وسط ساحة كبيرة تعددت بها منصات يعتليها رواد الفن الشعبي، في إحدى المناسبات الوطنية، كنت أتأمل _وأنا ابنة العاشرة_ أجساد نسوة ترتعش على إيقاعات موسيقية، كنت أتخيلها تارة كأجساد عصافير مبللة تنتفض وتارة أخرى كأبدان صعقت بالكهرباء تضطرب. كانت تبهرني الحليّ التي تزين معاصمهن، أعناقهن وجباههن وكذا لباسهن التقليدي البهي، كما كانت تثيرني عيون الكبار التي تكاد تخترق بنظرتها تلك الأجسام الممتلئة كالسهام. و أنا لا أزال أتابع المشهد إذ بلغ مسامعي حديث سيدتين تقفان قبلي وهما تلوكان سيرة الراقصات بين فكيهما وأنا أتتبع كلامهما بالنظر إلى هذه ثم إلى تلك وألاحق ملامحهما التي تتغير بين اللحظة والأخرى من الاستغراب إلى الاستنكار مرورا بابتسامات ماكرة. كانتا تتحدثان عن جمال "الشِيخاتْ" اللواتي تنحدر من مناطق عدة من البلد وعن إغرائهن للرجال بحركاتهن الجريئة والتي توحي بالكثير..."جميلة" كانت إحداهن، قالت السيدة السمراء التي تقف عن يميني أنها تسكن قريبة من بيتها بحي "الميزيرية" كانت تشير بالبنان لفتاة وسيمة حوراء العين طويلة القامة خفيفة الحركة، تخالها أفعى تتلوى على نبرات مزمار، نظرتها حادة، لا تبتسم كالباقيات...
أنا وحدي ـ قصة : جمال البكاي
أريد النزول من القطار ... تعبت من السفر المقيت باحثا عن المجهول ، أنظر من النافذة لأكسر الروتين ، لا أرى منظرا محددا فكل شيئ يمر بسرعة ، لا أريد النهوض من مكانى كى لا أتيه وسط الزحام ... يتحدث مكبر الصوت هنيهة معلنا أن القطار سيتوقف بعد قليل ، أحمل حقيبتى ومعها ثقل أعباء الحياة ... أخترق الوجوه ...
بئر أبي ذر الغفاري ـ نص : د.ماجدة غضبان المشلب
البئر أظلم عميق..
سمعت صراخهم..
_أتسمعون يا رفاق؟، هنالك من يصرخ..
_عاد لما كان عليه..
_أنت تسمع ما لا نسمع، و ترى ما لا نرى..
_عدت الى جنونك من جديد..
_الدليل اننا خمسة افراد، و لم نسمع شيئا..
حطمت دائرة الأذرع المغلقة، المبطنة بضحكات السخرية و الاستهجان..
لصَّة ـ قصة : أمينة السعيد
في طريقهِ ٳلى مقهى "توارج" صادف بشاعتها .. لا لم تكن بشعة كان جمالاً وحشياً ولم يكن مستعداً بما يكفي من الفراغ لملاطفتها حينَ اقتربت منه لثوانٍ معدودة .. فاجٲه القرب ٲولاً لكنه استسلم فالتصقت به وشعرَ بمثاليتها ما ٳن وضعت يديها على كتفيه كزوجة ، قال لها ٲنتِ مثاليّة في تطرّفكِ كهيجل.
قالت له بل ٲنا رومانسية كروسو وعقلانية كديكارت عندها سرقت قلبه ، بالحق كانتْ لاتزال تواصل سرقة قلبه ضمّها ٲكثر فهو لم يصادف امرٲةً تدرك فنّ اختلاف المدارس وتطويعها جسدياً ... كانت حلماً ٲراد ٳنهاءه بقبلة فقاطعته :
- لا تكن عبداً لمعتقدك ولا تحرم ذاتك من متعها الصغيرة حتى لو كنتَ مشغولاً لٲن احتمال تكرارها ٲقل من 3%
المرايا المنكسرة ـ نص : أمينة التبات
اَلمرايآ المُنكَسِرة تَخْدِشُ جروحَ الْقَلْبِ التّي لمْ تَندَمِل بعدْ.. شَظايآها منْ حوْلي كَثيرةُ الثرْثرة، لا تَزالُ تذْكُر ضَوْء القَمر الحزين، الكُرسيُّ الْعَتيق، وَ شَجرةُ الزيزفونِ الرآقصة علىَ ايقآعاتِ الخُشوعْ..
