هل بالفعل نعيش أزمة هوية في الوطن العربي عامة، والمغرب خاصة ؟ ألا يمكن إعتبار هذا الخطاب، خطابا مفتعلا و" صناعة غربية " لإلهاء الشعوب عن مشاكلها الحقيقية ومطالبها المشروعة في الديمقراطية والتقدم والعيش الكريم ؟ أم أن الأمر أكبر من هذا الإدعاء الذي نحاول به كل مرة الإختباء وراء مفهوم المؤامرة والدسائس المصطنعة ؟
سؤال الهوية بالمغرب، سؤال لايمكن فصله عن تاريخ المغرب وما عاشه من تقلبات إثنية، سوسيو ثقافية ودينية واجتماعية..كما لايمكن عزله عن الدول والإمارات التي تعاقبت عليه والتي تركت بصماتها على مر العصور، انتهاء باستعماره من طرف فرنسا وما خلفته من أثار خطيرة على مستوى التركيبة اللغوية والثقافية والمعيشية للمغاربة.
بؤس التفكير الأصولي ـ حسن طويل
إن اهم ما يميز الأصولي ، هوانه يعيش مأزقا وجوديا عنيفا يتمثل في صراع بين التشبت بفكر و ثقافة ينتميان إلى القرون الوسطى و واقع حديث بإشكالياته و تساؤلاته وهمومه.إستبداد وهم الوفاء للقديم ، يجعل منه فنانا بارعا في لي واقعه الحديث ليستجيب لإيديولوجية ترى الحقيقة في يد أشخاص معينين في فترة معينة و في مكان محدد و ما التاريخ سوى دروس لتكريس هذه الحقيقة ؛ إنه فعلا الإنتفاء الوقح لبعد الشرط الزمكاني للأحداث و النفي المرضي للتطور. فكرة الحقيقة كما يفهمها الأصولي ،تستبد به و ترميه في سجن نسقي لعقله عبر ميكانيزمات و آليات ترى ،عبر مازوشية فكرية قوية، الدفاع عن لحظة الحقيقة هاته ضرورة وجودية و" جهاد" دماغي لمحاربة كل عقل يحاول أن يعيد " للحقيقة " شرطها الزمكاني . علاقة الأصولي بواقعه هي علاقه صراعية بالضرورة ، يستعمل فيها أدوات إنتاج معرفية عتيقة للتملك و السيطرة على واقع أفرز عبر تطوره وضعا جديدا تجاوز هذه الآليات ؛ فينتج عن هذا عقلا مسخا مشوها ووجودا فصاميا عنيفا مستفيد من جرعة هائلة من النفي المرضي للواقع و إعلاء شرس للوهم . التفكير المشوه للأصولية يعتمد على مجموعة من الأدوات المعرفية الرثة و التي يمكن تحديدها كمايلي:
الفكر القومي العربي والإستعصاء المزمن ـ حسن العاصي
إن أية نظرة موضوعية للواقع العربي الراهن تؤكد بما لايدع مجالاً للشك أن الأمة العربية الواحدة ذات الثقافة واللغة والهوية والجغرافيا الواحدة وذات المصير المشترك، تتصارع الآن في داخلها قوى وجماعات وكيانات، وتتمزق وحدة هذه الأمة على المستوى القومي وعلى الصعيد الوطني، ويتم تهجير ملايين من المواطنين ومنهم الكثير من الكفاءات والعقول الخبيرة، وتتعمق في المحتمع الواحد الإنقسامات الأثنية والطائفية أو حتى المناطقية في بعض الدول .
إن واقع الحال العربي يشير إلى أن هذه الأمة تتنازع فيها هويات جديدة على حساب الهوية العربية المشتركة، بعضها هويات إقليمية أو طائفية أو دينية أو عرقية، ويبدو أن الهدف هو تجريد هذه الأمة من هويتها وشخصيتها العربية والإسلامية .
في ظل هذا الحال من التفتيت والتقسيم التي تعاني منه المنطقة العربية، والتي لاتبشر بالخير أبداً ويشير إلى أن المنطقة مقبلة على صراعات أكثر دموية، نقول إنه في ظل هذا الوضع بدأت تتعالى أصوات بعض المفكرين بضرورة العودة إلى دروس وعبر الماضي لنستلهم منها مايعيننا على مواجهة معضلات الحاضر، ذاك الماضي الذي كان فيه العرب والمسلمين أصحاب مكانة ونفوذ، وأصحاب فضل في تطور ونشر المعارف.
