anfasseجولة مسائية في مدينة الرماد،الرأس طبعا عامر،بالكوارث وبأشياء أخرى، مصروف الجيب  على المقاس كالعادة.المساء بارد والسماء كما في كتابات العبثيين غائمة ومكفهرة،كل ذلك يغري المعدة بالإنحشار داخل محل لبيع المأكولات الخفيفة ولو تطلب الأمر الإنتظار في طابور طويل.هنا بمكن للمرء أن يسمع الأخبار والتعاليق وأشياء أخرى،بعد ذلك لا يتنازع داخلك اثنان حول وجوب اقتحام شارع بئر انزران،هناك تصادف وجوها تعرفها وابتسامة مغرية من إحداهن لكنك تشيح ببصرك عنها كأي مغفل فقط لأنك لا تملك ما يكفي من نقود لدعوتها للنزهة في أقرب مقهى،في الأخير تنهال بجسدك على الكرسي لتشرب كوب السائل الأسود المر وحدك، تدخن قليلا لتظل صامتا وأيضا لتبدد الضيق العميق..وراءك أحاديث تصلك منها بضع كلمات لكنها مبتورة غير ذات أهمية على الإطلاق..كأنما الكلمات تفقد جوهرها حينما تنطق أو لأن ما يقال و حتى ما لا يقال عبث في عبث مادام العالم لا يتغير...

anfasseأصحو فجأة من نومي، دون سبب محدد، أستجدي النوم بأن أعد الخراف في خيالي وهي تقفز فوق سور خشبي، أعد من واحد إلى مائة، ولكن دون جدوى، أشعل النور، وأبحث عن ساعتي، إنها الواحدة صباحا، لا زال الوقت مبكرا على الصحو.
إنها ليلة بيضاء جديدة، لا أدري لماذا أعاني الأرق هذا الأسبوع، أبحث بين كتبي المبعثرة في كل أرجاء الغرفة عن شيء يسليني، أفتح ألبوم صوري وأتصفحه صورة صورة، أقوم من فراشي بعد أن فقدت الأمل في عودة النوم إلى مداعبة أجفاني.
 صمت مطبق يلف المكان، أحس برغبة عارمة في الحديث إلى أي كان، تستهويني الفكرة فأسارع إلى هاتفي النقال، أطلب رقم حبيبتي فأجد هاتفها مقفلا، أقلب صفحات مذكرتي:من يا ترى يمكن أن أتصل بهفي هذا الوقت دون أن يلعنني في سره .. لا أحد سيتحملني غيرها .. أرمي مذكرتي بعيدا.. ما العمل في هذه الليلة السوداء؟ وكيف أقضي وقتي حتى الصباح؟ أعود مجددا إلى فراشي أطفيء النور..أعد من واحد إلى عشرة ومن عشرة إلى واحد، لكن هذا النوم اللعين يرفض أن يأتي.. لا أدري لماذا أصحو عندما ينام الناس وأنام عندما يصحون !
تعود زملائي طيلة هذا الأسبوع.. علي وأنا نائم على سطح مكتبي، وتعودوا أيضا أن يحاصروني بأسئلتهم الملغومة.
- أين قضيت ليلتك أيها العفريت؟

anfasseعيون تبكي.. صدور تشهق بالحزن وتغلي بالكره والثورة، أفواه تلهج بالدعاء وبعضها بالسباب والجميع رجالا ونساء.. شيوخًا وأطفالا أخرجوا من بيوتهم، يحملون مايقدرون عليه من أمتعة تاركين ممتلكاتهم التي أفنى البعض منهم عمره ريثما تسنى له الحصول عليها.. أغلق الغزاة الأبواب خلف ملاكها، ودخلوها مستوطنين.. وقف الأهالي في الشارع ينتظرون الحافلات التي ستنقلهم خارج الحدود، وعيونهم تسجل الصور الحية الأخيرة لمدينتهم.. (عكا) كم أنت جميلة وحبيبة إلى القلوب.. ماأصعب لحظة الوداع.. تبًا لهم، هاهم يطردوننا من ديارنا، والدمع يسقي الوجوه نارا. وصلت الحافلات.. أسرع الجميع للصعود إليها رغمًا عنهم.. كانت تنتظر دورها لصعود الحافلة.. لم يبقَ غيرها.. امتدت الأيدي لمساعدتها.. لم تستطع ولوج الباب لضخامة جسدها... الباب لايتسع لها.. حاولت الدخول بكتفها اليساري أولا ثم اليميني.. فشلت أيضًا.. أسرع شبان العائلة لحشرها في الباب.. كاد جنبا الباب يأكلان من جسدها.. لم تفلح المحاولة، والجنود الغزاة يرون ذلك ويضحكون..

anfasseزمن الهموم..:
عندما زرت مؤخرا قريتي التي ولدت وترعرعت فيها ، لأعيد طفولتي الضائعة في الأوحال الطينية والأشجار السامقة والبساتين الشاسعة ن عرجت على بيتنا القديم الذي شهد حب طفولتي البريء ، فوجدت دمية حبيبتي تنتحب بدموع لا حدود لها . قربت وجهي منها وأنا أنظر إليها بحزن شديد علي أرى فيها صورة حبيبتي الضائعة قائلا :
- لقد اشتقت إليك يا حبيبتي ..طال زمن فراقنا..
وبعد لحظة صمت رهيبة ، وصلني صوت ممزوج برائحة الموت:
- لقد ماتت منذ زمان ..اذهب لم تبق تضحية في زمن الهموم هذا..

