Anfasse.orgحين التحقت أمي كعادتها متأخرة بالجارات المجتمعات أمام البيت كنت منهمكا في التسلي بمطاردة نملة كبيرة أحاول أن أسدي لها خدمة جليلة لكنها تأبى وتتأفف ثم ترفض مهرولة في كل اتجاه .كنت أحول جروح رجلي ألى مصائد أصطاد بها الذباب الملعون الذي يحاول جاهدا امتصاص دمي .أقدمه أطباق طرية ولذيذة بين يدي النملة الكبيرة ,لكنها تغير طريقها متضجرة.
كنت مثل أقراني لا نملك لعبا فنكتفي بما تجود به الآرض. جزء كبير من صبار القرية حطمناه أجل صنع شاحنات أو جرارات تجر شقاوتنا وشيطنتنا . تكومت النساء في عباءاتهن كسرب حجل يستمتع بحمام شمس ربيعية.يطرزن ما شئن من كلام.
كانت فطومة لا تكل من الحديث أبدا ,وإذا سكتت فلكي تستجمع لعابها وتواصل حكيها عن الغزل الذي لا ينتهي أبدا .وعنما تمل من الشكوى والبوح تتنهد بعمق وهي تقول "الجرية كثيرة والرزق قليل بحال النملة " عندما تتنهد تدرك فاطنة أن دورها قد حان  وأنها لابد أن تحكي وتحكي حتى تروي الآذان المشدودة إليها ,ولو أنها تدرك أن بعضهن يستمع لها في تشف, ولكن لا يهم ما دامت تجد لذة لا تعدلها لذة وهي تحكي عن اليوم الذي زارت فيه المدينة مع زوجها لتبيع ما نسجته أناملها من قبعات خلا ل سنة كاملة. لكنها حين تكاد تنهي كلامها كان صوتها يخفت شيئا فشيئا حتى إذا كاد لا  يسمعه أحد ,لطمت وجه الأرض بما تحمله في يدها مهما كانت قيمته وإن لم تحمل يوما شيئا ذا قيمة وقبل أن ينفض الغبار من حولها تقول بصوت كأنه ما تعب "سر يا ابراهيم كلت لي رزقي وكلت عليك الله....ّ

anfasse.orgانتصفَ عمر الليل وانقضى شطره, مازالتْ عبيرٌفى سريرها بجوار طفلتها النائمة, ألقى الشتاءُ فى نفسها أثقاله, وحلَّ نطاقه, وألبستها وحدتها ملاءةً من الثلج, تفكرُ فى أمرالذى يسمونه زوجها, مازال قابعاً ممدداً فى أريكته, ملتحفاً بدثاره آناءَ الليل وأطرافَ النهار, تُخفى نظارته عينيه, يشاهد التلفاز حتى وهونائم, لقد حول تشرينَها تموزَ, كأن سماءه مأتمٌ, هجرُهُ لها يذيبُ قلبَ الصخر, صهر بدنها من لامبالاته, كأن رجولته ولتْ مدبرة, حَرُّهُ لا يطيبُ معه عيشٌ, ظلُّهُ يحموم, وماؤه محموم, شاهدُ اليأس ِمنه ينطقُّ, وحبلُ الرجاءِ معه منقطعٌ.
تسألُ نفسها: لماذا تزوجها وليس له فى النساء مأربٌ؟ العامُ السابعُ يوشكُّ أن ينقضى معه, لا تشعرُأنها تزوجتْ, ربما لحظات فى أيامها الأولى ذرّاً للرمادِ فى عيونها, عانقتها الهمومُ, عيناها كأنهما خُلقتا للسهر والحزن, ضربَ النومُ بينه وبين مآقيها ستاراً, أهٍ من لوعةِ الأنثى واحتياجها لرجلٍ بجانبها ولا يشعربها, يحعلها تكتحلُ الأرقَّ وتتوسدُالقتادَ, خوفها من لقبِ مطلقةٍ يجعلها سجينته, أو ربما هى إحدى سبايا ماله, فقد خرجتْ من غرفةِ أبيها المكتظة باللحم, لتوسعَ لإخوانها موضعها, تخشى العودةَ بطفلةٍ ولقبٍ جديدٍ, ولربما لا تجد لطفلتها موضعاً يأويها بين جدران متهدلةٍ.

