اراد ان ينتحر . بعد ان اعجزته الدنيا ، وضاقت به كل الدروب . فانسل خلسة الى عمارة عالية ، ظل يرصدها منذ وقت طويل وكانها فتاة جميلة يراود عندها احلامه ، وامنياته .
وقف عند الطابق الثلاثين . اراد ان يلقي بنفسه من هناك الى الارض . نظر الى الاسفل . فدارت براسه الدنيا . فبدا مترنحا . فهو لاول مرة يرى الارض من هذا البعد الشاهق . تمسك جيدا بالسياج المحيط بالبناية بعد ان اشاح بنظره بعيدا لئلا يشعر بالدوار الذي تنتجه فوبيا الارتفاعات العالية . فكر في نفسه :
لو سقطت من هنا فسوف اندثر تماما . وسوف لن يتبق من جسدي شيء . مع ان طابقا واحدا او طابقين اثنين يكفيان للموت . دون الحاجة الى ان ينهرس لحمي مع التراب فيضيع مثل معجون طماطة منكفيء .
احس برهبة الموت تنتابه فبدا يلف ويدور امامها ، وهو الذي كان يخطط لمثل هذه اللحظة منذ زمن طويل .
ثمنُ الحرية البخس ـ قصة : عبد الفتاح المطلبي
بين فضاءين يحيطهما الإسمنت من كل جانب رأى روحَه تترسب بعيداً في مجاهل جسده الذي لم يعد كما عهده من قبل،وعندما تحرك الباص مبتدئا رحلته اليومية كانت المرآة الكبيرة التي يضعها السائق لرؤية ما يقع خلفه تتيح له أن يرى وجهه من فوق كتف السائق، نظر ملياً إلى كفه المعروقة بشكل لم يلحظه من قبل ثم انتقل بعينه إلى فوده الأيسر الماثل في المرآة ، شاهد تلك الشعرات الدقيقة الملتوية ذات اللون الأبيض التي انتشرت بشكل ملفت متخللة اللون الأسود وود لو لم يفسح ذلك السواد مكانا للبياض الذي ينبئ بشيخوخة مبكرة و إن الوقت يتقدمه كثيراً و عليه أن يحاول ما استطاع تفهمَ وقبولَ ما يجري لروحه التي بدت مثل لُقيةٍ ملقاة في قعرٍ سحيقٍ .
المنحة ـ قصة : هشام بن الشاوي
غرق قلبه في بحيرة من البهجة، انتشلته من يوميات الحزن القاتل، الذي يدفعه إلى الصمت والانطواء. تبدى هذا الصباح متصالحا مع كل ما في الوجود.. لاح له الجار الكهل، منشغلا بتدخين سيجارته، لم يبال بتجاهل الكهل تحيته هذه المرة.. لم يغضب : " ربما لأنني تجاهلته من قبل، وأنا أمر من أمامه... ليس تعاليا، لكنني لا أحب أن أكلم أحدا حين أكون حزينا، ثم إنني لا أستسيغ جلوسه- وهو يدخن السجائر- أمام بيته طوال النهار، كمراهقين كرسوا أيامهم للتلصص".
في الطريق إلى محطة حافلات مدينة أزمور فكّرَ في ضحايا بلد عربي اختار زعيمه أن يقصف شعبه بالمدافع والطائرات. هتف لنفسه : " لا يمكن أن تخرج أي درهم خارج البلد أم تراك نسيت حين فكرت في طبع كتابك الأول في القاهرة، وأبلغك موظف المصرف أنه يتحتم عليك اتباع عدة إجراءات بيروقراطية، سيطلبها منك المكتب الرئيس لوكالة تحويل الأموال الشهيرة بالعاصمة. مهلا.. إن هذا البلد ليس في حاجة إلى دراهمك... وقد تلام لأن مواطنيك في أمس الحاجة إليها، وماذا عن موقف الدين؟ هل يمكن أن تسعف منكوبين بأموال من يحاربون المسلمين بشتى الوسائل؟ رجاء، لا تشغل بالك بهذه الترهات، فمن يحس بمعاناتك اليومية، التي تجعلك ترى كل شيء رماديا وكئيبا؟ وما المانع، حتى لو كان المال حراما.. إنها 95000.00 دولار أمريكي".
شمس الصباح ـ نص : نزار عصي الدمع
كم تشبهين شمس هدا الصباح
كم تشبهين دفئها الذي يتسرب في أضلعي .. فتنتابني أحاسيس الشوق إلى عمر من الأحلام
تفاصيلك زحمة من الاعتقادات بأنك تفردت بألوهية الأنفاس واستحوذت على خارطة الوقت وذاكرة الأيام
صباحك سكر .. صباحك عطر خلقته المصادفات الرحيمة والتناقضات الجميلة
صباحك ورد وزهر وباقات أمنيات..
