
السكين التي يكتب بها الماغوط هي سكين السخرية الجارحة القاتمة القاتلة المقطعة للأوصال، والجسد هو جسد المواطن العربي - بالمعنى الحرفي للكلمة - الذي أنهكته سياط الجلادين قبل أن ينهكه بؤس الحياة نفسها، والذي عانى من خيانات الأصدقاء أكثر مما عانى من طعنات الخصوم وهزمته الزنازين والأقبية قبل أن يهزمه الأعداء فتحول من "إنسان" يبحث عن مستقبل مشرق في وطنه الحر السعيد إلى "حطام إنسان" يبحث في حاويات القمامة عما يسد به رمقه.
وهذا البؤس وتلك القتامة ليست وليدة أخطاء هنا أوهناك، كما أنها ليست أخطاء في تطبيق نظريات التقدم السياسي والعدالة الاجتماعية حدثت في هذا البلد أو ذاك، بل هي وليدة خلل في المجتمعات العربية تراكم عبر تاريخ دموي مليء بالقمع والاضطهاد وتجريد الإنسان من آدميته، يتساوى في ذلك الحاضر مع التاريخ الحديث والقديم، والأمجاد التي يكثر الحديث عنها، هي مجرد قصائد تلقى وأناشيد ترتل وأغاني تؤدى، وهي في واقع الأمر نقيض الواقع والتاريخ معا، وما يزيد الأمر قتامة أن الذين يحاولون أن يغيروا هذا الواقع عادة ما يكونون حالمين أو انتهازيين، وإن نجحوا في إحراز نصر ما فإن هذا النصر محكوم بالوقوع في أيدي مجموعة من اللصوص وسارقي النصر والثورات والفرح.
في مسرحيات الماغوط يجد المتفرج نفسه وجها لوجه أمام التناقضات التي تعيشها مجتمعاتنا، وهي عديدة فهناك التناقضات بين طبقات المجتمع وفئاته؛ تناقضات الحاكم والمحكوم، الضحية والجلاد الثري والمسحوق المثقف والجاهل المناضل والانتهازي الثائر وسارق الثورة، وهناك تناقضات المجتمع مع قيمه؛ تناقضات بين الإنشاء الذي يملأ حياتنا عن واقعنا الزاهي وحياتنا الرضية ومجتمعنا المتكافل، وبين واقعنا الحقيقي الذي ينتشر فيه الفقر والجهل والظلم والاضطهاد ويسود التآمر وتكثر الوشايات والدسائس. تناقضات بين الإنشاء الفارغ الذي يتحدث عن المواطن باعتباره القيمة العليا في المجتمع وبين الحقيقة المرة التي ترى في المواطن عبئا ثقيلا يجب التخلص منه بالسجن (ضيعة تشرين)، أو بإقصائه خارج البلاد في غربة أكثر إذلالا من البقاء على أرض الوطن (غربة).