fbفي لحظة لا تتكرر إلا إذا بلغت الروح الحلقوم، خرج الشباب من كل فجاج الأرض الموجوعة عبر التاريخ يقلبون أوجاع زمنهم السياسي والاجتماعي باحثين عن أفق جديد في سماء ملبدة بالغيوم . طلع الشباب يصدح بصوته معلنا عن نفس جديد تصدره الأرض الصبورة الطاهرة ،أرض الأولياء والعفاريت، أرض الصلحاء والطغاة .في لحظة الحلم الفبرايري القصير ،فبراير أقصر شهور السنة الكبيسة (28يوما فقط) ،فبراير/ شباط ومعانيه الغابرة .
هل من المصادفة أن تكون دلالته السريالية ،تدل عل الضرب والجلد والسّوط، هل من باب المصادفة أيضا أن يكون شهرا للرياح الشديدة في منطقة شمال إفريقيا ،هل من باب المصادفة أن يرتبط الحلم الفبرايري الجميل والنقي ، بإله النقاء الإغريقي "فيبروس " فبراير يا شهر الشمس  يا شهر اللؤلؤ ،يا من غادرتنا بفعل بطش مارس وبرده القارس  ،فبراير سننتظر عودتك كل عام لتنبعث فينا ،لتمنحنا الشمس والضياء ،سنحلم بالتغيير القادم عبر العواصف والرعود .

Blue Abstractعدت للبيت في وقت متأخر بعض الشيء، وإن لم يكن هذا من عادتي، كنت منهكا بشكل لا يطاق جراء العمل المتواصل والذي يزرع فيّ شهوة النوم بعمق ، خاصة وأنه كان لي استعداد للقيام بذلك بطريقة سهلة وسريعة رغم خصامي والنوم منذ مدة طويلة جدا، لم أكن أريد القيام بأي شيء آخر سوى وضع رأسي على المخدة والغرق في عالم السبات المؤقت، لا اعلم لماذا تذكرت فيلم the machinist ربما كان أول ملاذ لي وأنا في داخل دائرة الحاجة للنوم، المهم وبينما كنت على وشك تحقيق هذه الرغبة التي لا يمكن أن تستوي وشيء آخر إبان هاته اللحظة، التقطت مسامعي أصواتا كنت قد اعتدت عليها كل ليلة، بل وتعايشت معها لدرجة أصبحت جزءا لا يتجزأ من حياتي اليومية في هذه الشقة .

5332990 La grande transformationعندما التقيت بها أو بالأحرى رأيتها، كنت انسانا منتهيا، اعتقد ان كل شيئ انتهى، كل ما آمنت به وكلما آمنا به، حتى تلك السخريات التي أطلقناها هزلا بالتنين، أصبحت بدون معنى، كان الوحش في أبهى قوته وقد ظهرت رؤوسه السبعة المسننة والشرر يتطاير منها،  من سيجرؤ مجددا على ان يقول لا لهذا المسخ العجيب؟ قويا هائجا مترنحا، بعد ان أتبث الزمن صموده امام جميع العواصف التي خرج منها أقوى مما سبق، وخرج أعداؤه ضعفاء مشتتين مهلهلين، ان الوحش يطلب العذراء الوحيدة التي في قريتنا، وكما يحدث عندما يغادر كل شبان قريتنا مخابئهم واضعين سلاحهم، ستخرج العذراء الفريدة في كامل زينتها، ليس لتهب نفسها طائعة، بل لتقاتل حتى النهاية.
في مثل هذا الزمن عندما تغير الريح اتجاهاتها، وتظهر الغيمة الوحيدة للفلاح الذي سكنت شرايينه خلايا الجفاف القاري، فيجثو على ركبتيه من جديد أمام الاله في الصحراء-الهي لك الحمد على نعمك - متمنيا ان تكون غيمته الوحيدة محملة بالمطر، قطرة واحدة تكفي وبعد ذلك فليعد الجفاف، كما كان منذ الازل، ذرة نور واحدة  تكفي وبعد ذلك فليكن العدم.

imagesشرايينه تتمزق، وغضب يتملكه حتى كاد يُسقطه أرضاً، لولا استناده إلى الجدار، إلى أن استعاد توازنه مجدداً. طويلة هي اليوم، هذه المسافة التي تفصل باب المجمع السكني عن باب بيته.
خطواته متثاقلة، تبعد المسافة أكثر وأكثر.
سحقا للنسوة اللعينات. إنهن يسترقن السمع والنظر من خلف شقوق النوافذ. إنه يسمعهن يتهامسن، وكلماتهن رافقته حتى عتبة بابه، لكن لسانه لا يسعفه للرد عليها.
عيون حمراء تستقر خلف الستائر، وتجفف الدم في أوردته. طأطأ رأسه أكثر فأكثر، وهو يحس بكرامته ومروءته تسحقان، مثلما سحقت دراجة نارية تحت عجلات سيارة مسرعة كما ورد في أخبار التلفزة صباحا.

LITERATURE-large-"مجرد هذيان..".
قالها في نفسه.. وهو يضع القصة جانبا على الطاولة.. بعد أن تعب من القراءة.. فقد إبراهيم القدرة على التركيز..مضت أيام طويلة وهو يبحث، بلاجدوى، عن حدث يصلح لأن يكون موضوع قصة..جف القلم وإعتراه الخمول..مزاجه تغير..غابت عنه الفرحة..حالات من الشرود تحاصره بين الفينة و الاخرى..وصارت الكآبة ظلا لا يفارقه.. منذ أن ترك أهله في القرية.. وجاء الى المدينة ليشتغل معلما بمدرسة الحي..عرف بالإستقامة والاخلاص في العمل..لا يغادر بيته إلا لزيارة أهله، أو لملاقاة أطفاله الصغار في المدرسة..زملاؤه في العمل يلقبونه "بالرجل المعتكف" لكثرة الوقت الذي يقضيه في بيته هائما بين أكوام  الكتب و الأوراق..
جال ببصره في أرجاء الغرفة: ليس يرى غير هذه الكتب المكدسة التي علاها الغبار، وهذه الصور الباهتة التي تزين الجدران، وتؤرخ لبطولات قديمة..

abstr5556جالسا في الجهة المقابلة من المقهى،ظل يتأملها بشغف كبير راسما بذهنه أروع السيناريوهات البوليودية الملونة ، وكانت إيماءاتها شديدة الدقة و نظراتها غاية في الإتقان والروعة، تجرد من كل أبعاد الحياة من الزمان والمكان،سافر بعيدا بمخيلته الخصبة فأطلق العنان لفانتازياته البطولية،وتناسى كل كائن وجودي بجانبه،أبى إلا أن يكون البطل في قصته القصيرة مرددا ذلك الحوار الإفتراضي بينه وبين نفسه الصامتة.. إقترب منها النادل وطلبت منه بلغة الإشارات أن يجلب لها "براد أتاي" كانت صماء بكماء...

chalk starكان الأستاذ عبد البديع إذا ما جلسَ؛ أطرَفَ، بقميصِهِ الفضفاض، وبرأسِهِ المنفوش، ثمَّ انكفأ، يأخذُ الأنفاسَ، وينفثها، ومع كلَّ نَفَسٍ يسحبه؛ يمسحُ دمعه بكمّيه، ويُنقّلُ عينيه بين الوجوه، لا يبدي رضى عن حديثٍ، أو امتعاضا، فقط يسعلُ، ويدخن، وإن نصحه معلمٌ بتركِ التدخين؛ غادرَ صمته مثل ملسوعٍ، وكمستجيرٍ صاح:
هه .. وماذا نفعلُ من بعدِها؟
وإذا ما دقَّ جرسُ درسِه؛ قام متثاقلا، ليخطو كمن يزحفُ  اتجاه حتفِه، يستقبله دقُّ المقاعدِ، والغناء، فيتعثرُ الأستاذُ عبد البديع، يتعثرُ، أو يكاد، قبل أن يصلَ، ليعبرَ باب جهنم، ويمارسَ هجمتَه مثل ثورٍ جريح، يصفعُ طالبا هنا، ويبصقُ على آخر هناك، لكنَّ الضجيجَ يستعرُ، والقيامةَ تقوم  إلى أن يأتيَ المدير.

abstract-12430عاش إلى عهد قريب كغجري ،يتوسد ديوان شعر و يدخن لفافاته  المعقدة  و أفكاره المفبركة مقتنعا بأن من أراد حياتا بلا هم أو فِكر فليجعل نديميه دوما لفافات  و ديوان شعر ، عاش يذرف الأدب ألوانا و  أصنافا  و يستنشق للحياة حنينا  مستعصيا إلى كل  من غادروه إلى غير رجعة و رهنوا الأرض أو باعوها تحت قدميه.
كنت التقيه دوما غاديا أو رائحا يدندن لحنا مهشما لأغنية قديمة ،متجولا في خراب عوالم كان يعمّرها بخيال شرس و ريشة فكر لا غير .
 يداه في جيبي سترته المائلة  ألوانها إلى الاندثار و التي نالت منها الشمس  ما نالت ،ملامحه جامدة غالبا، رتيبة بل قليلة حركاته ،واثق من أن شيئا ما سيحدث و سيتغير كل شيء إلى الأفضل . وكنت أستمتع دوما بالإنصات إليه و هو يحكي قصصا غريبة لا تشبه أي قصص نمطية أخرى عن أناس أعرفهم و لكنني لم اكن أتكهن بان يتحولوا في سرده أحيانا إلى تلك الدرجة من البشرية أو من الدنو إلى  مرتبة الحيوانية أحايين أخرى ، وكنت استغرب من أين تأتيه كل تلك التفاصيل ،لاشك أن خيالا مسعورا يوحي إليه بما يوحي.
كان  كل شيء ، قد كان .