lun-anfasseكنّا جراءً تجري بلا هدف ..
حفاةً تلقي بنا أكواخُ الصدأ!
أنا ..  عن سربي أجنحُ إلى حيثُ قعدة الكبار ، التنصتُ عليهم كان هوايتي .. وهم ساهمون هناك على التراب .. تحت السياجِ الشوكيّ ... مطرقون كالعابدين ..  وسطَهم مذياعُ أبي نظارة .. وأنا في الجوارِ ... يدهشني صياحُ المذيع .. فإذا ما سكت؛ وعلبةُ المعدنِ شرعت بالنشيد .. توجهوا كلّهم إلى أبي نظّارة ... وسألوه ذات السؤال دفعةً واحدة :
ها ... ماذا فهمتَ ؟!
حلمي الذي ورثتُه عن أمّي يعصفُ بي .. أتعلّقُ مع الكبار بفم أبي نظارة ... يهزُّ رأسَه إلى الأمام مرتين .. يلقيه حيثُ الجانبين مرتين .. يحكي وأنفه يرقّصُ نظارته:
... والله يا جماعة الأخبار غامضة!
يزيدهم كلامًا .. لا أفهمُ منه شيئا!

22222RRTYرقصت أشعة الشمس ، متّشحة برائحة المطر، مرتدية حوافر اللحظات  في تلك السويعات الأخيرة من الغروب. ألوان طيفها تعانق تلك المويجات التي تترامى مع ايقاع سكون مجنون، ثمّ تنسحب بعيدا ممتطية مركب الجزر في وسط تلك الأعماق. تاركة رمال ذلك الشاطئ تلملمُ أشلاء حُلمها المكلوم. كنت أنظر إليها من بعيد، أبحث في ثناياها المقفرة. خطوت نحوها رغم حلول الظلام، غير آبهة بذلك السّكون الموحش ولا بذلك البرد الصقيع. أبحث فيها عن روح تشدّ لي أزري، عن أذن تسمع بوح أصداء كلماتي. عن بعض الطريق التي عشتها في رحلة من حزن. أبحث فيها عن أهلي وعشيرتي.

alainbalأنظر ، لست مستعجلا ، لدي الوقت الكافي لمعالجة سوء التفاهم الذي طرأ بيننا في الآونة الأخيرة..هل تظن حقا أنني أخونك ! ؟ لا يا صديقي هذه مجرد وساوس تجتاحك بين الفينة والأخرى وتصور لك الأمور على غير حقيقتها.. تظن ، بدون أدنى دليل أو حتى تفكير ، أنني معجب بصديقتك تلك الشقراء المتعجرفة ، بل تظنني على علاقة سرية بها.. و العجيب في الأمر أنني لطالما أخبرتك أنني لا أحب هذا النوع من النساء.. متكبرة و..و تظن نفسها الأجمل بين كل النساء،  و لا تكاد تستقر على رأي..  عنيدة و .. و تعشق المبالغة .. تبالغ في كل شيء.. في الحديث في الصمت في أحمر الشفاه.. تبالغ حتى في الابتسام.. وكأن الدنيا من حولها تستحق الابتسام ، جد جد مضطربة هي.. أتعرف ، هذا النوع من النساء يخنقني و يجعلني أتقيأ.. هي حقا مضطربة ومقززة، و تدخلك بمجرد رؤيتها في حالة من الاستفزاز لا نهاية لها.. أنا متأكد مما أقول.. متأكد ومصر على أحكامي..

