إيمانويل كانط فيلسوف ألماني من القرن الثامن عشر (1724 - 1804). ولد في كونيبغسبرغ ضمن وسط اجتماعي متواضع، عاش حياته كلها في مسقط رأسه المنتمي لمملكة بروسيا.
كان آخر الفلاسفة المؤثرين في الثقافة الأوروبية الحديثة، وأحد أهم الفلاسفة الذين كتبوا في نظرية المعرفة الكلاسيكية. كان إيمانويل كانط آخر فلاسفة عصر التنوير الذي بدأ بالمفكرين البريطانيين جون لوك وجورج بيركلي وديفيد هيوم.
اشتهر بشكل أساسي بكتابه "نقد العقل الخالص"، ولكن أيضا بتفكيره في الأخلاق، في علم الجمال وفي السياسة. كان هو الرابع في عائلة مكونة من أحد عشر طفلاً، ولد وتوفي في كونيغسبرغ، ولم يغادر مسقط رأسه أبدا. عاش وفقا لاستعمال زمن ثابت. كمدرس في جامعة كونيغسبيرغ، كان من أوائل الفلاسفة الذين شغلوا كرسيا جامعيا.
ولد كانط عام 1724 في مدينة في وسط اجتماعي متواضع. امتهن والده السراجة، ما يعني أنه كان يشتغل على الجلود.
درس في ثانوية فريديريسيانوم، ثم التحق بجامعة كونيغسبرغ في سن السادسة عشرة. أراد دراسة علم اللاهوت، لكنه تلقى أيضا دروسا في الرياضيات والفلسفة، اللتين عرفتاه على فكر لايبنيز.
اكتشف فكر نيوتن، وأخذ يهتم بالفيزياء وعلم الفلك.
عند بلوغه السادسة والعشرين، كان عليه أن يتوقف عن دراسته، بعد وفاة والده، لكسب لقمة العيش. كمدرس، أعطى دروسا للعائلات الثرية. دامت هذه المرحلة من حياته تسع سنوات، وخلالها حرر أطروحته الأولى: "أفكار حول التقييم الحقيقي للقوى الحية".

              عرفت فلسفة العصر الوسيط هيمنة كبيرة لإشكالية التوفيق بين الفلسفة من جهة والدين من جهة أخرى، ومن ثم كانت معالجة الفلاسفة في هاته المرحلة لأسئلة مرتبطة بذات الإشكال، مادام الفيلسوف يلتقط الإشكالات التي تعبر عن روح العصر الذي يعيش فيه. وبما أن المرحلة القروسطية الإسلامية والمسيحية قد تميزت بهذا التوتر بين الديني والفلسفي، فإن الفلاسفة الذين عاشوا خلال هاته الفترة، قد قدموا إنتاجات أشكلوا من خلالها هذا التوتر من خلال أزواج مفهومية تعكس طبيعة هذا الصراع: العقل/ النقل، الحكمة /الشريعة، الدين/ الفلسفة، الاتباع/ الإبداع، الرواية/ الدراية...لقد كانت كل الأسئلة التي شغلت اهتمام فلاسفة العصر الوسيط منتظمة ضمن إشكالية كبرى، وهي إقحام الفكر العقلاني المستلهم من الفكر اليوناني داخل حضارة يهيمن عليها الجانب الديني. من هنا يعتبر إيميل برييه أن الفلسفة الوسطوية هي تجربة فكرية واسعة لتقديم حل لمشكل للعلاقات القائمة بين العقل والإيمان.1 أي بين الحقيقة التي تستمد صلاحيتها من النص الديني المقدس وتلك التي تستمدها من الاستدلال العقلي المستمد بدوره من الفلسفة اليونانية. ولعل أبرز سؤال في هذا السياق هو سؤال البحث عن الله ومحاولة إثباته من خلال حجاج عقلي.