anfasse.orgلأول مرة اشرب فيها فنجان قهوة من دون سكر.. ولا حتى قطعة سكر، فنجان قهوة صغير يكفي لأن يقلب كل الأشياء.
  "ما أجمل التغير " عبارة بسيطة جميلة وأيضا مستفزة، الكل يريد التغيير، تغيير سيارة لمن لديه أو تغيير أثاث المنزل وربما ألوان الجدار وواجهة المنزل..
الكل يريد التغيير، تغيير لون الشعر وعدسات العيون، تغيير كل شيء وأي شيء..
لكن الذكريات وحدها لاتتغير بحلوها ومرها تبقى جميلة لذيذة
شريط الذكريات و الأحداث الماضية لا لون له،نتذكر الأحداث والأشخاص دون أن نهتم بألوانهم ولا حتى أسمائهم..أغمض عيني وأحاول أتذكر بعض الأشخاص، لكن أتذكرهم بلا ألوان ، فربما للذاكرة عين غير التي نرى بها.
التغيير شيء جميل .

anfasse.orgاستسلم لأناملها تداعب شعر رأسه برفق وحنان، وتفعل في دمه فعل السحر، واسترخى استرخاء وليد بين يديها، سرت في دمائه نشوة الخدر اللذيذ. تتنهد هي بعمق وتزفر بحرارة في وجهه.
-        ما لك حبيبتي؟
-        أحبك ولا أدري لما أحس أن قلبك مع أخرى غيري.
-         ما هذا الهراء، إني أحبك أكثر مما تحبينني.
-   لا أعتقد ذلك، لا يمكنك أن تبادلني الحب بالمقدار نفسه، لا يمكنك أن تتصور أبداً شعوري، أنت عمري كله.
-         لا تعودي لمثل هذا الكلام عزيزتي. تعلمين جيداً أنك حبي الوحيد.
يتجنب النظر إلى عينيها بأن يغمض عينيه، ويتظاهر بالسهاد تحت تأثير أناملها التي تهدئ أعصابه، غير أنه بمجرد أن يطبق الجفن، حتى يشرد عقله، ويتحرك قلبه، يعود إلى حيث كان.

Anfasse.orgكان الطابور يبدأ من حيث انتهى طابور البائع المجاور للحاج مناف كان مناف هذا أشهر الحجارة المعروفين في سوق الرصيف للأحجار الكريمة والمسابح  حيث كان الجدل لا يُكسر إلا بعد أن يحطمه مناف برد قاطع يثلج صدور أصحاب الجدل . أخذت أتسحب من بين ما تدلى من مسابح في معرضه الخشبي حتى صرت أمامه. المسبحة كانت لا تفارق أنامله الهرمة . ولصوت اصطدام خرزات المسبحة بين رقعة وأخرى دوي يسحب عيون المارة  . كان ينظر إلي بدون أن يبدي لي أي اهتمام بينما كنت  قد بدأت مشواري في سؤاله عن ما اصطف على سجادته من أحجار وأخذت أشير بأصبعي على أول حجر
-    قلت مسم هذا ؟؟
-    فقال لازورد
-    قلت وهذا يا حاج  ؟؟
-     قال زفير
-     قلت طيب وهذا الحجر البراق ؟
-      فقال انه حجر القمر

