أنفاستتسلقك النظرات طويلا.. وأنت " كنشيد ساحلي حزين"·، لم تلق بالا للوهلات الأولى للنظرات تتصعد هامتك، للنظرات تتدحرج إلى أن تقيس ظلك، أكانت علاقتك تتلخص مع هؤلاء الناس بأن بينك وبينهم دما أحمر. أعرف أنك كتبت على ظهر كراسك يوما: " أريد أن يبقى دمي مشرقا حتى في دمائهم"··
ها هم يحدقون فيك بالرغم من أنك " بسيط كعشاء الفقراء..واسع الكف، فقير كفراشة"·. أتجرؤ أن ترفع وجهك إلى هذه الكتل البشرية. إن تنظر إلى حقيقتها ذوبتك. إن تقترب منك طوحت بك الكوابيس. إن تحتمل جرأتها تـ...
آه.. ها أنت أخيرا ترفع عينيك!! ! يا ترى ما تقول نفسك لنفسك؟..
ازحفي بنظراتك نحوه أيتها الكتل البشرية. حدقي مليا في الجسد المرتعش، والله إن تلك العيون الملايين لو أدامت نظراتها إليك لانمحيت.

أنفاسكان الشاب يسرع الخطى وهو يدخن سيجارة تجاور حمرة لهبها شفتيه ويتأبط قنينة خمر رخيص متجها نحو ماخور تنادي من نوافذه المومسات على المارة كما ينادي الباعة المتجولون على الزبناء حينما أوقفته كلمات شيخ تعلو ملامحه علامات دراسة الفراسة:
- "أراك وحيدا ومدمنا ومبتلى!"...
وحين توقف الفتى وجمد مكانه، واصل الشيخ:
- "التدخين للمتوترين، ومعاقرة الخمر للأشقياء، وارتياد المواخير للخجولين، وإدمان الوحدة للمنبوذين!"...

أنفاس المشهد الأول : غير مرئى         
المكان: بقعة مباركة
الزمان: توقيت خاص
الشخصيات: هى
ستار أبيض ...
هى كما وصفتها كتب التاريخ .. نقش غامض وطلاسم يستحيل حلها فى عمر الدنيا
لون جديد على قائمة الألوان ومزج خاص من عطور الجنة
تأتى بالنور فينسجم الورد مع أهل الأرض
ويدور فى فلك الدنيا قمر جديد باللون الموڤ

أنفاسالصّنّارة :
ارتعشت القصبة ، فتهلل وجهه ...حك بطنه ، وأعد سلته .
ظل يجذب ويجذب .. حتى وقع في الماء .
كانت الصنارة والسمكة على موعد مع وجبة آدمية ..
بلبل :
حينما تغرّد البلابل في أقفاصها، يرقص بائعها فرحا.
كان بلبل ينفث ريشه .. مشيرا أن لتغريده رأيا آخر .
تـهمة :
أصبح إمامهم وخطيبهم المفضل . تعلّقوا به .. مواعظه وسلوكاته شفعت له بذلك .

أنفاسعَنْتَرَة البَئيس  :
بَنى بَيْتاً بمربع ونافذة عكس المغارة
علّم سرّ الأجندة عكس الإشارة
وطأ للعدالة عكس الرّدالة
فتح مقلتيه وأخرج سنبلة ونخلة .. اليوم ضاعت عبلة
وبقي عنترة بلا نبلة !

بالمباشر:
في المكتب الفاخر .. قام في تعالٍ تامّ .. قصد المقصورة الباذخة ..
رقصت الهافانا على رنّة الكونياك .. طارت به ثمالة المنصب ..