         ويعتبر الغزالي/ ابن رشد ممن ترجموا هذا التوتر في المجال التداولي الإسلامي، في محاولة تناولهما علاقة الشرع بالفلسفة والمنطق: هل صحيح أن المنطق بما هو مدخل للفلسفة يودي بصاحبه للكفر؟ هل حقا كل من تمنطق قد تزندق؟  وهل يبيح الشرع الاشتغال بالفلسفة؟ وهي إشكالية جهل فيها الفلاسفة الفقهاء وكفر فيها الفقهاء الفلاسفة يقول المقري في كتابه " نفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب" وهو يؤرخ لهذه المرحلة :" إن كل من عثر عليه يشتغل بالفلسفة والتنجيم إلا ورمي بالزندقة وربما طولب في دمه"2وفي هذه المرحلة طرحت مسألة التأويل بين دعاة الإبداع وتقديم العقل على النقل، من منطلق أن منطق الوحي يساير منطق التاريخ ويحايثه، وبين دعاة النص والاتباع ممن يعتبرون منطق الوحي يتعالى على التاريخ يقول محمد عابد الجابري متحدثا عن طبيعة الإشكالات التي حكمت الفلسفة الإسلامية لقد دشن الكندي عملية"تعريب"الفلسفة وتبيئتها (...)ويأتي الفارابي (...)لينادي بخطاب العقل(...) الذي لا يرى في الاختلاف بين الدين والفلسفة سوى اختلاف في طريقة التعبير(...)أما ابن سينا (...)فقد كرس بفلسفته اتجاها(...) كان له أثر(...) في ارتداد الفكر العربي الإسلامي من عقلانيته المتفتحة، التي حمل لواءها المعتزلة والكندي، وبلغت أوجها مع الفارابي، إلى "لاعقلانية"(...)لم يعمل الغزالي(...)إلا على نشرها وتعميمها في مختلف الأوساط(...) لنول وجهنا شطر المغرب العربي (...)، حيث سنجد الفلسفة العربية الإسلامية(...)تستعيد دورها الطلائعي مع بداية "الثورة الثقافية" التي دشنها "ابن تومرت"، وواصلها خلفاؤه من بعده (...)"ابن باجة "(...)،و"ابن طفيل"(...)ذلك مقال جديد أسس عليه "ابن رشد خطابه الفلسفي الأصيل."3

ولد فريدريك نيتشه في عام 1844 في قرية هادئة في الجزء الشرقي من ألمانيا، حيث كان أجداده - على مدى أجيال – قساوسة الأبرشية المحلية. لقد اجتهد على نحو جيد بشكل استثنائي في المدرسة والجامعة؛ وتفوق في دراسة العلوم اليونانية القديمة، والتي كانت موضوعاً مرموقاً للغاية في ذلك الوقت، لدرجة أنه أصبح أستاذاً بجامعة بازل عندما كان لا يزال في منتصف العشرينات من عمره.
لكن مسيرته المهنية الرسمية لم تنجح. لقد سئم من زملائه الأكاديميين، وتخلى عن وظيفته في التعليم الجامعي، وانتقل إلى سويسرا وإيطاليا حيث كان يعيش بتواضع وغالبا بمفرده. تم رفضه من قبل سلسلة من النساء، مما تسبب له بالكثير من الحزن والأسى الذي وصفه بقوله "انعدام الثقة لدي هائل". لم ينسجم حتى مع أفراد عائلته المقربين، وهو ما تجلى بقوله: "أنا لا أحب والدتي ومن المؤلم حتى بالنسبة لي أن أسمع صوت أختي". وفي نسق عزلته، أطلق شارباً كبيراً وكان يمشي لمسافات طويلة على الأقدام في كل موطن أقام فيه كل يوم. لسنوات عديدة، كان من الصعب للغاية أن تباع كتبه على الإطلاق. وعندما كان عمره 44 عاماً، انهارت صحته العقلية تماماً. لم يتعافَ أبداً بعد تلك الانتكاسة الصحية، وتوفي بعدها بأحد عشر عاماً في شهر أغسطس من العام 1990.
اعتقد نيتشه أن المهمة الأساسية للفلسفة هي تعليمنا كيف "أن نصبح على ما نحن عليه". بمعنى آخر، كيف نكتشف ونكون أوفياء لأعلى إمكاناتنا الكامنة.
تحقيقاً لهذه الغاية الفلسفية، طور أربعة خطوط فكرية مفيدة:

