أنا الموظف ع.س
أحلم منذ صباي بالسفر و التجوال و ارتياد مجاهل الدنيا . بلدتي لا تغري أحدا بالبقاء فيها . مَن الأبله الذي يتعلق فؤاده بكومة أحجار ووجوه لا تشرق ابتسامتها إلا على مضض ؟ .
لي إخوة توزعوا في أنحاء البلد , بين منخرط في سلك الجندية , و بائع متجول , و لص محترف لا يكف عن الشكوى من حظه التعس . كنت الوحيد الذي أتم دراسته , لا لشغف بالعلم طبعا , وإنما لئلا أكون أضحوكة في البلاد التي سأطوف أرجاءها .
لم تفلح كل مساعي الأقارب في ولوجي معهدا للسياحة . ربت العم على كتفي مواسيا :
وَرَأْ العنب ـ نص : خيرالدين جمعة
ما أجمل أن تكون ظلاًّ شفافا كالملائكة !!
" طفلٌ بلا بيت رجلٌ بلا ذاكرة " عبارة أصبح أبي يردّدها كثيرا هذه الأيام و لكني لم أستطع فهمها ...كانت تدور و تدور و تدور... في ذهني الصغير كحُلم نائمٍ في ليلة شتاء ، و تغمرني كما أمواج شاطئ قريتي حين كنت أركض على طول الساحل النديّ الصامت .....ظلّت تلك العبارة تطاردني بل تُغرقني ، حين كنتُ أجلس وحيدة في أقصى حافلة المدرسة ، لا أحد إلى جانبي ، غارقة في التردد، أمسك حقيبتي المدرسية الصغيرة و كأنني أبحث عن رفيقة ، منذ أسبوع انتقلنا للعيش في مدينة العين ، هي مدينة بلا شاطئ و لذلك بدتْ لي عجيبة مختلفة عن تلك التي كنت أعيش فيها ....
يوسف ـ نص : خالد غميرو
كان حبا من نوع خاص، لايشبه القصص التي نسمعها و نقرأها عادة عن الحب، هنا لم يكن يوسف يعرف عن حبيبته سوى تلك الدقائق المعدودة، التي تمر فيها من أمامه كل يوم، وتلك الإبتسامة التي تعني له اللحظة الجميلة الوحيدة التي من أجلها يستمر في العيش...
ككل يوم بعد أن ينتهي من جولته المعتادة بين مقاهي وسط المدينة، في البحث عن ما يجعله يعيش ليوم إضافي آخر ليرى حبيبته، يعود مسرعا دائما قبل نصف ساعة من الموعد الذي تمر فيه، يحرص دائما على أن لا يتأخر، وحتى إن تعرض له المتشردون الأكبر سنا، و الذين غالبا ما يأخذون منه ما قضى اليوم بطوله في جمعه، يتركه لهم لكي لا يؤخروه عن الموعد.
العريس ـ قصة : حميد بن خيبش
جريا على العادة في قريته , لا يصح لابن الخامسة و العشرين أن يخطب أرملة أو عانسا . لا بد من بكر تصغره بسنوات و تليق بفورة شبابه !
حاول يائسا أن يستميل الجدة إلى صفه . كان يدرك أنها , كغيرها من عجائز القرية , تمتح صلابتها و عنادها من التلال الصخرية التي تسيج هذ الفضاء العابس .
انسل تحت جنح الظلام من خيمته و حث الخطى مسرعا إلى حيث تواعدا . إنها هنا منذ ساعة ترقب مجيئه .
فطومة ..مهرة القرية التي تعب غيره في ترويضها .
أجل ! إنها هنا متلفعة ببرنس أبيض , تداعب الحصى بخنجرها الأثير . لم يحل بينهما غير زيجة فاشلة حملت وزرها منذ سنين مضت . الرجل يبقى رجلا , هكذا قالوا , حتى لو كان نذلا يسقيها العلقم في غدوه ورواحه !
حزنٌ صامت ـ نص : موسى عابد
لم يستطعْ أن ينطقَ ببنتِ شفة , فقط دموعٌ ساقطة من عينيهِ خلف نظارتهِ الشمسية كشفَتْ النقابَ عن حزنهِ و روتْ وجههُ الجاف من تراكمِ غبارَ الزمنِ عليه. قبل عدةِ سنواتٍ أصابهُ الجنودُ في حنجرتِهِ و من حينِهَا لم يعُدْ يجيدُ إلا لغةَ الصمت , جاؤوا بإبنه محمولاً في الكفنِ ليلقيَ عليهِ نظرةَ الوداع , نظرةٌ يتغذى عليها الحنينُ في دوامةِ الزمنِ اللاحق , تأملهُ قليلاً , كلّ شبرٍ من جسدهِ من أعضائِهِ كأنهُ غريبٌ يحاولُ أن يمسكَ بملامحِ ابنهِ من بينها , بحثَ عن تلك الندبةِ التي كانت تفضحُ تلك الشقاوة البريئة , بحثَ عنها في رأسهِ وجدَهَا مستبدلة بثقب رصاصة, ابتسمَ قليلاً و قالَ في نفسهِ: لقد أردت دائماً يا بنيّ أن تزيلَ تلك الندبة بعمليةٍ تجميلية , حسناً لا حاجة الآن لإزالتها , فتلك الرصاصةُ يا ولدي تكفلتْ بذلك و لكنها للأسفِ تركتْ ندبةً خالدةً في قلبي الحزين.
عــد إلـى كـتابك ـ قصة : أحمد الشطيبي
اشعل سيجارته، نظر الى الساعة المثبتة على الجدار أمامه، تحسس ردفيه المتيبسين من طول الجلوس، جال بعينه متفحصا كل تلك الفوضى التي احتلت غرفته.
حاول عبثا ان يقنع نفسه بوضع نظام لحياته فيوزع وقته بين كتاباته و الاهتمام بنفسه و بغرفته، لكنه تذكرها من جديد ؟ و تذكر الوقت الذي اهدره امام المرآة، او على الرصيف ينتظر خروجها من العمل... شعر بتوتر شديد، اخد قلمه و بدأ يكتب بسرعة : ( لما تناول من الخمر ما يكفي للذهاب بصوابه، اخدته اقدامه الى الشارع العام، يعلن مشروعه في الناس، يعظ النساء، يعانق الملتحين، يشحذ همة الشباب و يحرض الباعة المتجولين على التظاهر. يردد شعارات طلابية، يكبر، يغني مقاطع من اغنيات ثورية و اخرى عاطفية، يجري، يصيح، يضحك، يبكي ...تم حاول التقدم نحو الشرطي المنهمك في تدبير فوضى المرور، لتباغته سيارة مجنونة حولت جسمه الى كتلة لحم مفروم، انتهى ! )
لكنه ما كاد يضع قلمه جانبا ، حتى فاجأه شبح رجل ينهره :
موجة!.. ـ قصة : ضحى عبدالرؤوف المل
تثاءب فاتحاً فمه محركاً لسانه بطريقة بهلوانية جعلتني أستجمع بصري كله لأرميه بعيداً عن لوحة ذكّرتني بتلك النبتة التي تلتهم كل شيء، وضع رجله اليمنى فوق شقيقتها وشدّ على فخذيه حتى ظننت أنه يكبت شيئاً ثائراً يخاف ان يسلبه أحد منه، وفي نفسي أخفي ذهولاً من أحمق يلوح بأجفانه كأنه يلوح بمنديل صبية تقف على قارعة طريق صحراوي.
لماذا الهروب؟..
أخاف تواجدي معك؟..
أشعل ضحكة رأيت منها أسنانه الصفراء مرة أخرى لكن نظرت اليه هذه المرة نظرة جعلته يتباهى، وكأنه يظن نفسه أوغلو او أمين معلوف او جورج دولاتور. انتعش بعدها واضعاً يده فوق إحدى ركبتيه واليد الأخرى على خده، وكأنه ينتظر رساماً ليرسمه كما رسم الموناليزا.. سألته:
هل تعشق نفسك؟..
ابتسامة سقراط ...؟ ـ قصة : باقر جاسم محمد
كنت أوشك أن أصرخ طالبا ً من السائق ذي العنق الغليظة أن يرحمني من مجموعة من الأغاني الهابطة حول البرتقالة و المشمشة التي كان يبثها من مسجلة السيارة بصوت عال يكاد يصم آذان الركاب المحشورين في هذا الصندوق الضيق ذي العشر مقاعد. قلت بعصبية:
- نازل عند رأس الشارع.
اقتربت السيارة من الرصيف، فتحت الباب، فتدفق صوت المغني ليصدم بصوت قارئ الأدعية الذي كان يبث من أحد محلات التسجيلات على ناصية الشارع فاختلط صوت الغناء بصوت الدعاء. كان الجو البارد لأواخر الشتاء، و الشبابيك المغلقة للسيارة قد جعلا من تحمل الصوت و أنفاس الراكبين و ثرثرتهم و دخان اثنين منهم أمرا ً يشبه التعذيب، بل هو تعذيب حقيقي دون أن أملك أنا أو أحد الركاب شجاعة الاحتجاج عليه. لذلك فقد استقبلت الهواء البارد لصباح العشرين من شهر آذار بشهية إنسان جائع خاوي البطن و رغبة رجل أمضه العطش لكأس مترعة بالماء رغم الشتاء و البرد.