أيمكنك أن تبقي هادئة بلا حراك.. البسي روح الجوكندا ..استعيري روح التماثيل الأسطورية
دعيني أرسمك بأنفاسي بنظراتي دعيني أخلقك من جديد على مزاجي
الــبــطــاقـــةـ قصة : محمد الفشتالي
انسابت العين تتملى عن كثب الرغبات الجامحة في منحوتات موقوفة عند بهو الاستقبال، وإذا أبي أسمع الرجل الأسود يرحب بي أيما ترحاب. كلمته تسبقه كلحن في أغنية. شعرت بزهو خاص وأنا أرى ما يحيط بي كأنما أفرد لي وحدي. على جنبات البهو الباهر انتصب وجه فيروز، ونيفرتيتي، وعمر بن الفارض. نعم عمر بن الفارض كما خاله جبران. ووجه مارلين مونرو، ومايكل مور، والدبوز أيضا. وتصعد معي في كل خطوة أخطوها تحف من الماضي: حقل القمح. امرأة جالسة. عين الصمت. رجل بأدراج. وأخرى نادرة حالت صعقتي دون تعرفها، صعودا صعودا على بساط لونه بخيوط الشفق يدغدغ الكعب. الممرات إضاءتها طالعة بخارا. ونازلة نثارا بين نباتات خضراء سامقة الأوراق. كل شيء أخاذ أخاذ، بل الأشياء جميعها كاملة بدون أنصاف ولا أرباع.
الرجل الحمار ـ قصة : المصطفى المغربي
جاؤوه تلك الليلة بامرأة،هي أول امرأة سينفرد بها في حياته،فقد زوجوه أخيرا بنت قدور المش(القط) من الدوار المجاور،لم يسبق له أن رآها ،فقط لما تكلمت أمه في الموضوع صار يسألها عنها،فكانت تجيبه:
امرأة و السلام،ماذا تريد أكثر؟
في تلك الليلة استحم مع أقرب صديقيه في حمام المدينة،و عاد إلى البلدة قبل المغرب بقليل،عاد بلباس العرسان،جلباب و بلغة.استقبل بحفاوة الملوك،بطيب الزهر و الحناء و الحليب و التمر و البيض المسلوق ،فهوسلطان العزارة(العزاب) تلك الليلة.
جاؤوه بها بعد العشاء بقليل ،أدخلوها كوخ الزوجية ،انفردت بها في البداية ثلاث نسوة مجربات في الحياة، عادة ما تكون العمات أو الخالات ،أعطينها نصائح و تقنيات محددة لمواجهة الرجل لأول مرة على انفراد، وذلك من أجل أن تسيل الدماء و بأي ألم.
حلم شبقي ـ نص : مستور صابر
رآها في سقوط الندى على وريقات الشجر المنحني إجلالا لنسيم الصبا المنبعث من أنفاس الصباح المتوج بلآلئ النور الأتي من شمس تربعت على سماء أثثها شفق ماج في احمرار سال كجدول خمر في نهر الجنة المتدفق من منابع اللذة المسيجة بزهور رسم على أوراقها خطوط تحكي قصص لم تكتمل بعد.
هي ذي صورتها يحملها خيط الماء, مر بها على ربوع وربى في تلابيبها يعبق لحن الحياة, تابع بخطى حذرة انسياب صورتها حاول أن يمسكها تلاشت واستحالت ماء انسل من بين أنامله, رأى انعكاس دمعته في خاتمه أجهش بالبكاء فأحس بغصة تكاد تخنقه, مسح دموعه, وتابع البحث عن صورتها فجأة أحس أنه ينتزع من هذا المشهد, يمحى من هذا الرسم الجميل حاول جاهدا, أحس أنه يشفط من اللوحة , تمسك بغصن شجرة لم يستطع التحمل, فضاع منه الحلم.
الأجنحة ـ قصة : سمير رايس
اتسعت رقعة الأسى..
ركضت حتى آخر الشارع المفضي إلى الميناء..لم أر غير بواخر السلع القادمة من الموانئ البعيدة.. ترسو كجبال شاهقة...
على طرف العوازل الحديدية تربع سكير يحتضن زجاجة نبيذ رخيص...كان ثملا لايقوى على رص الحروف بعضها لبعض..يمدها كمن يحتضر..
" أبو نواس كان شاعرا وحكيما ...وسكيرا..."
يا أنت المرمي على الأرصفة النتنة...مالك ونشواها ودبيبها...
أغرتني الفكرة...خطر لي " عبد القادر الكندي"..كيف يغني بصوت جميل حين تسكره نخلات الشواطئ المزيفة..