صدر عن دار الساقي كتاب وقع في 319 صفحة، موسوم بـ: (من الدين إلى الطائفة، في ضرورة الدولة المدنية) لكاتبه خالد غزال.
الكتاب عبارة عن شريط عريض شامل للأحداث التي عرفتها الإنسانية منذ نشأة الأديان السماوية إلى وقتنا الراهن الذي يتميز بالثورات و الفتن التي يشهدها العالم العربي.
قسم خالد غزال كتابه إلى قسمين:
القسم الأول: أسباب تحول الأديان إلى طوائف.
يحاول الكاتب في هذا القسم التأكيد على أن الدولة الدينية لم تكن لها كينونة على مدى التاريخ البشري، و أنها لم تكن سوى أسطورة" وضعت لها المؤسسات الدينية بنيانا أيديولوجيا و نظريا بالتواطؤ مع السلطات السياسية القائمة".
و من كتاب الملل و النحل للشهرستاني استدل الكاتب على انقسام الأديان إلى طوائف متناحرة و رافضة للوحدة، و كل واحدة متألهة و مدعية للحق المطلق على الأخرى.
و أثناء حديثه عن الديانة المسيحية، استعرض غزال الصراع المتأجج طمعا في السلطة و الذي حصل بين الكنيسة الغربية التابعة للبابا و الكنيسة الشرقية الخاضعة لسلطة الإمبراطور. و إثر هذا الانقسام كثرت عملية بيع المناصب الكهنوتية و فسد معتقد الكنيسة، مما أدى إلى ظهور حركات إصلاحية ـ قادها مارتن لوثرـ محتجة Protestant على الوضع الراهن و رافضة للأيديولوجية الدينية القائمة آنذاك، مما أدى إلى تفريخ مذهب ديني جديد هو البروتيستانية.
أما بالنسبة للمسلمين، فقد نشب الصراع أول ما نشب على الخلافة و السلطة، و احتدم بعد فترة النبوة لينقسم المسلمون إلى "سنةSunna" و "شيعة Chiites". و بمجرد تحول الخلافة إلى الوراثة في عهد معاوية، استعر الصراع السني ـ الشيعي فتولد عنه بعد ذلك فرق كـ "الخوارج Kharijite"الذين خرجوا عن الحاكم، و فرقة"المرجئة Murji’ah"التي أثارت مسألة المساواة بين المومنين العرب و غيرهم من الموالي و العجم، ثم "المعتزلةMu’tazila" التي سَبَّقت العقل على النقل في تأويل الخطاب (اللاهوتي) .
كما عرج الكاتب على الصراع الذي صار جزءا من الممارسات اليومية للشعب في العهد الأموي و العباسي ثم العثماني لاحقا. و قد لعب رجال الدين دورا كبيرا في تشنج الأوضاع و توليد الأحقاد الطائفية لتحصين مواقعهم الدينية و الاجتماعية.
و حسب الكاتب، ما تزال هذه الفتنة من رجال الدين تَحقِن و تُدمغِج الطوائف و المذاهب و تُكلِّب بعضها على بعض.
و يطرح غزال في كتابه سؤالا: لماذا سلكت الأديان التوحيدية سبل العنف؟.فأجاب باقتضاب أن العنف بنيوي في الأديان، فكل دين ـ حسب الكاتب ـ يدعي الاصطفائية، فاليهود هم "شعب الله المختار" و المسيحيون هم "ملح الأرض و نور العالم" و المسلمون هم"أمة الخيرية".
و تحت هذا القسم الأول، خصص غزال فصلا للصراعات الدينية داخل المسيحية، و خاصة لما اختلط الديني بالسلطوي، فتحولت الديانة المسيحية من "أكثر الأديان وحشية و عنفا...و اعتداء على الكرامة الإنسانية، و قد تمظهر هذا كله في محاكم التفتيش و الحروب الصليبية و حروب الإبادة بين الكاثوليك و البروتستانت و التي دامت قرابة قرنين، عرفت فيها أوربا أفعالا "هستيرية و ردود فعل عنيفة". و قد طالت محاكم التفتيش اليهود و المسلمين و العلماء و حرمت القراءة(ق 16 م).
