كنت تاجرا ناجحا، بنيت مجدا من لا شيء، خرجت من العدم دون أي دعم، دون مساندة، دون توجيه حتّى، لكنّي بسرعة عرفت الطريق، طريق الكدّ و الجدّ و العمل المتواصل، فرغم أن حظي من التعليم لم يكن كبيرا لكن إصراري على أن أصبح كبيرا في هاته الحياة دفعني للتشبث بأحلامي التي لم تكن كأحلام أقراني بل تعدتها، تجاوزتها، فأحلامي كانت أكبر، أعترف أني تعبت كثيرا لأصل لما وصلت إليه إذ لم تكن رحلتي سهلة لكن مع ذلك واصلت المسير، فالمهم عندي ليس طول الطريق بل الوصول إلى آخره و إن بعد عناء و تعب.
لقد تمكنت من إمتلاك عدد من العقارات في أفخم المناطق و أغلاها، البنوك كانت تتسابق للفوز بتوقيع منّي يحوّل رصيدا من أرصدتي لحساباتها، كما كنت أغيّر سياراتي بإستمرار فأنا مولع بكل جميل، و الأهم من كلّ هذا، أني تزوجت بالمرأة التي أحببت، صحيح أن الله لم يرزقني الأبناء لكن أجدني سعيدا.
بلا "ال"- قصة: عبدالواحد الزعيم
على عتبات الوحدة وفقدان المعنى، تقف ليندا متسائلة: هل كان يجب، أن أحصل على كل ما أود دون جهد جهيد؟ وهل كان ذلك ليشعرني بالسعادة؟ ثم، هل من الضروري أن أكون سعيدة كل الوقت؟
تفتح علبة سجائرها وتأخذ واحدة، ثم ترفع الولاعة وكأنها ترفع حجر سيزيف. تسحب نفسا عميقا من سيجارتها ثم تنفـثه بعيــدا، كما لو أنها تنسل أخيرا من دائرة المعذبين فوق الأرض. تجعل خيالها يسبح مع هذا الدخان المتلاشي في الأفق. فتنتصب داخل ذاكرتها شاشة كبيـــرة تحجب عنها الواقعي، تمر الصور أمامها كما لو كانت تقلّب ألبوم صور؛ ليندا ذات السبع سنوات بضفيرة وفم ملطخ بالشوكولاته، ليندا وهي تستلم هدية تفوقها الدراسي، ليندا المراهقة وهي ملقاة في حضن عشيقها، ثم ليندا ذات الهالتين السوداويتين حول عينيها. وتمضي في طريقها الشوبنهاوري: ماذا بعد؟
الخطيئة... – قصة : بوغالــم داريــن
إنها خائنة. كان يصرخ بصوت انكسارِ رجولتِه لا بصوتِ الحقِّ كما كان يتوهم.
لفها برداءٍ مزركشٍ، دارت من حولها حفنةٌ من الفضوليين الشرفاء َ، صوت التجريم فاق حجمَ الجرم، تصمت هي، يتبعثر في صدرها الكلامُ، الحروف لا تتجانسُ في حلقها. تتكالب دقاتُ الساعاتِ خلف بعضها تنهش وجهَ الأيام ثم يصرخ الزمن: "محكمة".
بدأت الجلسة. التهمة: خيانة بالجرم المشهود. !
حنين الذكريات – قصة: أسماء العسري
حنين ... حنين ... حنيني إليك، أين المفر منه ومنك؟ فأنا أهرب منك إليك، أين المفر؟ فعدوي ... وجودي، فأين المفر؟ أهرب لأجد نفسي في حضن الذكريات، ذكريات قال عنها إنها زادي وملاذي في ساعات الوحدة، فعثرت عليها تتلصص على ألمي وتتفق مع الشيطان في طرح جسدي لخبايا الشر، تقدم دموعي ونزيف قلبي قرابين ليظل سيد الشر، وتظل هي عالقة في مخيلتي، إفرازات الهوى تشدني بخيط ناظم يفصل بينه وبين ذكرياته، يمكن أن نقول عنه فن الوخز بالإبر، وخز يجعلك تحس بالألم في البداية ثم يتلاشى شيئا فشيئا من مخيلتك الصغيرة، لكن الوخز الحقيقي الذي يوجعنا أكثر و يظل يرافقنا، هو وجع ذكرياتنا.
الرجل الذي سرق الإهمال - قصة : رشيد بلفقيه
تشتعل نار الحقد داخله ، تضطرم الكلمات ، تتشكل جملا تدفعها رغبة عارمة في الانتشاء بالسباب إلى الخروج و إلى تقديم عرض لسواد نفسه على الجميع .
كان -كما تعود عليه الكل -يبدو صامتا في ركنه المزمن في مدخل "زنقة العيون" لا يتغيب عنه إلا لماما يستقبل القادمين بنظرات ممتهنة و عدائية بدون سبب واضح و يودع الخارجين بازدراء صامت حينا و ضاج أحيانا أخرى .
يلعن بين الفينة و الأخرى الدرب و الحكومة و الفرق الكروية و رداءة التبغ الأسود و اسرائيل و الجو الممطر و تعفن الطماطم و الجرائد و كل شيء يخطر بفكره في تلك اللحظات التي يصير فيها خارج نفسه ، يستفزه المتطفلون ببعض الكلمات فتتفجر حمم الألفاظ النابية من مخزونه الذي لا ينضب شتائم و حركات عصبية .
لم يكن يؤدي أحدا بيديه رغم جثته الضخمة و ملامحه المائلة إلى العدائية ، لم يؤد أحدا و لا حتى مرة واحدة و لا يذكر أحد أنه مد يده على أي كان ، لكن لسانه كان يسحل الجميع و الجميع بلا استثناءات تذكر .
في ظل سحابتين - قصة : د.حسين مرعى
من مقعدي الذي جلست عليه خارج المقهى، رحت أرشف بعضًا من الشاي الساخن الذي تصاعدت أبخرته وفاحت منها رائحة النعناع الأخضر المنعش، كان الجو وقتها تشوبه غيوم متقطعة والطقس ما بين برد لاسع ودفئ الشمس حين تتخلل أشعتها فتدمع من أثرها العين. علي خلفية من اللون الأزرق، رحت أتطلع إلى سحابتين كانتا تسيران خلف بعضهما البعض كأنهما في طابور صباح مدرسي، كانت إحداها تأخذ شكل بيضاوي فيما يشبه الخلجان المرسومة بالخرائط المدرسية باهتة اللون وكانت تعلو الأخرى بشئ يسير. بينما كانت السحابة السفلي كثيفة رمادية اللون بشكلها الدائري وقد برزت منها زوائد كأسنان المشط المكسور وكادت أن تسقط علي الأرض كبطن مترهل لرجل قصير القامة. دقِّقتُ النظر حين هبت فجأة نسائم باردة فأوشكت السحابتان أن تصطدما ببعضهما البعض حتى كادتا أن تلتصقا.
النادل و القهوة - قصة: غزلان شرعي
وقف النادل مستقيما ومشرقا كالبدر
..ماذا تطلبين سيدتي ؟
هذا السؤال جعلني اسرح عميقا وليس طويلا...لان الوقت لا يسمح بذلك طبعا
الجواب الذي أحسسته وأحببته كثيرا...هو أن أعود بضع سنوات للخلف...أو بالتحديد عشر سنوات...أريد أن أعود في العشرين من العمر...هذا السن لطالما أحببته وأحسسته كثيرا
اشتقت إلى جمالي ونضارتي إلى فرحي البسيط وأحلامي الرقيقة العفوية ...إلى مشاكلي الصغيرة الخبيثة
اشتقت إلى مقاس خصري النحيل ..النحيل جدا
زيمة – قصة : العياشي ثابت
تعانقنا وتبادلنا الأمكنة بين منصة اللقاء الشعري وكراسيه... ستون من الحاضرات والحاضرين بين شاعر وشاعرة، ونفر قليل لم يقو على الوقوف بالمنصة تهيبا أو خجلا، وربما كان منهم من يتأبط ما يشبه القصيدة. متعة تبادل الأدوار بين إنصات وإلقاء، بين إبداع وانتقاد، بين محاسبة ومعاتبة، كانت تضفي على اللقاء مسحة تشويق لدى البعض أو إحساسا بالفتور لدى البعض الآخر...
الزجال البويهيمي الذي أرخى سدول لحيته الدكناء المخللة ببياض السنين، كان دقيق المعاينة في كل بداية، قبل أن يشحن بطارية دماغة بكهرباء خمرة، على هامش اللقاء. كان يعد الحاضرين عدا، ويهمس في أذني بأسرار الحضور، بين متيمين بجمال الحرف، ومولعين بالسمر الليلي، وعاشقين للنزهة والسفر، وأصحاب المواعيد التي لا تبقي ولا تذر...ولا يفوته في كل مرة أن يردد عبارته المألوفة: " حتى الثقافة لم تسلم من المحسوبية والزبونية"...