ANFASSEتوقف الليلة قبل ان يبلغ الساحة المخصصة لوقوفه الاعتيادي , ترجل عن العربة , وأشار الى مرافقه
-انك غبي اليوم تأكدت من ذلك
وحين لم يتلق جوابا استطرد
الكل اتفقوا على هذا , واليوم أنا ايضا تبدد الوهم الذي غلف تفكيري , انك لا تصلح لشيء , انك أبله , او دعني اوضح لك شيئا
"بعض البلاهة من العيش الرغد"
وانت , اعتدت وجبات في أوقاتها افتح فمك و السيد بوعبيد في خدمتك , آه وانا الذي كنت احسب انك ذراعي الايمن
حدق في وجه مرافقه , البلادة ترفرف من عينيه ، وللحين علا سحنته شعور كئيب, وقرر قرارا خطيرا
- اليوم وعقابا لك ستمضي الليلة هنا , نعم في هذا الجو الممطر والبرد القارس -ستمضي الليلة كمتشرد حقيقي - لا تنظر في وجهي هكذا , انت لكي تتعلم يجب ان تؤدي الضريبة , " لكل شيء ثمنه " وأضاف لنفسه بنبرة تأكيد -نعم لكل شيئ ثمنه

anfasseها هي تقف وراء الشباك ذي الستائر البنية ، تحمل على ذراعيها ابنتها ، وتنظر إلى نعش زوجها المحمول على الأكتاف ، يتقدم حاملو النعش ، يتبعهم المشيعون مرددين اللازمة الجنائزية ، هي لا تعرف حقيقة مشاعرها في هذه اللحظة ، ملتزمة الصمت والهدوء ، بخلاف باقي نساء عائلة زوجها اللائي يطلقن الصرخات والنحيب المرفق بلطم الوجه ونتف الشعر ، هي اختارت أن تنعزل بغرفتها مع ابنتها فقط ، لم ترد أن تشارك الآخرين في هذا المأتم لأسباب تحسها ، ومقتنعة حتى النخاع بها ، لكنها أعجز ما تكون على تفسيرها للآخرين ! ضرتها تنتحب ، تبكي وتشهق ... عز عليها فراق زوجها أبي أولادها الخمسة ، واليوم فقط غفرت له كل ما تقدم من زلاته وما تأخر ، بما في ذلك زلته الكبرى المتمثلة في زواجه من "زينب" تلك المتصابية المتعالية التي تغلق عليها باب حجرتها الآن .

anfasseوضع نقطة النهاية.وأحس بنشوة تسـري عبر مسامه لتغمر كافة جسده..شبك يديه خلف رأسه وتمطى قليلا نحو الخلف..تأمل شاشة حاسوبه وابتسامة الرضا ترتسم فوق محياه..أعاد قراءة مقالته ليطمئن على سلامتها من الأخطاء..ثم سحب أوراقا من الآلة الطابعة ومضى يعدو بها مسرعا نحو مكتب رئيس التحرير..أمره بالجلوس وهو يتصفح الأوراق بسرعة فائقة..كان يتابع حركات عينيه وهما تتنقلان بين أسطر مقالته مثل كاسحتي ألغام..ثم رآه يصحح شيئا لم يتبيّنه بالضبط..أحس بغصّة في حلقه لأنه كان حريصا على ألا يتسرب أي خطأ إلى مقالته الأولى ليكسب ثقة رئيسه ويجعله مطمئنا إلى قدراته اللغوية العالية..
      أنهى رئيس التحرير قراءة الأوراق ورفع إليه عينين حمراوين تطلان من فوق نظارتيه السميكتين كأنهما قعر كأس زجاجي من النوع الرديء..قال بصوت من يسدي نصيحة إلى أحد أبنائه:

anfasseانقطع التيار فجأة, فأسدل الليل ستائره, وراح الصمتُ يغرس نابه منقضاً على ضجيج ٍأبكم, تقوقع الجميعُ مكانه ساكناً لا تسمعُ إلا همساٌ, بكاء الصغار يقطعُ أنينَ السكون, وصوتُ ارتطام كرسىٍّ بصاحبه يأتيك من طرفٍ خفى, واجتمع محاقُ الشهروبرده مع غضبِ عواصفٍ, ورابعهم قيلولة التيار, تحولتْ القرية إلى أشباح وآذان صاغية, هدأ صوت الأطفال رويداً على ثدى أم التقطه جزعاً لا جوعاً, أو فناء شمعة تطعمنا نورها ليذوبَ داخلنا مانحاً أماناً ودفئا نلتمسه.
أهاج الظلام فى النفوس نوماً غير مأمول, وحرك فى آخرين يقظة أفئدةناسكة, أوشهواتٍ مسعورة مكبوته, والتمستُ مذياعى القديم تريد أركانه أن تنقض, يقيم أوده أستيك فقد صفته حتى لا تخرج أحشاءه, ورحتُ أستجديه يسامرنى ظلام ليلى...أدرته برفق...أخرسه الليل, هززته بلين كى ينفضَ ما علاه من قسوة الهجر...أبى نطقاً كمن يعاقبُ حين مقدرة, رحتُ أتحسس بطاريته فصرختْ وتقيأتْ بصدأ وصديد فى جوفها وفاض ليعدى جيرانها, انقطعت أمعاءُ الرجاء لدى فى صديق أصارع معه أبابيل الليل العاصفة, تأففت وحدتى ... بحثت مرغماًعن سِنةٍأو نومٍ, تهتُ فى أغطية تشبه كفن ميتٍ فى إحكامها, واتخذتُ رجاء النوم وسادة عل الجفنَ يثقله نوماً, أو ينقضُّ عليه حلمٌ ضل صاحبه, لكن..صوت الريح يعلو...يعبث بحباتِ رمالٍ يتيمةٍ تطرق نافذتى, تبحثُ عن ملاذٍ آمن, وأنى لى أن أرقَّ بحالها؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة