إن كتاب جان جاك روسو، الذي ولد في 28 يونيو 1712 في جنيف وتوفي في 2 يوليو 1778 في إرمينونفيل، "إميل" أو "في التعليم" هو عبارة عن نصف أطروحة ونصف رواية تحكي قصة حياة رجل خيالي يدعى إميل. في هذا الكتاب، يتتبع روسو مسار تطور إميل والتعليم الذي تلقاه، وهو تعليم مصمم ليخلق فيه كل فضائل "الشخص الطبيعي" المثالي لروسو، والذي لم يفسده المجتمع الحديث. وفقًا لروسو، لا يمكن رعاية الخير الطبيعي للإنسان والحفاظ عليه إلا وفقًا لهذا النموذج التوجيهي للغاية للتعليم، ويذكر روسو أن هدفه في إميل هو تحديد الخطوط العريضة لهذا النموذج - وهو نموذج يختلف بشكل حاد عن جميع الأشكال المقبولة من التعليم. يقترح نظام روسو التعليمي تفاصيل طرق تدريس محددة لكل مرحلة من مراحل الحياة، وطريقة تعليمية تتوافق مع الخصائص الخاصة لتلك المرحلة من التطور البشري. وبناء على ذلك، تم تقسيم إميل إلى خمسة كتب، كل منها يتوافق مع مرحلة من مراحل النمو. يصف الكتابان الأول والثاني عصر الطبيعة حتى سن الثانية عشرة؛ يصف الكتابان الثالث والرابع المراحل الانتقالية للمراهقة؛ ويصف الكتاب الخامس عصر الحكمة، الذي يتوافق تقريبًا مع الأعمار من عشرين إلى خمسة وعشرين عامًا. يدعي روسو أن هذه المرحلة يتبعها عصر السعادة، وهي المرحلة الأخيرة من التطور، والتي لم يتناولها في إميل. في الكتابين الأول والثاني، يصر روسو على أن الأطفال الصغار في عصر الطبيعة يجب أن يركزوا على الجانب الجسدي لتعليمهم. مثل الحيوانات الصغيرة، يجب تحريرهم من القماط الضيق، وإرضاعهم من أمهاتهم، والسماح لهم باللعب في الخارج، وبالتالي تنمية الحواس الجسدية التي ستكون أهم الأدوات في اكتسابهم للمعرفة. لاحقًا، عندما يقتربون من سن البلوغ، يجب تعليمهم حرفة يدوية، مثل النجارة، والسماح لهم بالتطور فيها، مما يزيد من قدراتهم البدنية والتنسيق بين اليد والعقل. ويواصل روسو القول إنه عندما يدخل إميل سنوات مراهقته، عليه أن يبدأ التعليم الرسمي. ومع ذلك، فإن التعليم الذي يقترحه روسو يتضمن العمل فقط مع مدرس خاص ودراسة وقراءة فقط ما يثير فضوله، فقط ما هو "مفيد" أو "ممتع". يوضح روسو أنه بهذه الطريقة سوف يقوم إميل بتثقيف نفسه بشكل أساسي وسيكون متحمسًا للتعلم. سوف يغذي حبه لكل الأشياء الجميلة ويتعلم ألا يقمع انجذابه الطبيعي نحوها. يقول روسو أن فترة المراهقة المبكرة هي أفضل وقت لبدء مثل هذه الدراسة، لأنه بعد البلوغ يكتمل نمو الشاب جسديًا ولكنه لا يزال غير فاسد بسبب عواطف السنوات اللاحقة. إنه قادر على تطوير قدراته العقلية، تحت إشراف معلم يحرص على ملاحظة الخصائص الشخصية لطالبه ويقترح المواد الدراسية وفقًا لطبيعته الفردية.

" الحكايات تُحَف الجنة." مالك بن دينار
مثلما يقف الشعب باعتزاز على الأرض التي حررها بدماء أسلافه وبطولاتهم، فإنه يستلهم كيانه وهويته، ومُثُله وقيمه من ثقافته الشعبية التي تشكلت على مدار أزمان غابرة، لتصبح ذخيرته الحية، وعملته الحقيقية المتداولة في حاضره وغده.
ولأن الحكاية الشعبية جزء أصيل من تلك الثقافة، ووسيلة كل شعب لحفظ ذاكرته وخياله المشترك، فإنها لقيت عناية كبيرة لما تعكسه من تجارب حياتية، وأحلام ومخاوف، وآمال تلتمس التعويض في عالم مثالي. كذلك كانت الحكاية الشعبية حتى وقت قريب، قبل أن تداهمها التكنولوجيا بترسانة هائلة من وسائل الترفيه والتسلية، وتنزع عن الجدّات ثياب الحكواتي!
إن وظيفة حفظ التاريخ والذاكرة لا تمنع الحكاية الشعبية من أن تظل إنتاجا حيا ومتواصلا، ينسج من خلالها العقل البشري عالما مثاليا يطمح لتجسيده في واقعه، ويستدرك من خلاله نقائص المجتمع وخطاياه. تلك الاستمرارية رهينة إلى حد كبير باستثمارها كمدخل بيداغوجي، واعتمادها أداة ناجعة للتعلم، وتمرير القيم الأخلاقية، وتأسيس جمالية الحكي داخل فضاء تعلمي تفاعلي.
لهذا الفن القديم خصائصه ومرتكزاته التي تميزه عن سائر الأجناس الأدبية؛ حيث تتمتع الحكاية الشعبية ببساطة البناء والأسلوب، وبلغة خاصة ومتميزة تحقق الإيحاء والإثارة الفنية المطلوبة. للحبكة فيها دلائل نفسية وقيمية يصل دويها إلى أعماق المستمع. متحررة من خصوصيات الزمان والمكان والشخوص، مما أتاح لبنائها وتركيبها أن يكتسب سمات العالمية. هكذا تنقلت حكاية "سندريلا" من خلال ثلاثمئة وخمسة وأربعين نصا مختلفا، عبر رقعة تمتد بين روسيا وإيرلندا، فهي في إيطاليا "سينيرنتولا"، وفي فرنسا" سندريلون"، وفي ألمانيا" اشينبويل"، وفي المجر "بوبلوث"، وفي روسيا" جيرنوشكا"، بينما يرقى تاريخها في الصين إلى ما قبل سنة 800 ميلادية تحت اسم" يه هسين"، قبل أن تأخذ في الشرق لقب "ست الحسن".
تقوم الحكاية الشعبية على سرد مباشر يروم الإقناع والتأثير، ويتخذ من المغامرات الخيالية والأحداث الغريبة موضوعا له. وقد تكون الأحداث حقيقية، غير أنها مُزجت بآمال الناس وأحلامهم وخلاصات تجاربهم، فحررتها من صلتها المباشرة بالواقع لتعتمد على الخوارق والعجائب، وتضفي على الطبيعة الإنسانية المتشابهة في كل مكان وزمان، أزياء محلية متنوعة. ولذلك التشابه العالمي تفسيراته، من بينها الترجمة، والنشاط التجاري بين البلدان، بالإضافة إلى تحركات الجموع البشرية الموسومة بالهجرة.

مقدمة :
يعتبر كارل يونغ (1875 - 1961) مؤسس علم النفس التحليلي و واحدا من أهم رواد مجاله. أسس ما يسمى اليوم ب "علم النفس اليونغي" و الذي يختلف عن غيره من فروع  علم النفس بعدة مميزات، من ضمنها بعض المفاهيم الجديدة التي صاغها و عرفها من خلال كتبه، إضافة إلى نظرياته التي باتت جزءا لا يتجزأ من الأدبيات العلمية المتعلقة بعلم النفس.

يركز علم النفسي اليونغي على الطفولة كونها فترة جد مهمة للنمو النفسي لدى الفرد، إذ أنها الفترة التي تتشكل فيها الأنماط الأولية و يكتشف الطفل ذاته ويبني تكامله النفسي و العاطفي خلالها. و في نفس السياق، فإن أدب الأطفال شكل من أشكال الفنون التي تقوي اتصال الفرد بالعالم حوله و تصقل إنسانيته و حسه الفني لتجعل منه كائنا حساسا ينتمي إلى مدرسة الرومانسية و تعلمه كيفية التواصل مع أحاسيسه الأكثر تعقيدا. فكيف يؤثر أدب الأطفال في نموهم السيكولوجي و كيف له أن يساهم في تكوين شخصيتهم؟

أدب الأطفال كوسيلة للتربية و التعليم :

         إلى جانب سبل التعليم التقليدية التي تعتمدها معظم المدارس الحكومية في العالم، شهد المجال التربوي ظهور أساليب جديدة تهدف إلى جعل عملية التعلم أكثر متعة بالنسبة للطفل. من بين هذه الأساليب نجد القصة المصورة التي تمكن المعلم من تحقيق أهداف دراسية عديدة من خلال نشاط واحد، إذ أن القصة المصورة تساعد الطفل على تعلم القراءة والتعود عليها، و تلقنه الأخلاق و القيم الحسنة، كما تمده بالمعرفة الثقافية و العلمية.

من الطبيعي جدا أن يجد الطفل ذاته من خلال التعرف عليها في شخصيات خيالية معينة و أن يتعاطف معها و مع قضاياها؛ هذا إن دل على شيء فإنما يدل على قدرة الطفل على رصد الأنماط الأولية (Archetypes) التي تحتوي عليها معظم الكتب و الروايات، سواء أ كانت للصغار أم للبالغين. تعتبر هاته الأنماط الأولية لدى كارل يونغ إمكانات فطرية يتم التعبير عنها في السلوك والتجارب البشرية و تعززها التجارب الفردية والثقافية[1]. انطلاقا من ملاحظة هذه الأنماط و رصدها من خلال التفاعلات الاجتماعية التي تحدث خلال فترة الطفولة، يتمكن الطفل من بناء نظرة أولية على المجتمع و فهم مكامن النفس البشرية المعقدة بطبيعتها. إضافة إلى الملاحظة التي تعد أداة من أدوات التعلم، فإن القراءة وما تقدمه من رصيد معرفي للأطفال كما للبالغين تغنيهم علما و اطلاعا على اﻷنماط اليونغية التي تؤطر تفاعلاتهم الاجتماعية خلال حياتهم البالغة. يعد أدب الأطفال بمثابة وسيلة لدمقرطة القيم و الروح الأخلاقية، وذلك بفضل العنصر القيمي الذي يزخر به هذا الصنف الأدبي، إذ يقدم الكاتب عادة شخصيات خيالية عديدة منها الخَيِّرُ و منها الشرير، كما ينشر من خلال اللغة و جماليتها حب الجمال و تفضيله، و يقدم دروسا حياتية للقارئ عبر حبكة أدبية مميزة من شأنها أن تنمي الحس الإبداعي لدى الطفل. ثم إن تشجيع الأطفال على القراءة يدفعهم إلى التعود على هذا النشاط التعلمي، مما يجعل مسارهم الدراسي حافلا بالنجاح و التميز الأكاديمي، و يغرس حس الفضول وحب المعرفة فيهم منذ الطفولة ليعودهم على ما فيه نفع لهم.  

قبل أن يوجد المخرج كانت النصوص المسرحية تحمل في طياتها إرشادات وتوجيهات، تحدد شكل العرض وصياغته المشهدية. وبتتبع تاريخ العرض المسرحي في كل الحضارات، أمكن رصد التشكلات الأولى لدور المخرج باعتباره مسؤولا عن الولادة الثانية للنص، من خلال تنظيم مكوناته من أداء، وديكور، وموسيقى، وأضواء.

في القرون الوسطى كان ترتيب المناظر والحيل المسرحية، كما يصفها أرسطو في كتابه (فن الشعر) يقع على عاتق مدير اللعبة Meneur de jeu، وهي المهمة التي قد يتولاها الممثل الأول في الفرقة أو حتى مصمم الديكور. لكن في نهاية القرن التاسع عشر سيترافق ظهور الإخراج، كمكون أساسي في العملية المسرحية، مع ميلاد السينما، والتغيير الهائل الذي أحدثته في تركيبة الجمهور وأذواقه. وسعى منذ ظهوره إلى التجريب والبحث عن صيغ وجماليات متنوعة. لكنه خلال رحلته المديدة التي يُرجعها العلماء إلى زمن الفراعنة، لم يلتفت لجمهور الصغار إلا قبل مئة عام أو يزيد قليلا.

من المعلوم أن مسرح الطفل نشأ في سياق البحث عن طرائق تربوية جديدة لتربية وإرشاد الأطفال. وبفضل المنجز الذي حققته الأبحاث في ميادين علم النفس، برزت سمات وخصائص نمائية لمرحلة الطفولة، شجعت على توظيف المحاكاة الفطرية التي يتمتع بها الطفل منذ سنواته الأولى، ضمن إطارها الفني، عبر ثلاث محاور: التمثيل للطفل، والتمثيل مع الطفل، ثم الطفل يمثل بمفرده. هكذا نشأت بوادر الكتابة المسرحية للطفل، وتقريب مكونات العرض المسرحي من عالم الطفولة الفريد، ومن بينها الإخراج بطبيعة الحال.

إن تطوير الذوق الفني والجمالي للطفل، وبناء ثقته بنفسه، وتغيير توجهاته الفكرية والثقافية والاجتماعية لهي أهداف يلتئم حولها كاتب النص ومخرجه. بمعنى أن العرض المسرحي الذي يؤديه الطفل ويشاهده، ليس فقط وسيلة تربوية لغرس القيم، وتوجيه السلوك وجهة محمودة، وإنما هو أيضا اندماج مع عالم مواز لحياته اليومية؛ أعني عالم المسرح بتقنياته المختلفة، من اكسسوار وماكياج وإضاءة ومؤثرات صوتية. وهو الاندماج الذي يحتم العناية بالعملية الإخراجية، والتعرف على أسسها وقواعدها التي تسهم في إعداد الممثل الصغير.

يلج الطفل عالم المسرح متوسلا بميله الفطري إلى المحاكاة. تلك المهارة المتجذرة في طبيعته الإنسانية والتي تعتمد على الصوت والجسد في تقليد الآخرين، واكتساب المعارف الأولية، بالإضافة إلى التأثر بما يجري في محيطه. وهي في الوقت نفسه إحدى خواص الفن المسرحي، متى أحسن المدرس أو المنشط تحفيز أداء الطفل، وإعداده لتجربة متنوعة تعتمد الاستخدام الكامل لإمكاناته.

ليس الهدف بالضرورة خلق ممثل محترف، إذ يؤمن الطفل في النهاية بأن الأداء المسرحي هو لعبة للتنفيس عن توتره، وتنظيم انفعالاته، ومعالجة بعض مشاكله النفسية كالخجل وعيوب النطق. لكن ما الذي يمنع من الارتقاء بما يجري داخل الفصل الدراسي، أو في دور الشباب ومراكز الطفولة، إلى ممارسة واعية وممتدة، تتحرر من البساطة والتلقائية المعهودة لتربية الممثل الصغير؟

قدم المسرحي الروسي قسطنطين ستانيسلافسكي منهجا وطريقة في تدريب الممثل، تهتم بتفجير ملكات المخيلة والإبداع. وهو يؤمن بأن الممثل الذي يستشعر الموقف الوهمي، لن يجد صعوبة في التجسيد وإظهار العواطف والانفعالات الملائمة. وتعتمد طريقته على استرخاء الجسم والصوت، وتركيز الانتباه، وتحفيز الخيال دون فرض قواعد أو نماذج مسبقة.

يرتكز إذن تدريب الممثل وفق أسلوب ستانيسلافسكي على:

  • الاسترخاء: وذلك من خلال تمارين يتم تنفيذها مع كل جزء من أجزاء الجسم على حدة، وتهدف لتقليل التوتر، والسيطرة التامة على الصوت والجسد. ويمكن تشبيه الاسترخاء هنا بعملية ضبط الآلة الموسيقية قبل العزف.
  • التركيز: ويتضمن اختيار الممثل لموضوع أو مشكلة محددة للتدرب عليها. ويخدم التركيز هنا عدة جوانب من بينها: عزل الممثل عن التشويش الخارجي، وتحرير العقل ليتمكن من خلق المشهد المتخيل، ثم العيش في الجو التمثيلي كأنه حقيقة واقعية" مثلا التدريب على حمل كوب من الشاي، حيث يستعين الطفل بكوب حقيقي، ثم يحاول أن يستعيد تلك الخبرة مع كوب خيالي، مستحضرا وزنه وملمسه والسخونة التي يسببها".

تبدأ علاقة الطفل بالقصة والحكاية مستمعا ثم قارئا؛ لكن المسرح بإمكاناته الهائلة ينقله إلى عالم جديد قوامه التمثيل والفرجة، والمزج بين التعبيرات المتعددة على الخشبة. وهو انتقال يتطلب بالأساس اهتماما بالسمات النفسية التي تُمهّد لعلاقته بالمسرح؛ حيث إن الطفل يولد فنانا، يقول بابلو بيكاسو، لكن المشكل هي كيف نحتفظ بهذا الفنان بينما يكبر.

غير خفي إذن أن مسرح الطفل تتحكم في إنتاجه اعتبارات تربوية وفنية، متسقة بطبيعة الحال مع النمو النفسي والإدراكي والمعرفي للطفل. وهذا يعني أن إعداد عمل مسرحي ينطلق من استيعاب للخصائص السيكولوجية للطفل والمراهق؛ لأن عدم الاهتمام يؤدي في النهاية إلى تقديم عروض مسرحية ضعيفة أو مربكة لقدراته الذهنية. وبالنظر إلى عدد السنوات التي يقضيها الطفل في حضن المدرسة الابتدائية، يمكن التمييز بين مرحلتين أساسيتين:

  • مرحلة الخيال الحر والمطلق، حيث يتطلع الطفل في الفترة ما بين 6 إلى 9 سنوات إلى عوالم خيالية، تستوعب رغبته في المتعة والانطلاق خارج حدود واقعه اليومي. لذا يُظهر ميلا شديدا لقصص الحوريات والعمالقة والأقزام، وللحكايات المستلهمة من التراث الشعبي.
  • مرحلة البطولة والمغامرة والخيال الواقعي، وهي الممتدة إلى سن 12 سنة، حيث يبدأ تحرر الطفل تدريجيا من عالم الخيال، ليصير تفكيره أكثر نضجا واستعدادا لإظهار الشجاعة والمسؤولية. وخلال هذه المرحلة تستهويه قصص المغامرة التي تعتمد التفكير والتوقع، وتجعل من شخصية البطل قالبا ملائما لتمرير القيم والمواقف، وتأكيد ارتباطه بالقضايا الاجتماعية والإنسانية المختلفة.

تحدد تلك الخصائص وجهة المدرس أو المنشط في اختيار النص المسرحي الذي يتناسب مع إدراك الطفل واحتياجاته. نص ينبغي أن يتحقق فيه قدر من التبسيط، ووضوح العلاقات بين شخصياته، وبناء درامي تتنامى داخله الأحداث بشكل تسلسلي لا يعتمد القفزات المفاجئة.

بالنظر إلى الصعوبات التي تكتنف الكتابة المسرحية للطفل في العالم العربي، فإن المدرس أو المنشط يجد نفسه أمام خيارين: إما إيجاد نص ملائم، أو بذل جهد إضافي يتمثل في مسرحة نص أدبي " قصة، حكاية، شعر..." مع متطلبات البناء المسرحي. وفي كلتا الحالتين لابد من مراعاة بعض القواعد التي تجعل النص ملائما لنفسية الطفل وقدراته.

تشير البيداغوجيا التلقينية إلى تربية وتلقين المتعلمين مجموعة من المعارف والعلوم والفنون والقيم والمعلومات في سياق ضبطهم إياها، حيث تجعل من ضبط محتوى ومضامين المعرفة الغاية الأسمى من كل تعليم، حيث يركز الأستاذ المدرس على الجانب/البعد المعرفي في المتعلم ويقصي الجوانب الأخرى، ومن هنا تنطلق البيداغوجيا التلقينية أو كما عرفت في الأدبيات التربوية ببيداغوجيا المضامين أو المحتوى، وهي بالمناسبة بيداغوجيا تقليدية تلقينية، لأنها تنطلق من مسلمة/فرضية أساسية وهي أن عقل التلميذ صفحة بيضاء ومن ثم وجب ملؤه وشحذه بكمية من المعارف والعلوم الجاهزة، بدون مراعاة لتمثلاته الشخصية التي يكتسيها من المحيط الإجتماعي الذي يندرج منه، ومن ثم فهي تؤكد على قيمة وأهمية التلقين على حساب الإبداع، وذلك من خلال محاكاة المتعلم لسلطة النموذج السلوكي والتشبع بالعديد من القيم والمعايير والسنن والأعراف السائدة، بدون فحصها وتمحيصها لهذا يتم نعتها بالمقاربة التلقينية.

 وتجدر الإشارة هنا إلى أنه توجد العديد من الممارسات المهنية لبعض المدرسين -في جميع المواد التعليمية- لازالت تركز لنا على الجانب المعرفي والفكري للمتعلم، ويتم التركيز بالخصوص على المضامين والمحتويات المعرفية، وكأن رهان تدريس الفلسفة بالثانوي التأهيلي هو شحذ ذهن المتعلم بمنظومة من المعارف والأفكار والنظريات والمقاربات الفلسفية -التي أصبحت متجاوزة وتعرضت للكثير من النقود- فيركز الأستاذ /المدرس على سيرورتي إفهام تصور الفيلسوف وتذكير المتعلمين بحفظه وضبطه جيداً، من أجل استرجاعه أثناء المراقبة المستمرة أو الامتحان النهائي، وهكذا يتم ضمان نقطة كاملة في مادة الفلسفة وغيرها من المواد.

ما نلحظه هنا هو أن ما يميز المقاربة التلقينية هو أنها مقاربة تقليدية تركز على أسلوبي التلقين والاجترار والتكرار والاسترجاع، كما تركز على ملكة الذاكرة، بدل ملكة الفهم والإدراك والعقل، كما أن ما يميزها هو رفضها لكل إبداع وخلق وابتكار وتجديد وبحث ...

فماذا سننتظر من مادة الفلسفة في ضوء هذه البيداغوجيا التلقينية؟ سوى أن تتحول هذه المادة الفكرية والنقدية والإبداعية والتساؤلية إلى منظومة من الأفكار والتصورات والآراء والمنظورات الفلسفية الغارقة في التجريد والغموض، والتي يكررها المتعلمون كالببغاوات، فتجدهم يكررون قولة أو كوجيطو رونيه ديكارت الشهير:  "أنا أفكر، إذن أنا موجود"، دون إدراك عمقها الفكري والفلسفي، بل وكيف أسست للفلسفة الحديثة، وركن الحداثة، وأن هذه المقولة ما هي سوى صَدَى وَرَدُّ فِعْلٍ للثّوْرَةِ الكُوبِّيرْنِيكِيّةِ الشهيرة لسنة 1543م.

وما يهمنا هنا في حقيقة الأمر هو سعي الأستاذ /المدرس الحثيث إلى تلقين المتعلمين المنظومة المعرفية المثقلة التي تنتمي لتاريخ الفلسفة الضخم، وهي معارف ترنسندنتالية بمعناها المتعالي والعاجي، لم يساهم المتعلم في تكوينها وتكونها نتيجة هذه البيداغوجيا التي تعتمد التلقين.

هكذا يعتمد تعريف التلقين على تلك العقيدة المرتبطة به، أو المذهب الذي يتمّ تعليمه. لهذا تهدف البيداغوجيا الحقيقية إلى تكوين أفراد مسؤولين وواعين يفكرون بأنفسهم لأنفسهم مهما حدث ويحترمون الآخرين. بالنسبة إلى أوليفيي روبول، " فإن أي تعليم ينحرف عن هذه الأهداف هو "تعليم مضاد". ويضيف أن المدرس يواجه دائمًا خطر التأثير على طلابه إما لأنه ينخرط في الدعاية أو، على العكس من ذلك، لأنه يُشْعِرُهُمْ بالمَلَلِ من تَعْلِيمِهِم. " [1].

ولهذا نلحظ العديد من المتعلمين الذين يخلق لديهم هذا الأسلوب التلقيني العقيم في التدريس، الملل والرتابة والضَّجَرِ، لهذا تجدهم يعبرون عن تذمرهم وسوء فهمهم للمعارف الفلسفية بل وكيفية تطبيقها وتنزيلها على أرض الواقع.

الدرجات الفخرية هي الاعتراف المرموق في التعليم العالي، مخصصة للأفراد البارزين ذوي السمعة الوطنية أو الدولية. عادةً ما يكون المتلقون هم كبار العلماء والمكتشفين والمخترعين والمؤلفين والفنانين والموسيقيين ورجال الأعمال والناشطين الاجتماعيين والقادة في السياسة أو الحكومة. في بعض الأحيان، يتم منح الدرجات الفخرية للأشخاص الذين قدموا خدمة مدى الحياة للجامعة من خلال عضوية مجلس الإدارة، أو العمل التطوعي، أو المساهمات المالية الكبيرة. وهي معروفة أيضاً بالعبارات اللاتينية Honoris Causa الدرجة عادة ما تكون درجة الدكتوراه، أو درجة الماجستير بصورة أقل شيوعاً.

إذن الدكتوراه الفخرية هي درجة اسمية تكريمية وتشريفية، وليست مرتبة علمية أو أكاديمية، ولا تحمل معها أي مؤهل أكاديمي رسمي. على هذا النحو، من المتوقع دائماً أن يتم إدراج هذه الدرجات العلمية في السيرة الذاتية للفرد كجائزة، وليس في قسم التعليم. وفيما يتعلق باستخدام هذا اللقب التشريفي، فإن سياسات مؤسسات التعليم العالي تطلب بشكل عام من الحاصلين عليه "الامتناع عن اعتماد اللقب المضلل" وأن الحاصل على الدكتوراه الفخرية يجب أن يقيد استخدام لقب "الدكتور" قبل اسمهم حصراً مع مؤسسة التعليم العالي المعنية وليس خارجها.

تسلط شهادات الدكتوراه الفخرية الضوء على أسئلة غير مريحة، ولكنها مهمة حول غرض الجامعة ودورها في تعزيز البحث العلمي، وفي المجتمع الأوسع. اتُهمت بعض الجامعات والكليات بمنح درجات فخرية مقابل تبرعات كبيرة. يتعرض الحاصلون على الدرجة الفخرية، وخاصة أولئك الذين ليس لديهم مؤهلات أكاديمية سابقة، للانتقاد في بعض الأحيان إذا أصروا على أن يطلق عليهم لقب "دكتور" نتيجة لمنحتهم، لأن التكريم قد يضلل عامة الناس بشأن مؤهلاتهم.

الأصل التاريخي

تعود هذه الممارسة إلى العصور الوسطى، عندما يتم إقناع الجامعة، لأسباب مختلفة ـ أو تراها الجامعة مناسبة ـ بمنح الإعفاء من بعض أو كل المتطلبات القانونية المعتادة لمنح الدرجة العلمية.

لقد تم استخدام الدكتوراه الفخرية منذ فترة طويلة لتعزيز العلاقات المفيدة مع الأفراد أو البلدان أو المنظمات. منحت جامعة أكسفورد أول دكتوراه فخرية مسجلة في حوالي عام 1478 إلى "ليونيل وودفيل" Lionel Woodville صهر ملك إنجلترا "إدوارد الرابع"  Edward IV في محاولة واضحة "للحصول على تأييد رجل يتمتع بنفوذ كبير، وأصبح فيما بعد أسقف "سالزبوري" Salisbury.

في أواخر القرن السادس عشر، أصبح منح الدرجات الفخرية أمراً شائعاً جداً، خاصة بمناسبة الزيارات الملكية إلى أكسفورد أو كامبريدج. في زيارة "جيمس الأول" James I إلى أكسفورد عام 1605، على سبيل المثال، حصل ثلاثة وأربعون عضواً من حاشيته (خمسة عشر منهم من الإيرل earls أو البارونات barons ) على درجة الماجستير في الآداب، وينص سجل الدعوة صراحة على أن هذه كانت درجات كاملة تحمل الامتيازات المعتادة (مثل حقوق التصويت في الدعوة والتجمع).

  • تلخيص الفصل الثاني من كتاب: علم النفس التربوي (جابر عبد الحميد جابر. 2010: ص 63-100).

يقع الفصل الثاني من كتاب: علم النفس التربوي، في حدود 39 صفحة. وهو مطبوع ورقي، يستحق الاكتشاف والتعرف على نظريات ومبادئ النمو النفسي. احتوى هذا الفصل على أربعة مراحل للنمو وهي: النمو النفسي، والنمو الاجتماعي، والنمو المعرفي، ثم أخيرا النمو الخلقي.

لقد تناول الكاتب في عنوانه الرئيسي: طريقة المستوى العمري وعيوبها، حيث أشار إلى أن هناك طريقتان لدراسة سيكولوجيا النمو: يتعلق الأمر الأول باختيار سلوك معين ويتم تحليل التغيرات السلوكية وفق سيرورة نمو الطفل، في حين يتعلق الأمر الثاني والذي ركز عليه الكاتب باستخدام سلسلة من المراحل العمرية.

تطرح المراحل العمرية إشكالية المعايير عند الطفل، بحيث يواجهها المدرسون باستمرار، نتيجة عدم مراعاتهم للفروق الفردية من حيث النضج وفي القدرة على التعلم وفي فهم الشخصية؛ مما يستوجب على الآباء والمدرسين فهمها، لما لها من ضرر كبير في جهلها. فالسمات الشخصية للطفل والقدرات العقلية وكذا المهارات الحركية لا يجب مقارنتها بالكبار؛ وهذا ما تحاول تفسيره العديد من نظريات علم النفس في مراحل النمو والنضج.

تنقسم الاتجاهات الأساسية في النمو إلى ثمانية فروع؛ يرتبط الأول بالاتجاه الرأسي ذيلي وهو يقوم على فكرة التآزر بين أطراف الجسم، بينما الاتجاه الثاني من الداخل إلى الخارج يلح على أسبقية بعض أعضاء الجسم الخارجية في الاستجابة وتأخر في الأعضاء الخارجية الأخرى، ويرى الاتجاه الثالث أن النمو يسير من العام إلى الخاص؛ أي من التعميم (حركات وعضلات غير منتظمة) إلى التخصص، وفي مقابل هذا، نجد اتجاه الذي يؤكد على تداخل جميع مظاهر النمو تداخلا وثيقا، وأيضا الاتجاه الذي يعتبر أن النمو عملية مستمرة ومنتظمة؛ إلا أنه رغم ذلك فهو لا يستبعد عملية التوجيه. أما الاتجاهين الأخيرين، فإن أحدهما يرى على أن النمو يتضمن تغييرا كميا وكيفيا، في حين أن الاتجاه الآخر فهو يرى أن معدلات النمو ومظاهره تتفاوت من طفل إلى آخر؛ بحيث ينمو كل طفل بطريقة فريدة ومتميزة خاصة.

إن كفاءة الطفل الفعلية مرتبطة بصحته، وقد يتحول الجوع أو النوم أو التعب إلى عامل مؤثر في تغيير السلوك، كما قد تكون نتيجة هذه الاضطرابات الانفعالية تأثير على النجاح أو الإخفاق الدراسي. فالطفل حسب الاتجاهات الأساسية للنمو هي تركز على سلوك الطفل ونموه النفسي؛ بحيث تدعو إلى كل استخدام كل أشكال التشجيع والتدريب الممكنة، في مقابل عدم تكليفه بمهمة أو نشاط قد يتجاوز قدراته الشخصية، وهذا ينسجم بشكل كبير مع مفهوم الاستعدادات الفطرية الذي تتزعمه النظرية الإنسانية في علم النفس، من خلال دعمها للحرية في التعلم تماشيا مع معدل الطفل وطريقته الخاصة في التعلم.

مِهَادٌ إِشْكَالِيٌّ:
يعتبر أوليفيي روبول (1925-1992)، من فلاسفة التربية الفرنسيين المعاصرين، والذي سيعمل على نقد البِيدَاغُوجِيَتَيْنِ التَّلْقِينِيَّةُ والوَظِيفِيَّةِ، هذه الأخيرة الجنيسة بمقاربة التدريس بواسطة الأهداف، كما أنه ينتقد بشدة جميع أنماط الخطاب البيداغوجي التي كانت سائدة، أقصد هنا الخطاب الرافض، والمجدد، والوظيفي، والرسمي، وذلك من خلال موقعه كَمُحَلِّلَ خطاب بيداغوجي، حيث يستعمل المنهج الفلسفي التحليلي في حقل التربية والتعليم، وكل هذا كان بغرض مجاوزة الخطب التربوية التي كانت سائدة، واقتراح خطاب تربوي حديث، قائم على الحرية، لهذا سينادي بالتعليم الحقيقي، بدل التعليم الذي كان سائدا آنذاك في فرنسا والذي يستند على المقاربتين التلقينية والوظيفية، أي تلك التي ترتكز على مقاربة التدريس بواسطة الأهداف. وهذا ما سنتعرف عليه في هذا المقال.

نمر الآن لطرح مجموعة من الأسئلة المنظمة الموجهة للتحليل والمناقشة النقدية والتي تعبر عن إشكالات فلسفية كبرى عرضها أوليفيي روبول أثناء نقده التحليلي للخطابات البيداغوجية، وهي كالآتي:

  • ماذا يقصد روبول بالتربية ؟
  • ماهي النقود التي وجهها أوليفيي روبول للأنماط التعليمية ؟
  • ما الذي يقترحه روبول كتعليم حقيقي بديل عن التعليم السائد ؟
  • ما هي السلطة التي وجب فرضها على المتعلم إذا كان التعليم يفرض سلطة ؟

              عندما نتحدث عن التربية والتعليم لدى أوليفيي روبول، أول ما يجب علينا معرفته عنه، أنه يقدم تعريفات خاصة به للتربية، ذلك أن لكل فيلسوف تعريفه الخاص، واستعمالاته الخاصة به للمفاهيم، حيث لا نجد فيلسوفا عبر تاريخ الفلسفة اعتمد على تعريف من سبقوه خاصة عندما يرغب في التأسيس أو المساهمة في تشييد وبناء حقل فلسفي معين، والحقل الذي قصده روبول بهدف التشييد والبناء والنقد والهدم وإعادة المراجعة هو حقل التربية، فيقدم تعريفا خاصا به لها بقوله :

"ينبغي أن نفهم من التربية التكوين الشامل للإنسان، والذي لا يعتبر التكوين المختص والتعليم ذاته سوى أجزاء منه. فالتربية هي مجموع السيرورات والأساليب التي تسمح للطفل البشري بالوصول إلى حالة الثقافة، الثقافة بإعتبارها ما يميز الإنسان عن الحيوان" [1]، تجذر الإشارة هنا إلى أن هذا التعريف هو آخر تعريف توقفت عنده فلسفة التربية، وهو تعريف شهير جدا، يعتمد عليه حتى في الحقول المعرفية الأخرى، حيث أنه يجعل من التربية سيرورة إنسانية غرضها نقل الإنسان من الطبيعة إلى الثقافة، وما يميز هذا التعريف أيضًا هو جعله من التربية دو شأن إنساني، وهذا يؤكد قول كانط بأن الإنسان هو الحيوان الوحيد الذي يجب تربيته، حيث لا يمكننا أن نعلم الحيوان اللغات والعلوم والأخلاق والقيم، فالإنسان هو من يجوز تربيته وفقط، ذلك أنه "يمكن بدون شك تعليم الحصان في السرك [مثلاً]، بأن إثنان زائد إثنان تساوي خمسة، لكن لا يمكن أبدا تعليمها لإنسان" [2]، كما أن روبول يؤكد كثيرا على مسألة الثقافة الإنسانية الكونية، أي المشتركة بين جميع البشر، من هنا تتضح نزعته الإنسانية، حيث أن تعليم المرء ثقافة إنسانية مشتركة بين جميع أنواع البشر تحميه من السقوط في المذهبة.

" كما أن لهذه الدنيا شمساً يستضاء بها ويـُعرف بها الليل من النهار والأوقات والأشخاص والأجرام فكذلك للنفس نور تميز به بين الخير والشر وهو أشد ضياءً من الشمس ” أفلاطون .

مقدمة:

هو أفلاطون (427- 347) عنوان الفلسفة المثالية وملهمها، وهو من أكثر عقول الإنسانية في العصر القديم نبوغاً وإبداعاً وإشراقاً وعبقرية، ولا ريب أن نظريته تشكل منعطفا تاريخيا في الفلسفة الإنسانية، ولا غضاضة إذ يشار إليه إجماعاً بأنه المؤسس الأول للخط المثالي في الفلسفة، وقد قدّر للمثالية أن ترتفع على يديه إلى مستوى المذهب الفلسفي الشامل، فطرحت نفسها اتجاها معارضا للفلسفة المادية الممثلة بخط ديمقريطس وطاليس وهيرقليطس. وقد عرفت مدرسته الفلسفية التي أطلق عليها "الأكاديمية" بأنها أهم جامعة تنويرية في العصور القديمة، وهي التي استمرت تومض وتشعّ بأنوارها فلسفة وعلماً وعطاءً فكرياً في أثينا مدة تسعة قرون، وكانت لتبقى لو لم يصدر الإمبراطور جستنيان الروماني قرارا بإغلاقها وطرد فلاسفتها. وقد قيل في أفلاطون "إن الفلسفة نبتت على يديه واكتملت في حياته"([1]).

يتحدّر أفلاطون من أسرة أثينية عريقة في المجد، ولد في أثينا عام 427 ق. م وعاش حتى بلغ الثمانين من العمر، إذ توفي سنة 347 ([2]). كان أبوه يدعى أرستون وأمه فريقونية. ويقال بأن الاسم الأصلي لأفلاطون هو أرستوقلس، ولقب أفلاطون لسعة في جبهته واتساع في منكبيه، كان رجلاً وسيماً وشجاعاً فاز في حلقات السباق وفي حلبات والمصارعة. تتلمذ مدة ثماني سنوات على يد أستاذه سقراط، وكان يقول حباً فيه: "أحمد الله الذي خلقني يونانياً لا بربرياً، وحراً لا عبداً، ورجلاً لا امرأة، ولكن فوق ذلك كله أنني ولدت في عهد سقراط"([3]). وكان لعبقرية ذلك الرجل أن تتألق في كل العصور التاريخية، حتى قيل فيه "إن أفلاطون هو الفلسفة وإن الفلسفة أفلاطون".

 كان أفلاطون واعظاً وكاهناً وفيلسوفاً ، أسس "الأكاديمية" في 388 ق.م، وسميت هكذا لأنها أقيمت بالقرب من ضريح أكاديموس البطل الأسطوري اليوناني، وكتب على بوابتها "لا يدخل هذه الأكاديمية من لم يكن رياضيا".

كان عصر أفلاطون عصر حروب ومؤامرات ودسائس سياسية، الحرب بين الفرس والإغريق، الحرب بين أثينا وإسبرطة، المؤامرات بين الأحزاب والأرستقراطية والديمقراطية. وتحت تأثير تلك الظروف وعلى أثر مقتل سقراط قرر أفلاطون الترحّل في بلدان واسعة كإيطاليا ومصر وصقلية، وكات للأنظمة السياسية في تلك البلدان تأثير واضح على نمط تفكيره السياسي. وكان لإعدام أستاذه سقراط أثر كبير في توجهه نحو العمل السياسي في عصره، إذ كان حاقداً على الديمقراطية الأثينية التي أدت إلى مقتل العقل.