من أنت يا أنا أيها الكائن في ؟
verite-etreأيها الغريب الذي لا يريد أن يبتعد عني
يبحث الإنسان عن الأسرار ، لكن أكبر سر يحمله بين جوانبه . أتصور أحيانا في النهايات القصوى للزمان ، وبعد أن تخرج الحقيقة من البئر حاملة سياطها ، ما الذي يمكن أن تقوله للبشرية أي سر سينكشف أخيرا ، أي ضوء سينير الظلمات ، ذلك الصوت البعيد القادم من وراء العوالم الخفية ، ما الذي يمكن أن يخبرني به .
تبدو لي الحياة أحيانا كما لو أنها ليلة واحدة طويلة تنامها البشرية وستستيقظ في حلم آخر ، زرقة في داخل زرقة . الحقيقة منيعة عن الجنس البشري لكنها دائما تحدق إلينا بجفون مفتوحة . أحتاج الكثير من التفكير للتعمق في الحقيقة ، لكن القليل من الكلمات قادر على قول ما هو أساسي وما هو أساسي هو أنني أفضل الحياة على الحقيقة ، أفضل الوجود على الفكر ، أفضل الإحساس بالغيوم على فهم الغيوم .
التأجيل بالنسبة لي يعني التشبث بالحياة ، رفض الحقيقة . أعتقد أنه من رحمة القدير بنا أنه منحنا هذه النعمة : التيه ، القدرة على النسيان ، التأجيل الدائم لمواجهة الحقيقة .
هكذا أمضي تحت المطر الخفيف في الشارع الطويل الذي يفصل الثانوية عن المنزل ، من هنا إلى هناك تزدحم الأفكار في ذهني كما لو أن رأسي يشبه محطة لا تتوقف عن الحركة . تؤلمني الوجوه العابرة في سطحية الحياة ، في الضمور اللانساني لمعنى الحياة المعاصرة . ما هو مؤسف هو أن البلادة أصبح لها طابع قومي . البلادة الألفية هذه ، هي أولى علامات الإنحطاط البشري الأخير . هذا هو زمن الكينونة الحرجة .

abstr-sinnnعيناهُ لا تنصاعان لإرادتهِ وكأنّ ما بينها وبينَ بائع الفاكهةِ والفاكهةِ وقفصِ السعادين الذي استقرّ مقابلَ الدكانِ على الرصيفِ خيوطاً لزجة ً ،تخيلها مصيدة ً لعنكبوتٍ أخفاهُ الوهمُ لكنهُ ظلّ متحفزاً لصيدِ ما استدرجَ من مخلوقاتٍ لمصيدتهِ ، عبثاً حاولَ أن يَحيدَ بنظرهِ عن التُفّاحِ وعن قفصِ السعادين ، فكرّ أنهُ لن يحظىَ كلّ يومٍ بفرصة ِمُراقبة ِسعادينَ عن كثبٍ، لكنهُ وهوَ يراقبُ السعادينَ شعرَ أنّ عينيّ صاحبِ الدكانِ تلتقطانهُ بخيوطِ نظراتهِا اللزجةِ كعنكبوتٍ أدمنَ مدّ تلكَ الخيوطِ في دروبِ الفرائسِ وهو يعرضُ المخلوقاتِ التي تشبهنا كثيراً على الرصيف، هي الخيوط ذاتها التي امتدت من المشهدِ و العنكبوت الخفي لازال يترصدُ ضحاياهُ ، حاولَ تخليصَ نظرهِ المشدود إلى ما يراه ولكن عبثا فكلما حاولَ تفاقمَ خيطُ العنكبوتِ الموهوم ملتفاً حول عينيهِ ليعجزهما عن الهروبِ إلى جهةٍ أخرى فيبدو للناظرِ رجلاً فضوليا يدفعُ بصرَهُ نحو المشهدِ بإلحاحٍ ، عينا صاحبِ الدكانِ تكفان عن متابعةِ سعادينهِ وتنشغلان بملاحقةِ الرجلِ الذي راحَ ينظرُ إليه ماسحاً بنظراتهِ أنواعَ التفاحِ الثلاثةِ ، الأخضرَ والأصفرَ والأحمرَ كابتاً في الوقت ذاته شهيته العارمة لالتهام بضعِ موزاتٍ ناضجاتٍ اصطفتْ واحدة فوق الأخرى بنسقٍ جميلٍ قد أجادتْ شجرةُ الموزِ صنعَه وكأنها تعمدتْ اصطيادَ شهيّتهِ الملتهبة جراء ميلٍ غريزي للموز وفيما هو يفكر كانت السعادين تتصرفُ على سجيتها في القفصِ الحديدي المتين، أنثى السعدان تتخذ مكاناً في أقصى القفص تمضغُ قشرة َموزٍ تاركة صغيريها يلهوان ويستعرضان قدرتهما على لفت انتباه المارة وهما يُكشران عن أنيابهما بابتسامةٍ عريضةٍ .

dddd2-610x225لماذا يكتب الإنسان ؟ أتراها الرغبة في الكتابة والفعل ؟أم تمزيق الجسد بالقوة وتحويله إلى صور تعلق على الذاكرة ؟
سألته مرة ’كيف تكتب؟ إبتسم  ثم قال:بالكلمات وبقليل من الحبر.قلت :أعني اللحظة التي تصبح فيها مبدعا حقيقيا؟ فرك رأسه بكلتي يديه ثم قال:حينما أفقد الشعور بالزمن،وتنفذ من جيبي الدريهمات ويطاردني الدائنون في كل مكان.حينما يتحول ماسح الأحذية وبائع السجائر ومغنية الحي إلى جواسيس’يسلمك الواحد منهم للآخر في زوايا الأزقة والدروب.أتدري،لولا الحلم لاشتعل العالم مثل هذه اللفافة من السجائر.وسحب نفسا عميقا من الدخان قبل أن يتم كلامه،وقال:الحلم يا صديقي ،منطقة لا حدود لها،لا يستطيع مراقبتها لا ماسح الأحذية ولا بائع السجائر ولا مغنية الحي،بل لا تقدر على مراقبتها حتى الرادارات او أحدث أجهزة التنصت التي اخترعها الانسان.هي منطقة منفلتة بعيدة قريبة من جغرافية فيودالية العالم الحديثة.هي حقل ألغام وبئر من البترول القابل للإشتعال في أية لحظة.قد ينفق الإنسان حياته على حلم واحد.فكيف لا نحلم كثيرا...
صادفني مرة أن قبض عليّ بتهمة الهذيان العلني في مقهى الحي،كان الرجلان اللذان اعتقلاني يتظاهران طيلة أيام بقراءة الجرائد....

1358415035أراك كما لا تراني، تفيض بما يحتفي بالغيوم الشفيفة كلَّ احتمال قمرْ..تؤوِّلُ ما يستريح على حانة الوقت منك ومني بظلين لم يعرفا بعدُ كُنْهَ التباس البياض بهذا الفراغ المليء بكِبْرِ الخطايا..ألسنا وحيدين منذ مواويل أمي وأمك قبل البكاء على الأوفياء بحبرِ المؤرخ، عشب قبورٍ سعت كل شيء عدا الشهداء، وإيقاع ناي السفر؟..
أراك على بُعْدِ هذا الزمان زمانا يؤرق صوت المغني، كأن الكلام ذبول الشفاه المباغِتِ بالصبر كل الحدود التي أتقنتك تراثا عصيا على الإحتفال أو الإنتقال بدون انكسارٍ يريدون منه التئام الهزيمة حتى تُعَلَّق في غور عيدِ شهيٍ لمن حرَّفوكَ ومن صيَّروك إله المكيدةِ..إيهٍ سليل الشقاء البعيدِ..وما زلتَ تبتدع الحلْم مثل النوافذ، بادلتَ -كم أنت بادلتَ- أسرابَ حمَّى تعض الشرود إلى من أقاموا بيوت الغياب على هاجسٍ من حنينٍ وطينٍ ببوحٍ عن القمح والقبرات بما قد تيسر مما يَرُدُّ السؤال إلى الطيبينْ..على عجَلٍ طال هذا الخلاف عليك من الساهرات يُعَدِّدْنَ ما قد تساقط منك بآناء همس الظلال وأطراف رعش النخيل وأنت المعافى كخيط مطرْ..

femme-passماذا تنتظر ؟
هكذا قالت حين مرت به ، سمع صوتها و لم ير سوى طيفها يمر.
كان ساهيا يقتعد حجرة مرمية جنب الطريق المغبر الطويل ، ويحني رأسه بين كتفيه و يخطط بعود في التربة خطوطا تتشابك بلا هدف،كتلك الأفكار التي تتشابك في رأسه.
عندما ابتعدت هي في الطريق ،و أفاق هو من دوامته، و تذكر أنها مرت عليه و قالت ما قالت ، و رفع بصره في أثرها سيطرت على عقله فكرة أنها ربما تدعوه للمرافقة ،وترمي من كلامها أن تقول له: هيّا ماذا تنتظر؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة