبل الحرب العالمية الثانية من خلال عمل أدورنو وهوركهايمر. لا يمكننا، في الواقع، الموافقة على هذا المفهوم للفلسفة كمعرفة كاملة، تفيض نحو التخصصات التي تعتبر مرتبطة مثل علم الاجتماع أو التفكير السياسي، وحتى علم اللاهوت. من خلال المعانقة أكثر من اللازم، فإنك تخاطر بأن لا تعانق أفضل من الصحفي الجيد. ان كتاب مثل هذا له ما يشبه نهرًا هائلاً، نوعًا من أمازون يحمل مادة كبيرة، يضيع فيه المرء أحيانًا ويمكن أن يختنق - ومن هنا جاءت الملاحظة المتكررة بأن قراءة هابرماس صعبة.
إدراك المكان بدلالة وهم الزمان - علي محمد اليوسف
للإجابة على فك الاشتباك بين المكان والزمان وعلاقة الذاكرة بالخيال وعلاقة الاثنين مع الزمان :
- الذاكرة هي مستودع ما تختزنه الذات من تجارب الحياة على شكل تراكم خبراتي يصيبه النسيان مع مرور الزمن. الذاكرة ليست تموضع تجريدي في الوعي الادراكي فقط بل هي وجود عضوي في بعض خلايا الدماغ. كذلك الخيال وان كان يغلب عليه اللاشعور فهو ايضا يحسب على بعض الخلايا العصبية بالدماغ هي المسؤولة عن تداعيات الخيال.
- الخيال ليس مصدره الذاكرة بل مصدره المخيلة التي تبتدع الخيال بلغة التعبير عنه تجريديا بالفكر واللغة. هنا تكون المخيلة زمانا زائلا بخلاف الذاكرة التي تكون زمانية ثابتة بدلالة مكانها الثابت في تركيبة الدماغ العضوي لبعض الخلايا العصبية. الزمان حركة دائمية حتى حين يلازم كل مدرك وجودي ثابت.
الزمان في علاقته بكل من الذاكرة والخيال اوضحه بالتالي:
الذاكرة هي وسيلة التعامل مع الزمن الماضي كإستذكارات لحقائق تاريخية حدثت فيه، واخذت صفة الثبات كوقائع تاريخية وليست زمنية ملازمة حيادية تجريدية الادراك. اننا حين نقول ان الوقائع التاريخية هي ثبات زماني غير مدرك فاننا بذلك نعتبر ثبات الزمان الوهمي يقاس بدلالة ثبات المكان الواقعي الحقيقي كتاريخ ماضي وليس كزمن ماض.
رغم استحالة استذكار الذاكرة لوقائع التاريخ من دون ملازمة زمنية ادراكية محايدة تجريدية لها، فإن هناك فرقا كبير بين زمن الذاكرة الذي هو استمرار تداعيات التذكر لاحداث الماضي، وبين الزمان التاريخي الذي حدثت فيه وقائع ذلك التاريخ الذي تحاول الذاكرة استحضاره من ماضيه التاريخي الى زمانيتها في الحاضر الذي تعيشه الذاكرة. بالحقيقة الاستذكار الخيالي لا زمني.
الزمن وجود حقيقي ام افتراض دلالة وهمي؟ - علي محمد اليوسف
نشر الباحث الفلسفي المغترب حاتم حميد محسن مقالة مثيرة على موقع المثقف بعنوان ( اشكالية الزمن.. هل الزمن موجود؟). الحقيقة انا كنت نشرت عدة مقالات تناولت فيها اشكالية الزمن هل هو موجود حقيقي نسبي يدرك ومطلق ازلي لانهائي لا يدرك من حيث وحدة الصفات والماهية غير المدركتين عقليا، ام الزمن دلالة واسطة معرفية افتراضية لمدركاتنا معرفة العالم والطبيعة والكون.
السائد فلسفيا ان الزمن حضور غير وهمي في ملازمته المكان بمشروطية اكتمال ادراكاتنا الاشياء. وهذه نظرية كانط في الزمكان.. وجدت نفسي اكتب هذه المقالة حين علمت اشكالية الزمن الموجودية كانت مثار نقاش فلسفي في كتاب صدر في الولايات المتحدة الامريكية لثلاثة باحثين بكتاب يعالج هذا الموضوع.
مقالة الباحث الفلسفي حاتم استعرض بها بشكل مقتضب ابرز النقاط في الكتاب الذي صدرحديثا بالانكليزية ولم يترجم للعربية اعتمده الباحث نقلا عن ثلاثة باحثين بالفلسفة امريكان هم :كريستي ميلر، جونثان تالوت، وسام براون. تناولوا فيه اشكالية السؤال المثير هل وجود الزمن حقيقة مدركة ام هو وهم افتراضي في تعالق الزمكان ادراكيا كما اثبته كانط اثباتا ميتافيزيقيا وليس فيزيائيا؟..
طالما نحن نناقش تعالق الزمكان ضمن توليفة ادراكية عقلية معرفية لا بد لنا من طرح الاجابة عن التساؤل المثير حول اشكالية الزمن ...هل الزمن موجود ام هو دلالة وهمية للادراك ؟ .
فلاسفة : رؤى فلسفية إشكالية - علي محمد اليوسف
هارتمان والتفكير المادي
في تفرّد متمايز وفلسفة واضحة بلا تعقيد يطرح نيقولاي هارتمان احد اعضاء مؤسسي فلسفة الحياة رؤاه الفلسفية "جوهر الفكر أنه لا يستطيع التفكير بعدم، بل فقط بشيء ما ". ويضع هارتمان بعض ركائز فلسفته المادية في إعلائه قيمة العقل قوله " أخطأت الميتافيزيقا القديمة خطأ مزدوجا، فقد كانت تدّعي من جانب أنها تقدم حلا لما هو غير ممكن المعرفة، ومع ذلك فإن كل موجود يمكن إدراكه ومعرفته."
بهذه العبارات يجّنبنا هارتمان الخطأ المستمر تداوله إعتبارنا الميتافيزيقا تستطيع معالجة الوجود والاشياء كموجودات مادية، وهذه الخاصّية تتقاسمها الميتافيزيقا مع جميع الفلسفات المادية غير المثالية. كما أن القول الانسان كائن ميتافيزيقي لم تمت رغم إدعاء نيتشة موت الاله وإدعاءات فلاسفة المادية العقلية العلمية إنتحار الاديان في منجزات العلم. ويذهب البعض ان جوهر الفلسفة هو الميتافيزيقا الذي بدايته كانت مبحث الوجود في الفلسفة اليونانية.
يقول هارتمان بوضوح إسلوبه الفلسفي الرشيق " العقل العارف – عقل المعرفة - يتجه في الإتجاه المعاكس للعقل المدرك للماهيّات ". هنا يتوجب علينا التنبيه الى أن العقل لا يدرك الماهيّات في كل مدركاته كونها مضيعة وقت بحسب فلسفة كانط وفلاسفة اخرون وكذا الماركسية.
إنسانية الفرد والفعل الاجتماعي - إبراهيم أبو عواد
1
مركزيةُ الوَعْي في الروابط الاجتماعية مُرتبطة بالتَّحَوُّلات التاريخية التي تُساهم في تطويرِ الأنساق الثقافية، وتوظيفِها في إفرازات الفِعل الاجتماعي القائم على العقلانية ، التي تُمثِّل الأساسَ لشرعية وجود الفرد في المُجتمع ، وتُشكِّل القاعدةَ التي تقوم عليها العلاقةُ المُتبادلة بين الهُوية المعرفية والماهيَّة الأخلاقية . وإذا تَمَّ تحليلُ هذه العلاقة في ضَوء المَعنى الذي يُسْقِطه الفردُ على كَينونته ، فإنَّ الفِعل الاجتماعي سَيَكشف معالمَ نُقطة الالتقاء بين السُّلوك الإنساني والرمزية اللغوية ، مِمَّا يُساهم في تفسير خصائص المُجتمع المُتَحَرِّرَة مِن النماذجِ الجاهزة لسُلطة التاريخ ، والحالاتِ الشُّعورية البعيدة عن الواقع . والواقعُ لَيس مَفهومًا مُجَرَّدًا ، أو انعكاسًا ميكانيكيًّا للفِعل الاجتماعي، وإنَّما هو كِيَان يُزيل العوائقَ بين الوسائل والغايات ، ويُحوِّل الوَعْيَ إلى أداة فاعلة لتحليل الوقائع التاريخية والأحداث اليومية ، ويُكرِّس آلِيَّاتِ التأويل اللغوي لنقل المَعنى مِن الفِعل إلى الفاعليَّة ، ويُحدِّد الخُطُوطَ الفاصلة بين المصلحة العامَّة والمنفعة الشخصية .
عندما نقرأ لجون بول سارتر - ذ . رشيد سكري
عندما أقرأ كتابي المفضل " المتخيل " لجون بول سارتر ، أحس أن الخيال ذاتي ، وأنه جزء لا يتجزأ عن البسيكولوجيا . فما كان أمام هذا الوجودي إلا أن يشرح لتلامذته ، في الباكلوريا ، أن الإدراك والمعرفة و الفهم والشعور والذاكرة ، جميعها تحتل مناطق غامضة من الذات الإنسانية . فكان الاهتمام بالصورة ، التي زلزلت العالم اليوم ، منبعا يفيض حيوية ونشاطا ، فمهما اشتد حبل الإبهام والغموض من حولها ، كلما عنت لنا أشياء جديدة تزيد من تعلقنا بأهداب هذا المتخيل الفاني .
ففي سنة 1927 دشن سارتر مساره العلمي ، ووضعه على المحك ، من خلال بحثه لنيل دبلوم الدراسات العليا في موضوع " الصورة في علم النفس " ، والذي حدد فيه العلاقة التي تربط بين الشعور والصور الذهنية . فالإحالة و التأويل عنصران يشتغل بهما العقل الباطني عند الإنسان ، فاستحداث التمثيل الذهني لابد أن يعود إلى مرجع مادي لا إلى معنى يخيط به الوجود . بهذا كان سارتر من السباقين إلى عقد قران بين التفكير والصورة الذهنية ، وجعل من القدرات ، التي يتمتع بها الانسان ، محط تأمل .
ف" الخيال " عنوان كتاب صغير ألفه سارتر سنة 1936، ولم يعرف طريقه إلى القراء إلا بعد مرور أربع سنوات بعد ذلك ، غير أن التفكير السارتري تأثر كثيرا بفلاسفة سبقوه إلى إزالة أطودة الجليد ، التي تراكمت على الفكر النفسي منذ نهاية القرن التاسع عشر ، وفي مقدمتهم نجد الفيلسوف هنري برجسون . بما هو أعطى أهمية قصوى للتجربة الملموسة والحدس ، ليشكلا فيما بعد دعامته الأساسية في وضع أسس اشتغال علم النفس والخيال . فالدور الذي قام به هذا الفيلسوف هو منح لسارتر التذوق الفلسفي للأشياء ، التي تسكن الوعي ، من خلال كتابه " المادة والذاكرة " ، الذي ألفه نهاية القرن التاسع عشر، وبالضبط سنة 1897 .
الأزمة ومفهومها من منظور بول ريكور - أحمد رباص
لأقلها منذ البداية: هذه قراءة موجزة لمقالة فلسفية نشرها بول ريكور سنة 1988 في مجلة اللاهوت والفلسفة.
لا ينفرد هذا النص، الممتد بين الصفحة 1 والصفحة 19، بكونه يستدعي المنهج الطبي لاستثمار الظاهرة المدروسة - وقد استحوذت أخلاقيات علم الأحياء على هذا الموضوع. ويترتب على ذلك أننا، كقراء، لن نستكشف هنا الجانب الأخلاقي المروع الذي يمكن أن تتخذه الأزمة، كما حللها بول ريكور على شكل عقلنة ضرورية لألم المعاناة "التي كانت المهمة البابلية والمهمة العبرانية شاهدتين رائعتين عليها".
أكد بول ريكور منذ البداية أنه تعامل مع الأزمة على أساس أنها أزمة الزمن الحاضر، هي بطبيعتها مشوشة، إذ - بحكم التعريف - لم يتم حل النزاعات التي تعبرها. وأشار إلى خمس نقاط ارتكاز لهذه الفكرة، بل خمسة نماذج دراسية: ا) نموذج طبي، بل علاجي، بمعنى عملية تطهير؛ ب) حالة نفسية - فيزيائية - (مرضية) - منطقية من الضيق الجسدي والنفسي العميق ؛ ج) الانتقال من نموذج الأقلية إلى نموذج الأغلبية ؛ د) نموذج معرفي، يتجسد التقدم الذي يتطور عبر القطيعة ضمن عملية تعقيد المعرفة؛ ه) الاقتصاد، الذي ليس العامل الوحيد للأزمة.
معتبرا النموذج الطبي كمرجع، حدد بول ريكور أن الآلام دائما هي التي تعمل كمؤشرات على التباينات والتفاوتات والتناقضات التي تؤثر على النظام الاجتماعي ككل. واستنتج من ذلك ما يلي:
"هذه المعاناة في نهاية المطاف هي التي تشكل تهديدا لجميع التوازنات الأخرى وفي النهاية للأيديولوجية المهيمنة، أي التسلسل الهرمي للقيم الذي يتم من خلاله تعريف المجتمع العالمي".
من هنا، وضع الناس "نظرية" للأزمات: الاستقلال الذاتي لوسائل الإنتاج، وتواترها، والعولمة باعتبارها "إيديولوجية الليبرالية الجديدة" التي "فرضت على العالم الغربي تمثيل الظواهر الاقتصادية على أنها منفصلة عن المجتمع و تشكل في حد ذاتها نظاما متميزا يجب أن يخضع له العالم الاجتماعي بأسره "(وفقا لـ Dumont) وتؤثر ، وفقا لـ K. Polanyi، "ليس على العوامل الثقافية بل أيضا على البعد السياسي، على الرأسمالية الليبرالية التي كانت تحتضر سنة 1939، عندما دفنت الفاشية بشكل غير رسمي".
لودفيغ فتجنشتاين الفيلسوف الأكثر تميزا في القرن العشرين - أحمد رباص
يعتبر لودفيغ فتجنشتاين من أكثر الشخصيات أصالة في القرن العشرين. كان قيد حياته فيلسوفا شديد الانغلاق، تناوب بين مسارات مهنية ووظيفية. يرى البعض أنه باشتغاله على اللغة وضع أسس الذكاء الاصطناعي.
هو المفكر الأكثر فرادة في القرن العشرين. متسبب في التفجير، حكيم ومجنون، قديس وشيطان. يبدو كأنه هارب من رواية قد يكون دوستويفسكي وكونان دويل حاولا كتابتها معا. ولأن القلق وعشق الانتحار التهما في آن واحد فيتجنشتاين وسكنه عبقري منطقي فقد تخطى الفكاهة. تكاد وفاة الرجل عن عمر يناهز 62 عاما، في نهاية أبريل 1951، تكون تفصيلا ثانويا. كلماته الأخيرة: "أخبروهم بأنني عشت حياة رائعة". تخللتها بالفعل مغامرات فكرية، كانت مشبعة بالتناقضات، انتقلت من ثراء فاحش إلى فقر مدقع، من الجامعة إلى جميع أنواع المهن (مهندس، بستاني، مدرس، مهندس معماري، حمال، إلخ..).
في القرن الحادي والعشرين، استمر فتجنشتاين في إرباك الفكر: مؤخرا، لاحظ باتريك هيبرون، خبير الذكاء الاصطناعي لدى المقاولة الإعلامية Adobe، الذي درس الفلسفة مع جاري هاجبرج، المتخصص في فيلسوفنا النمساوي، أن بنية الشبكة الموضوعة لتشغيل ترجمة غوغل كانت عبارة عن تمثيل حرفي لعمل فيتجنشتاين في اللغة.
كل شيء بدأ في فيينا نهاية القرن التاسع عشر، في حضن أعظم ثراء. عاش آل فيتجنشتاين، سادة الصياغة، في قصر فخم، حيث توجد ثروات عظيمة أخرى من الحديد الصلب، آل كارنيجي أو آل كروبس. كان الأب كارل هو راعي الطليعة. تردد لودفيغ أثناء طفولته على برامز وماهلر، صديقي والديه.
رسم كليمت صورة زفاف أخته مارغريت، الأكثر إشعاعا فكريا من بين الأطفال الثمانية، والتي ستجري تحليلا مع فرويد.
تعلم لودفيغ العزف على البيانو وحلم بأن يكون قائد أوركسترا. شوهد شقيقه الأكبر، بول، عازف البيانو في الحفلات، يعزف بيده اليسرى لأن اليمنى جرحت في الحرب. لكن هذه العائلة اجتاحتها اضطرابات بدليل أن اثنين من إخوته الأكبر سناً انتحرا.