أما الحروب الصليبية فقد تخطت الصراع المسيحي ـ المسيحي إلى الصراع المسيحي ـ الإسلامي، فاستعمل الدين لاستعمار الشعوب و استخرابها .
و ينتقل غزال إلى ضفة الصراعات الدينية في الإسلام، فاعتبر أن الإسلام عرف صراعات و حروب عرفت كثيرا من العنف و الهمجية باسم الدفاع عن الدين، عارضا بذلك شريطا قصيرا من الغزوات و حروب الردة التي شكلت بداية الصراع على السلطة. و وصل الصراع ذروته في معركة"كربلاء"التي كانت عبارة عن صفارة انطلاق السني ـ الشيعي المحتدم إلى اليوم في كثير من الدول العربية.
و قد اعتبر غزال أن العنف في الإسلام متساو مع محاكم التفتيش في المسيحية في إطار واحد هو الصراع على السلطة.
و حسب الواقع السياسي و الاجتماعي المعاش توصل الكاتب إلى استنتاج:"استحالة أن يكون الدين عنصر توحيد وطني أو قاعدة لحمة في أي مجتمع من المجتمعات.
"و الجديد البارز في القرن الحادي والعشرين، أنّ لعنة الحروب الدينية لا تقتصر على دين محدد كما يجري الإدعاء حول الدين الإسلامي، بل تطال هذه اللعنة المنتمين إلى المسيحية واليهودية، وحتى البوذية ذات المنزع اللاعنفي وجدت لنفسها مكاناً في الصخب القائم".
القسم الثاني: مقومات الدولة المدنية.
في هذا القسم حاول الكاتب أن يبين ايجابيات الدولة المدنية على حساب هدم فكرة قيام الدولة الدينية، فادعى أن هذه الأخيرة هي فكرة محدثة ارتبطت بفكر حسن البنا الذي اعتبره غزال "نجم القوى الماضوية التي اعتبرت نفسها بديلا للقوى النهضوية القومية الناصرية البعثية التي فشلت مع هزيمة الدول العربية عام 1967م" .
و يذكر الكاتب بالثورة الإيرانية سنة 1979م التي وصفت نفسها "ثورة عكس التاريخ..فقيام الثورة مقدور من الله و ليس لأسباب اجتماعية أو إرادة شعبية". لذلك، إن ما يطرحه الإسلاميون من قيام الدولة الاسلامية ليس سوى عودة إلى وهم (أسطوري تاريخي)، للاستيلاء على السلطة.
و بعد إسهابه في الكلام عن مساوئ الدولة الدينية و استحالة قيامها، توصل غزال إلى الاستنتاجات التالية:
ـ لا حل و لا خلاص إلا بقيام الدولة المدنية و مكوناتها:"المواطنة""الديمقراطية بمفاهيمها و مؤسساتها""تداول السلطة""الفصل بين السلطات""حقوق الإنسان".
ـ مصدر السلطات في الدولة المدنية هو الشعب.
ـ إعادة بناء القوى المدنية التي تم قمعها في ظل أنظمة عسكرية.
ـ إشراك قوى الشباب الواعد.
ـ التركيز على التواصل الاجتماعي لكسر الاحتكار الإعلامي.
ـ وجوب إصلاح ديني مدعوم "بحامل اقتصادي ـ اجتماعي ـ فلسفي..".
ـ إعادة النظر في الفقه و التشريع تمشيا مع الوقع.
ـ إعادة الديني إلى "موقعه الحقيقي بوصفه الحامل للقيم الإنسانية و الأخلاقية و الروحية".
و خُتم الكتاب بالتركيز على أسس الإصلاح فقال الكاتب أنه"يُبْدأ من الدين و تشريعاته و ليس بتجاوزه، من أجل الوصول إلى الدولة المدنية، و لا يمكن القفز عن الإصلاح الديني بسبب انقسامات الناس و صراعاتهم".