إذا كان فيورباخ هو الذي قلب و"تجاوز" هيجل، يجب أن تكون مقولات الديالكتيك الماركسي غريبة جذريا عن تلك الخاصة بالديالكتيك الهيجلي؛ من هنا، مثلا، رفض المفردات الإيديولوجية للاغتراب، وهو رفض قديم العهد لدى ألتوسير؛ من هنا مرة أخرى مفهوم "الإفراط في التحديد"، المقتبس من فرويد: كل تناقض مفرط التحديد، أي تحدده عوامل غير متجانسة، في حين أن التناقض الهيجلي، وهو أيضا تناقض "التقليد الماركسي"، بسيط دائما. وإذا كان هناك بالفعل، وفقا لرسالة الكلاسيكيات، "تحديد مفرط في آخر حالة من جانب الاقتصاد"، فيجب أن يُضاف على الفور أنه "لا في اللحظة الأولى ولا في اللحظة الأخيرة، الساعة المنفردة من المثال الأخير لا ترن أبدا" ("التناقض والإفراط في التحديد"، 1962).
يمكن وضع كل أعمال لويس ألتوسير تحت علامة "العودة إلى ماركس"، المتوازية مع "العودة إلى فرويد" التي قام بها لاكان. وهذه العودة إلى ماركس يُنظر إليها على أنها مهمة سياسية: رهان ألتوسير الكبير هو تجديد الحزب الشيوعي الفرنسي انطلاقا من النظرية.
1) العودة إلى نص ماركس تعني رسم خط تحت التقليد الماركسي، وفوق كل ما يحل محل "النظرية" داخل الحزب الشيوعي الفرنسي. 2) في تعارض شديد مع تمجيد أعمال ماركس الأولى، التي يغلب عليها الطابع الفلسفي، تسعى هذه العودة إلى أن تكون بحثا عن الفلسفة الموجودة في أعمال ماركس الناضج، حيث لم يتم الكشف عنها أبدا كما هي. وإذا كانت فلسفة ماركس حاضرة وغائبة في نصوصه، فيمكن تقديم المشروع الألثوسيري إما كعودة أو كبداية جديدة، بل كبداية. وإذا كان ماركس ونيتشه وفرويد "أطفالا بلا آباء" ("فرويد ولاكان")، فإن لويس ألتوسير والأتوسيريين يمكن أن يعتبروا أنفسهم دون تمييز أنهم أطفال بلا آباء وأفضل أبناء الأكثر خصوبة من بين الآباء.

الترجمة:
مقدمة
الأخلاق تجيب على السؤال: ماذا أفعل؟ على هذا النحو، يتم التعبير عنها من خلال الواجبات، وبالتالي ينبغي أن تظهر البيانات المعيارية في الأسس الأولى للفعل البشري وتظهر في النتائج. لكن كيف نميز الأخلاق عن الأنواع الأخرى من البيانات المعيارية؟ كيف يتسنى لنا التمييز بين الأخلاق والقانون؟
توضح الإجابات على هذه الأسئلة، عبر تاريخ الأفكار، المفاهيم المختلفة للأخلاق. يتفق المؤلفان على التأكيد على أن الأخلاق هي قاعدة عمل مرتبة للخير، والتي يعرفها الفاعل ويفرضها على نفسه.

الأخلاق القديمة: السعادة كغاية
يمكن تطبيق مصطلح "علم السعادة"، الذي يستخدم لتعريف الأخلاق التي تكون غايتها السعادة أو الهدوء، على جميع الأخلاق القديمة - على الرغم من بعض الاختلافات. يفضح أرسطو، في الأخلاق النيقوماخية ، مبادئ الأخلاق المرتبطة مباشرة بمعرفة الطبيعة. كل كائن طبيعي يميل نحو غايته الخاصة، والتي بالنسبة له هي تحقيق جوهره، أي خيره. الانسان الذي يتصرف كما يحتمل أنه يضع نفسه في حالة من السعادة: تتحقق تطلعاته من خلال التأمل في الحق والجميل والخير. الفكر الريبي ينسب، على الرغم من نفسه تقريبًا، إلى الأخلاق الحقيقية: الريبي يشك في كل شيء بعد فشل البحث عن الحقيقة؛ الشك يفرض نفسه عليه من خلال عجز العقل. ومع ذلك، فإنه يكتشف في شك القاعدة الأكثر حكمة في الحياة: من لا يقرر ما يحدث له فهم أن الأحداث ليست هي التي تؤلمنا، بل حكمنا. بينما الرواقية تفكر في العالم ككائن واحد، يحركه سبب: وبالتالي فإن تسلسل الأحداث ليس مسألة صدفة؛ يفهم الحكيم أنه جزء من هذا كله، وعليه أن يحب القدر وألا يضع نفسه كمبدأ منظم للأشياء. تتمثل الأخلاق أساسًا في تغيير نظرة المرء: الامتناع عن التصاق والتحمل للوصول إلى الراحة، وهو عدم وجود مشاكل. كما تستعير الأبيقورية أساسها النظري من المذهب الذري: الإنسان موجود فقط طالما أن الذرات التي تشكله مرتبطة؛ فقط الحاضر لديه حقيقة لذلك، لن يكون الموت أبدًا موضوعًا للتجربة. لذلك من الضروري ممارسة العيش في الوقت الحاضر وتقدير الحصة النسبية من الملذات والآلام من أجل الحصول على المتعة بامتياز، التي يوفرها التمتع بالهدوء.

في ظل، أنطولوجيا راهن اليوم، وفي واقع يسوده التشظي والشتات من كل صوب وحدب، في مختلف كافة المجالات الإنسانية، سواء كانت اجتماعية، سياسية، اقتصادية ...الخ نجد اللامفهوم يخترق مجمل مناحي الحياة الإنسانية.
فهذا المفهوم (اللامفهوم) قد غدا أسلوب عيش الإنسان المعاصر، فهو حاضر بقوة، في مختلف الأنشطة اليومية للإنسان. فقد يظهر، بشكل صريح، وقد يكون مضمرا أو ضمنيا. إنه يوجد حيثما نوجد...!
فماذا الذي يعنيه اللامفهوم؟ وما موقعه في الحياة اليومية للإنسان؟
بادئ ذي بدء، وقبل الخوض في تقديم وتحليل مضامين هذا المفهوم (اللامفهوم)، سنتوقف عند تحديد دلالاته.
فاللامفهوم، يقابله وبشكل تلقائي، الشيء المفهوم، وهذا الأخير (المفهوم) يقصد منه، وبمعناه العادي، الشيء الواضح. ولهذا المفهوم دلالات متعددة ومختلفة من حقل معرفي لأخر ( فلسفي، علمي، تربوي...) فإذا كان المقصود بالشيء المفهوم، ذلك الشيء الواضح والمعلوم، فإن اللامفهوم، عكس ذلك، تماما، فيقصد به ( اللامفهوم) ذلك الشيء غير الواضح وغير المعلوم، وقد يكون مجهولا.
وبالعودة إلى موسوعة لالاند الفلسفية، فنجده يحدد اللامفهوم Incompréhensible بأنه غالبا ما يكون لا معقولا، واللامفهوم، ما لا يمكن فهمه، هو ما يمكن التسليم به، لكن دون تفسيره، اللامعقول هو ما يستبطن تناقضا ومن ثم لا يمكنه أن يكون.

ولد بيير لويس التوسير يوم 16 أكتوبر 1918 في بلدة بيرمندريس، بالقرب من الجزائر العاصمة، وتوفي يوم 22 أكتوبر 1990 في عيادة دي لا فيريير (إيفلين). فيلسوف، محاضر في الفلسفة بالمدرسة العليا للأساتذة (1948-1980)، التي أصبح سكرتيرا لها في عام 1950؛ عضو في الحزب الشيوعي ابتداء من عام 1948، دون أن يشغل أي منصب قيادي، المنشط الرئيس ل"حلقة بوليتسر" في المدرسة العليا للأساتذة ابتداء من عام 1948؛ مدير مجموعة "Theory" بدار النشر ماسبيرو (1965-1980).

تميزت إلى الابد حياة لويس ألتوسير، المولود لأبيه شارل ألتوسير (1888-1975) وأمه لوسيان ألتوسير (1899-1995)، بطابع المأساة: مقتل زوجته هيلين ريتمان بخنقها يوم 16 نوفمبر 1980.

كانت هيلين ريتمان رفيقته منذ عام 1946، وتزوجها في عام 1976. تبدو محاولة تتبع قصته بأثر رجعي من الصعوبة بمكان، خاصة أنه لن يكون من الصعب على أي شخص أن يجد ما يبحث عنه من علامات أولية على هذا الفعل الذي لا يمكن إصلاحه: في رسالة إلى فرانكا مادونيا بتاريخ 25 أكتوبر 1961، أدلى لويس ألتوسير بهذه الملاحظات المرعبة حول هيلين: "كانت تعاني، تطلب إنقاذها من كل معاناتها، وفي نفس الوقت ترفض المساعدة التي تقدم لها بعنف مهول، كانت تدافع عن نفسها ضد الشخص الذي طلبت مساعدته كما لو أنها تدافع عن نفسها ضد الرجل الذي سيأتي باتجاهها ليخنقها ".

في الواقع، لا شيء سلم من التوظيف: اختزال ألتوسير إلى حالة نفسية، محاولة شفافة إلى حد ما لجعلها رمزا لجنون الماركسية أو الشيوعية أو كآبة القرن، وتحليل القتل باعتباره موتا للشيوعية، بل مجرد ومحض هذيان تأويلي يتجلى في الأحرف الأولى AIE لعبارة Appareils Idéologiques d Etat (الأجهزة الأيديولوجية للدولة) مثل الصدى المتوقع لصرخة هيلين الأخيرة (نحن لا نخترع أي شيء!).

مقدمة:
"يمكن أن تكون الدولة مشروعة ولكنها لا تصبح شرعية الا عندما تصير، على رأس الوطن، الحَكَم الذي يضمن العدالة ويكيف المصلحة العامة مع الحريات الخاصة"
ألبرت كامو، قضية جان دي ميسونسول (1956)
إذا كان الخطاب الفلسفي يقع دائمًا، اجتماعيًا وتاريخيًا، فيمكننا، قبل محاولة التفكير في الظاهرة السياسية، أن نسأل أنفسنا أين نفكر فيه: في أي تاريخ نُسجله؟ أين نحن في هذه السياسة الدولية المتقلبة؟ لسنوات، أرادتنا الموضة أن نعيش في "عصر مملكة الغايات: الشيوعية، واليوتوبيا، والتاريخ، والدولة، وربما حتى السياسة . في هذا السياق على وجه التحديد، هل لا يزال للتفكير والنشاط السياسي معنى؟ هل التفكير في السياسة مجرد مضيعة للوقت؟ وكيف يمكننا الخروج من المآزق التي وقعنا فيها بالرغم عن قناعاتنا؟
ظاهرتان تدعمان هذه الشكوك:
1) لبضع سنوات حتى الآن، رسخ في أذهان العديد من الناس فكرة أن السياسة هي مجال "مكيدة"، وبكلمة واحدة ستكون نشاطًا "قذرًا". يصبح من الصعب، إن لم يكن من البشاعة، الدفاع عن فكرة أن السياسة نشاط نبيل، يخدم الصالح العام. إن شعور العديد من المواطنين هو بالأحرى أن "المحترفين السياسيين" ملتزمون بمهنة أكثر من كونهم يؤدون وظيفة، وأنهم لا يهتمون إلا بمصالحهم.
2 ) كما قيل لنا باستمرار لأكثر من 70 عامًا، نحن نمر بأزمة اقتصادية واجتماعية تعطي أحيانًا الشعور بأن السلطة السياسية لا شيء مقارنة بالسلطة الاقتصادية، أو أنها لا حول لها ولا قوة.
ما هو النشاط السياسي في الأساس؟ ما هي أغراضه؟ ماذا يجب أن تكون موارده؟ ما هي الدولة؟ ماذا يمكن أن نتوقع منها؟ ما الذي يجب أن نخافه؟ هل الحرية أو السعادة أو المساواة أهداف يمكن للسياسة (أو ينبغي) أن تسمح لنا بتحقيقها، أو على العكس من ذلك، ينبغي أن نرغب في أقل قدر ممكن من السياسة أو أقل قدر ممكن من الدولة في حياتنا، على أمل الاقتراب منهما؟
من أجل محاولة البدء في الإجابة على هذه الأسئلة، سنذهب فيما يلي لنترك جانباً الأخبار السياسية التي تتحدث عنها الصحف والقنوات الإخبارية طوال الوقت، أي عبارات صغيرة عن بعضها البعض، ومختصرة عن قضايا الساعة؛ وننعطف خلال بعض الكتاب العظماء في تاريخ الفلسفة السياسية. سنتناول بعض الأسئلة الأساسية المتعلقة بالحياة في المجتمع وتنظيمه.
- أولا - كيف نقترب من التفكير الفلسفي السياسي في الدولة؟