أنفاسهذا الحرفٌ سفينة تبحرٌ بي إلى المزيد من جزر ملح المدينة .. أقيمُ داخل زنزانة شوق .. يكتبني مدنا تنفث صمتا مقيتا .. أرى جسرا يشرده يبسٌ الوقت .. رجالا و نساء  و أطفالا تحت سقف مطرٍ أشتهيه .. يصارعهم السؤالٌ عن لون المحال ..  أرى كرسيا من حجر ينقش اسم ولده الجنين .. بين أزقة تحترق وردا في الجبين .. لكَ الجلالة أيّها الحرفٌ المغسول الوجه بماء البحر و الريحان ... و على رصيف المدينة  يمدّ الضجرُ ذراعه المقوس إلى الأشجار المارة أمامه .. يطلب منهم قراءة مدن المنشور الوهّاجة .. فيردّون أنهم لا يٌحسنون العوْمَ في مياه مستنقع لعين .. و كالطفل البحري أسألٌ حارس المدينة عن رائحة هذه الخريطة الممتدة عبر رمال من جحيمٍ ..  مَن يكون هذا السائل الأزرق في ليلنا البهيم ..؟؟
هو من فئة الكراسي المبتورة العين .. و هذه الجسور الوارفة الظل تصول صبورة في الدم .. و الحصون الشاهقة في العيون المعطلة .. ترسم أجمل الشروخ  في وطن .. بالمزيد من خطب المواسم يؤسس حرمة الزنازن  .. و أعمدة صهاريج الثلج ..  يوشّحها  بأوسمة من قصب ..
 هي أفواه واسعة .. إلينا صدّرها زمن القحط .. حين انقلبت الأمكنةُ على وحشة الزمان .. فساد الظلام .. و تلاه ظلم البشر ..

أنفاسمن العالم البعيد  كانت تهب عليه الذكريات باردة جافة كعيون ليل متربصة   بوجدانه.
كان خوفه من اللاشيء خوفا غريزيا ، وكانت الحيرة بين لا شيئين تكبر معه مثل توأم سيامي يشترك قلبا واحدا.
كان حبه مشتتا تماما كما هي أيامه، كل خطوة من حياته لم تكن إلا ليلا مظلما وعيونا لا تنظر إلا سوادا، وقطرتين من المطر، وقليلا من فتاة خبز قديم...
كان ليله عنجهي البرد، وكان سريره   صلبا ، يكاد يفتك بعظامه الخائرة  المترهلة.
-  أوه ! أينك  يا مهد طفولتي ؟!
لم يكن يتأوه على المهد لوحده ، فقد كان متضجرا شوقا إلى  أيام الصبا ، حيت البياض كان  يحتل نفسه احتلالا جميلا... حيث النور كان يأتيه من كل أغوار السماء ، وعقله  يعربد في الصفاء... يطير في براءة حلوة إلى دراجة المرارة، ونقية إلى درجة العفن...

أنفاسلازالت الكلمات تطفح في ذاكرته، رافضة الهروب من عقالها، لأنها كلمات نقشها بقلمه البريء، لأنها معدن عواطفه و أحاسيسه المرهفة. حاول النسيان، انزوى في ركن بغرفته ،عمل على أن يكون الضوء خافتا خفوت نبض فؤاده،ألقى بنظره نحو الجدران البادية مثل لحظة غروب خدشتها غيمات هاربة من كبد السماء. لوحة تحضن آية الكرسي على اليمين، وصورة لفريق كرة القدم المفضل لديه على اليسار. شغل المذياع في " المانتيفون " المعطل، انساب صوت فيروز :
اعطني الناي وغن ....فالغنا سر الخلود.....
 أحس بالأغنية الصدفة منصفة لحاله، متناغمة مع أحلامه الوردية. أغمض عينيه، تذكر ضفيرتها تسابق خياله الجموح، تطلق العنان لعشق أمسى لديه صوفيا. تصور ابن عربي ينحت تمثالا للعشق في فتوحاته المكية و امرأ القيس واضعا حبل مشنقة في رقبته التي ارتسمت في خياله ممتلئة....و جميل ممتطيا جوداه  ، منطلقا نحو خيمة بثينة  .