وُجوههآ كَئيبه،، تمآمَا كَـ كَآبةِ لَيْلتِنا العَجوزْ.. وَ هيَ تُرتّلُ علىَ مَسامِعنآ أشْعارَ الصمْتِ قَبْلَ الحُبّ بِـ قَصيده.
أَرىَ فِيها وَجهَ القَمَر المُحمرّ خَجلا، و أزْهآرُ التَوْليبِ مُخضّبة بِـ أحمَرَ لا يليقُ بِها، وَ الفُستآنُ الأسوَدُ الذّي أرْتَدي يَصيرُ "حُبّا"، وَ نَسمآتُ اللّيل تُمْسِكُ روحي تُرآقصها.. وَ أنت.. أنتَ تَبْتَسمْ كَـ وَجْهِ الصُبْحِ بَعدَ الدُموعْ..
حب في كنيسة ـ قصة : هادي معزوز
بدون سابق إنذار وقفت أمام شباك الاعتراف في شموخ نبيل، وكأنها تُهِّم بأداء أغنية أوبيرالية أو تستعد للعب دور كليوباترا، كانت نظرتها بالرغم من الضوء الخافت تحمل أكثر من معنى للحياة، رسمت علامة الصليب على صدرها ثم قالت بصوت مبحوح أشبه بصوت ملائكة السماء عند تسبيحهم للرب :
ــ تبدأ القصة منذ هاته اللحظة بالذات وليس لها أي امتداد في الماضي...
صمتَت برهة ، وانتبهت بدوري لهذه العبارة الغريبة التي لم أستطع فك شفرتها، فخلتها رسولا بهيئة امرأة، أرسلها الرب لي بعد أن بدأت أرتاب في بعض معاني الإنجيل، ارتعدت فرائصي لهذه الفرضية، لكني استجمعت كل قواي بعدئذ، وبين قرارة نفسي رهبة أمام هذا الشبح، لدرجة تمنيت أن تكون أمامي ورقة، وفي يدي قلم بغية تدوين اعترافها، هذا إن كان اعترافا. وبينما هممت برسم علامة الصليب وطلب المغفرة من الرب أردفت قائلة بنفس الصوت، ونفس النظرة، ونفس التحدي:
رواية مجهولة الأوصاف ـ نص : مالكة حبرشيد
ضاع العمر يا ولدي
عبارة نقشها الصبر على جدران الحقيقة،
مذ انتابني أول مخاض ؛
كي أضع الابتسامة جنينا معاقا،
لا يستوي على ملمح.
أقامت الدمعة حفل عقيق بحضور ما مات مني.
أما ما تبقى،
فقد كان عند براح المدينة الساخرة؛
حيث الوجوه تعاقر العصي التي وضعها الواقع عائقا،
في طريق عجلة الزمن.
الزعيم! ـ قصة : عمر حمش
في حارتنا لم يكن الونش يحظى باحترامٍ يذكر، رأسُه الثقيل الأشعث أثار غيظنا، وكرشه زاده قُصرا .. لكننا كنا إذا ما غاب؛ افتقدناه .. وذهبنا إلى باب بيتِه، ننادي جماعةً :
يا ... ونش!
أبوه صاحب الشارب الكبير يخرجُ؛ لتقدح عيناه، ونحنُ نقفز متباعدين:
روحوا .. يا .. أولاد الكلب!
لكن الونش كان يأتينا، يغافله، ويأتينا . ..
دوما كنا نضربُ الونش، من شاء يضرب قفاه .. ومن شاء يقرصُ خديه الواسعين .. أو ينتف شعره المتهدّل المتسخ .. وهو يوزع الابتسامات .. وفقط يهمهم:
اسكت يا رجل!