"تعد نظرية جون ديوي البرغماتية ثورة فكرية في مجال النظر إلى قضايا الإنسان بروح جديدة تهدف إلى تحرير الإنسان من سطوة الميتافيزياء وهيمنة الأوهام الأسطورية لتضعه خارج الأنساق الأيديولوجية في مواجهة  جريئة وموضوعية مع واقع الحياة والمصير الإنساني"  علي أسعد وطفة

1- مقدمة:

يعرّف جون ديوي [1]بأنه فيلسوف أمريكا في القرن العشرين وأبرز رواد الفلسفة البرغماتية على وجه الإطلاق. كما يعرف بأنه أحد أبرز وأهم رواد التربية الحديثة وأكثرهم تأثيرا في الفكر التربوي وفي التجارب التربوية المعاصرة. ولا غضاضة في القول بأن فلسفة التربية البرغماتية التي أبدعها ديوي تطغى وتهيمين على الأنظمة التربوية العالمية بشكل شامل، ويبدو هذا الأمر واضحا لا لبس فيها عندما نأخذ بالمقولات التربوي التي طرحها ديوي ولا سيما الشعار الذي طرحه وهو " إن التربية ليست إعدادا للحياة بل هي الحياة نفسها"، وإذا أخذنا بعين الاعتبار مقولاته التي تربط بين التربية والحياة العملية، أو بين التربية والحرية، وهي الفكرة الأساسية التي تقوم عليها أركان التربية الحديثة في مختلف الأنظمة العالمية القائمة اليوم.

ولد جون ديوي في العشرين من شهر أكتوبر 1859 في مدينة بيرلنغتون بولاية فيرمونت في الولايات المتحدة الأمريكية. وفي عام 1884 نال درجة الدكتوراه من جامعة جونز هوبكنز عن أطروحته "علم النفس عند كانط ". ثم عين أستاذا للفلسفة في جامعة ميتشغان، ثم انتقل وعين رئيسا بقسم الفلسفة في جامعة شيكاغو، فأسس فيها مدرسة ابتدائية أطلق عليها " المدرسة التجريبية"، فكانت المؤسسة التربوية التي بدأ يطبق فيها أفكاره التربوية ويجربها)[2](. وعلى أثر خلاف بين ديوي ورئيس الجامعة قدم استقالته في عام 1904، وانتقل للتدريس في جامعة كولومبيا، وبقي يدرس فيها ويكتب حتى أحيل على التقاعد عام 1931.

رينيه ديكارت فيلسوف ورياضي فرنسي عاش بين سنتي 1596 و1650م، يعتبر واحدا من فلاسفة الحقبة الحديثة البارزين، كما عرف بمذهبه العقلاني وبشكه المنهجي.
يتنزل هذا الكتاب “القواعد” ضمن أرضية نقدية من رهاناتها توحيد المعارف كلها. فليست العلوم جميعا سوى الحكمة الإنسانية، وهي عينها تظل دوما واحدة مهما تنوعت المواضيع التي تبحث فيها. فديكارت يستعمل في القاعدة الأولى من كتبه مجاز “الشمس” للتأكيد على الترابط بين مختلف العلوم وتوحدها في مبدإ العقل، فينقد بذلك ما يقيمه الفكر المدرساني من مقارنة فجة بين العلوم والفنون من جهة أولى ثم التمييز بين العلوم بحسب تنوع موضوعاتها من جهة ثانية، وهو الخطأ عينه لأنه مهما اختلفت الموضوعات فإن مبدأ معرفتنا بها يبقى واحدا فيشع العقل بنوره على الأشياء مثله كمثل الشمس لا تتأثر بتغير هذه المواضيع أكثر مما يتأثر نور الشمس بتنوع الأشياء التي يضيئها، كما قال هو نفسه في مقدمة الكتاب الذي بين أيدينا "قواعد توجيه الفكر" (القواعد) هو عمل مبكر من كتابات ديكارت، أعاد صياغته طوال حياته، ولم يظهر إلا بعد وفاته. مع كونه نصا غير مكتمل، تنبثق منه العناصر التأسيسية لفكر ديكارت: البحث عن طريقة لبلوغ حقائق يقينية، النموذج الحسابي الهندسي، إلخ..
.يبني الفيلسوف رينيه ديكارت قواعد للفكر، فكلّما استطاع العقل أن يراجع مسلماته، كلّما احتاج إلى قواعد يسترفدها من العلوم والمعارف التي تسعى جميعها إلى تحصيل الحكمة الإنسانيّة. وإذا كان العقل لدى ديكارت ملكة نميّز بها تمييزا قيميّا ومعياريّا بين الخير والشر والقبيح والجميل، فإنّه أعدل الأشياء قسمة بين النّاس، وهو ما يستدعي تفكيرا متواصلا في أهميّته وطرائق استخدامه، وطرح سؤال كيفيّة التّفكير، فليس المهمّ أن نمتلك العقل، وإنّما تكمن الأهميّة في حسن استخدامه.

يعتبر أرسطو من أبرز الفلاسفة العظام الذين ساهموا في  تأسيس الفكر الفلسفي ، و قد لقب بالمعلم الاول ، لاسيما و أنه يعد استاذ فلاسفة اليونان، الذي كتب في جميع المجالات المعرفية ، بدءا من الانطولوجيا، و مرورا بالمعرفة وانتهاء  بالقيم ، و تحتل نظرية المعرفة مكانة مهمة  و مرموقة جدا بين العلوم البشرية، فهي الحجر الاساس لكل رأي ، و نظرية يتبناها العالم في مجال الفلسفة  و العلوم الطبيعية ، و نظرية المعرفة عند أرسطو كانت هي العامل الوحيد في خروجه على فلسفة أفلاطون  و بدئه تأسيس فلسفته المتميزة ، فحينما ادرك أرسطو ان المعرفة الحسية ، و احترام ما تنقله الحواس، و البدء بتصفح ما تنقله الاشياء عبر الحواس  ، مسألة في غاية الاهمية ، و أنها تشكل الوسيلة الاساسية للمعرفة، الانسانية ، حيث شق لنفسه فلسفة مغايرة لفلسفة أستاذه أفلاطون ، و بهذا اصبح للفلسفة وجهان ، هما الجانب العقلي  و الجانب التجريبي، فالإحساس هو الذي يضع الملامح الاولى للمعرفة على طريق العقل ، و العقل هو الذي يتكلف بتحليل تلك المعطيات الحسية ، فمن خلال العقل ندرك المعقولات ، و على رأسها الاله الخالق ، و الواحد الذي هو عبارة عن صورة خالصة و عقل خالص ، و نجد ان أرسطو يعطي القدر من الاهمية للمعرفة الحسية ، و هذا لا يعني أنه أهمل الجانب العقلي الذي اهتم به أستاذه أفلاطون خصوصا في نظرية المثل ، بل يعطي أهمية بالغة للمعرفة الحسية ، و ذلك من زاويتين ، أولا لأنها بداية كل معرفة إنسانية ؛ فالحواس تتدخل من أجل  تكوين المعرفة بالعالم الخارجي، و هذا التأثير سوف نجده حاضرا عند الفلاسفة المحدثين خصوصا جون لوك الفيلسوف الانجليزي صاحب النزعة التجريبية ، حيث يقول في كتاب مقالة في الفهم البشري "لنفترض بأن العقل عبارة عن صفحة بيضاء خالي من جميع الصفات و دون أية أفكار ، فكيف كانت تملئ ، و يحصل العقل على جميع مواد التفكير ، كل هذا أجيب عنه بكلمة واحدة ألا و هي التجربة" ، و حالما اكتشف الجانب العقلي  و الجانب الحسي ، حتى بدأت فلسفة أرسطو توازن بين البحث في الطبيعة ، و البحث فيما وراء الطبيعة، و كلاهما مهم للكشف عن الحقيقة ، و بذلك فقد جمع بين الجانب العلمي والفلسفي ، و تفتحت عبقرية أرسطو لتكشف أبعاد جديدة  و أفاق واسعة لا محدودة من الفلسفة  و العلوم  و على رأسها علم الطبيعة ، فأرسطو على العكس من أفلاطون يقدر أي نوع من المعرفة الإنسانية ، سواء كانت صادرة عن الحواس أو العين خاصة أو البصر ، و هناك درجات مختلفة للمعرفة ، و قد حدد أرسطو معيار التفاضل بقوله " نحن نؤثر معرفة على أخرى لدقتها ، و أنها تبحث عن شيء أجمل ، و أكرم ".