يتأمل الفنان التشكيلي لوحاته...يمسحها بنظرات صامتة وغارقة في التأمل...يطفئ النور يغلق الباب وينصرف... الفارس العربي راكبا حصانه العربي الأصيل بكل زهو، مأخوذا باحساس نصر زائف وكأنه يعيد أمجاد عروبة بائدة... الأمير الوسيم يطل من شرفة القصر على منظر الغروب، يستمتع بآخر شعاعات المساء الذهبية، التي ترسلها الشمس قبل ذهابها للنوم في مهدها الكبير. و الفلاح الكادح في حقله ماسكا محراثه كريشة فنان يخط بها أزهى الخطوط على لوحته الأرض. الصياد العجوز تجاعيد وجهه التي رسمها الزمان، توحي بسنوات عجاف مرت و استقرت على هذا الوجه. يلقي صنارته ينتظر ما سيجود به البحر بأعصاب باردة لم تعد تتأثر بأحداث الزمان.
في كل مساء أعود إلى قلبي – نص: شعيب حليفي
الوصايا المدهشة:
– لا تكتبْ ما لا يُروى، ولا تَرو ما يُكتب. ارفعْ رأسكَ واكتُبْ سِرّك ودُقَّ الأوتاد. اكتُبْ بدون أن تكتب. وإنْ كتبتَ فلا تجعل وعاءَكَ من ذهنك فتتعب. اجْرَعْ دائما، من ماء وَجْدِكَ وغبار الزمن. لا تكتُب إلا ما جاء في صُحفنا وما قلناه في خاطرنا. إذا نَفَد منك وَحْيُنا فاصمتْ ولا تجادل. أوصيك بالنهر لا البحر. باللحظة التي أنتَ فيها.. لا التي تنتظر. ها قد غفوتَ فنسيتَ، ودنوتَ فبعُدتَ وكتبتَ فمحوتَ. ها هو التراب، إنّ بين ظني ويقينهم لسراب. ها هو الطوفان، سيخرج من زمننا آخر العجب. فلا تغْفُ ولا تدْنُ واكتُبْ ما لا يُكتبْ. وإذا فقدتَ أمك فاغتربْ.
مولانا نسعى رضاك.. على بابك واقفين.. لا من يرحمنا سواك.. يا أرحم الراحمين.
نَجوى المتمردة – قصة: رشيد سكري
أحس بنفسه أنه يشبه، إلى حد ما ... ليوناردوديكابريو ...
يقولها لنجوى المتمردة، وهي تتطلع إليه في المرآة بمآق كبيرة، وواسعة كعيون المَها، وقال في خلده :
ـ لا بد أن أتسلل إلى ... إلى تلك الخشبة...
من قلب الحشد الغفير، كجمهور متيم بالفرجة و العروض المسرحية، يبدو الرُّكـْحُ كمقصلة الممثلين، ملفوفة في دثار أزرق كمزار سيدي بوغالب.
ـ إنها الخشبة الإيطالية.
نداء البحر - قصة : أحمد العكيدي
من خلف جلمود يفصل بحرين يتصاعد دخان سيجارته الكثيف ليختلط مع ضباب المساء الناعم وتذوب رائحته في عطر البحر العابق. تفقد قيثارته بثبات ووضعها بين ذراعَيه ثم استند إلى الأرض في حركة الكهول، تسلق صعودا حتى استقر فوق قمة الصخرة وداعب الأوثار لتصدر ألحانًا حزينة تدمي لها قلوب النسور وتدمع لها عيون الأسود. يستمع بتأثر إلى تقاسيمه وهي تتردد في الأفق ويراقصها النسيم على إيقاعات تياراته الباردة…
تتلاعب به الذاكرة وتأخذه إلى كل مكان مظلم يأبى النور، وتتزاحم في مخيلته الأفكار كلما ارتطم الموج على صخور الشاطئ وتتوارى كالأشباح كلما خمدت في أعماق البحر. يغيب عن الوعي للحظات ويستفيق عندما تحط فوق وجهه قطرات الماء البارد ويتذوق لسانه ملوحتها. يتألم في صمت ويبكي في سكون. يضيق صدره ويكاد قلبه يرفض الخفقان. يترجل بجانب الشاطئ ويسافر عبر الزمن، يسترجع أولى البدايات حين لامست قدماه هذه الأرض العابثة، ويمر شريط أسود أمام عينيه في ومضات. ينحني ويلتقط حصى ويرمي به إلى البحر معاتبًا إياه على تلك الخطيئة التي ارتكبها في حقه.
النّحاس يستيقظ بوقا - بسمة الشوالي
ينحرف اليوم عن جادّة اليوميّ المطوَّق بحزام أمنيّ محشوّ رصاصا ومطارق وعيونا ناريّة مبثوثة، ويروح يتسكّع متمرّدا مشوّشا عرض الضّحى المتوتّر.
أصابعي التي كانت تخلّل شعث القلق العالق بكفّيَّ، اشتبكت عند الذّقن تسند رأسي المثقلة مشاغل وبقايا نوم مأزوم، بيد أنّها لا تفلح في ترويض ارتعاشات القلب الذي هرول إليه في ملابس الحبّ الخفيفة، صبيحة يوم صقيع.
سحب متوجّسة السّواد تتكتّم على بشائر غامضة وقريبة. السّماء على مسافة حياديّة منّا ومن حافّة رصيف يصحو من كوابيسه ممتقعا منفعلا، يغرغر تحت طبقة الهدوء الاسفلتيّ، ويتدبّر أمرا غير معلن. حدث ما هائل ومريع يتخلّق في رحم الهدأة من حولنا، وريبة متأنّقة تدير الحوار بيننا.
الإعدام – قصة: الحسين لحفاوي
صرّح القاضي بحكمه على ياسر دون أن يرفع إليه بصره ليحدق في عينيه، ثم راح يقلب أرواقه بيد مرتبكة وهو يقرأ بعض التفاصيل من وراء نظاراته السميكة محركا أصابعه في حركة رتيبة، وأمر مساعده بمناداة اسم المتهم الموالي، ودون اكتراث بالضجيج الذي علا في القاعة، راح يسأله عن سبب محاولته اجتياز الحدود خلسة.
"الإعدام شنقا حتى الموت"، ظلت هذه الكلمات تتردد في ذهن ياسر الليل طوله وهو يئن في ظلمة الزنزانة منتظرا حلول الساعات الأولى من صباح اليوم التالي، ففي مثل تلك الساعات اعتاد الحراس تنفيذ أحكام الموت على المحكوم عليهم بها، ففي مثل تلك الساعات يصفو الدم في الجسد وتهدأ النفس فلا تصدر الضحية ضجة أو صراخا، يأتيها الموت يسيرا، تسافر الروح لتعرج في السماء، تستقبل الموت في صمت، فللموت رهبته وهيبته وسطوته. في مثل تلك الساعات لا يرى الضحية وجوه مُعدميه، وجوههم مقنّعة لا تُرى إلا عيونهم بنظراتها الثاقبة الجافة الجارحة. لا يسمع إلا أزة الكرسي تحت قدميه، لحظات وينتهي كل شيء، يتدلى الجسد في استسلام، يُدق العنق، تكاد أذنه اليمنى تلامس الكتف، وتظل العينان مفتوحتين على آخرهما تحدقان في منفذي هذا الحكم القاسي، ففي الحدقة تنطبع صورة القاتل، وترسم ملامحه.
من خلال عينيها – قصة: حدريوي مصطفى (العبدي)
إلى التي نسيت ـ تقريبا ـ كل العالم إلا أنا.
وحين تُغلب تناديني :يا ابن أمي!
فيستغرب الملأ من حولها : أهذا أخوك؟
ترد مدارية عثرتها صائحة: أو تظنون أني فاقدة ذاكرة؟
أعرف... ذا ابني، وأخي، وصديقي، ذا نور عيني!
إلى أمي.
شعاع دافئ يمسح براحته وجنتَيَّ، ويسحب مني سكرات نوم لذيذة انتزعتُ انتزاعا بواكرها لدى نواصي الفجر، اتقيته بأن دفنت رأسي تحت الغطاء القطني، وتكورت تكويرة جنينية علني أستمد من التصاق بدني ببعضه البعض حرارة تعينني في أسر فلول النوم الهاربة... ما كدت أفلح حتى ضج المكان من حولي بشبه جلبة جميلة الوقع مألوفٍ لدي جرَسُها؛ أصغيت لاستجلاء مصدرها لكن ما أصبت. فرميت بتوتر غطائي جانبا وفتحت عيني المثقلتين نعاسا، فداهمني خيط نور ثاقب منسل من بين الستائر البيضاء الشفافة وهجه، أغمضت له عيني و سارعت في دعكهما لأبدد ما كان نصيبي من ألم؛ بعدئذ جعلت أفتحهما على مهل ليستأنسا بموجة الضياء المنتشرة في الغرفة، وبوصلتي لا تبارح قيد درجة مصدر الجلبة، فرأيت ـ إذْ رأيت ـ من خلال الستائر الشفافة طائريْ دوري يتناقران ويتناغيان وهما يذرعان - كراقصي بالي - جيئة وذهابا طول الإفريز الممتد وعرضَ الشرفة.
بقايا صور وأمشاج: مشاهد موشومة في ذاكرتي المتعبة – نص: أحمد رباص
خلال السنتين الثانية والثالثة من سنواتي التي أمضيتها بأكدز وضواحيه، كان مجمع آيت املكت بالنسبة لي مكان عبور أخترقه جيئة وذهابا عبر المسافة التي تفصل بين مجمعي آيت حمو أوسعيد وآيت خلفون. كنت أعبره من جهتين: إما من الأسفل عبر مسرب يمتد على طول الضفة الغربية وإما من الأعلى عبر طريق غير معبدة تمر وسط الدوار الذي يظهر مثل أخطبوط يحاول تسلق الجبل. وفي السنة الرابعة، تشاء الصدف أن يصبح آيت املكت بالنسبة لي مكان إقامة.