شعر ناظم حكمت وضرورة إعادة الاكتشاف ـــ عبد القادر عبد اللي
بداية لابد من الاعتراف بأن ترجمة الشعر تلاقي ردود فعل متنوعة، ويخضع الشعر نتيجة الترجمة لتغيير وتبديل ورؤى لا نجدها في ترجمة النثر. لذلك فإن أي رأي حول ترجمة ناظم حكمت إلى العربية لابد وأن يؤخذ على أنه مجرد وجهة نظر في ترجمة الشعر. ولكن الحقيقة تتجاوز هذا الأمر، وتتعلق بعوامل موضوعية لعملية الترجمة من التركية إلى العربية (أو العكس). فقد حمل قضية الترجمة عن هذه اللغة أناس لاشك في إخلاصهم وصدقهم ممن يجيد العثمانية أو التركمانية. وعلى الرغم من قرب هاتين اللغتين (أو اللهجتين) من التركية إلا أن هنالك فروقاً كبيرة جداً في بعض الأحيان، وانعكست هذه الفروق في الترجمة، وبرزت في ترجمة الشعر أكثر من غيره. الأمثلة كثيرة، أهمها أن المفردة العربية في التركمانية أو العثمانية تحمل دلالتها العربية فقط، وليس بالضرورة أن تحمل هذه الدلالة وحدها في التركية مثلاً "إلهي Ilahi" تحمل دلالة أخرى وهي "قصيدة صوفية"،وكذلك كلمة "سير Seyir" تحمل دلالة أخرى هي "الفرجة" وهنالك عشرات المفردات من هذا النوع أثرت بشكل مباشر في ترجمة ناظم حكمت إضافة إلى أمور من نوع آخر جعلت الأمثلة الشعرية المقدمة تدخل قوالب وتراكيب جديدة، مثلاً: "قضية طاهر وزهرة" صارت في الترجمة إلى العربية "قضية الطاهر وداء الزهري"
لذلك فإن ناظم حكمت وعلى الرغم من ترجمته أكثر من مرة فهو يحتمل ترجمات أخرى تخضع للتدقيق والبحث على يد دارسين للغة التركية، ولأدب ناظم حكمت، ويمكن أن يكون إعلان منظمة اليونسكو عام 2002 عام ناظم حكمت مناسبة للقيام بهذا العمل يحتاج إلى جهود مؤسسات.
***
انقلب ناظم حكمت أدبياً على نفسه مرتين. في المرة الأولى في أثناء مشاركته في حرب التحرير بصفة معلم. فقد أدرك الفرق الكبير بين لغة الخاصة (وهي لغة الشعر آنذاك) وبين لغة الناس، وتطور هذا الانقلاب إثر سفره إلى موسكو إذ اقترن موقفه اللغوي هذا بموقف جديد من شكل الشعر متأثر بماياكوفسكي، فكتب ما سمي (القصيدة الحرة) والمسماة عربياً (قصيدة النثر).
في هذه المرحلة لم يتبلور الشكل الشعري الجديد لديه تماماً، فكان تكرار بعض المفردات يوحي بأن هنالك وزناً. أولى قصائده بالشكل الجديد هي "أحداق الجياع"
لسنا بضعة أنفار
ولا خمسة أو عشرة
30000000
... 30000000