anfasse.orgالأولاد كبروا يا إسماعيل والمصاريف زادت. حتى البنت الصغيرة ربنا يهدّها طالعة مثل أمها ولا يهدأ بالها إلا بعد أن تلتهم في كل يوم حبتين بوظة. والولد الأوسط عبيط وأهبل، والأدهى من هذا أنه عامل فيها كابتن كرة قدم وفكر نفسه رونالدينيو، وساق فيها وصدق أنه لعيب.. أبوات وفانلات وتدريب ومسخرة وكلام فارغ. والولد الكبير الله لا يكسبه طول النهار يتسكع في الشوارع مع الساقطين مثله لرابع مرة في الثانوية العامة، ولم تسلم أي بنت في الحارة من مماحكتهم ومعاكستهم، ووصل الأمر بالولد إلى معاكسة البنت العانس التي وجهها عريض كالكانون المقلوب، وجسدها الكبير مكعبر مثل الفقمة، الساكنة في منتصف الشارع قرب النادي، وتعودت خصيصا أن تنشر الغسيل في الشرفة مفرعة شعرها وتبادله النظرات في غواية وفجور، وفي كل يوم على الحامي والبارد يشتري لها علبة كاملة من العلكة لتطرقعها في فمها الأوسع من المنقلة، بلا حياء ولا كسوف.. الله لا يوفقه البعيد محل ما دار وجهه، ولا يوفقها معه. ولا أمهم.. يا سلام على أمهم.. أمهم هي الأخرى مثلهم ولا تقل عنهم.. صحيح أن قلبي أحيانا يرضى عنها ويتعلق فيها.. لكن يدها مفروطة في المصاريف، ولا تحسب للزمن أي حساب، وهي التي عمرها ما ذاقت طعم اللحمة في دار أهلها صارت تشتريها بالكيلو.. أشوف فيها يوم خديجة بنت أبي يونس الطبرجي، في حدا عاقل في هذه الدنيا يفطر ملوخية.. الله يخرب بيت النسوان واليوم الذي تزوجتها فيه. طول عمره الواحد منا يشتغل ويتعب ويندهك في الحياة وأخرتها يطلع على ولا حاجة، على رأي المثل مطرح ما ولد شنقوه.. أما عيشة تقصر العمر.. قال هذه عيشة قال.. لمّا كنت في النصف الأول من عمري كنت بشوق انتظر نصفه الثاني لأرتاح واسعد، والآن صرت في النصف الثاني وقد بطحتني الدنيا فصرت أتشوق إلى نصف عمري الأول وأتحسر عليه.. على كلا  كله ماشي.. يمكن ربنا يفرجها.

anfasse.orgفي سكونِ ِليل وعلى حياء طرقتْ كلماتُها عيوني، وكنت أظنها جاءت تغازلني، أو تلين رباط عشقٍ قيدتني فيه, فجرحت وأدمت الفؤاد, وسكبت دموعاً تشعر في حرارتها وكأنما تنورٌ فار بعد طول غليان.
هرب شعاع النوم الذي توسد مقلتي, كانت كل ُ كلمة بمثابة ِ سكين أو مديةٍ لا نصل لها, طعنات تلو طعنات, جلدتني بسياط ِدموعها وكنتُ أظنها شهداً, فأبقت في النفس لوعة ومرارة لم أتذوقها من قبل, جاءت عبراتها ترميني بالخيانة, وتغزل ثوب خيانة لأرتديه على مقت ٍفأبيت.
 أهٍ من طعنة الأخ ِ وقسوة ِ المعشوق ِوجرح الصديق, لا مبضع ٌ يداوي أنذاك,.ولا دواء يُشفى البتة.
رمتني بالخيانة ولها محرابٌ في أعماقي أصلي فيه, وأرممُ فيه ما ينهدُّ,
فكل ُْ ليل دونها مظلمٌ كواكبه, أهٍ حين يرمي رجل ٌ مختمرةً بالسفور وبالدعارة,
هكذا كان وقع دموعها علىَْ وأشد, فما أصعب الحكم وأقساه إن لم يسبقه مداولة أو رد!

anfasse.orgإلى.. عبد السلام الكزاري ..عنيدا كالجبل !     
ريح هوجاء..تكسر عظام الراقدين تحت التراب !
هب من نومه مذعورا..وسارع إلى لأم شقوق النافذة بقصاصات الجرائد و المناديل الورقية وهو يصب جام غضبه على المقاول ..وعمال البناء..ونادل المقهى الذي زين له الولوج إلى سلك التدريس تحت ذريعة انسداد الأفق !
احتسى ما تبقى في الكوب من شاي بارد..ثم تلفع بأغطيته جيدا قبل أن يسلم جفنيه للكرى.. لكن أنين الغرفة تحت وطأة الريح العاصف أقض مضجعه.