المغرب على أبواب العصر الحديث ـ بوشتى عرية
قبل الخوض في الحديث حول إشكالية التحقيب في المغرب وإمكانيات دخول المغرب العصر الحديث الأوربي، وأيضا زوايا تناول هذه الإشكالية لدى المؤرخين والمؤلفين من مختلف تخصصات العلوم الاجتماعية، سواء المغاربة منهم أو الأجانب، للإجابة على السؤال المحوري. هل ولج المغرب العصر الحديث مع الدولة السعدية؟ لكن قبل ذلك لابد من تحديد بعض المفاهيم الأساسية كمدخل للتمييز بين بعض المصطلحات حول الموضوع؛ ونقصد هنا (الحداثة، التحديث، العصر الحديث).
قد يصعب تحديد تعريف خاص بالحداثة لاختلاف وجهات نظر المنظرين والمهتمين بالمجال، لكنها عموما تسير في اتجاه واحد يجعل من الحداثة بناء مفاهيميا نظريا قيميا متكاملا يسعى للوصول بالمجتمع إلى درجات عليا من التطور الفكري والعلمي والرفاه المادي، وهي أيضا بنية اجتماعية ، اقتصادية وثقافية تتحدد بالتحولات المادية والتجارب الجديدة، وتفرض عادات وسلوكات مستحدثة[1]. أما التحديث فهو الجهاز المادي للحداثة، وهو كعملية "سلسلة متتابعة من التغيرات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والثقافية والسياسية وحتى البيولوجية، ويتضمن تبنيا لطرق جديدة للحياة المادية "[2] تتحول من خلالها المجتمعات من نموذج لمجتمع (تقليدي أو متخلف) إلى نموذج آخر (حديث أو متقدم). ولا يمكن الفصل بين التحديث والحداثة "فالعلاقة تتوضح بين التحديث من حيث هو اقتباس لعلوم الغرب العصرية المتطورة، وبين الحداثة من حيث هي استيعاب للعلوم العصرية والمشاركة في الإبداع فيها على المستوى الكوني"[3] .
عقلنا وعقلهم ـ محمد بوبكري
مع الثورة المعلوماتية أخذ أفراد مجتمعات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يحسون بالانغلاق الثقافي لبلدانهم، إذ أصبحوا يتواصلون مباشرة مع الخارج. ورغم ذلك ستظل أغلبيتهم غير مدركة لخطورة الثقافة المتجذرة في عقولهم والتي رسَّخت فيهم التقليد الحاجب للواقع، حيث تسلَّلَت إلى أذهانهم منذ صغرهم، وتشبَّعوا بها قبل أن يمتلكوا القدرة على فحصها وتمحيصها... لذلك، توجد في ذهننا عوائق يجب اختراقها وممارسة القطيعة معها للانفتاح على ثقافة العصر القائمة على العقل، ما يفرض علينا مراجعة فكرية جذرية لنتمكن من الانخراط في ثقافة الاختلاف والأخذ بأسباب العقل والتطور...
ومن المؤسف أننا نلاحظ اليوم أن أغلبية عقولنا تخضع لاحتلال أخطبوط الثقافة التقليدية، حيثُ تنظر لمن يختلف معها بعداء كبير يبلغ أحيانا حدَّ الاعتداء الجسدي.
الثقافات عبارة عن كيانات متمايزة ومتنافرة، لكن الثقافة الغربية تتميز عن غيرها بالتقدم والإنجاز... والمجتمعات التي انفتحت على الغرب، كاليابان والصين وغيرها، كلُّها تقدمت إلى أن صارت اليومَ تنافسه... فلو اكتفت البلدان الأسيوية بثقافاتها المحلية لبقيت غارقة في التخلف.
نحنُ نستفيد من منجزات الغرب التي لم نبدعها، لكننا لا نسعى لفهم ثقافته التي هي أساس نهضته، وبالتالي سنظل عاجزين عن فهم إنجازاته وكيفية تحقيقها.
أي نصيب للعرب من طباعة وقراءة الكتب؟ ! ـ فتحي الحبّوبي
قليلة هي الأصوات الغربيّة المشكّكة، التي لا تعتبر أنّ ابن خلدون (1332 - 1406م) هو الأب الشرعي لعلم الإجتماع رغم أنّه هو من ابتكره، بل تذهب إلى أنّ مؤسس الفلسفة الوضعيّة(Positivisme)، مؤلّف كتاب "محاضرات في الفلسفة الوضعيّة" و كتاب "نظام في السياسة الوضعيّة"، الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي" أوغست كونت" (Auguste Comte1798 - 1857)، الذي إبتكر وأعطى لعلم الاجتماع هذا المصطلح الحديث، هو الأب الشرعي لعلم الإجتماع.
ولكن، ورغما عن ذلك، فإنّي لا أبالغ القول عندما أزعم أنّه، باستثناء هؤلاء القلّة المعترضة، فأنّه لا يجادل أحد في جدارة ابن خلدون، في أن يكون في مصاف عمالقة الفكر، على مرّ التاريخ، لا سيّما فكر ما يسمّى بفلسفة التاريخ وعلم الإجتماع. ويعود الفضل في ذلك بالأساس إلى" كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر"، وبصفة أدقّ في جزئه الأوّل، وهو "المقدّمة"، التي أرسى في توطئتها وصلب أبوابها الستّة، ليس فقط قواعد فقه التاريخ، بل وكذلك أساسيات علم العمران، ضمن بحث في أسباب ازدهار الدول و انهيارها، فيما نسمّيه اليوم بعلم الإجتماع وفق إصطلاح "أوغست كونت" ويسمّيه إبن خلدون، قبل ذلك بستّة قرون وأربعة عقود، بعلم العمران.
مدارس الزوايا بتادلا بين الممارسة الصوفية والممارسة التعليمية : "نموذج الزاوية الصومعية" ـ لطيفة شراس
مقدمة :
تعرف هذه الزاوية منذ عهد الشيخ أحمد ابن القاسم الصومعي (ت1013هـ/ 1904م) إلى اليوم باسم الصومعة، والاسم ينطق بحسب المصادر القديمة مثل دوحة الناشر[1] بالصُّومعة بضم الصاد المشددة بعدها واو فميم ساكنة وعين وهاء، وهو النطق المعروف عنها في مدينة بني ملال : الصُّمعة وينسبون إليها بقولهم : الصُّمعي. وتشير الصّومعة المذكورة إلى آثار متبقية من صومعة المسجد بحي أسردون التي تعود إلى عهد الموحدين، كما وضح المستشرقGautier [2] بالنظر إلى تشابه هندستها بهندسة صومعة الكتبيين وصومعة حسان.
تقع زاوية الصومعة بدير جبل الأطلس المتوسط، في المرتفعات الأولى المشرفة على سهول بني معدان، على مقربة من عين أسردون الشهيرة. ومن الأهمية بمكان أن نثير الانتباه إلى أهمية هذا الموقع الذي كان له أثره الفعال في تقوية النفوذ الروحي والاجتماعي لهذه الزاوية؛ فموقع الدير كما هو معلوم يتوفر على إمكانيات طبيعية مهمة، تتجلى في كثرة العيون والمجاري المائية والأراضي ذات التربة الغنية، ثم الغطاء النباتي الكثيف. كما أنه ذو أبعاد إستراتيجية واجتماعية؛ فمنطقة الدير تمثل نقطة اتصال بين سكان الجبال الأمازيغ وسكان السهول العرب، وبالتالي فهي مجال لاتصال وتفاعل نمطين اقتصاديين مختلفين : نمط سهلي ونمط جبلي. ومن هنا تكتسي هذه الزاوية وباقي زوايا الدير المجاورة لها، أهميتها على المستوى الاجتماعي، وخصوصا في تهدئة الأوضاع، وإقامة نوع من التوازن الاجتماعي بين الرحل والمستقرين[3].
تأثير مدرسة محمد عبده على المفكرين العرب خلال النصف الأول من القرن العشرين ـ توفيق أكياس
تقديم
يعتبر محمد عبده (1844م-1905م) من أكثر مفكري التيار السلفي الإصلاحي لعصر النهضة العربية تأثيرا في الأجيال اللاحقة من المفكرين، وقادة الحركات الوطنية ، ورجال السياسة. والذين شكلوا امتدادا لدعوته سواء في المشرق العربي أو في مغربه. أو على الأقل تأثرت أفكارهم في جانب من جوانبها بمدرسته . فقد كان محمد عبده شخصية تنوعت أفكارها بين الدين، والعلم، والتربية، والسياسة. ونموذج متميزا للمثقف السياسي والسياسي المثقف. سخر حياته وفكره لربط الإسلام بالتقدم، مشتغلا في ذلك على هدفين أساسين: الأول: هو" تحرير الفكر من قيد التقليد، وفهم الدين على طريقة سلف الأمة قبل ظهور الخلاف"(1)- الثاني: هو "إصلاح أسالب اللغة العربية في التحرير(2)-