
وظل عبد الرحيم في وضعه هذا يشم ويستنشق حتى هدر أنفه وفرقع بعطسة شديدة طيرت الحمام عن أغصان شجرة الأكاسيا المنتصبة في آخر أطراف الحديقة. وقبل أن ينتهي من حمده لله لأن روحه لم تطلع، ولم يقف قلبه مع قوة عطسته الشديدة المدوية.. لحظتها سمع صراخ ابنته الصغيرة وقد أفزعتها الفرقعة.. والتفت عبد الرحيم وهو يمسح أنفه بمنديل كرمشه في جيبه، فرأى زوجته تهب لتلتقط صغيرتها وتسحبها من تحت الطبلية، حيث اعتادت أن تحشر جسدها الطري لاهية عن الدنيا ومن فيها.. واحتضنتها، وطبطبت عليها.. ومع هذا دشن فمها أول ابتسامة مكتملة التكوين تألقت في شفتيها منذ الأمس.. وبان نابها الناصع البياض النافر عن بقية الأسنان.. واستمرت تهدهد وتطبطب حتى هدأتها.. فسكتت.. وعادت الدنيا إلى سجاها.